كمال أبو رية . .ممثل يمنحك شعورا بالصدق فى جميع أدواره
بقلم : محمد حبوشة
يحتم ستانسلافسكي على الممثل أن يعيش الواقع على المسرح لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا ، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الخشبة حضورا حيا ، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة ، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة التي تجعل من الصعوبة عادة، وعادة سهلة تمتزج مع شروط التمثيل في (المزاج، الضبط، العدالة، الابتعاد عن الميكانيكية)، وهنا يكمن الإبداع في مفهوم ستانسلافسكي: (أن تكون طبيعيا) ذا موهبة للوصول إلى شخصية الممثل الناجح الذي يمتلك الشروط التي حددها – هذا المخرج العملاق منتصف القرن التاسع عشر – والتي يعتبرها مهمة جدا في فن التمثيل .
ولأن الممثل الناجح يمتلك الشروط التي حددها ستانسلافسكي والتي يعتبرها مهمة جدا في فن التمثيل، فإن ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) النجم كمال أبو رية أكد مقولة ستانسلافسكي في أن المعرفة الإبداعية هى وحدها أساس نظامه وهي وحدها التي تقود إلى الصدق، وأن المعرفة الحقيقية لها هى التي تخلق الربط بين الدرس (المسرحية) والممارسة (التجسيد) في رصانة عمل الممثل، وبالتالي التزام القيم العليا في العرض المسرحي، لذا نجح (أبو رية) في تشكيل جوهر التقاليد التقدمية لفن المسرح الواقعي، كما نجح في ترصين روح التجريب الخاص بفن الممثل والتكنيك الخاص بعمله على الدور ومع نفسه، حيث تمكن من توضيح طرق التحولات التي توصل الممثل إلى الأساليب التي تساعده في التجسيد والمعايشة على خشبة المسرح، وكذلك الحال في أعماله السينمائية والتليفزيونية.
إن على الممثل وفقا لمنهج ستاسنلافسكى أن يؤلف فى ضوء ما لديه من معطيات سيرة كاملة للشخصية التى يؤديها وأن يجعل فى ذهنه صورة حسية دقيقة لسائر ظروفها المرتبطة بما يجرى على المسرح ولو ارتباطا غير مباشر، وهذه مهمة صعبة ولكنها ممكنة إذا اكتملت فى ممثل مثل (كمال أبو رية) شروط الإعداد المهنى التى تحدثنا عنها في مرحلة التجسيد، ومن هنا لا يصل (أبو رية) دفعة واحدة الى مرحلة المعاناة الحقيقية للدور بل يصل إليه من خلال العمل الدؤب والمحاولة المتكررة والاحتشاد الذهنى الطويل، ومن الخطأ الاعتقاد بأن جهد الممثل فى هذه المرحلة مقصور على المشاركة فى التدريبات مع الممثلين الآخرين، فهو مطالب فى الوقت ذاته بأن يواصل إعداد دوره على انفراد باحثا عن أنسب الاشكال والوسائل التعبيرية لكل جزء من أجزائه.
ولأن أبو رية واحد من الممثلين الأكفاء، فهو يدرك جيدا أنه مطالب بأن يحول سيرة البطل المسرحى أو السينمائي أو التليفزيوني إلى سيرة ذاتية وأن يتحسس الضرورة الكامنة وراء عبارة يقولها البطل أو تصرف يأتيه، وخلال التدريبات التى تجرى مع بقية الممثلين تحت إشراف المخرج يتبلور إحساسه كممثل بالدور وتزداد معاناته عمقا ويكتسب أداؤه الايقاع المنسجم مع ايقاع العمل الدرامي بشكل عام، وتتضح لديه بالتدريج الأشكال الفنية المناسبة للتعبير عن عالم بطله الداخلى ومن هنا كان تركيز ستانسلافسكى على أهمية التدريبات المتواصلة التي على مايبدو يقوم بها (أبو رية) على الوجه الأكمل في أدائه للشخصيات المختلفة، كما بدا لي في غالبية أعماله التليفزيونية على وجه التحديد، فهو يستخدم كل أعضائه وفطرته ويركز على العمل ويعايشه فكريا وحدثيا وعاطفيا وبكل تلقائية وحركة طبيعية أى أنه يدمج روحه فى العمل الدرامي من أجل إرساء الفن الدرامى على القانون الطبيعيى والحقائق الانسانية.
