كتب : محمد حبوشة
أحسنت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) في اختيارها لأول مرة في الدراما التليفزيونية المصرية التركيز على قصص بطلات الدورات الأولمبية المصريات في السنوات الثمانية الأخيرة، وأنتجت عملا دراميا عنهم في آخر حكايات الموسم الثاني (تقلها دهب) من مسلسل (إلا أنا) الذي غرق طوال هذا الموسم في مشكلات نمطية تخص المرأة في تكرار ممل لأفكار سبق أن عالجتها الدراما المصرية بشكل أكثر عمقا وتفصيلا، مما جاء في حكايات اتسمت بالرتابة والغرق في أداء انفعالي متشنج تارة وبارد إلى حد كبير تارات أخرى، رغم قصر المساحة الزمنية (10 حلقات) لكل حكاية، لكني هنا أشيد بحكاية (تقلها دهب) التي انتجتها (أروما ستوديوز – تامر مرتضى) ضمن سلسلة بدأتها منذ عامين، وقدمت منه موسمين حققا نجاحا محدودا ادعو أنه احتل قمة تريندات مصر والوطن العربي في أكثر من حكاية وأكثر من مرة، في ظل منافسة شرسة من جانب (دراما المنصات) التي يقبل عليها المراهقين بشغف يفوق الخيال.
جانب من إعجابي بحكاية (تقلها دهب)، أنها ركزت على جانب البطولة في الألعاب الفردية عبر أداء قوي يشهد بالكفاء في الأداء من جانب كل من (سارة عبد الرحمن، وهلا السيد، وهند عبد الحليم، ومنال سلامة)، وإخراج جيد من جانب (أحمد يسري)، وعمدت الحكاية إلى عرض مشكلات البطلات التي تصطدم في سياق أحداث ساخنة على صخرة الفساد الرياضي في مصر طوال سنواتها الأخيرة ومعالجتها بصراحة وجرأة غير معهودة في الدراما التليفزيونية المصرية، وهذا أمر محمود ومشجع على تطرق الدراما لمشكلات حقيقية تمس قطاع كبير من الناشئين والمحترفين في الألعاب الفردية، الأمر الذي يمس سمعة مصر من ناحية، ومن ناحية أخرى أدى بالضرورة لكشف حقيقة إخفاق أبطالنا في الأولمبيدات الدولية التي كانت تعتمد على شرف المشاركة ثم تخرج من المنافسات خالية الوفاض، أو بعدد قليل من الميداليات تعد على أصابع اليد الواحدة، رغم أن الدولة والشركات الخاصة صرفت عليها الملايين.
حكاية (تقلها دهب) التي عرضت حياة البطلات الثلاثة (هداية مالك وفريال أشرف وسمر حمزة)، ضغط بحرفية على العصب العاري في المجتمع وكشفت عن الفساد الرياضي الذي تعاني منه مراكز الشباب والأندية الكبيرة طوال العشرين سنة الأخيرة، وهى آفة ضارة جدا بسمعة مصر الرياضية، فقد دخل المسلسل عش الدبابير لمحاربة الفساد المستمرة على مدار عقدين من الزمن لتنقية الرياضة من أوساخ بشر عاشوا على إدارة اللعبة من غرف مظلمة، ونحن في العالم العربي جزء من العالم لنا أخطاؤنا ولنا أيضا (غرفنا المظلمة)، ولهذا يجب أن نتعاطى مع أي تهمة بمحمل الجد وأن لا ننظر لها على أنها كلمة قيلت ومضى قائلها، فهناك من يشوه الرياضة باقتحامه أسوارها المحصنة ومن يتباهى في مجلسه بأن هذا أخذ مني وذاك عطيته؟، وظني أنه بكشف الفساد في أعمال درامية تتصف بالجدية والجراءة والشجاعة ستضع يدك على ملف ستعرف من أول الصفحة من الجاني ومن المجني عليه.
