رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد مفتاح .. واحد من القلة القادرين على سرقة الكاميرا !

(محمود المليجى).. الممثل المفضل لي

بقلم : محمد حبوشة

الممثل الذي يتقن أداءه بشكل تلقائي وعفوي، فتزدوج شخصيته بالشخصية الأدائية، يؤثر في جمهوره تأثيرا مباشرا، وإن أداء الممثل له من الأسس والقواعد التي تجعل منه فنا، وليس تقليدا أو نسخا للواقع المعاش؛ أي أنه فن يرتبط بالفكر والهدف المراد تجسيده وطرحه على الخشبة في إطار فني ممتع هو أداء الممثل الذي يعتبر عنصرا أساسيا في خلقه، وليس مجرد حركات أو إشارات لتسلية الجمهور وإضحاكه بدون هدف، وعلى الممثل، إذا أراد أن يعبر بشكل علمي وفني يتفق مع طبيعة العلوم والفنون أن يدرك أدوات مهنته، وجميع متعلقاتها التي تتيح له عملا ناجحا يتسم بالجدية؛ لهذا يفترض في الممثل أن يكون مثقفا واعيا متشبعا بمدارس المسرح المختلفة وأن تكون لديه معرفة عملية أساسها الاحتكاك والممارسة والتجريب.

وهذا هو دستور ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع الفنان المغربي الكبير والقدير (محمد مفتاح)، ذلك الممثل المثقف الواعي الذي تشبع بمدراس المسرح المختلفة في بداية حياته، ونظرا لأنه أدرك بالأساس أن مهنة الممثل ليست بسيطة وسهلة، وأن حياة الممثل تختلف عن حياة أصحاب المهن الأخرى؛ لأنها تتعلق بالظروف وبساعات التمرين الطوال، فالممثل من أجل أن يكون مقنعا وناجحا على الخشبة فهو يضحي بالكثير، لذا اجتهد في حضوره التجارب والتمارين، وتحمل بعض الملاحظات التي أحيانا تكون لاذعة أثناء التمارين، وهذا ما جعل منه أكثر إصرارا وتصميما ليقدم أفضل ما لديه لإنجاح عرضه، انطلاقا من قاعدة أنه على الممثل لكي يكون عظيما أن يكون قادرا على التعبير كيفما شاء عن مشاعر يحسها فعلا بكل أحاسيسه ومشاعره.

دخولي عالم الدراما السورية جاء بالصدفة البحته

فن الإلقاء عنده

تعلم محمد مفتاح قبل أن تطأ قدماه خشبة المسرح أن فن الإلقاء عاملا مهما على خشبة المسرح، وهو جزء لا يتجزأ من فن التمثيل بل هو احد أدواته الفنية، فالهدف الرئيسي الذي يصبوا إليه الممثل من خلال وسائله الفنية وخاصة الإلقاء، هو أن يولد القناعة لدى الجمهور بأبعاد الشخصية التي يجسدها وبالأقوال والمشاعر التي تقدمها تلك الشخصية، فـ (ليست مهمة الفنان أن يعرض مجرد الحياة الخارجية للشخصية التي يؤديها بل لابد أن يتلائم بين سجاياه الإنسانية وبين حياة هذا الشخص الآخر، وأن يصب فيها كلها من روحه هو نفسه، إن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية ثم التعبير عنها بصورة فنية

ومن هنا يأتي تعبير الممثل (محمد مفتاح) الصادق بالإضافة إلى حركاته وإيماءاته (إلقائه)، فهو يفهم جيدا أن الكلام قبل إلقائه أمرا لابد منه لأن العملية تتم ضمن إطار الفن الدرامي فلا مناص للممثل من الإيمان بالكلام الذي سيلقيه على مسامع المتفرجين والذي يتضمن جملة من الأفكار والمشاعر ليس إيمانا مجردا، بل إيمانا صادقا فيما يلقيه من حوار بعد التعرف على أبعاد الشخصية الطبيعية والنفسية والاجتماعية وصفاتها بالسلوك والتصرفات وطريقة الكلام، فعلى الممثل أن يتعرف على العناصر التي تجذب السامع وتثيره من أجل إبراز القيم الدرامية المختلفة، بحيث يصل إلى هدفه من نقل أفكاره أو أفكار غيره بشكل واضح ومحدد، ومن ثم التأثير على السامعين أو المشاهدين بحيث يتفاعلون مع هذه الأفكار مثلما يفعل (مفتاح) في أدائه.

