رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

فاتورة للإبداع .. بيروقراطية سخيفة !

رئيس الوزراء

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

مسكين مسرحنا المصرى لا يقوم من كبوة حتى يقع فى عثرة ، و كأنه قد كتب عليه ألا يسلم أبداً من العقبات ، فبعد أن اختفى مسرح القطاع الخاص أو كاد – فلم يتبق منه سوى فرق قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة لأسباب اقتصادية – و أصبح الأمل منوطا بمسرح القطاع العام بصفته الجناح الوحيد الباقى من المسرح المحترف ، نجد أن هناك من يضع فى طريقه العقبة تلو العقبة ، و كأن حديث السيد رئيس الجمهورية حول القوى الناعمة و أهميتها و حول ضرورة العمل على ترقية وعى المواطن لا تصل إلى آذان الجميع و لا يضعونها موضع التنفيذ ،  فنجد من يحاول قتل إبداعات المسرحيين و كأنها لا تمت بصلة لكل القضايا التى يتكلم فيها السيد الرئيس و يدفعنا دفعا إلى إنجازها .

و سابقا تكلمنا – و لا أقصد بـ ( تكلمنا ) تفخيم الذات و إنما تعدد المتكلمين – حول عقبات تجابه الانتاج المسرحى – منها على سبيل المثال لا الحصر إلغاء بند الدعاية لجميع الاعمال المسرحية تنفيذا لقرار رئيس مجلس الوزراء بتخفيض الإنفاق ، و كأن هناك مسرح بلا دعاية !! ، و ناشدت أن يتعاون التليفزيون المصرى أو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مع وزارة الثقافة فى الدعاية لمسرح الدولة مادام الكل تابع للدولة ، و قلت تحديدا :

( إن عملا فنيا بلا دعاية يا سادة كالآذان فى مالطة أو كالبحث عن إبره فى كوم من القش ، فلا فن بلا دعاية تخبر الجمهور و تحثه على المشاهدة و الاستمتاع و التعلم، و أن ارتياد المواطنين لمسرح الدولة و مشاهدة المسرحيات الهادفة و الصادقة و الجميلة و الممتعة جزء من ( حياة كريمة ) تسعى الدولة لتوفيرها لمواطنيها ، و حائط صد ضد الأفكار الظلامية و المتطرفة و الفن المبتذل . و إلا فلتغلقوا المسارح الى حين توفر بند الدعاية ، أو إلى حين اقتناع الدولة بأن لديها مجالات للدعاية مجانية.

وزير المالية
نص قرار وزارة المالية بالتسجيل الألزامي

و مع ذلك ظلت الأمور على ماهى عليه و لا حياة لمن تنادى ، و لم يقف الأمر عند هذا فحسب ، فهاهى الإدارة القانونية بالبيت الفنى للمسرح تزيد الأمر تعقيدا و تكبيلا للفنانين حتى أن بعضهم آثر التوقف عن التعاون مع مسرح القطاع العام . و تبدأ القصة بكتاب دورى تم توزيعه على كل الإدارات المالية فى الدولة بناء على قرار الدكتور رئيس مجلس الوزراء و منشور وزير المالية الذى ينص على أن ( يلتزم الجهاز الإدارى للدولة بالتعامل بالفاتورة الإلكترونية و أنه يحظر التعاقد مع أى من الموردين أو المقاولين أو مقدمى الخدمات أيا كان نوعها إلا إذا كان مسجلا فى منظومة الفاتورة الالكترونية ) .

لقد أفتت تلك الإدارة بأن الفنانين – ممثلين و مخرجين و مؤلفين – يندرجون تحت هذا القرار ، و كأنهم موردين أو مقاولين : فهل الممثل مورد تمثيل ؟ أو مقاول أحاسيس ؟ ، و هل البناء الدرامى الذى يصنعه المؤلف يدخل تحت بند المقاولات ؟ و المخرج بالتأكيد ليس مقدم خدمات ، و لكن الإدارة رأت فى ( أياً كان نوعها ) شمول مهن الإبداع داخل مهن المقاولات و التوريدات !!