يعتبر كمال أبو رية أن فن الإلقاء عاملا مهما، وهو جزء لا يتجزأ من فن التمثيل بل هو احد أدواته الفنية، فالهدف الرئيسي الذي يصبوا إليه الممثل من خلال وسائله الفنية وخاصة الإلقاء هو أن يولد القناعة لدى الجمهور بأبعاد الشخصية التي يجسدها وبالأقوال والمشاعر التي تقدمها تلك الشخصية فـ (ليست مهمة الفنان أن يعرض مجرد الحياة الخارجية للشخصية التي يؤديها بل لابد أن يتلائم بين سجاياه الإنسانية وبين حياة هذا الشخص الآخر، وأن يصب فيها كلها من روحه هو نفسه، إن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية ثم التعبير عنها بصورة فنية)، ويأتي تعبير الممثل بالإضافة إلى حركاته وإيماءاته (إلقائه) فإن فهم الكلام قبل إلقائه أمراً لابد منه لأن العملية تتم ضمن إطار الفن الدرامي، فلا مناص للممثل من الإيمان بالكلام الذي سيلقيه على مسامع المتفرجين والذي يتضمن جملة من الأفكار والمشاعر ليس إيمانا مجردا بل إيمانا صادقاً فيما يلقيه من حوار بعد التعرف على أبعاد الشخصية الطبيعية والنفسية والاجتماعية وصفاتها بالسلوك والتصرفات وطريقة الكلام.
على الممثل أن يتعرف على العناصر التي تجذب السامع وتثيره من أجل إبراز القيم الدرامية المختلفة، كلنا يستطيع أن ينقل أفكاره وأفكار غيره إلى السامعين أو المشاهدين بوسائل متعددة، إما عن طريق الخطابة أو الإنشاد والغناء أو الإشارة، ولكن ليس باستطاعة كل منا أن يتقن فن الإلقاء على طرقة (كمال أبو رية) بحيث يصل إلى هدفه من نقل أفكاره أو أفكار غيره بشكل واضح ومحدد، ومن ثم التأثير على السامعين أو المشاهدين بحيث يتفاعلون مع هذه الأفكار، فالإلقاء يعتبر الوسيلة الوحيدة والفعالة في مخاطبة الجماهير كونه يجسد الأفكار والأحاسيس والأهداف بشكل معين، ولفن الإلقاء (عند أبو رية) أربعة أساليب هى (أسلوب الإلقاء الخطابي، أسلوب الإلقاء الشعري، أسلوب الإلقاء القصصي أسلوب الإلقاء التمثيلي).
ولد الفنان القدير كمال أبو رية بقرية كفر سعد في محافظة دمياط كما أن اسمه بالكامل هو (عبد الرحيم كمال أبو رية)، والده كان محبوباً من أهل قريته، وعن حياته يقول: ولدت فى دمياط، وأهل دمياط يعشقون العمل والنظافة وجميعهم متعلمون، ولكنهم عمليون ومجاملاتهم فى حدود ضيقة للأهل والمقربين،ةويبتسم قائلا: (بصراحة أنا ماأخدتش حاجة من الدمايطة)، فأنا لست عمليا، ولست حريصا على أداء عمل لا أحبه، يمكن أكون كسلان، ويمكن أكون شديد الاعتزاز بنفسى، والسبب تربيتى التى تميزت (بالدلع) الشديد من أبى ومن كل أهلى.
أبى كان رجلا شديد الوسامة بدرجة تلفت الأنظار، وكان مثار إعجاب وحب أهل القرية كلها، كان تاجرا عمل بالتجارة فى سن 17 عاما، بعد وفاة شقيقه الأكبر الذى رباه (عبد الرحيم) مبكرا، وتزوج فى سن 38 عاما وأنجب ستة أبناء كنت أنا أكبرهم، وكان والدى شديد الحنان والعطف وكريم جدا، بعكس الدمايطة، أما والدتى فكانت أكثر شدة وحرصا، وأما أنا فكنت طفلا غاية فى الرقة والعذوبة، عشقت الرسم فى عمر 8 سنوات، وكنت مدللا من الجميع، وأذكر فضل العديد من المدرسين علىّ، مثل مدرس الرسم (بشير الصيفى) الذى تبنى موهبتى وظللنا أصدقاء لدرجة أنه كان معى حينما تقدمت لخطبة أم أولادى الفنانة ماجدة زكى.