أنا عربي أولا وأخيرا، وهذا وسام علي صدري

الوسيلة الوحيدة والفعالة

منذ أول لحظة وطأت فيها قدمي الفنان (محمد مفتاح) أدرك حقيقة أن الإلقاء يعتبر الوسيلة الوحيدة والفعالة في مخاطبة الجماهير كونه يجسد الأفكار والأحاسيس والأهداف بشكل معين، وأن لفن الإلقاء أربعة أساليب هى (أسلوب الإلقاء الخطابي، أسلوب الإلقاء الشعري، أسلوب الإلقاء القصصي، أسلوب الإلقاء التمثيلي)، ومن ثم حرص (مفتاح) على إن يتلائم الأسلوب مع السامعين من حيث ثقافتهم وتقبلهم للموضوع المطروح، فالأسلوب الذي نتعامل به مع عامة الناس، غير ذلك الذي نتعامل به مع طبقة مثقفة منهم، حيث أن في هذه الحالة لا نحتاج إلى تبسيط الأسلوب وإلى إيراد تفاصيل لا ضرورة لها، ولذا رسخ في ذهن (مفتاح) إن الإلقاء التمثيلي (فن من الفنون)، وأن لكل فن مؤهلاته وأصوله والفن التمثيلي يعتمد أولاً على الموهبة التي لابد من توافرها في الشخص لكي يكون فنانا وثانياً يعتمد على الإبداع والمقصود هنا بالإبداع هى التلقائية في تنفيذ العمل الفني.

آمن (محمد مفتاح) بأن الإلقاء لا يعتبر فنا إذا لم يوضع في موضع خاص أي عندما يكون هناك من يتلقى ذلك العمل ويستجيب له، إن لغة المسرح مثلها مثل اللغة في بقية الفنون، فإذا رجعت إلى كتاب (أرسطو) فن الشعر لوجدته يتناول بتحديد الخصائص اللغوية لفن المأساة وبدقة متناهية، كما ويتناول أساليب الصياغة والأوزان الشعرية التي تنصب جماليات التراجيديا في قوالبها، وتنبع خصوصية لغة المسرح من طبيعة فن المسرح ومن أسلوبه في التواصل مع المتلقين، فالمسرح ليس فنا مقروءا أو مسموعا، بل فن مرئي أيضا ويخاطب في لحظة واحدة جمعا كبيرا من الناس بمختلف الأذواق والثقافات والانتماءات، ولأن المسرح تمثيل للحياة الواقعية فهو بالتأكيد ليس مثلها ولكنه يجب أن يقنعنا بأنه يكثفها ويلخصها، وإذن فإن اللغة التي تتكلمها الشخصيات على المسرح هى بالتأكيد غير لغة الواقع،  ولأنها غير لغة الواقع كما فهمها (محمد مفتاح) وجب على الممثل أن يلقيها بتهذيب وأن تكون الكلمة الملقاة على مسامع الناس تتصف بالجمال، وأن تكون موزونة مترابطة مع بعضها البعض تنمي ثقافات السامع وتزيده من خبرته في الحياة. 

