رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب : (ما تهزي يا بت).. جنح تختصر المشهد الفنى !

إبراهيم نفخو وسنية جنح ولعبة

بقلم : محمد شمروخ

(ما تهزي يا بت).. جملة آمرة نطقت بها الفنانة البديعة مارى منيب (العالمة المتصيتة سنية جنح) في فيلم (لعبة الست)، وفيها ما فيها من خليط من التوجيه والتحميس والتهدبد والوعيد!.

كل ذلك كان موجها إلى ابنتها تحية كاريوكا الآنسة (لعبة) التى راحت ترقص متململة على أنغام عزيز عثمان (إبراهيم بلاليكا) وهو يغنى (تحت الشباك)، بينما يؤكد الأب عبد الفتاح القصري (إبراهيم أفندي نفخو) أمر جنح هانم موجها كلامه إلى لعبة قائلا: (لعبي وسطك شوية!).

المشهد مشهور ومحفوظ ولكنه يختصر ما وراء الأداء الفنى في كل المجالات (تمثيل رقص غناء.. وخلافه).

فإياك أن تظن أن المشهد الكوميدي كان مشهدا فقط للإضحاك، لأن هز وسط البت واللعب بوسطها هو ثمرة جهود كبيرة في التربية والتوجيه لكى تكون (لعبة) هى العرض النهائي الذي سيعلى من قيمة هذه الثمرة ولذلك لا مجال للدلع ولا للتململ، فوراء هز وسط (لعبة) منظومة تنتظر نتائج جهودها الجبارة التى بذلت فيما بين الكواليس.

وسواء كان مصدر الأمر بأى صيغة منتجا أو مخرجا أو موزعا أو أي (موجه آخر)، وسواء كانت متلقية الأمر راقصة أو مغنية أو ممثلة، فلابد من إتقان الهز لأن الهز يجرى على قواعد وأصول صارمة لا مجال للهزل فيها، فكل هزة لابد أن تتبع دقات الطبلة والالتزام يأتى أولا ثم يأتى بعده (الإبداع) فكل الراقصات يعرفن هز الوسط على دقات (البمبة الوسطاني)، كما اقترح نفخو أفندى أو (الواحدة ونص) كما رأى الأستاذ بلاليكا.

ولكن (لعبة) ليس أمامها إلا أن تمتثل للأمر الصادر بأن تتحزم ولا تناقش ولا تجادلن لأن الأمر صدر بدون فرصة للتراجع.

الأستاذ إبراهيم بلاليكا

إنه مشهد عبقرى.. تفاصيله البسيطة وحواره المباشر يختصران العملية كلها، لذلك فأنت عندما تسمع جملة أو ترى مشهدا يؤديه ممثل أو ممثلة أو حركة من راقص أو راقصة، فهو في النهاية التزام نهائي بالأمر الصادر (ما تهزي يابت)، فوراء هذه الهزة صناعة عملاقة تنتظر مفعولها وما ستحققه لعبة من هزتها.

والفنان أو الفنانة كلاهما في النهاية ملتزم بأوامر صادرة، لأنه ليس وحده كما يظن أصحاب النظرة السطحية، فهناك السيناريست الذي كتب والمخرج الذي أخرج والأهم من كل ذلك.. المنتج الذي أنتج!

طبعا القصة ليست لعبة هينة وربما لو أتيح لك أن تشاهد بروفات مشهد كوميدى يغرقك في الضحك عند عضه في صورته النهائية، فسوف تشعر بالضجر من تكرار الحركات والإعادات والاقتراحات بين (الاستوب والآكشن) وتستغرب كيف لمؤدي هذا المشهد أن ينتقل لهذه المسافة الهائلة بين الحالة السابقة للتصوير وحال تقمصه الدور، صدقنى قد تشعر بالشفقة لهذا الكائن الذي طمست شخصيته وتحولت مشاعره حسب قواعد المهنة القاسية، مهما علا نجمه وبلغت شهرته وهو يستمع للمخرج وليس له أن يتململ كما تململت البت (لعبة) في المشهد، فقد نهرها أبوها (نفخو) بحسم قائلا (مش شغلك) عندما تساءلت عن سبب قيام أمها بتحزيمها أمام حسن فايق (المخرج).

وبالفعل هو مش شغلها، لأنه شغلهم هم في الأساس.. وهم من هم.. هى فقط كل شغلها أن تمتثل للأوامر وتهز وتلعب وسطها بإتقان يلقى إعجاب (سنية جنح وإبراهيم نفخو) والمخرج ومن ثم الجمهور الذي سيتلقى كل هذا.