وفي أعمال قادمة لابد أن تسأل الثقاة من أعضاء الشرف في الأندية عما يعرفونه عن هذا السوس الذي نخر جسد الرياضة، فثمة أعضاء شرف في كل الأندية تهمهم رياضة الوطن وأعضاء إدارات في الأندية قادرون على قول الحقيقة كما هي لو يعرفون أن هناك إصلاحا أو معالجة للتشوهات التي لحقت بالجسد الرياضي، فتعالوا من الماء.. للماء.. نتحاور.. لنصل إلى حل، وليكن عنوان المرحلة القادمة الحوار (لا للفساد الرياضي)، من خلال الدراما التليفزيونية، لأن مصطلح الفساد الرياضي الرديف العملي للفساد الإداري في المؤسسات والاتحادات الرياضية، أو قد تعتبر التسمية مجازا للدلالة الفكرية والفلسفية، لكن للتاريخ الرياضي وخصوصا (كرة القدم) حوادث متفرقة تدل بشكل أو بآخر إلى ظاهرة الفساد الرياضي لها حركة خفية تتراءى خلف كواليس المستطيل الأخضر وهتافات الجماهير الرياضية التي بعضها يعلم ما يجري والبعض ليس له سوى دفع تذكرة الدخول.
ومن أبرز مظاهر الفساد الرياضي التي تحتاج إلى حكايات على غرار (تقلها دهب: التلاعب بنتائج الدوري بكرة القدم، بيع بعض المباريات من قبل بعض اللاعبين، مبدأ التأمر وتغيير المدربين، فيعد التلاعب بنتائج مباريات الدوري هي الصفة الأخطر في تاريخ الكرة وخصوصا في فترة التسعينات والتي لليوم يخشى الكثير من الرياضيين بالبوح بمضامينها التي مازالت مقفلة بصندوق زجاجي يراه الجميع ولايقلبون أروقته التي باتت من الضرورة كشفها للجمهور بكل صراحة وموضوعية، حتى لو كان ذلك على حساب أسماء لها شأن في تاريخ الكرة.
أما بخصوص مبدأ التأمر وتغيير المدربين فأن للأندية الجماهيرية الحظ الأوفر والمرتع الخصب لظاهرة تغيير المدربين عن طريق اللاعبين الكبار اللذين يحاولون من خلال علاقتهم بزملائهم من تخفيض أداء الفريق حتى لو كلف ذلك (تخسير) الفريق!، أو بالاتفاق مع إدارات الأندية وذلك في سبيل الإطاحة بالمدرب الذي لايتفق مع هوى اللاعبين خصوصا! أوالإدارة، أن ظاهرة الفساد الإداري والمالي من رشوة ومحسوبية واستغلال للسلطة، أصبحت معضلة كبرى تقض مضجع كل مواطن شريف على امتداد هذا الوطن بعد أن تغلغلت واستشرت في أوصال الكثير من الأنظمة والحكومات العربية أن لم نقل جميعها وضربت أطنابها في العمق، ما يتطلب دورا مهما من جانب الدراما التلفزيونية في ظل تراجع دور الصحافة المطبوعة والإلكترونية، حيث انتشر الفساد على يد قلة من الناس الفاسدة ذممهم وضمائرهم والمنهارة قيمهم وأخلاقهم ومبادئهم فغلّبوا شهواتهم الرخيصة الدنيئة على مصلحة أوطانهم ومصلحة إخوة لهم في المواطنة.
ولعل هؤءلاء قد أعماهم حب المال والجاه والسلطة، وسوّلت لهم نفوسهم الضعيفة الدنيئة استغلال المناصب والوظائف التي كلفوا بها لمآربهم الشخصية والعائلية العشائرية، والاستيلاء على منافع وأموال ليس لهم فيها أي حق مستغلين سلطانهم ونفوذهم لتحقيق تلك المنافع الخاصة لهم ولأقربائهم ومواليهم وكل من يسبح بحمدهم صباح مساء، فأضحت الصورة قاتمة ومظلمة، وغدت قضية الفساد ظاهرة علنية في مصر و الوطن العربي تهدد كيانه وأمنه وأصبح الثراء الفاحش المجهول مصدره لبعض المسئولين والمتنفذين في أجهزة الدولة واضحا للعيان، وقصورهم واستثماراتهم وسياراتهم المظللة الفارهة تبرز أوجه الفساد، وإن كل ما نسمعه ونقرأه في إعلام مصرنا الغالية على مختلف أشكاله وألوانه عن القوانين والأنظمة التي سنت للتصدي للفاسدين والمفسدين تم الاحتيال عليها بأساليب وطرق تفوق براعة صياغتها وتنظيمها، وأصبحت لا تساوي قيمة الورق المكتوبة عليه، لذا وجب التصدي لها في أعمال درامية على غرار (تقلها دهب).