هناك فئه تحارب الفن السينمائي وتعتبره حرام

التمثيل فعل معرفة مستمر

والمتأمل للأدوار التي جسدها (محمد مفتاح) على المسرح وشاشتي السينما والتليفزيون، سوف يلحظ أن التمثيل بالنسبة له هو فعل معرفة مستمر، وهو الطريقة إلى دخول العالم الداخلي للإنسان وتعريته والكشف عن خباياه الدفينة، وخاصة الخبايا التي لا يستطيع الفرد الإقرار بها حتى أمام نفسه، إضافة إلى أن التمثيل من وجهة نظره هو فعل الحرية والتحرر بالمعني السيكولوجي؛ سواء تعلق الأمر بالممارسة ذاتها أي العرض، أو النتيجة التي تصل إليها أي التطهير، إن العنصر المشترك بين الممارسات والمشاركات المسرحية والسينمائية والتليفزيونية هو تكرار (لا شيء) يأتي من عدم، وهذه قاعدة تقوم عليها ظاهرة العرض أو الاستعراض والفرجة.

وأستطيع القول إن الممثل المغربي (محمد مفتاح) يمتلك موهبة خاصة من خلال ملاحظتي لتجاربه الأدائية المختلفة، إنه لا يستطيع أن يستهين بحالة التمثل التي تسبق لحظات التمثيل؛ إذ أن التمثل هو دراسة استبطانية للشخصية من الداخل والخارج في نفس الوقت، وترديد الحوار الذي تنطق به ليس هو ترديد كلمات فقط، وليس هو فعل أو شروع في فعل فقط، إنه عنده حالة من التلبس كاملة؛ هى استعادة لتجسد ونبض حياة يستعين عليها الممثل بما في أعماقه من أحاسيس متجسدة؛ هي حالة ميلاد جديدة، ومن هنا نتذكر ملاحظة لأفلاطون يقول:(أنه يوقظ الاحساسات ويغذيها ويقويها ويعرقل حركة العقل)، إن رأي أفلاطون في الشاعر ينطبق تماما على الممثل في حالة التمثيل، إنها لحظة ولادة الفعل على المسرح والسينما والتلفزيون حين تتسارع الأنفاس ويسكن الصمت دهاليز الاعتياد القادم من شوارع الحياة وتنوعها وأنفاسها المكتظة، إنه ذلك الشعور المختلج في حنايا الذاكرة العاطفية حين يظهر الممثل للجمهور في لحظة من نشوة الفن المشرق من نافذة العدم المظلم نحو (المتعة.. الضحكة.. التعاطف.. الضجيج.. السعادة.. الكآبة).

فى البداية كنت أجد صعوبة فى فهم اللهجة المصرية

مترجم لأفكار ومشاعر الكاتب

محمد مفتاح هو فنان مترجم لألفاظ وأفكار ومشاعر وأحاسيس الكاتب، كما يقوم بترجمة وتوضيح مفهوم المسرحية بجسده وصوته للمتفرجين، ولعل اتصاله المباشر بهم يجعله يتعرف على التأثير الحاصل عليهم عبر الاتصال العاطفي، كما أنه كيان ملموس متحرك قد يضيف ويحذف حسب ردود فعل الجمهور معه، ومن هنا فهو يدرك جيدا أن على الممثل أثناء تشخيصه أن يخلق صورة كاملة للشخصية الموكول له تشخيصها بشكل من الإبداع والمهارة المسرحية لكي تطابق هذه الصورة المتطلبات الدرامية للمسرحية أو مفهوم المخرج أثناء الفترة الحاسمة للتشخيص والإلقاء، وهنا وجب إحداث التأثير العاطفي لدى الجمهور عبر ما يولده الممثل من أحاسيس من خلال تصويره للعاطفة التي شعر منها وتخص الشخصية.

الممثل ونفسه وكيانه هو الوسيلة المهمة والضرورية عند (مفتاح)، لذا يوجب على نفسه استخدامها واستغلالها بدقة بارعة تقنيا وفنيا، ثم هناك ممثل ووسيلة معا، وهنا وجب عليه استخدام كل ما أتيح له من وسائل وتوظيفها لأن استعمالها ليس اعتباطا وعبثا، وهنا نركز على عقل الممثل (محمد مفتاح) وخبرته وخياله وقدرته كلها طاقات يوظفها للقيام بدوره في جو فعال حتى يشعر ويفهم الشخصية ويوصل ما أريد إيصاله للجمهور عن طريق جسمه وصوته بشكل مرئي ومسموع ، حيث يستوجب عليه معرفة كيفية استخدام صوته وجسمه للغرض القوي والهدف المحدد، لتجسيد الآثار التي يريدها (الحقد – الغضب – الحب – الدهشة – الخوف – البهجة – الشفقة – تأنيب الضمير – الفزع)، كل هذه الأحاسيس) يعبر عنها الممثل من خلال تقنية ومهارة الخيال والتنوع  الذي يستعملهما كوسيلة .

