كتب : محمد حبوشة
قد يرى البعض أن الأعمال الدرامية مجرد منتج للاستهلاك، يستهلكه المتفرجون من خلال التلفزيون، ويحققون من خلاله المتعة والإثارة فقط، لكن الأعمال الدرامية لها وظائف أخرى أبعد من الاستهلاك، إذ هى تثقيفية كما أنها ناقدة، تساعد المتلقي على تغيير أفكاره وتطوير معارفه ونقد واقعه، فالمسلسلات الجادة في كثير من البلدان، تقوم بدور الكشف عن مشاغل إنسان هذا العصر وتطلعاته، كذلك شأن المسلسلات الجادة في كثير من البلدان، فهي تقوم بدور الكشف عن مشاغل إنسان هذا العصر وتطلعاته، وتغوص في نفسية أبطاله لتبرز قيم الخير التي يعملون على ترسيخها، وتعري أضدادهم لتري المشاهد من خلال سيرتهم مغبة الخروج عن القانون وسوء عاقبة من يصعد السلم الاجتماعي بالإثم والعدوان، فأغلب المسلسلات الأميركية مثلا ليست مجرد بضاعة للاستهلاك، بل هي أعمال فنية تخاطب عقل الفرد ووجدانه، وتسعى للتأثير فيه تماما كسائر الأعمال الأدبية الكبرى.
ومن ملاحظاتي حول الإقبال على مشاهد الأعمال الدرامية التي تنتج هذه الأيام أستطيع الجزم بتطور وعي الجمهور في رفضه ما يقدم أو يعرض عليهم من دراما هزيلة لا تتناسب مع هذا البلد الذى ينادى الكثير من المسئولين وأصحاب الأفكار التنويرية بالنهوض بمواطنيه والعمل على بناء وجدانهم وتنوير عقولهم، ومن ثم لابد من النهوض بالدراما المصرية بحيث تكون بمثابة حائط صد ضد كل ما يسيء إلى هويتنا، بل إنه سوف يكون المصدر المضيء لإنتاج دراما رفيعة المستوى يمكنها أن تحقق طموح المواطن في التعبير عن الواقع المعاش بطريقة جاذبة ومحفزة على المشاهدة.
لذا كان هنالك عدة أخطاء فادحة وقعت في مسلسل (أيام) قصة وسيناريو (سماح الحريري)، وإخراج (محمد أسامة) وبطولة (رياض الخولي، شيري عادل، حورية فرغلي، سلوى خطاب، جمال عبد الناصر، حجاج عبد العظيم، رشدي الشامي، لقاء سويدان، محمود حجازي، أحمد صفوت، محمد عادل، محمد الصاوي، حلمي فودة، سماح السعيد، ندى موسى، هاجر عفيفي) وغيرهم، والغريب أنه من إنتاج (الصباح إخوان)، فقد انتهى عرضه على منصة (شاهد) ويعرض الآن على إحدى الفضائيات دون تحقيق نسبة مشاهدة تذكر، لأن المسلسل ببساطة جاء رديئا للغاية في صناعته، فقد اعتمد بالأساس على فكرة المواسم، والمسلسل إجمالا لايبدو كاملا على النحو المطلوب.
ولأنه ليس من عاداتي أن أشاهد المسلسل حلقة بحلقة وخاصة أنني أشاهد عدة مسلسلات في وقت واحد وهو ما يحدث نوعا من الخلط، لذا شاهدته على 4 مرات كل 3 حلقات مع بعضها وتركت الحلقتين (14، 15) على أساس أنه مسلسل طويل، خاصة أن الانطباع الأولي يشير إلى أنه على الأقل سيكون 30 حلقة، ولكن عند مشاهدة الحلقة 15 فوجئت بعبارة انتظرونا في الموسم الثاني، وهنا تساءلت بيني وبين نفسي: وهل اكتمل الموسم الأول حتى ننتظر الموسم الثاني؟، فالقصة لم تكتمل بعد كي ينهي المسلسل موسما يكون قد ترك فيه أي أثر يذكر.
فللأسف كانت القصة في الموسم الأول على وشك البداية حتى أن السيناريو لايمكن الحكم عليه من الـ 15 حلقة الأولى، والتي جاءت مبتورة فلم يكن هنالك عقدة أو ذروة، أو أي شيئ إلى أن هذا موسم أول، فعادة ما يحتوى الجزء الأول من أي مسلسل على قصة رئيسية ينتهي جزئها الأول في الموسم الأول وتنهي في الموسم الثاني أو كان يمكن أن نقسم هذه القصة الرئيسية إلى عدة أجزاء تنتهي أولها بنهاية الموسم الأول .. هكذا هى فكرة المواسم، فلايصح أن تقطع القصة من المنتصف وتقول أن هذا هو الموسم الأول، وخاصة أن الحلقة 15 لم تصل لذروة النهاية المنطقية لمسلسل ربما يكون له جزء ثان أو أكثر، فلابد أن تنهي من القصة وتبدأ قصة ثانية وتنتهي نهاية منطقية ربما تمهد لجزء ثان أو ثالث وهكذا.