أعلم علم اليقين أن عملية التصدي لمحاربة الفساد مهمة كبيرة وكبيرة جداً وترهق كاهل الدولة، وبالتالي فهي تحتاج معالجات درامية كاشفة وفاعلة من شأنها أن تؤدي إلى تضافر كافة الجهود الصادقة والمؤمنة بأن الوطن للجميع هوائه ومائه وخيراته، ومن المؤلم ذكره هنا هو أن إحدى الدراسات الحديثة أوضحت إن الأموال التي هدرت بالفساد وغيره على مستوى الوطن العربي خلال عام واحد قد بلغت 15 مليار دولار وعلى مستوى العالم بين 20 – 40 مليار دولار، وبينت الدراسة أن الأموال التي تهدر في مجال الفساد تكفي لانتشال مليار شخص من خط الفقر على مستوى العالم .
ياساد: لابد من إنتاج أعمال درامية أخرى غير (تقلها دهب) لتؤكد على أن الوظيفة أمانة كبيرة كما هو الوطن، والمنصب تكليف لا تشريف ومن كلف بها إنما كلف لخدمة الوطن والمواطنين على اختلاف درجاتهم وألوانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم السياسية دون تمييز أو محسوبية، ويكفي أنهم شركاء في تراب وهواء الوطن ويتحملون كل أنواع وإشكال الضرائب والرسوم العادلة وغير العادلة، وعلى كاهلهم يقع العبء الأكبر في حماية الوطن والذود عن حياضه ليبقى حرا عزيزا مكرما، فأين نحن اليوم من الحكمة القائلة: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت)، وتلك بحسب مفهومي هى وظيفة الفن ومن ثم الدراما التيلفزيونية، فبحكم أنها تكتب التاريخ الحالي يمكنها على جناح الخيال المستمد من الواقع أن تخاطب الروح والقلب والعقل والوجدان .. وإن فعلها والله لكثير إذا فهمنا وأدركنا أثرها على الشباب.
ما سبق ليس تنظيرا بقدر ماهو فهم لطبيعة دور الفنون في تغيير الواقع على غرار ما قدم من أعمال راسخة في تاريخ السينما المصرية العريقة التي كثيرا ما كشفت عن علل وهموم ومشكلات وانجراف قوانين وتشريعات عن جادة الصواب، حتى كادت تعصف بالمجتمع لولا وعى كتاب وممثلين ومخرجين مضوا في كشف كل ألوان الفساد الذي كانت نتائجه الدرامية تعديل قوانين وسن تشريعات بقيت قادرة على تغير مسار الحياة في مصر، والآن جاء دور الدراما التلفزيونية في ظل تناميها وأثرها البالغ حاليا، فالفساد الرياضى يحتاج إلى أعمال درامية تفضي إلى قرارات صارمة لأنه انتشر بصورة بشعة حتى وصل إلى مراكز الشباب وأصبح نفس الشىء بها مجالس إدارات بتجدد للأعضاء العضوية وعزومات ورحلات خاصة من أجل الفوز بالكرسى، ولا أحد منهم يهمه إلا الجلوس على الكرسى وليس البحث عن مواهب لصقلها لرفع اسم مصر عاليا.
وأعود لحكاية (تقلها دهب) التي كتبها الدكتور (حسن كمال) بحرفية ووعي استطاع أن يدق ناقوس الخطر نحو مسالب الفساد الرياضي، في أكثر من موقف وقصة تصلح لأن تكون (ماستر سين) في غالبية حلقات المسلسل، لكني أتوقف أما مشهد واحد بعينه في منتصف الحلقة الأخيرة، يلخص كل جوانب المشكلة وهو اللقاء بين رجل الأعمال (أيمن الشيوي)، وطبيب الاتحاد (سمير بدير)، والذي استعرض حال الرياضة المصرية وأبطالها في الألعاب الفردية، وتطرق لوعى الجمهور المصرى لرمز المجتمع والرياضة، وكذلك اهتمام الدولة بالرياضة والرياضيين كما جاء على النجو التالي:
الدكتور (يحيى/ سمير بدير) لرجل الأعمال (عزيز/ أيمن الشيوي) : ألف مبروك ياعزيز .. أنا مش مصدق .. خلاص .. الموضوع قرب يخلص وأدينا أهو مسافرين طوكيو.
