منتدى المواهب والعقول المتفتحة والقلوب المفتوحة
بقلم : محمود حسونة
هل يمكننا التأثير في العالم بعد أن عشنا ردحاً من الزمن نتأثر به ونقلده بشكل أعمى؟
نعم يمكننا، ولنا في ذلك سوابق، فأجدادنا صناع حضارة، ولا زالوا للآخر مبهرين، ولنا مصدر تباهٍ وتفاخر.
لدينا أطباء عالميين، سافروا إلى الخارج وتقدموا الصفوف، ولدينا مهندسين خططوا مدناً وطرقاً في الغرب والشرق، ولدينا علماء اكتشفوا وابتكروا ما لم يسبقهم إليه أحد في مجالات عدة، ولدينا فنانين تصدروا أفيشات السينما الهوليودية، ولدينا مسرحيون علّموا أشقاءنا وأبهروا من شاهد عروضهم، ولكن لا يمكن أن نطلق عليهم لقب (عالميين)، لأنهم لم يجدوا فرصة احتراف في الخارج، ولم يتم تداول أعمالهم عالمياً.
لم يعد الاحتراف في الخارج وحده هو الطريق إلى العالمية، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وأصبحنا نشاهد ما يحدث في أقصى الدنيا وكأنه يحدث في الغرفة المجاورة لغرفتنا، بل صرنا نأتي بالعالم إلينا ونطلعه على قدراتنا ونطّلع على قدراته، نستضيفه لدينا لنفكر سوياً ونبحث عن أحسن السبل إلى عالم أفضل، عالم ينبذ الحروب ويتوحد في وجه الكوارث والأوبئة، ويتعاون لنشر السلام والأمان.
بالفعل حققنا ذلك من خلال منتدى شباب العالم، وفي كل دورة له نستضيف الآلاف من شباب العالم ليتعرفوا علينا ويفكروا مع شبابنا في كيفية جعل هذا العالم أفضل.
في منتدانا لا نكتف بتوفير فرص إعمال العقول والتفكير الجماعي لشباب العالم القادم إلينا من مشارق الأرض ومغاربها، إنما أيضاً نتيح لأصحاب المواهب منهم تقديم أنفسهم على مسرح شباب العالم، وعلى خشبة هذا المسرح تنوعت وتلونت الفنون وأبهرتنا بعض المواهب، كما أبهرت مواهبنا ضيوف المنتدى وغيرهم ممن تابعوا أول عرض مسرحي في العالم عن جائحة كورونا، والذي أخرجه المبدع خالد جلال ليؤكد من جديد ومن عرض إلى آخر أنه مخرج عالمي، رؤيته كونية، وأدواته تمتد إلى ممثلين من جنسيات أخرى بجانب استخدامه لأحدث التقنيات العالمية، وتشكيلاته وملابس ممثليه وشاشته تصل إلى أرقى المستويات؛ أبهرنا وأبهرهم، وتحدث بلساننا وبألسنتهم، وعبّر عنا وعنهم، وكان السبّاق عالمياً في مسرحة كورونا، وقال للعالم كلمة مصر في أننا جميعاً سكان هذا الكوكب “كنّا واحد” وينبغي أن نعود واحداً.
خالد جلال يثبت أن العالمية لم تعد تستلزم السفر إلى هناك لتكون عالمياً، فهم جزء من العالم ونحن أيضاً جزء منه، والكوكب الذي يجمعنا وإياهم واحد، فأرضهم هي أرضنا و سماؤهم ذاتها سماؤنا.
