كتب : محمد حبوشة
يبدو لي أن الحضارة الغربية المادية التي تمتلك زمام القوة والسلطة المادية على مستوى العالم أجمع قد بدأت مرحلة الهبوط والانحدار لابسبب فقدانها القوة المادية أو القوة الاقتصادية ولكن بسبب إفلاسها في عالم القيم السامية والأخلاق الفاضلة والمبادئ الإنسانية العادلة .. وبسبب فقدانها الهدف والمنهج القويم الذي ترتكز عليه الحضارات وبسبب انحرافها عن الطريق الصحيح .. وبسبب عنصريتها وعدوانيتها التي وصلت إلى حد من البشاعة لم تصل إليه في تاريخ الإنسانية الطويل .. إن الحضارة المادية الغربية تسير نحو الهبوط والانحدار وستصل إلى الانهيار في فترة ليست بعيدة في عمر التاريخ، وذلك إذا لم يتدارك الأمر دعاة الإصلاح من العلماء والفلاسفة وعلماء الاجتماع والساسة والمسؤلين ورجال الدين ويقوموا بواجبهم في إصلاح و إنقاذ هذه الحضارة الغربية المادية الآيلة للسقوط.
نعم هى حضارة آيلة للسقوط وتحاول جر شبابنا إلى مستنقع الجريمة والمثلية الجنسية بنوعية الدراما التي تستهدف المجتمع العربي على جناح مايسمى بـ (الحرية الجديدة) وهى تهدف بالأساس تفكيك القيم الإنسانية العربية المستمدة من روح الديانات السماوية، وأمام هذا الطوفان الهادر بالموبقات يجب على قادة هؤلاء الرأي في المجتمعات الغربية القيام بعملية إصلاح جذرية تشمل كل مجالات الحياة الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية والروحية وحتى المادية منها .. إن الحضارة الغربية بحاجة ماسة إلى عملية إصلاح جذري تصلحها من الجذور من الأسس لأنها حضارة بنيت على أسس فاسدة نخرة ستؤدي بها إلى الهبوط والانهيار ولو بعد حين .. خاصة بعدما نقلت رياح الفساد الأخلاقي إلى شاشات المنصات العربية والأجنبية التي توجه لشبابنا عبر إنتاج غزير من الدرامات القاتلة للقيم والأخلاق.
والمشاهد لمنصات مثل (نتفلكس وشاهد) تحديدا سوف يلحظ بأنه اختلفت القناعات بين المفكرين والباحثين في مصير الحضارة الغربية المادية الحالية .. فمنهم من يرى أن لها مستقبلا زاهرا سيتطور بشكل أكبر بكثير من الواقع الحالي، وذلك لما تمتلكه الحضارة المادية الغربية من مقومات وإمكانات مادية وعلمية وتكنولوجية واقتصادية هائلة إذا ما أجري عليها بعض الاصلاحات .. بينما يرى البعض الآخر أن الحضارة الغربية قد بدأت بالهبوط التدريجي في سلم الحضارات على كافة الأصعدة وأنها لا بد أن تصل إلى مصيرها المحتوم بعد فترة زمنية ليست بعيدة وذلك لتكاثر الأمراض الداخلية الفتاكة المتنوعة التي تعصف بالمجتمعات والحضارات .. وهذا ما أجمع عليه معظم الباحثين والمفكرين الغربيين وغير الغربيين المنصفين، والذين ينظرون إلى الحضارة الغربية بأنها لا بد أن تصل إلى الانهيار التام مالم يتداركها المصلحون المخلصون لإعادتها إلى الطريق الصحيح في جميع مسارات الحياة.
