رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. ثروت الخرباوي يكتب : محدش واخد منها حاجة !

إسماعيل ياسين في مشهد من فيلم (السعد وعد)

بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي

قررت أنا الموقع أدناه أن أقتبس عنوانا لهذا المقال، فأخذت أفكر وأفكر، ثم وجدت أن أفضل اقتباس لعنوان هذا المقال هو (محدش واخد منها حاجة)، وقد كان هذا العنوان هو الاسم الأول لفيلم إسماعيل ياسين (السعد وعد) وهو من أفلام إسماعيل ياسين اللطيفة والذي تشارك في بطولته معه المطربة ذات الصوت الدافىء نجاح سلام، وكتب قصته البديع بديع خيري عليهم رحمة الله جميعا، ثم حدث أن قرر بديع خيري تغيير اسم الفيلم ليكون (السعد وعد)، أما أنا فوجدت الفرصة سانحة لأقتبس الاسم الذي تم العدول عنه (محدش واخد منها حاجة)، أما السبب في هذا الاقتباس فهو أنني أكتب عن الاقتباس في السينما المصرية، ولكي يكون المقال مُقنعا فكان يجب أن أقتبس أنا بدوري، أما السبب الثاني فهو تلك الطٌرفة التي تُروى من أن أحد الأشخاص كان يسير في جنازة، ثم نظر فإذا بواحد من الناس يجلس على ناصية الطريق وهو يأكل من طبق مليئا بقطع الكباب، فقال الرجل الذي يُشيِّع الجنازة: إإإإإيه ، دنياااا، كلنا لها، فما كان من الرجل الذي كان يلتهم الكباب التهاما إلا أن ظهر عليه الانزعاج خوفا على كبابه فقال: محدش واخد منها حاجة.

هذا هو حال السينما المصرية وهى تقتبس من السينما الغربية بكافة ألوانها، فكبار المؤلفين عندنا ينظرون لقصص الأفلام الغربية  فيقولون: (كلنا لها)، ولكن كُتَّاب الغرب لا يقولون أبدا: (محدش واخد منها حاجة)، أما السبب فهو لأن السينما المصرية للأسف الشديد أقل من أن يلتفت لها أحد من رموز السينما في العالم، وسنظل نقول: كنا وكنا، وسنرفع أصواتنا بأننا الذين أسسنا صناعة السينما في الشرق، وأننا سبقنا سينما الهند، وأننا كنا الأوائل على السينما الكورية والسينما الإيرانية، والسينما الصينية، وأي سينما في قارة آسيا وأفريقيا وبلاد تركب الأفيال، ولكننا لم نطور أنفسنا، ولم نُقدم بصمة فنية ينتبه لها العالم ـ إلا نادرا ـ وما ذلك إلا لأننا نفتقد للخيال، مع أن مجمع اللغة العربية أطلق على كلمة السينما (الخَيَالة) ودور السينما قالوا عنها إنها (دور الخيالة)، وكان اللازم عليهم أن يطلقوا عليها (دور الخيابة) لا الخيالة، لأننا فقراااء جدا في الخيالة .. أو قل في الخيال أيها السادة، لذلك لا يستطيع معظم كبار (رجال الخيال) عندنا إنتاج فكرة من خيالهم، فيلجأون لخيال (رجال الخيال) في الغرب.

بيتر ميمي

لذلك عندما يسألني بعض الأصحاب لماذا لا تشاهد حاليا الأفلام المصرية الحديثة، فأقول لهم: ولماذا أشاهد الصورة وأنا أستطيع أن أشاهد الأصل، فكل الأفلام المصرية الجديدة اللهم إلا أقل القليل، وأندر النادر، مأخوذة من أفلام أمريكية، وبعضها مسروق بالمشهد، وبالحوار، وبالبوسترات، ثم يقول لك أحدهم: فيلم من إخراج وتأليف بيتر ميمي، ثم إذا بالسيد ميمي يتفاخر بهذه السرقات ويقول: كلنا لها، ثم يقول ما معناه : إن السينما المصرية تعيش على الاقتباس فـ (يا عزيزي كلنا لصوص)، ولا مانع من أن أسرق أنا الآخر، ولذلك معظم أو قل كل ما كتبه (بيتر ميمي) مسروق يا ولدي، ولأن حصر تلك السرقات يحتاج إلى كتاب وليس إلى مقال لذلك سيكون هذا المقال هو آخر ما أكتب عن الاقتباس حتى حين.