ويضيف أبو رية عن حياته: جذبنى التمثيل لأول مرة حينما دعانا أحد مدرسى المدرسة لمشاهدة عرض مسرحى فى قصر الثقافة، ثم تعرفت فى قصر الثقافة بالمخرج عبد المنعم عبد الحميد سراج الذى أخرج لنا بعض العروض، ورغم ذلك ظل الرسم هو حبى الأكبر، فتقدمت لاختبار القدرات الفنية بعد الثانوية العامة، ونجحت فيه، لكن للأسف لم يسمح لى مجموعى بالالتحاق بالفنون الجميلة، فنصحنى صديقى المدرس بشير بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ودخلت المعهد وأنا محكوم بالأفكار والقيم التى تربيت عليها، فلم تكن لدىّ الجرأة على اقتحام الآخرين وعمل علاقات اجتماعية قوية، ولا أستطيع تقديم نفسى وطلب العمل، وهو ما أثر كثيرا على مسيرتى الفنية، فظللت أوقاتا طويلة بعد التخرج بدون عمل، إلى أن جاءتنى الفرصة الحقيقية حينما رشحنى محسن زايد لبطولة (ثلاثية نجيب محفوظ) والقيام بأداء شخصية الشاب الثورى سامى عبد الجواد.
تزوجت مرة واحدة من أم أولادى الفنانة ماجدة زكى، كانت زميلتى فى المعهد، ولفتت نظرى بأخلاقها،ورآها أبى ووافق عليها فورا لأنها محتشمة ولا تدخن، وعشنا معا 20 عاما أنجبنا خلالها (أحمد وكمال وحبيبة)، وقد ورثت حبيبة عنى حب الرسم وتخرجت من كلية الفنون بالجامعة الألمانية، وكمال درس الهندسة، وأحمد إدارة الأعمال وبدأ أخيرا العمل بالفن، ونصحته من البداية أن يعتمد على موهبته، وأرى أن له كاريزما محببة، وهو رأى زملائى أيضا، ثم انفصلنا أنا وماجدة بهدوء، واحتفظنا بمشاعر الود والاحترام، والانفصال لم يمنعنى من متابعة أولادى فى كل خطواتهم، بل أننى كثيرا ما أزورهم وأفتح الثلاجة لأطمئن على ما يأكلون، وعلاقتى بهم ممتازة، أساسها الحنان والعطف مثلما كانت علاقتى بأبى.
أحب تأمل وجوه الناس فى الشوارع، وأحزن حينما أشعر بمعاناتهم، لكنى أتمنى أن نتحمل هذه الفترة الصعبة، فهناك مشروعات ضخمة تتم، ولدى ثقة كبيرة أن مصر ستكون شيئا آخر خلال سنوات قليلة، أعيش الحياه ببساطة، وأحب المرح والبهجة وأكره جو النكد، ورغم ذلك فأنا سريع التأثر ودموعى قريبة، وأبكى حينما أرى حزن انسان أو حتى فرحته، وعلى الر غم من تميز أبو رية بوسامته وشعوره الصادق دائماً وهو ما جعل الجمهور يحبه ويعشق طلته على الشاشة، قدم العديد من الأعمال الفنية المتنوعة والتي من أشهرها المسلسل الناجح الذي قدم دور بطولته وهو (قاسم أمين)، كما تألق في العديد من الأفلام السينمائية ومن أبرزها فيلم (الهروب من الخانكة)، كما قدم بعض المسرحيات أيضاً.
بدأ (كمال أبو رية) مسيرته الفنية من خلال المسرح، فقدم أول دور له في مسرحية بعنوان (سيرك يا دنيا) والتي تم عرضها في عام 1982، ثم توالت أعماله الفنية فقدم عدة أفلام ومسلسلات وتألق في أدوار البطولة ومن أبرزها أفلام (تل العقارب عام 1985، وداعاً يا ولدي – 1986، عندما يتكلم الصمت – 1988، صبيان المعلم – 1990، قبضة الهلالي والصفقة – 1991، دماء بعد منتصف الليل – 1995، قيود من حرير- 2011)، وكان آخر أعماله السينمائية هو فيلم (قيود من حرير) والذي تم عرضه في عام 2011.