فلا يمر أسبوع واحد إلا وتعرض علينا نوعيات من دراما العنف والشذوذ الجنسي التي يتم الترويج لها على المنصتين الأبرز في عالمنا العربي (نتفلكس وشاهد) ومنها نموذجا: (جن، مدرسة الروابي للبنات، قواعد الطلاق الـ 45، ماوراء الطبيعة، بيمبو، لعبة الحبار)، ناهيك عن طوفان آخر من المسلسلات الأمريكية والإنجليزية والتركية والكورية والهندية وغيرها، بدافع مواكبة التطورات الحادثة في قلب الحضارة الغربية، وهنا يقف الناس ليتساءلوا من جديد في حيرة ودهشة بعد أن شهدوا مظاهر الهبوط والانحدار في هذه الحضارة المادية الغربية .. ترى من سيتسلم قيادة العالم بعد سقوط الحضارة المادية الغربية؟، وأية حضارة ستقوم كبديل للحضارة الغربية الآيلة للسقوط ؟.. وأي نظام عالمي يستطيع أن يوفق بين كل أقطار العالم بالعدل والإنصاف ؟.. وأي نظام إنساني يستطيع أن يحقق للإنسان ـ أي إنسان على وجه المعمورة ـ العزة والكرامة والتكريم اللائق بهذا الإنسان؟.
الأمر جد خطير ويسير في اتجاه تحطيم أخلاقيات المجتمعات العربية من خلال تسريب أفكار جنونية تأتي في صورة مسلسلات تستهدفنا في مقتل ونحن غير واعين لمخططات الغرب التي تقوم على أسس ما يسمى بالحضارة الجديدة التي تتشدق بـ (حقوق الإنسان) المزعومة ولنتأمل مليا ما يقوله (لورنس براون) : إن الإسلام هو الجدار الوحيد أمام الاستعمار الأوربي .. لقد كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة .. كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي والخطر البلشفي والخطر الياباني .. ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبررا لمثل تلك المخاوف واكتشفنا أن الخطر الحقيقي هو الخطر الإسلامي القادر على التوسع والانتشار وإخضاع الشعوب في حيوية مدهشة، ويؤيده في ذلك (مورو بيرجر) بقوله في كتابه (العالم العربي المعاصر): إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجا عن وجود البترول بغزارة .. ولكنه ناتج عن وجود الإسلام .. لذا يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب.
هنالك خطة قديمة محكمة تم تجديدها الآن على جناح القوى الناعمة التي تعتمد على الفنون المرئية تحديد، لذا انتبهوا ياسادة لما تبثه منصات الفسق والفجور في عقول شبابنا عبر أعمال درامية تخرج عن السياق الأخلاقي، ففي ظل تراجع درامنا في مخاطبة جيل من الشباب اعتاد التمرد طريقا، ولذا أحذر بأننا نواجه طوفانا سوف يعصف بنا إن لم ننتبه، فتعتبر منصات (الدراما) الجديدة من أهم الأشكال البرامجية التي تجذب إليها عددا كبيرا من الجماهير وخاصة من فئة المراهقين والشباب، ولكنها حتما تقدم بعض الأعمال التي تحوي أفكارا وقيما غريبة عن المجتمع، بل وفي كثير من الأحيان تكون قيما منافية للأخلاق والآداب العامة، وقد فرضت منصات المشاهدة الرقمية التي تقدم المضمون الدرامي من دون حذف رقابي لأي جزء يحتوي بالطبع على أمور لا تناسب أخلاقيات وقيم وتقاليد المجتمع، وعلى المجتمع البحثي والأكاديمي العربي ضرورة التعرف على تأثيرات هذا المحتوى المفتوح، خاصة مع ازدياد نسب الاشتراك في هذه المنصات الرقمية لا سيما من جانب المراهقين.
فمن الملاحظ أنه مع انطلاق منصات المشاهدة الرقمية أقبل المراهقون على مشاهدة محتواها الخالي من الرقابة والذي يتسم باستغلال عناصر الإبهار في الصورة والصوت، إضافة إلى تقديم أفكار مختلفة عما يقدم بالإعلام التقليدي، كما أن مرونة ظروف التعرض وعدم وجود فواصل إعلانية وخصوصية المشاهدة على الهاتف أو جهاز الكمبيوتر الشخصي كانت من عوامل جذب المراهقين لمتابعة مثل هذه المنصات بحثا عن الترفيه والمتعة، الأمر الذي شكل محورا رئيسا لدراسة أجرتها (المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال) تحت عنوان (تأثير مشاهدة المسلسلات المقدمة على إحدى المنصات المشهورة على النسق القيمي للمراهقين)، وركزت فيه على رصد تأثير المشاهدة على قيم وسلوكيات المراهقين.