يجب على الحكومة المصرية فتح باب التصوير الداخلى لكل الدول العربية أو الأوروبية

المولد والنشأة

ولد محمد مفتاح في الحي المحمدي بالدار البيضاء، وعاش مأساة مقتل أمه على يد الاحتلال الفرنسي في مظاهرات 20 أغسطس 1953، واكتشف طاقاته الفنية عام 1960 في دار الشباب بالحي المحمدي، وشارك في مسرحية (كركور سيدنا الشيخ)، وتعلم تقنيات الأداء والإنارة والملابس والفضاء المسرحي، ثم انخرط في فرقة الفنان المسرحي (الطيب الصديقي)، وقدم معه مسرحيات عديدة، من أشهرها (مومو بوخرصة، مدينة النحاس، ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب، مقامات بديع الزمان الهمذاني)، ثم انتقل بعدها إلى عالم التلفزيون ثم السينما، حيث شارك عام 1973 في فيلم (الشيء المستحيل) للمخرج الأميركي جون فرانكين هايمر، لكن المنتج الإسرائيلي لم يشر في إعلانات العرض إليه، لأن اسمه (محمد)، وشارك بعدها في أفلام إيطالية وإنجليزية وفرنسية، وفي غالبية الأفلام السينمائية المغربية، مثل (جارات أبي موسى) للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، و(طيف نزار) لكمال كمال، و(عطلة نهاية الأسبوع) لداود أولاد السيد.

أحدثت الدراما التلفزيونية السورية تحولا كبيرا في مساره ومنحته شهرة واسعة في العالم العربي، وبات أشهر مغربي يعرفه المشارقة في مجال التمثيل، ويدين في ذلك إلى المخرج السوري (حاتم علي) الذي أشركه في عدد من مسلسلاته التاريخية الناجحة – التي صورت معظم مشاهدها في مدن مغربية – بأدوار رئيسية، ومنها (صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف) وغيرها، وشارك مع الفنان محمود عبد العزيز في بطولة مسلسل (باب الخلق) الذي عرض على التلفزيون المصري، ودخل مجال الإخراج والإنتاج، وقدم مشاريع أفلام طويلة من قبيل (أحرف وحجر، وخذني معك).

في المسلسل المغربي (دار الضمانة)

أعمال كوميدية مغربية

كما شارك في أعمال كوميدية مغربية سريعة الإنجاز قدمت في شهر رمضان، مثل سلسلة (الهاربان، وعش نهار تسمع أخبار)، وعبر عن حلمه بتجسيد دور الزعيم التاريخي المغربي عبد الكريم الخطابي، وربما تعرض للنقد لمشاركته بدور صامت جسده دون صوت في فيلم (الرسالة) للمخرج الراحل مصطفى العقاد، وهو دور (صهيب الرومي)، وفي مسلسل (عمر بن الخطاب) وفيلم (طيف نزار) بمبرر أن عربيته ليست فصيحة بالشكل المطلوب.

ويتحدث عن سيرته الذاتية قائلا: نشأت بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي حيث تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي.. بين (براريك كاريان سانطرال)، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي، وبعد أن خضت تجربة مسرح الطيب الصديقي وساهمت في تأسيس مجموعتي (ناس الغيوان، تكادة) عدت لأربط الصلة بالفعل المسرحي والتمثيلي من خلال خوض تجربة (سوقْ الرّْخا) التي أخرجها أحمد الروداني، قبل أن أنخرط في تجارب مسرحية وتلفزيونية أخرى.