لم تدرك الإدارة أن الغاية من الفاتورة الإلكترونية هو المساعدة بشكل فعال في ضم الاقتصاد غير الرسمي وإحكام المجتمع الضريبي وتحقيق العدالة الضريبية ، برغم أن هذه الإدارة تعلم تمام العلم أن الفنانين جميعهم داخل الاقتصاد الرسمى ، و وجود بطاقة ضريبية للمهن الحرة شرط للتعاقد مع أى فنان ، فلماذا المزيد من القيود و الهدف من الفاتورة متحقق ؟ ، و أن أحد الأهداف من الفاتورة الإلكترونية إنشاء أكواد موحدة للسلع تراجعها الجهات المختصة بصفة منتظمة لكى تتأكد من مطابقتها للمواصفات . فهل من الممكن إنشاء أكواد موحدة للتمثيل ؟ و من الجهة التى ستضع المواصفات القياسية له ؟ و كيف ستطبقها ؟ و متى يتم قياسها ؟ .

هل الممثل مورد إلكتروني أيضا؟

و إذا طالعنا ما تنشره وزارة المالية من توضيحات للفاتورة الإلكترونية ستجد أنها تتحدث عن الشركات و كيفية تسوية القيمة المضافة بينها و اعتبارها من الشركات الأقل تعرضا لمخاطر ضريبية ! ، و لذا فالأسئلة تطرح نفسها بقوة فى هذا الموقف: لماذا أصرت تلك الإدارة دون غيرها على تطبيق الفاتورة الإلكترونية على الفنانين؟ – فى حين  أن القرار لم يجر تطبيقه على الفنانين المتعاملين مع الاوبرا مثلا – لماذا لم تستفت تلك الإدارة وزارة المالية قبل تطبيق القرار ؟ ، لماذا لم ترسل لإدارة الفتوى و التشريع بمجلس الدولة لتسألها ؟ ، لماذا فضلت أن تريح رأسها و تطبق القرار ؟.

يقول البعض أن إدارة البيت الفنى للمسرح أرسلت لوزارة المالية ، و التى طلبت مخاطبة الجهة المختصة بالضرائب ، و أن الضرائب لم ترد على المخاطبات المتكررة ، فقررت الإدارة إيقاف عقود مائة من الفنانين أنهوا أعمالهم بالفعل منذ شهور حتى يسجلوا أنفسهم فى الفاتورة الإلكترونية ، بالرغم من أن التسجيل يحتاج إلى كتابة اسم الشركة ، و وضع خاتمها ، و إنشاء توقيع إلكترونى ! ، و لا سيرة على الإطلاق للافراد . و تغافلت الإدارة عن أن تطبيق منشور وزارة المالية ليس تطبيقا متعسفا و حسب ، بل هو أيضا يتجافى مع روح القوانين المنظمة للملكية الفكرية ، فتلك القوانين لا تعتبر الإبداع سلعة من الممكن بيعها و شرائها ، بل هو منتج إبداعى يمكن للغير استغلاله لفترة محددة و محدودة ، مقابل مبلغ يتفق عليه الطرفان ، و الإصرار على استخدام فاتورة فى الأمور الإبداعية ، يعنى أنه تم بيع المصنف و ليس حق استغلاله فقط  ، و هو ما يتنافى مع القانون . و على جانب آخر ليس التمثيل و الغناء  و الإخراج مادة ملموسة للبيع ، بل هو نتاج فكرى إبداعى فهل تصدر له فاتورة ؟

الفاتورة الألكترونية أصبحت فرضا على الإبداع المسرحي مثل باقي السلع والخدمات

مما سبق – و من وقائع كثيرة أخرى – يثبت دوما أنه لا يصح أن تسرى القوانين التى تتعامل بها وزارات مثل التموين و الصناعة على المسرح و على الفن عموما ، قلناها من قبل و قالها  كثير من المسرحيين  – على طول التاريخ المسرحى  – فعلى مدى كل مؤتمرات المسرح التى انعقدت منذ الستينات و حتى الآن طالب المسرحيون بالتحرر من تلك القوانين و أصروا على أن المسرح لن ينصلح حاله إلا بالحرية و التحرر من بيروقراطية سخيفة و لوائح عقيمة ، و لكن بدلا من تنفيذ توصيات الفنانين – و هم أدرى بشعاب الفن – تعمل بعض أجهزة الدولة بعكس تلك التوصيات تماما ، و نكتشف أنها تزيد المعوقات .

رحم الله مسرحنا المصرى من موظفيه الذين يقتلونه بدلا من مساعدته على النهوض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.