صحيح أنهم سبقونا، لذا من أراد بالأمس أن يكون عالمياً ذهب إليهم، ولكن اليوم الوضع اختلف والعالم تغيّر، ولا نريد أن نظل لهم تابعين.. نريد أن نشاركهم في السباق، يسبقوننا أحياناً ونسبقهم أحياناً من دون أن ينال ذلك من الود الإنساني؛ سبقناهم بفكرة منتدى شباب العالم، وسبقناهم بمسرحة جائحة كورونا، وسبقناهم بقرار خالد جلال ألا تتناول مسرحيته “كنّا واحد” هماً مصرياً نريد تصديره إليهم، ولكنها تناولت هماً كونياً شغل العالم بساسته وعلمائه وكباره وصغاره وتلاميذه وأساتذته. إنه الفيروس الذي أصاب الأغنياء كما الفقراء، وبعد أن توهمنا أنه سيوحد البشر، جاء اللقاح ليفرق بينهم، وليؤكد أن الغني سيظل يسعى لتمييز نفسه والاحتكار والاستفراد،؛ ويبدو أن الطبيعة لن تسمح له بالتمادي في ذلك، وفي عالم كانت كورونا واحدة من كوارثه الطبيعية التي أصبحت كثيرة، ليتنا ندرك أن الغني كلما ازداد طمعاً ازدادت الأرض غضباً وأفرزت من الكوارث ما يؤكد لنا أننا “كنا واحداً” ولا بد أن نعود واحداً كما قال خالد جلال في مسرحيته.
رسالة الفن الصادق تصل بسلاسة إلى كل المستهدفين بها، ورسالة (كنّا واحد) وصلت، وأثّرت في ضيوف المنتدى، كما أثرت في من شاهدوها سواءً عبر التليفزيون أو اليوتيوب، أبكت الكثيرين على حال الدنيا التي سادت فيها الحروب والارهاب والعنصرية والتنمر والتطرف والأنانية والكراهية والقتل والعنف والطمع والاستغلال والمتاجرة بالبشر، وكشفت أننا في عز المحنة لم نرتدع، وتفرغ البعض لإطلاق الشائعات والفتي بغير علم، بينما تفرغ البعض الآخر لمهمة نشر تلك الشائعات على مستوى العالم!.
أكبر تكريم لخالد جلال والمواهب التي شاركت في هذا العرض كان اندماج الحاضرين وتصفيقهم تحية للمشاركين فيه، وعلى رأس هؤلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وكلمات شكره وتقديره لطاقم العمل بقوله في نهاية العرض (لازم أشكركم، حاجة جميلة ومبدعة جداً، وبكل تقدير واحترام واعتزاز، الدنيا كلها كانت بتتكلم في العرض)، وفعلاً الدنيا كلها تكلمت بتناغم، والدنيا كلها تألمت وتأوهت، والدينا كلها غنت، وكان في الدنيا كلها خلال الجائحة طامعين وجشعين وتجار أزمات وضحايا وخط دفاع مستعد للتضحية بحياته من أجل إنقاذ الآخرين.
العرض تألقت فيه مواهب من جنسيات مختلفة، وجوه لا نعرفها ولم يسبق لنا مشاهدتها، ولكنها تمتلك أدواتها، وتشخص وتعبر بلغة الجسد وبصوت واثق النطق، مواهب اختارتها عين خبيرة ودرّبتها وأثقلتها لتكون أكثر تميزاً من عديد من المحترفين، وليكون طريقها للاحتراف ممهداً حال أراد القائمون على الانتاج ذلك.
لم تبهرنا فقط مسرحية (كنّا واحد) وفقرات الافتتاح، إننا أبهرتنا أيضاً جلسات المنتدى والقلوب المفتوحة للنقاش الصريح لمختلف القضايا وتحطيم الحواجز اللغوية والثقافية والعرقية والدينية، ثم جاء حفل الختام ليكرس قدرة شبابنا والمنظمين للمنتدى على إبهار العالم بلغة الفن، وبالمشاعر التي ترفع الإنسان فوق جميع الاختلافات والخلافات.
خلال السنوات الأخيرة، وبعد أن استعدنا ثقتنا بأنفسنا أدركنا أن (مصر تستطيع)، واليوم أكدنا للعالم كله أن (مصر استطاعت) وأنها مازال في جعبتها الكثير لتقدمه لأبنائها ولشباب العالم سعياً إلى عالم أفضل. شكراً رئيسنا الذواق للفن والمستوعب لكل كلمة صادقة والمتأثر بكل حالة إنسانية يراها على خشبة المسرح أو في الحياة، شكراً لمنتدى شباب العالم، وشكراً للمبدع العالمي خالد جلال.
mahmoudhassouna2020@gmail.com