تجارب يقول عنها محمد مفتاح، في استحضار جميل لذكريات الأمس: (بعد أن خضت تجربة (سوقْ الرّْخا)، اشتغلت مع مسرح محمد الخامس في مسرحية (درهمْ الحْلال) التي أخرجها عبد الرحمن الخياط، وشاركت إلى جانب العديد من الأسماء، من بينها (نعيمة المشرقي، نعيمة الوادني، أمينة بركات، فاطمة الناجي، عزيز موهوب، ادريس التادلي وفتاح عمر)، وقد قمنا بجولة في مختلف المدن المغربية، كما خصصنا مدينة (اليوسفية) بعرض مسرحي، ومن جميل الصدف أن هذا العرض سيعرف وضع الفنانة نعيمة المشرقي ابنتها (بسمة) في سنة 1974.. ومن الأشياء التي أتذكرها أن سكان مدينة اليوسفية أحسنوا وفادتنا وضايفونا بشكل راق للغاية.

السينما المغربية أظهرت المرأة على أنها عاهرة

رحلة النبش في ماضيه

ويواصل محمد مفتاح رحلة النبش في ماضيه بالقول: بعد تجربة (درهم الحلال)، نظم مهرجان (ربيع المسرح العربي) في مدينة الدار البيضاء وكلّفني مدير المسرح الوطني، السغروشني، بالإشراف ومرافقة الوفد المصري، وأتذكر أنه كان أكبر وفد مشارك في التظاهرة المسرحية العربية، إذ ضم أكثر من 75 فنانا شهيرا، وكان على رأس الوفد أحد قمم المسرح المصري، ويتعلق الأمر بالفنانة سميحة أيوب، زوجة الفنان الكبير سعد الدين وهبة، وأتذكر أن الفنانة المصرية أمسكت بيدي ودققت فيهما النظر وقالت: (يديك شبه إيد زوجي)، جاء هذا الوفد لعرض مسرحية بعنوان (حبيبتي القدس) التي أخرجها سمير العصفوري، وتعرفت حينها عن قرب على (عبد الله غيث، حمدي غيث، محمد الدفراوي، سماح أنور وسميحة أيوب)، وكنت أسهر على راحة هؤلاء الفنانين، فكلما مرض أحدهم إلا ووجدني بالقرب منه.

وذات يوم، سألوني عن مهنتي فأخبرتهم بأنني ممثل، فبدؤوا يرددون: (الأستاذ محمد ممثل)، فقد كانوا يعتقدون أنني أنتمي إلى المخابرات!، لهذا كانوا كلما رأوني، بدؤوا يرددون: (الله ينصر الحسن الثاني)، ولما انتقلنا إلى مدينة مراكش، حدث أمر غير نظرة المصريين إلي، حدث يقول عنه محمد مفتاح: تزامن سفري رفقة الوفد إلى مدينة مراكش مع عرض مسلسل بعنوان (المنحرف)، الذي أخرجه عبد الرحمن الخياط، وغنى فيه محمد الحياني، وتلك كانت أول مرة ألعب فيها دور البطولة في مسلسل مغربي صورناه في بداية 1973 وعرض في بداية 1974، وحينما كنت في المطعم مع الوفد المصري، كان المصريون يتابعون المسلسل، وبدؤوا يصرخون: (شوفو الأستاذ محمد بِيمَثِّل).

في فيلم (الرسالة)

كاستينج فيلم الرسالة

بعد ذلك، اصطحبت كلا من حمدي وعبد الله غيث إلى المخرج الكبير مصطفى العقاد في فندق (هوليداي إن) الذي يسمى بـ (ميراج)، وأتذكر أنه كانت هناك طوابير من المغاربة والعرب ينتظرون المرور في (كاستينج) للمشاركة في فيلم (الرسالة)، وعندما أوصلت الأخوين غيث، سألني العقاد عن حرفتي فقلت إنني ممثل، فقال: (تعال) فأعطاني النص وطالبني بتشخيص المشهد، وحينما سمعني قال إن لدي لكنة مغربية طاغية على الأداء، وفهمت من ذلك أنني سأشارك فقط في دور (كومبارس)، لكن المفاجأة أنه بعد مرور أسبوع كامل، تمت المناداة علي وأسند لي دور (صهيب) في الرسالة، وهى شخصية لها أصول رومية، و(صهيب) عبد مملوك متخصص في تربية ورعاية الجمال.