وقد يكون رهان صناع مسلسل (أيام) على نسبة المشاهدة تمهيدا فإذا جاءت كثيفة يمكن استكماله في رمضان القادم في إطار اتباع الأسلوب التجاري، وإذ لم يكن ذلك هو الهدف فإنني أعتبر أنه نوع من الغباء من قبل متخذا القرار بتقسيمه إلى جزئين، فالبناء الدرامي في هذا المسلسل لم يكن جيدا لأنه يستند إلى لغة قديمة، ومع ذلك يبدو مقبولا في العموم، ولن نتعرض لباقي العناصر لأنها تبدو قص ولصق من أعمال أخري قديمة، لذا مرت الحلقات الـ 15 بلا عقدة أو ذروة أو مشاكل معقدة تستدعي التقسيم على مواسم، بل هى مجرد تمهيد ولا يمكن أن يكون الموسم الأول كله عبارة عن تمهيد للثاني، فهذه أول مرة أراها في الدراما المصرية والعربية أو حتى أجنبي أو هندي أو باكستاني أو موزمبيقي، فالمسلسل ينبغي في صناعته ياسادة أن يعتمد على مجموعة من المواقف المهمة، التي توصل في النهاية إلى تتابع وتوالي الحلقات، والمسلسلات عادة ما تكون سباعية، أو ثلاث عشرة حلقة، أو ثلاثون حلقة لتغطية شهر كامل لو أذيع المسلسل يوميا.
وعادة ما تكون الشخصيات الأساسية في المسلسل قليلة بحسب المفهوم السائد في الصناعة، إضافة إلى وجود عدد من الشخصيات الأخرى المساعدة، وفيه عقدتان: عقدة كبرى لا بد أن تحل في نهاية الحلقات كلها وعقدة أخرى تدور في فلك العقدة الكبرى، وهذه العقدة الأخرى يتم تقسيمها إلى عقد فرعية بعدد حلقات المسلسل، بحيث تنتهي كل حلقة بعقدة من هذه العقد الفرعية، حتى يتم عنصر التشويق والإثارة، بالنسبة إلى المشاهد، وحتى يبقى متشوقا لمشاهدة الحلقة التالية، ويتحتم على الكاتب التلفزيوني أن يراعي أهمية تحديد نهاية كل حلقة بما يحقق التشويق، والترقب للحلقة التالية وتنفيذ الحلقات حسب الزمن المقدر عند الكتاب.
بصراحة فكرة مسلسل (أيام) فاشلة بكل المقاييس وجاء الأداء من جنب نجوم كبار ومشهود لهم بالكفاء باهتا إلا فيما ندر، فحتما سينسى المشاهد التمهيد في الموسم الأول ومن ثم فلايمكن أن تتفاعل مع موسم ثان أو ثالث، خاصة أن السيناريو كان رديئا للغاية ولم يكن موفقا في حبكته، والحوار بدا لي متذبذبا بين الجدية وعدم الجديه على جناح إيقاع سيئ، رغم وجود بعض القصص الجميلة ذات الطابع الإنساني في ثوب اجتماعي بحكم أنها مستمدة من أجواء شعبية معروفة بالجندعنة والشهامة وحتى الخبث والمكائد النسائية المعروفة بها تلك الأحياء الشعبية، ولأن هذا الخطأ قد وقع فلايمكن تقييم السيناريو على النحو المطلوب، في ظل أنه مسلسل مخصص لبعض ممن ينتمون للأحياء الشعبية، ولا يحمل في طياته طابع المسلسل العام الخاص بالشباب أو الرجال والنساء، لكنه خصص لفئة محددة يمكنها مشاهدته.
وعلى ضعف الأداء التمثيلي فإنه ربما جاء ليشعرك بركاكة العمل ككل من خلال سيناريو مهلهل، ويبقى رياض الخولي بقدراته الفائقة في التجسيد الدرامي هو الركيزة الأساسية في العمل، وكذلك أداء شيرين عادل وحرية فرغلي وجمال عبد الناصر وحجاج عبد العظيم، وغيرهم كانوا هم بمثابة رافعة لهذا المسلسل في شكله النهائي، وعبثا حاول المشاهد أن يركز على الأداء التمثيلي أكثر من التركيز على السيناريو، وخاصة أن هذا أول عمل لـ (حورية فرغلي) بعد عودتها من إنهاء مشاكلها الجراحية، وهى تعتبر من وجهة نظري الشخصية من أكثر الفنانات الموهوبات في السينما والدراما المصرية، ولكنها هنا أخطأت كثيرا عندما حاولت اللعب في منطقة الكوميديا بجر الدراما إلى منطقة أكثر فكاهة رغم أن هذا لايبدو خطا واضحا في السيناريو.