قدم كمال أبو رية للدراما التليفزيونية عدة مسلسلات منها: (السيرة الهلالية عام 1997، نسر الشرق – 1999، الفرار من الحب – 2000، سوق العصر – 2001، قاسم أمين – 2002، ملفات سرية – 2003، طائر الحب – 2005، امرأة في شق الثعبان – 2007، ملكة في المنفى – 2010، لحظة ميلاد – 2011، أوراق التوت – 2015، مأمون وشركاه – 2016، عفاريت عدلي علام – 2017، أفراح إبليس ج2 – 2018، كما شارك في عدة مسرحيات منها مسرحية (سيرك يا دنيا – 1982، الشبكة – 2005، دنيا حبيبتي – 2014، وكذلك بعض السهرات التلفزيونية منها (اللحظات الأخيرة، القلب الحائر، رحلة الأحزان) وغيرها.
وأستطيع القول بأن كمال أبو رية، ترك بصمته فى أعمال درامية كثيرة، فلا يمكن نكران ذلك، فقد بدأ بدور صغير فى مسلسل (فجر ليلة صيف)، تناول فيه (أسامة أنور عكاشة) أزمة انتهاء الثقافة وتحول كل شىء لمنحنى تجارى، وهو ما يؤدى لموت الوطن، فنحن نهضنا على أركان الثقافة بالمقام الأول، تراثنا وحضارتها تنوعنا، ثقافاتنا الممزوجة،هويتنا هى كل ما لدينا، ولكن فى النهاية تربح سوكه واخواتها المعركة لصالح المال، و هو ما ادى الى ما نحن فيه الآن، ولا ننسى دوره فى مسلسل (جمهورية زفتى)، تلك الملحمة والحلم المصري الذى مات على يد الاحتلال الإنجليزي، وكان التناغم بينه والنجم ممدوح عبد العليم الموهبة التى ظلمت هى أيضا.
ولكن ما كانت التسعينات تنتهى حتى نجح نجاحا ساحقا عبر مسلسل (أم كلثوم)، فقد قدم نفسه بامتياز ولأول مرة فى عمل شخصية حقيقية أثرت فى الناس تعرفوها، وليست صفحة بعيده فى التاريخ، فأحمد رامى الشاعر هو ذلك الذى عشق ام كلثوم وقدمها فى قصائد، ثقيلة يجرب بها قوة صوتها وعمقه، وظل عاشقها الامين طوال حياته، مثله مثل القصبجى الذى ارتضى رغم نبوغه أن يجلس من خلفها كعواد، وهو ملحن اقوى ألحانها رق الحبيب، ولمع حينها حتى اختارته رباب حسين من جديد، تلك المخرجة القديره ليصبح قاسم أمين، محرر المرأة محققا نجاحا كبيرا، ولكن مع الاسف جعله يصنع فراقا مع المخرجة يندم عليه لاحقا.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لكمال أبو رية ذلك الفنان المميز، الذي له طلة محببة، يشد انتباهك بمجرد ظهوره على الشاشة مهما كانت مساحة دوره، ويمنحك شعورا بالصدق فى جميع أدواره مهما تنوعت، فنصدق فورا أنه محرر المرأة قاسم أمين، أو رائد التنويرعلى مبارك، أو شاعر الشباب أحمد رامى، أو شقيق العندليب اسماعيل شبانة، هو الفنان المتميز الذي لم ينل الفرصة التي تليق بموهبته الكبيرة في التجسيد الدرامي على نحواحترافي نادر .. فهل من نظرة من جانب المنتجين والمخرجين؟! .. أتمنى ذلك في القريب العاجل، خاصة أنه تألق مؤخرا في مشاركته في بطولة مسلسل (ورا كل باب) الموسم الثاني في حكاية (قلب مفتوح)، من خلال شخصية جديدة عليه تجمع بين الدراما والكوميديا في وقت واحد، فضلا عن تألقه الملحوظ حاليا في مسلسل (الحلم) الذي ينتمي للدراما الاجتماعية الشعبية.