لكن، بعد تصوير بعض المشاهد، توقف العمل، لظروف سياسية، واضطر فريق الفيلم لمغادرة المغرب وإتمام تصوير العمل في ليبيا.. ورغبة في إتمام دوري الذي كان مهما في العمل، أصررت على الحصول على جواز السفر، إلا أن السلطات المحلية لم ترغب في تسليمي جواز السفر، وحاول (الطيب الصديقي) إقناع المسؤولين بضرورة منحي جواز السفر، وأن أسافر إلى ليبيا لإتمام العمل، كما استعان الراحل حسن الصقلي بأخيه الكولونيل للحصول على جواز السفر، في الوقت الذي ظل القايد يرفض فكرة منحي جواز السفر بالقول: (سيرْ دخْل سوقْ راسكْ)، وعلى الرغم من كل ذلك، كان المنتج يمنحني طيلة 7 أشهر مبلغا مهما قدره 2500 درهم أسبوعيا، على أمل أن أستطيع الحصول على جواز سفر، ولكن في الأخير، تيقنت وتيقنوا من أنني لن أستطيع الحصول عليه.

ومع ذلك، وزع المخرج المشاهد التي صورتها بين فترات مختلفة في الفيلم، كما خصني العقاد بصورة (كْرون بْلونْ) في العمل، وهي أكبر صورة (كرون بلون) في العمل ككل، وأستغلها مناسبة للقول إن قتل الراحل يعد جريمة في حق الإنسانية والفن، لأن العقاد قدم خدمات جليلة للسينما والثقافة العربية والإسلامية وقتله قتل لمشروع سينمائي ضخم.

 

جانب من أدوراه في المسرح والسينما والتليفزيون
في فيلم (كازابلانكا)

أعماله المسرحية والتلفزيونية

حينما نتحدث عن محمد مفتاح، نتحدث عن الممثل المسرحي الذي شارك في مسرحيات عديدة، من بينها (الخزينة، كركور سيدنا الشيخ، القاعدة والاستثناء) التي أخرجها، كما قام ببطولة مسرحية (سوق الرخا، مومو بوخْرصة، ديوان عبد الرحمن المجدوب، الوجه والقفا، سعدك يا مسعود، محجوبة، مدينة النحاس، الطّْمع طاعون، ليلة راس العام، المعقول ماشي معقول، الحراز، المغرب واحد، مولاي اسماعيل، الراس والشّْعْكوكة، راسْ الدرب) إلخ، كما شارك في الكثير من الأعمال التلفزيونية من بينها (المطاردة، أفوكاي، العيادة، الخابية، الخادمات، الرواسيات، المنحرف، اللص وثلاث عميان، المزرعة، الشرع عطانا ربعة، محمد الثالث، صمت الليل، الملف الأزرق، نهاية الأسبوع في العرائش)، الفصول الأربعة) إضافة إلى مشاركته في ثلاثية حاتم علي (صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش، ملوك الطوائف)، فضلا عن (صراع على الرمال، الحصرم الشامي، عمر، والمسلسلين المصريين (باب الخلق،و مأمون وشركاه).

ولمحمد مفتاح مسار سينمائي طويل، إذ قام ببطولة الأفلام السينمائية الطويلة، من بينها (القنفودي، حاكم جزيرة الشاكرباكربن، أسطورة الليل، بامو، فيلم أول، فرسان النصر، ظل فرعون، مكتوب، أصدقاء الأمس، ياقوت، ضفائر، وبعد، جارات أبي موسى، والفيلم المصري (كازابلانكا)، فضلا عن مشاركته في أفلام قصيرة، من بينها (البراق، سبقت رؤيته، خيط الشتا، لحظة)، وتم تكريم محمد مفتاح في مناسبات متعددة، أبرزها الدورة 29 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وحصل على جائزة أفضل ممثل أجنبي في  مهرجان فينسيا السينمائي منذ عدة سنوات.