ولم تكن (سلوى خطاب) مناسبة من حيث الملامح لدور الأم، فهي لا تصلح لأدوار الشر بشكل جميل بقدر ما تصلح أكثر لأدوار المرأة المتسلطة أو المتحررة أو ممارسة الكوميديا بشكل يختلف عن الكاراكتر الذي قامت به، ربما كان مناسبا أن من تقوم بهذا الدور (سلوى محمد على أو سلوى عثمان) حيث يتطلب الدور إمراة شريرة أو باكية وفي نفس الوقت تحمل قدرا من الطيبة على عكس ملامح (سلوى خطاب) الحادة جدا ولا تحمل أي نوع من الليونة في أدائها، أما الإخراج فكان عاديا جدا، ليس بالمعنى السلبي ولكن بالمعنى الإيجابي، أي بما يتماشى مع بيئة الحي الشعبي الذي يتطلب إمكانات تتماشي مع طبيعة بيئة الأحداث، وهذا لا يحتاج إلى حركة أكثر، في ظل أنه كانت تقريبا 90% من المشاهد في أماكن ثابتة في الشارع والبيت.
وظني أن هذا الثبات لا يمكن المخرج من إظهار قدراته الخاصة من عناصر إخراجية كبيرة أو مبهرة، ومع ذلك ففي الحلقة الأخيرة أظهر المخرج بعض العناصر الفنية الجميلة إلى حد ما، من خلال تصوير (فرحين) أحدهما شعبي والآخر لطبقة الأغنياء من الحارة، وقد أحدث بينهما نوع من المزج المقبول دراميا، لكن كان لابد من وجود خيط، أو سلسلة مفاتيح تنتظم فيها مجموعة من الأحداث، كل حدث قائم بذاته، وإن ربطتها جميعا فكرة واحدة، ففي كل حلقة من حلقات السلسلة، تبدو الأحداث بحيث تصلح كل حلقة منها أن تكون تمثيلية قائمة بذاتها، لها بداية وعقدة ونهاية، أي تمثيلية كاملة، بعكس الحلقة الواحدة من المسلسل.
وفي المواسم لا بد أن يكون هناك ما يربط الحلقات بعضها ببعض، فإما أن يكون البطل واحد في كل الحلقات، والمواقف التي يتعرض لها في كل حلقة تختلف عن الحلقات الأخرى، وإما أن يكون مضمون الموضوع واحد في كل حلقة من حلقات السلسلة، والشخصيات هى التي تتغير من حلقة لأخرى، عموما يعتبر هذا الشكل هو المفضل لدى المشاهد، لأنه نادرا ما يستطيع أن يستمر في متابعة المسلسلات حتى يقع على مضمونها كاملا، أما السلاسل فيمكنه أن يشاهد حلقة مثلا دون أن يتابع باقي الحلقات، لأن كل حلقة كما عرفنا من قبل وحدة قائمة بذاتها.
وفي النهاية يمكن اعتبار مسلسل (أيام) هو نوع من الدراما المقصود بها تمضية الوقت، لكن لا يمكن أن يصنف تحت بند المتعة الدراميا الخاطفة على مستوى القصة والسيناريو والحوار أو حتى الأداء التمثيلي المتقن إلى حد الاحترافية لدرجة أنه يمكنك الاستماع به على المستوى الفني، ولا ننكر أن هنالك بعض القصص أو الحالات الاجتماعية التي تولد بعض الأفكار التي يمكن أن تفيدك في حياتك، لكن أن تستمتع به كمسلسل بشكل كامل فأكبر خطأ فيه أنه قسم إلى جزئين بطريقة تعسفية أفقدته عناصر التشويق والإثارة التي تدفعك لانتظار الجزء الثاني بنوع من الشغف المطلوب، وبهذه الطريقة التي تم بها عمل موسمه الأول لايستحق أكثر من 30% من الجودة المطلوبة في الأعمال الدرامية.
ولابد لي من الإشارة إلى نقطة مهمة ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار، كان (أوجستس توماس) يذهب إلى ترجيح الفعل البصري أي الموضوع الذي تعتمد المشاهدة أو (الفرجة) فيه أكثر مما تعتمد على السمع الذي كان أراه كان هو الأسلوب المرجح لمسلسل (أيام)، ولا سيما إذا كان الفعل سيجري أمام جمهور من المشاهدين، وكانت حجة توماس التي لم تكن تخلو من بعض الوجاهة هى أن العين أكثر ثقافة من الأذن ونقل المعلومات عن طريق العين يجري بأسلوب مباشر أقوى مما يجري عن طريق الأذن، والعرض عن طريق العين ينقل إليك الشيء نفسه، أما العرض عن طريق الأذن فلا ينقل الشيء إلا بالرموز، وهذا ربما هو الأقرب في مسلسل (أيام) الذي فشل فشلا زريعا في مخاطبة مشاهد التليفزيون الحالي في ظل براعة الفعل الدرامي الحالي الذي تنتجه (الصباح إخوان).