فيلم (عصر القوة)
(الأب الروحي) لمارلون براندو

 وأيضا غير بيتر ميمي كثير وكثير، سبقه في هذا الأستاذ بشير الديك الذي لو أمعنت النظر في أفلامه ستجد أن معظمها، وأقول معظمها مسروق مسروق يا ولدي، عندك على سبيل المثال فيلمه (عصر القوة) الذي تم إنتاجه عام 1991 بطولة نادية الجندي وعبد الله غيث ومحمود حميدة، وهو اقتباس رديْ جدا من الفيلم الشهير (الأب الروحي) الذي أخرجه عبقري السينما العالمية الأمريكي (فرانسيس فورد كوبولا) الحائز على خمس جوائز أوسكار، وبطولة النجم الذي لا يتكرر وأظنه لن يتكرر (مارلون براندو)، والمقارنة بين الفيلمين تظلم الأب الروحي لأن (عصر القوة) ليس اقتباسا ولكنه مسخ للأب الروحي، وغير هذا الفيلم العديد من أفلام الأستاذ بشير الديك الذي هو مع حبي له مجرد (مقتبس) فالاقتباس أو السرقة فيروس لا علاج له،  وهو في السينما عندنا مثل فيروس الكورونا، لا فكاك منه ولا وقاية له.

فيلم (الظالم والمظلوم)
فيلم (خلي بالك من جيرانك)

ولك أن تعلم أن معظم أفلام عادل إمام مسروقة من أفلام أمريكية، وعلى سبيل المثال فيلم (خلي بالك من جيرانك) الذي اقتبسه المؤلف فاروق صبري من الفيلم الأمريكي (حافي القدمين في الحديقة) بطولة الممثلة الأمريكية الشهيرة جين فوندا، والممثل الأمريكي الشهير روبرت ريدفورد، وقد نقله فاروق صبري نقل مسطرة بلا أي مجهود يذكر، وفاروق صبري ذات نفسه من مشاهير المقتبسين، ومن اقتباساته الشهيرة فيلم (الظالم والمظلوم) الذي قام ببطولته نور الشريف وإلهام شاهين، إلا أنه في هذا الفيلم أراد أن ينوِّع مصادر اقتباساته، فأخذه من الفيلم الهندي (aakhree raasta آخري راستا)، والذي تم عرضه في مصر تحت عنوان (قسوة الانتقام) بطولة النجم الهندي الكبير أميتاب باتشان.

ولأن للصبر حدود كما تقول السيدة أم كلثوم فإن صبري نفد من فاروق صبري، ونفد أيضا من الاقتباسات التي سيصيبني الملل إن استعرضتها بالفيلم الواحد لعشرات المؤلفين المصريين، وإذا كان من حق الصغار أن يقتبسوا ـ جدلا ـ إذ لا تزال عظامهم طرية، فلماذا يسرق الكبار الذين صنعنا لهم مجدا مزيفا، وصفقنا لهم، أفلا نكون بذلك قد ساهمنا معهم في سرقاتهم؟!.

نعم إن معظم الكبار يقتبسون بمنطق: (كلنا لها) ولكنهم ينسبون المجد لأنفسهم، وعندما ضربنا المثل بالراحل وحيد حامد انزعج بعضهم، وخاطبني البعض قائلا: (أذكروا محاسن موتاكم، واكفي على الخبر ماجور، ولا داعي لفضح الرجل وهو في قبره)، نعم أيها الأصدقاء إن لهذا الرجل محاسن كثيرة، فهو مهذب وخلوق ومحترم، وهو حلو الحديث طيب المعشر خفيف الظل، وفوق هذا فهو يمت بصلة قرابة لأصدقاء قريبين مني جدا وقد حدثوني عن أخلاقه وكفاحه في الحياة ليصل إلى ما وصل إليه، ولكن هذا شيء ومستواه الأدبي والفكري والفني شيء آخر، فمع احترامي لتاريخه إلا أنه صاحب خيال محدود جدا، وأشهر أفلامه اقتبسها من أفلام أمريكية أو غربية، ومعالجاته الدرامية لكثير من أفلامه كانت في منتهى السطحية، وأخذ في فترة من فترات عمره طريق (مسك العصا من منتصفها، وفي فترة أخرى أخد طريق أخذ الحق بالقوة والذراع والقتل لا بالقانون).