يحيي الجماهير من فوق منصات التكريم

أشهر أقوال محمد مفتاح:

** فى البداية كنت أجد صعوبة فى فهم اللهجة المصرية، وحينما اعتادت عليها أذناى صارت الأمور فى نصابها الصحيح، لكننا نعانى من حالة انعزال عربى أفريقى.

** يجب على الحكومة المصرية فتح باب التصوير الداخلى لكل الدول العربية أو الأوروبية، لأن ذلك يضمن لها دخل سنوى ضخم وحراك سياحى كبير على مدار العام، ويرفع حالة الإشغالات، وهو ما تقوم به المغرب وتجنى من وراءه أموالا ضخمة.

** السينما المغربية أظهرت المرأة على أنها عاهرة وأنا هنا أصفق للعاهرة لأن الكل يعهر، كون المجتمع فيه من يدير الدعارة، وهى أقدم وظيفة فى العالم، إذا كانت الحكومات جيدة وتنتبه لمجتمعها ما كانت ارتضت بإدارة الدعارة، لكننا نعيش فى مجتمع للأسف منافق، ومن صور هذه الصورة تعبير عن (الجهل).

** محمود المليجى الممثل المفضل لي ، وأفضل أعمال المخرجين صلاح أبوسيف وحسن الأمام ومحمد خان وداوود عبدالسيد ويوسف شاهين وخالد يوسف ويسرى نصرالله.

** دخولي عالم الدراما السورية جاء بالصدفة البحته حيث التقيت المخرج الكبير حاتم علي في المغرب، ووجدت فيه ميزة أنه يجمع بداخله بين عمل المخرج وأسلوب المتفرج، ولديه شخصية مستقلة وهى من صفات المخرج الناجح.

** هناك فئه تحارب الفن السينمائي وتعتبره حرام، وفي رأيي أن أحد أسباب المشكلة يعود إلي الموضوعات السطحية التي يعتمد عليها كتاب الأفلام واعتمادهم علي الشكل المثير الذي قد يخدش الحياء، وبالتالي يبعد عشاق السينما الحقيقيين عن متعتهم الأساسية في مشاهدة أفلام تحمل قيمة فنية وفكرية وثقافية.

** هناك علاقة بين تقدم صناعة السينما وبين عدد المهرجانات التي تقام في أي بلد في العالم، والدليل أن كندا علي سبيل المثال إنتاجها السينمائي قليل رغم أنها تمتلك عدد كبير من المهرجانات، إذن هي في حقيقتها سياسة بعض الدول للتنشيط السياحي، وليس لنشر الثقافة السينمائية.

** أنا عربي أولا وأخيرا، وهذا وسام علي صدري وأعمل في الدراما العربية منذ أكثر من أربعين عاما، وحققت شوطا طويلا في مشوار النجاح سواء في المسرح الذي بدأت فيه أو الدراما أو السينما، أما الأفلام الأجنبية فقد شاركت في أفلام أمريكية وإيطالية وفرنسية، لكن يظل الشعور بالغربة في هذه الأعمال سائدا بداخل الإنسان.

وأخيرا لمحمد مفتاح كل مساحات الود و رياحين الصحراء العربية الفيحاء، له كل البلاتوهات المغربية والعربية والجنان والحدائق الغناء، له ملايين التحايا النابعة بصدق من كل قلوب العشاق، عشاق فنه وجمهوره الشاسع الخلاق، ورغم أنه ابن المدرسة المسرحية المغربية العريقة فعندما تشاهده وهو يلعب أدواره تشعر أنه يحلق في فضاءات الفن لدرجة أن البعض حذر من أنه قادر على إطفاء بريق أي ممثل يشاركه المشهد مهما بلغت نجومية هذا الممثل، لذا يبقى هو واحد من القلة القادرين على سرقة الكاميرا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.