2022 تهدينا أغنية (مية ..مية) للتونسية أميمة طالب
كتب : أحمد السماحي
منذ فترة ونحن نطالب في كتابتنا أن تنفض الأغنية المصرية وبالتالي العربية عنها ثوب الآهات والتلوع والفقدان والسهر والحبيب الغائب الذي يجب أن يعود، وتلقي بمناديل الضياع والدموع وتعالج الموضوعات التى تتناولها بأسلوب الواقع والعصر، وتبتعد عن المفردات المستهلكة والموضوعات العاطفية التى لا تغني ولا تثمن من جوع والتى تدور في إطار عاطفي واحد مكرر وممل، مما جعلنا نقول بالفم المليان أن الأغنية الفردية ماتت وشبعت موتا منذ سنوات باستثناء مجموعة من المطربيين الرائعين المتجددين الذين يجيدون التغيير ويهربون بنا ويهربون بأنفسهم من مستنقع المفردات المستهلكة التى جعلت المواطن المصري يرمي نفسه في التهلكة المسماه بأغاني المهرجانات!.
لكن يبدو أن العام الجديد 2022 يحمل لنا بشرى سعيدة فى عالم الغناء، حيث بدأت تتدفق إلى وجداننا مجموعة جيدة من الأغنيات، فمنذ أيام قليلة طرحت أغنية رائعة مليئة بالتجديد والطاقة الإيجابية في الكلمات واللحن والتوزيع، بعنوان (مية .. مية) كلمات الشاعر الموهوب جدا (محمد أبونعمة)، ألحان المبدع والمجدد (سهم)، توزيع المتميز (توما)، رغم أن الأغنية موضوعها تم معالجته عشرات المرات في أغنيات سابقة، لكن الموهبة الطاغية للشاعر المصري الشاب (محمد أبونعمة) الذي بدأ مشواره بخطوات جريئة، والذي سبق وقدم لنا أغنيات تعد على أصابع اليد الواحدة لكنها أصبحت علامات بارزة مثل (بنت أكابر، رفقا) لأصالة، و(فكرة المتساب) لرامي جمال، موهبة (أبونعمة) جعلته يحلق ونحلق معه في السماء بمفردات جديدة على الأذن المصرية والعربية، من عينة:
سلط فلانه، وسوق علان
واعملي هوجه وهايلمان
والله في سماه لو بت تدن
أنا آسفه جدا ده كان زمان
وأيضا قوله:
هتروح يمين هتروح شمال
دكتور حكالي، ده الشيخ قال
ما بقاش يجيب مهما تهاودني
أنا قافله ودني، على كل حال
فضلا على استخدامه لكلمه (أهوا) بأكثر من معنى في جملتي (وهموت م الضحك أهوا)، ومرة بمعنى آخر فى جملة (بتقولي حبك ليا لسه مكان ماهوا).
ولحن الأغنية بمهارة وعذوبة شديدة وبشكل أدخلها إلى قلوبنا جميعا الموسيقار الخليجي المبدع (سهم) من خلاله لحنه المقسوم الشرقي، والذي أستطاع من خلاله أن يبرز ويؤكد لنا حلاوة صوت المطربة التونسية (أميمة طالب) من خلال التركيز على أدائها الصوتي بغض النظر عن التعبير الموسيقي المبسط المصاحب للكلمة معبرا عن مضمونها، وأشعل الموزع (توما) اللحن بإضافة بعض الآلآت التى أعطت حيوية وجاذبية شديدة للحن جعلته مناسبا لـ (الاستيدج) والأفراح.
لكن مع حبي وإعجابي الشديد لصوت المطربة التونسية (أميمة طالب)، لكن الأغنية كانت تتطلب مطربة مصرية صميمة، مع كرهي للتصنيف في الفن، حيث أرى أن الفن لا جنسية له، ونرفع في موقعنا (شهريار النجوم) علم المشاعر الصافية الخالية من العقد ومن الحزازيات، لكن كلمات الأغنية جاءت من الشارع المصري (أوي)، صحيح (أميمة) غنت بالعامية المصرية، لكن غنت دون أن يكتمل إحساسها بمصر، فمصر وغناؤها موضوع كبير، والتعامل مع ظاهرة مصر بأسلوب (سياحي) قد ينتج فنا، وقد ينتج فنا جميلا، ولكنه دائما يفتقد شيئا تظل تبحث عنه، إلى أن تكتشف أن الفنان قد يكون عاش في مصر، أو يحب مصر، إلا أن مصر لم تعش فيه! وهذا ما شعرت به مع هذه الأغنية الجميلة بصوت الرائع (أميمة طالب)!.
ونقطة أخيرة يجب أن أتحدث عنها هو إخراج (بتول عرفة) المتميز للكليب، فقد أضافت الكثير إلى الأغنية وعملت على نجاحها أكثر، خاصة وأنها استعانت بالفنانة الكوميدية (شيماء سيف)، لتقدم دور الزوجة التانية، لزوج بطلة الكليب (أميمة طالب)، التى تترك منزل الزوجية، لكنها بعد تفكير قررت العودة لمنزلها لمفاجأة زوجها لتكتشف وهى تقرأ رسالته المليئة بالوعود الكاذبة، أنه يدخل عليها وفي يده زوجته الجديدة التى تزوجها وهى (شيماء سيف)!.
وتقرر الزوجتين أن تتحديا بعضهما، لكي تفوز واحدة منهما بقلب الزوج، وتدور باقي الأحداث في إطار كوميدى، وفى نهاية الكليب تتفاجئ الزوجتين برسالة من إمرأة ثالثة على موبايل الزوج، فتقومان بإلقائه في حمام السباحة، وجسد دور الزوج كابتن منتخب تونس في كرة اليد (وفيق باشا).
كلمة أخيرة عن (محمد أبونعمة) نظرا لإعجابي الشديد بموهبته، وهى أنه استطاع أن يتمرد في أغنياته التى قدمها حتى الآن بوعي على الشكل العادي للأغنية العاطفية ويقدم لنا ترنيمة حب رقيقة مختلطة برائحة الأرض والنيل والناس، وبالقديم والجديد، بمصر الحب والعمل والأمل، هذا الشاعر الذي لا أعرفه بالمناسبة يجب أن نحافظ عليه، وعلى أمثاله الموهوبين في دنيا الكلمة والنغم، ونتعلم كيفية حماية الأشياء الحلوة وتوفير الجو المناسب لها لكي تنمو فيه وتتألق.