فيلم (غريب في بيتي)

ولكن بما أنني أكتب عن السرقات والاقتباسات فتعالوا معي نبحث في أفلامه ومن أين اقتبسها، وسأضرب لكم بعض الأمثلة، فمثلا مثلا الفيلم الشهير (غريب في بيتي) وشخصية لاعب الكرة شحاتة أبو كف، هذا الفيلم منقول اقتباسا من الفيلم الأمريكي (فتاة الوداع) الذي تم إنتاجه عام 1977 وكتب قصته وحواره الكاتب الأمريكي الكبير (نيل سيمون) وهو كاتب مسرحي في الأصل إلا أنه برع أيضا في التأليف السينمائي، وقد اقتبس بعض قصص أفلامه من مسرحياته، يعني (اقتباس منه فيه) وقد نال هذا المؤلف الكبير صاحب الخيال الخصب العديد من الجوائز ثم قضى الله أمرا كان مفعولا وتوفي الرجل عن تسعين عاما سنة 2018، أما البطولة فكانت للممثل الأمريكي الشهير (ريتشارد درايفوس)، وهو غني عن الذكر إذ أنه كان من مشاهير جائزة الأوسكار حيث حصل عليها عن هذا الفيلم (فتاة الوداع) وشاركته في البطولة الممثلة الأمريكية (مارشا ماسون) التي كانت مرشحة هى الأخرى لجائزة الأوسكار عن هذا الفيلم أيضا ولكن الحظ لم يكن معها فلم تنلها.

وسكاأوسكاروتدور القصة حول نفس قصة (غريب في بيتي)، ففي الفيلم الأمريكي امرأة وابنتها، هذا المرأة تعمل راقصة، وقد كان لهذه الراقصة عشيق هرب منها وغادر المدينة، إلا أنه قام بتأجير شقته التي تسكن فيها عشيقته لممثل مغمور، وفي البداية تنشأ مشاكسات بين الطرفين، ولكنهما اضطرا للعيش معا بعد ذلك، وفي الفيلم (الوحيدي) نسبة لوحيد حامد كانت المرأة هى سعاد حسني وكانت ربة منزل، أما شريكها في السكن فلم يكن ممثلا مغمورا ولكنه كان لاعب كرة قدم، أما الشيء الطيب في هذا الاقتباس فهو أنه تم الإشارة في الفيلم أنه مقتبس من مسرحية (فتاة الوداع)، وهو أمر يُحسب لوحيد حامد فالاعتراف بالاقتباس فضيلة.

فيلم (النوم في العسل)

ولكنه لم يعترف بسرقته الواضحة لقصة فيلمه (النوم في العسل) التي تدور حول أن رجال مصر استيقظوا ذات يوم ليجدوا أنفسهم وقد أصيبوا بالعجز الجنسي، وقد أخذها وحيد حامد من الروائي الكبير جمال الغيطاني عليه رحمة الله، وكان الغيطاني قد كتب قصة فريدة في نوعها وموضوعها في السبعينيات من القرن الماضي اسمها (وقائع حارة الزعفراني)، وتدور وقائعها أيضا بحارة الزعفراني التي استيقظ رجالها ذات يوم ليجدوا أنفسهم وقد أصيبوا بالعجز الجنسي، وتتقابل القصتان في كثير من الخطوط، مما جعل جمال الغيطاني يقدم شكوى عام 1996 ضد وحيد حامد في نقابة المهن السينمائية متهما إياه بسرقة قصته، والغريب والعجيب والمريب أن وحيد حامد رحمه الله لم ينف السرقة واكتفى بالتصريح بأن الغيطاني هو صديق عمره وأنهما كانا يقتسمان اللقمة، ثم قال إنه سيسعى لإنهاء النزاع وأنه سيتفاهم مع الغيطاني في هذا الشأن، ويبدو أنه تم التفاهم بشكل سري لم يتم طرحه على الرأي العام لأن الشكوى ظلت إلى الآن مدفونة في أدراج نقابة المهن السينمائية، لم يتنازل عنها الغيطاني رسميا في أي وقت، إلا أنه وإلى أن توفاه الله لم يطلب تفعيل شكواه أو التحقيق فيها، ولذلك فإن لنقابة المهن السينمائية أن تغض الطرف عن هذه الشكوى، والله حليم ستار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.