وقد خلصت تلك الدراسة إلى أن الفرد وخاصة في مرحلة المراهقة يكتسب العديد من القيم والسلوكيات من خلال ملاحظة سلوك الآخرين من حوله، واندماجه مع بعض الشخصيات الدرامية التي يتابعها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وهذه القيم قد لا تظهر بشكل مباشر وإنما تستقر في النسق القيمي والبناء المعرفي له، ويتم استدعاؤها في الوقت المناسب وهو ما يوضح خطورة تأثيرها في البناء الفكري والقيمي للمراهقين، وتشكل منصة (نتفلكس) – محل الدراسة – أهم منصات المشاهدة الرقمية حول العالم، حيث تقدم خدماتها في 190 دولة ويصل عدد مشتركيها نحو أكث من 200 مليون مشترك، الأمر الذي يزيد من خطورة تأثير هذه المنصة على الفئات المختلفة من الجمهور وبشكل خاص فئة المراهقين عينة الدراسة، وقد تمحورت مشكلة الدراسة في التعرف على تأثير مشاهدة المسلسلات المقدمة على المنصة على النسق القيمي للمراهقين.
ومن هذا المنطلق، اعتمدت الدراسة على نظرية التعلم الاجتماعي لـ (ألبرت باندورا)، نظرا لارتباطها الكبير بتأثير وسائل الإعلام على اكتساب الأفراد معارف وقيما وسلوكيات مختلفة، وقد لفتت نظرية (باندورا) الأنظار إلى تأثير وسائل الإعلام وعلى رأسها التلفزيون كعامل مهم في التنشئة الاجتماعية واعتبرها من أهم العوامل الخارجية التي تؤثر في عملية البناء المعرفي والقيمي والسلوكي للأفراد، ووجدت الدراسة أن وسائل الإعلام الرقمية الجديدة ومنصات المشاهدة الرقمية لها دور كبير في تشكيل أفكار ومعتقدات وقيم المراهقين، فلم تعد الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام التقليدية لها اليد العليا فيما يكتسبه المراهقون من معارف وأفكار ومعلومات، فالإنترنت والإعلام الجديد بمختلف أشكاله ووسائله وتطبيقاته أصبح يلعب دورا خطيرا في عملية التنشئة الاجتماعية للمراهقين، وخاصة الدراما المقدمة من خلال المسلسلات الموجهة خصيصا لهذه الفئة والتي تجذبهم من خلال تقديم نماذج مماثلة لهم من حيث العمر والجنس والتعليم والمكانة الاجتماعية.
وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج جاء في مقدمتها أهمية دور جماعات الأصدقاء في حياة المراهقين في اتخاذ العديد من القرارات، فكل فرد يسعى للحصول على رضا أقرانه، وبالتالي يسعى للتشبه بهم قدر الإمكان، حيث وجدت الدراسة أن أهم أسباب الاشتراك في المنصة المشهورة هو ترشيح الأصدقاء، ومحاولة إيجاد نقاط للنقاش المشترك بينهم، وفي هذه الحالة كانت مناقشة أحداث المسلسلات هي نقطة الالتقاء، وخلصت الدراسة إلى ارتفاع معدلات التعرض بين المراهقين للمسلسلات التي قد تصل إلى حد الإدمان، حيث يمكنهم متابعة أجزاء كاملة من المسلسلات في فترات زمنية قصيرة جدًا، الأمر الذي قد يؤثر على مستوى التحصيل الدراسي لديهم، كما قد يسبب العديد من المشاكل الصحية والنفسية مثل الرغبة في الوحدة والانعزال، والبعد عن عمليات التفاعل الاجتماعي الفعلية والاكتفاء بالتفاعل الافتراضي.