حسن فايق (المخرج)

هل أدركت الآن يا عزيزى ما هو المطلوب من لعبة؟!

فاعلم جيد أن هناك فارقا دقيقا ولكنه جوهرى بين أصول اللعب والهزل، فلكل لعبة أصولها وأول هذه الأصول هو إطاعة الأمر الصادر من المخرج بأن تتقن الهز وتلتزم بالحزام.

فعندما ترى مشهدا أيا كان أعجبك أم لم يعجبك أرضاك أم لم يرضك، فلا تحمل الممثلين وحدهم مسئوليته، فاعلم جيدا أن الذي يؤديه أو (تؤديه) ليس لها من أمر نفسها شيئا لأن هذه هى الأصول المتبعة وكل لعبة ولها أصولها.

ويمكنك أن تطبق القاعدة الإلزامية السابق ورودها في الطرق الصوفية (المريد بين يدى شيخه كالميت بين يدى مغسله)، ولكنها ليست مقصورة على أهل الطريق وحدهم، فقط جاءت الصيغة هذه من عندياتهم، لكن من أراد النجاح والفلاح فليطع أستاذه في أي مجال وهكذا التلميذ تحت يد أستاذه، والسلفي مع إمامه، والإخوانى مع مرشده، والصبي تحت يد الأسطى، (وتذكر أن الأسطى هو لقب كبيرة العوالم وأن الست سنية جنح كانت أسطى كبيرة)، فلماذا تتعجب من امتثال الممثل بين يدى المخرج؟! بعد كل هؤلاء.

هذه القاعدة يا صديقي تحكم الإتقان في كل المجالات وما الحديث عن الحرية والانطلاق إلا نوعا من الدعاية والبهرجة ولفت الأنظار عن حقيقة الأمر.

ففن التمثيل ليس فقط إتقان أداء، إنما إتقان الامتثال للنص المكتوب بصيغته النهائية وعلى ما يراه المخرج بعد التشاور مع المنتج والموزع والمعلن والقائم بالدعاية كعنصر أصبح له كلمة نافذة للترويج للعمل الفنى!.

ويمكن أن أعود بك للذاكرة إلى أعقاب نكسة 67، عندما توقفت صناعة السينما في مصر، فماذا فعل نجوم السينما حينئذ؟!

أم كلثوم

في الوقت الذي سافرت فيه أم كلثوم إلى عدة عواصم عربية وأوروبية تجمع الأموال للمجهود الحربي من حفلاتها وتبلغ العالم رسالة بأن مصر باقية صامدة، ذهب بعض نجوم السينما الكبار إلى لبنان وتركيا والكويت ومثلوا أفلاما بينها ما هو أقرب للأفلام البورنو، ومنهم أسماء كبرى، طبعا ليس للمجهود الحربي كما فعلت كوكب الشرق ولا للدعاية لبلادهم التى تركوها تلعق جراحها، لأنهم مرمطوا سمعة الفن المصري في أفلام مثل (سيدة الأقمار السوداء وذئاب لا تأكل اللحم) وعادوا بعد أن هدأت الأمور ليكملوا مشوار النجومية في البلاد التى تركوها تواجه محنتها وذهبوا هم يتاجرون بلحمهم ومازالت أفلامهم شاهدة على ما حدث!.

لكنهم في رحلاتهم كانوا ينفذون الأوامر الصادرة إليهم فلا مجال للوطنية والشعارات القومية، فتدفق الأموال إلى جيوب المنتجين والمخرجين أهم من أى قضية وليتركوا مصر لأم كلثوم تتحدث عن نفسها، ولعبد الحليم حافظ ليحلف بسماها وبترابها، وغيرهم من المخلصين الذين تحرروا من أوامر المنتجين والمخرجين.

لم تتشدق كوكب الشرق بدورها ولم يتاجر عبد الحليم برسالة الفن ومثلهما كثيرون من مطربين وممثلين بل وراقصات، ولكن الذين سودوا الأقمار وتركوا لحمهم للذئاب حتى عافت أكله، هم الذين صرخوا بأنهم عروا أجسادهم في سبيل رسالة الفن، وفي الحقيقة أن كل هذا العري لم يكن سوى متثال للأمر الصادر من جنح ونفخو على أنغام بلاليكا.. ما تهزي يا بت!.

عبد الحليم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.