رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(رقصصة) فوق النيل !

بقلم : محمد شمروخ

كما هو متوقع، انتهت مشكلة معلمة المنصورة بمأساة الانفصال وهدم كيان أسرتها عقب انتشار الفيديو المشئوم الذي أحدث ارتباكا لدى الكثيرين في ردود أفعالهم حول التعامل مع الواقعة، وهنا لن أنجرف إلى الحكم على هذه السيدة إن سلبا أو إيجابا، فالأمر قد تحول إلى مأساة لن يجدى معها تبرير أو اعتراض أو تضامن أو تعاطف أو توبيخ، خاصة أننا جميعا نجلس متفرجين من خارج دائرة المرارة التى فرضت عليها وعلى دوائر محيطها الخاصة من أسرة وعائلة ومنطقة.

ولكن ما أريد أن أطرحه هنا بدون أى هزل، هو الرسائل التى يمكن أن تصل إلى (الحكومة) بعد هذا المشهد الذي قامت به مجموعة عادية من الشعب من متوسطى الدخول أو محدوديهم، قرروا القيام برحلة ترفيهية في وقت لا يشكل مناسبة ملحة للقيام برحلة تتخللها فقرات من المرح واللهو والرقص على الموسيقى والأغانى، فلا هو عيد شم نسيم ولا أى من الأعياد العادية أو حتى القومية ولا حتى من جملة الأعياد المستحدثة من فلانتين أو هالويين، ولا هو مناسبة حفل خطوبة أو زفاف ولا حتى عيد ميلاد خاص ولا ذكرى تأسيس، إنما هم مجموعة من المعلمين قاموا برحلة نظمتها نقابتهم الفرعية للترويح على أنفسهم  وهو أمر لا نرى فيه مخالفة حتى مع الفقرة الراقصة التى قدمها المشاركون في الرحلة ومن بينهم السيدة المعلمة التى تحملت وحدها النتائج السلبي المترتبة على انتشار الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

لكنهم لم يدركوا كيف يمكن أن يكون رد فعل رحلتهم بعد انتشارها عند أصحاب القرار في الحكومة.

– الشعب فرحان وبيرقص يا أفندم.. فما يقال من شكاوى من غلاء الأسعار والضجيج من ارتفاع تكاليف الحاجات الضرورية والسلع الأساسية، ليس إلا ثرثرة وطق حنك لابد أن هناك وفرة فاضت عن المتطلبات الأولية اقتضت أن ينفقوا هذه الوفرة – حتى لو كانت مبالغ قليلة – في رحلة ترفيهية تخللتها نزهة نيلية فوق مركب، وأقيم حفل صغير ضجت فيه الموسيقى الراقصة وكانوا جميعا يصفقون ويمرحون ويصورون الحفل بكاميرات موبيلاتهم الحديثة ثم يبثونها على شبكة الإنترنت لتكون ذكرى قابلة للتكرار.

– ولو دققت النظر في تاريخ الرحلة ستجده يوم جمعة عادي وافق العاشر من ديسمبر الماضي

– وما معنى ذلك؟!

– يوم الجمعة يعنى إجازة نهاية الأسبوع.. يعنى (ويك إند).. يعنى أن الموضوع يمكن أن يتكرر كل أسبوع أو حتى أسبوعين.

وبالنسبة إلى أنهم (مدرسون) فلم يكن الترفيه بمناسبة نهاية امتحانات نصف العام الدراسي مثلا والتى لم تبدأ بعد، وطبعا ولا بمناسبة إجازة نصف السنة التى سبقت الرحلة حلولها بحوالي شهرين من ذلك التاريخ، ولا هو بالطبع بمناسبة نهاية العام الميلادى فما نزال في يوم عشرة منه!.

إذن فقد بدأت المصريون العاديون من الفئات الوسطى يدخلون إلى حياتهم (ثقافة الويك إند)، وبالتالي فهناك وفرة في دخولهم تتيح لهم ذلك، مما يحتم على المسئولين تضييق مجالات الدعم الذي تقدمه الدولة وترهق به ميزانيتها، فهناك فئات أولى بهذه الأموال المخصصة للدعم، وأحق بها من الذين يذهبون لقضاء الويك إند!

– هذا ليس كل شيء، فما دام الأمر كذلك فيمكن أن توسع الدولة من مجال الاستثمار في الترفيه مادامت فئات جديدة ستواظب عليه، لتقوم الدولة بالاشتراك مع شركات القطاع الخاص بإنشاء متنزهات وملاهى ومراكب للنزهة تستقطب هذه الفئات بدلا من الإنفاق العشوائي في الترفيه.

صدقونى أنا لا أهزل فهذا هو رد الفعل المنتظر رفع تقارير به بمعرفة الجهات المكلفة برصد لمظاهر الحركة اليومية لحياة الناس وتحليل سلوكياتهم وما يطرأ على تصرفاتهم وردود أفعالهم في حياتهم اليومية، وكيفية إنفاقهم وطرق استهلاكهم في المناسبات العامة والخاصة، بل ويصل الأمر إلى تحليل كم الأموال التى يثبت إنفاقها على المخدرات أو تذهب إللى جيوب النصابين لاسيما في مجالات تشغيل الأموال العشوائية بعيدا عن البنوك!

لقد تسببت واقعة المعلمة المسكينة في ردود فعل واسعة على المستويات الشعبية، حتى أنه تم إحالتها للتحقيق من جانب جهة عملها مع بقية زملائها المشاركين، وتحملت وحدها ردود الفعل المباشرة التى أفضت إلى خراب بيتها دون بقية المشاركين معها.

ولكنا جميعا سنتحمل رد فعل غير المباشر من الجانب الخفي، لأن (الحكومة) تبدو تجاه كثير من الوقائع ذات حساسية خاصة وتتميز فجأة بعيون حادة النظر، لتقرأ ما وراء الأحداث والأفعال ويتم تحليل بعض الوقائع بعيدا عن انفعالات الثرثرة والصعبنة والشماتة ومصمصة الشفاة التى تملأ الساحات الواقعية والافتراضية.

فاستبشروا بموجة صعود جديدة للأسعار خاصة وأنه يتم تهيئة الأجواء لذلك منذ نهاية العام المنقضي وكانت تزداد كلما اقترب العام الجديد.

فما شهده سطح المركب النيلي، سندفع ثمنه باهظا، على الأقل بفقد أى تعاطف من جانب (الحكومة) لأننا سعداء نرقص ونغنى ونمرح بعد أن شبعنا وارتوينا وسددنا فواتير الكهرباء والموبايل والتليفون المنزلى والإنترنت، والباقات على تليفونات الأولاد وغيرنا الأنابيب بعد أن ملأنا دولاب المطبخ بالسكر والزيت والمكرونة واكتظت الفريزارات والثلاجات باللحمة والفراخ والخضار المجمدة والفاكهة، وأكملنا الفراغات بين كل ذلك بعلب العصير والآيس كريم، وكمان استقرت في دولاب الحمام تحت الحوض مساحيق الفول أوتوماتيك والصابون السائل، ثم اتصلنا بشركات السياحة لنحجز شاليهات وأجنحة (رويال سويت) في الفنادق الساحلية في الغردقة وشرم ودهب لقضاء إجازة نصف السنة، وها نحن نخرج في فسح أسبوعية بعد أن صار الـ (ويك إند) جزءا لا يتجزأ من حياتنا الأساسية، حيث نبذر ما يزيد عن نفقاتنا الأساسية.

نهايته:  الشعب مبسوط يا حكومة وغلى البنزين يا باشمهندس طارق.. الشعب (بيرقص فوق النيل!).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.