كما تشير نتائج الدراسة أيضا إلى أن المنصة قدمت الكثير من عوامل التحفيز لجذب عدد أكبر من المراهقين لمشاهدة مسلسلاتها من خلال: تقديم قصص عن حياة المراهقين، وتقديم أجزاء كاملة من المسلسلات في وقت واحد، وتجسيد الشخصيات من خلال ممثلين يتشابهون في العمر والتعليم مع الجمهور المشاهد، بالإضافة إلى عدم وجود إعلانات، فكل ذلك أدى إلى جذب عدد كبير من المراهقين للمشاهدة، ووجدت الدراسة أن أكثر المسلسلات المقدمة تعرض محتوى يخاطب الغرائز – المحتوى الجنسي – بشكل كبير لا يتناسب مع المراحل العمرية التي تتابعه، فرغم تصنيف العديد من المسلسلات على أنها مقدمة لفئة المراهقين، نجد مشاهد من هذا النوع كثيرة جدا، وتقدم في سياق درامي جذاب يشد اهتمام المراهقين ويؤثر على قيمهم وما يتبنونه من أفكار في تلك المرحلة الخطيرة من نموهم، كأن يقدم المسلسل البطل في مواقف إنسانية عديدة وبطولات متتالية ثم نكتشف أنه شاذ جنسي!!، ويكون التصرف التلقائي هو التعاطف معه وتقبله.
وكان من اللافت أيضا تقديم مسلسلات العنف والجريمة بشكل مبهر للمراهقين، وهو ما عبر عنه بعض من عينة الدراسة بأنهم تعلموا كيفية القتل والهروب من الاتهام بذكاء، وتعتبر سمات التمرد والعناد والشجاعة من أهم المواصفات التي تجذب المراهقين في شخصيات المسلسلات، واتضح في الوقت ذاته أن نسبة القيم الإيجابية المقدمة في مسلسلات المنصة المشهورة قليلة جدا مقارنة بنسبة القيم السلبية التي مع الأسف وافق عليها أغلبية المراهقين عينة الدراسة في إطار الحرية الشخصية، وتقبل الآخر كما هو دون انتقاد، رغم إقرارهم بعدم تبني هذه القيم السلبية بشكل شخصي، إلا أن مجرد القبول يحوي ضمنا خطر المحاكاة فيما بعدُ مع تغير الظروف، أو استساغة وتقبل القيم الشاذة على أقل تقدير.
وترتيبا على ماسبق فإن الآباء في حاجة ماسة لمتابعة أبنائهم وما يشاهدونه عبر المنصات الرقمية، والتأكيد على أهمية التربية الإعلامية للآباء والأبناء في ظل السيل الجارف من القيم والأفكار الغريبة التي اجتاحت مجتمعنا من خلال هذا الإعلام الجديد ووسائله وتطبيقاته المختلفة، فالآباء في ظل انشغالهم بمتاعب الحياة وضرورياتها أهملوا الدور الرقابي والتربوي في متابعة الأبناء.
لذا قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات لمواجهة التأثيرات السلبية المحتملة لمشاهدة المراهقين لتلك المسلسلات، يمكن تلخيصها في النقاط التالية: دراسة خصائص جمهور المراهقين واحتياجاتهم الإعلامية الفعلية في ظل التطور التكنولوجي المتلاحق وقدراتهم المتزايدة على التعامل معه والتفاعل مع وسائط متطورة قد لا يستطيع الأهل استخدامها بأنفسهم، السعي نحو استغلال الإمكانات المتاحة لتطوير إعلام يواكب الإعلام العالمي ويصل للمراهقين من خلال الوسائط التكنولوجية التي يستخدمونها وليس من خلال الوسائط التقليدية، مع توعية المراهقين بنشر ثقافة الانتقاء والاختيار لما يتناسب مع قيمنا وديننا وأخلاقياتنا القويمة، والحذر من المضامين التي تحوي أفكارا غريبة على المجتمع، على أن يكون الانفتاح على الثقافات المختلفة بطريقة آمنة من خلال الترويج لثقافتنا المحلية وليس فقط تبجيل كل ما هو أجنبي أو وافد، وكذلك رفع مستوى الوعي لدى الآباء عن مخاطر تعامل أبنائهم مع الإنترنت ومنصات المشاهدة الرقمية بكثافة ودون تقنين أو متابعة، إلى جانب الاهتمام بحملات التربية الإعلامية للآباء والمراهقين من خلال وسائل الإعلام المختلفة وفي المدارس والجامعات ودور العبادة .. ألم أقل أن الوضع خطير للغاية!!!.