عزيز : يا دكتور يحيى الموضوع بيبدأ مش بيخلص .. ربنا معاكم.
الدكتور يحيى : ياااااااااااارب .. شوفت .. ثم يخرج موبايله قائلا: شوفت صور اللعيبة النهارده؟
عزيز : في الإعلانات ؟
الدكتور يحيى : فعلا.
عزيز : الإعلانات دي علشان الناس تعرفهم .. مش عشان تقدرهم .. الناس بتقدر الأبطال اللي بيجيبوا ميداليات.
الدكتور يحيى : مش عارف بس حاسس الناس أكتر بتقدر الكرة .. الأهلي والزمالك .. حتى المهرجات ياراجل!.
عزيز : مش صحيح يا يحيى .. الناس في مصر عندها وعي كبير .. الناس تعرف (مجدي يعقوب وأحمد زويل وعمر خيرت ونجيب محفوظ) .. حتى الأبطال الرياضيين كمان.
الدكتور عزيز : ازاي بس .. حاسس ان ده مش موجود في الألعاب الفردية.
عزيز : برضه مش صحيح يا يحيى .. أمال فيه (كرم جابر وتامر صلاح ورضا والباز) .. الناس دي لما جابت ميداليات .. الناس شالتها على راسها.
الدكتور يحيى في دعابة : حقيقي .. بس ما تزعلش بقى لما أروح انك مقلتش اسمه.
عزيز بابتسامة : عمنا رشوان .. حبيبي .. لا لا .. عمنا رشوان ده الأخلاق كلها.
الدكتور يحيى : فعلا.
عزيز : وجاء بعدهم (علاء أبو القاسم وهشام مصباح) .. شوف يا دكتور يحيى : الدولة عاوزه الرياضيين دول يكونوا قدوة .. قدوة للشباب .. احنا شاغلين مع الدولة على ده بقالنا فترة.
الدكتور يحيى : والله أنا فرحان قوي ياعزيز اننا أخيرا بنديهم حقهم .. بس صدقني ياعزيز الأولمبياد المرة دي صعب قوي .. ياريتك كنت معانا.
عزيز : معلش ياسيدي خليها عندي المرة دي .. الكورونا مقفلة الدنيا واليابان مدية عدد محدود من الناس .. وعموما الوزارة حتبعت معاهم الوزير .. وهو متحمس لكم جدا .. والوزير حيعلملكم زيارة في المعسكر.
الدكتور يحيى : بس برضوا بنفتقد وجودك هناك يا عزيز.
عزيز : أنا معاكم بقلبي .. مصر كلها معاكم بقلبها .. وربنا معاكم.
الدكتور يحيى في دعابة أخرى : يارب ياعزيز .. يارب .. بس بجد ياعزيز أنا نفسي أسألك سؤال من أول مابدأنا المشروع : هو انته زي ما بترعى الرياضيين ممكن ترعى كرشي شويه؟!.
عزيز : ياسيدي أنما مليش بركة إلا كرشك.
قهقهة من جانب الدكتور يحيى!!!
عزيز يكمل : ورغم اني صرفت على كرشك أكتر ما صرفت على كل الرياضيين .. أنا تحت أمر حضرتك.
الدكتور يحيى : ههههههههه .. لحمة راس.
عزيز : وبعدين؟
الدكتور يحيى : سمين.
عزيز : وغيره ؟
الدكتور يحيى : مونبار.
عزيز : يلا بينا؟!
الدكتور يحيى : يلا بينا.
عزيز : تحيا الرياضة.. عندئذ ينتهي المشهد الذي يفضى إلى رصد هموم الرياضة والرياضيين، وطرق أبواب الفساد الرياضي في عقر داره .. فتحية تقدير واحترام لصناع هذا العمل.