أحمد الحجار .. رحيل الموسيقار الذي استقى أخلاقه من رقي الفن
كتب : أحمد السماحي
(اشرخ في القلوب زي ما أنت عاوز، والعب بينا يا موت، إلعب لعبتك، ما دام الحزن لعبتك اللي بتعجبك) .. قفزت هذه الجملة التى كتبها الأديب يوسف السباعي في رواية (السقا مات) عندما علمت أمس الثلاثاء 4 يناير بخبر رحيل موسيقارنا المبدع الرقيق الحالم الطيب الذي خلق ليحب الجميع (أحمد الحجار) الذي استقى أخلاقه من رقي الفن وسمو رسالته، والذي رحل بعد إصابته بسكتة قلبية مفاجئة أثناء مشاهدته التليفزيون فى المنزل، وتم تشييع جثمانه اليوم الأربعاء، بعد صلاة الظهر من مسجد السيدة نفيسة، ودفن الجثمان في مقابر العائلة بالبساتين.
رحل (أحمد الحجار) الذي لحن وغنى العديد من الأغنيات لمعشوقته مصر دون أن يبوح بهذا الحب علنا، أو يذكر اسم محبوبته التى ذاب في هواها وغنى لها قائلا: (هواكي كل ما أملك، أنا اللي عشت أحلم لك، وحتى دموعي تتمنى، أشوف الكون تبسم لك، قولي لي فين أراضيكي، وأنا ازرعها غيطان ونجوم بنن العين أراضيكي).
ولحن وغنى: (على حسب ودادي ح أقابلك، وعيداني تروح لسنابلك، وح اسيب الجرح يعدي، وبكل حنان أوهب لك همسي وبوحي)، والذي أمتعنا بصوته وهو يغني: (ليه قلبي ضايع في المدى؟!، وعينيكي تايهة ف المحال؟! جاوبيني يا نور الوجود، إزاي بنوا بينا الحدود، ولا عادش فاضل مننا، غير ضلنا).
تربطني بعائلة (الحجار) علاقة صداقة وطيدة، ومنذ أيام أرسلت لموسيقار الراحل (أحمد الحجار) معايدة بخصوص رأس السنة، فرد على برقته وعذوبته المعهودة بصفاء روحه ونبل لأخلاقه قائلا: (الله يسعد أوقاتك كلها، وكل أحبابك يارب)، وكان دائم الإشادة بالموضوعات الصحفية التى أرسلها له على (الواتس) من وحي بوابة (شهريار النجوم) ويعلق عليها.
الرضا بالمكتوب
قبل أزمة فيروس كورونا المستجد جمعتني به جلسة مطولة فى إذاعة صوت العرب، عندما جمعنا المذيع المتميز (محمد عبدالعزيز) فى حلقة عن الشتاء، بحكم أن (الحجار) صاحب أشهر لحن عن الشتاء وهو رائعته (لما الشتا يدق البيبان) كلمات الشاعر إبراهيم عبدالفتاح، ويومها غنى لحنه الجديد (لسه الشتا) كلمات سالم الشهباني، والأغنيتين غناء شقيقه مطربنا الكبير (علي الحجار)، وقبل بداية الحلقة تحدثنا عن أعماله الجديدة، وغنى لى مطلع من أغنيته الجديدة (معنى الجمال) التى يقول فيها :
فوق وافهم ودوق
طعم وهنا اللقمة الحلال
لو فيك الإيمان
تعرف بقا معنى الجمال
رزقك والله مكتوب
في كتابك من زمان
لو ترضى بحالك
تبقا هتعيش في أمان
دوق دوق / دوق طعم الحلال.
ويومها توقفت معه عند (تيمة) الرضا والإيمان الموجودة في كثير من أغنياته، فقال لي ضاحكا ضحكته الودودة: (عندك حق أنا فى حياتي الشخصية راضي كل الرضا عن كل ما يحدث لي في الحياة، وبالمناسبة ليس من السهل غرس الإيمان في القلوب) !.
وعن سر تميز الكلمات التى يلحنها سواء التى غناها أو التى لحنها وغناها غيره من المطربين قال لي: هذه كانت نصيحة والدي الذي قال لي : يا ابني اختار الكلمة، لأن الكلمة هى التى تبني اللحن وتبني الغناء، وتبني الإنسان، فأحرص عليها).
اعذريني، اسمي بشر
نشأ (أحمد الحجار) في بيت فني تصدح من جوانبه الموسيقى والغناء، ورغم هذا درس بكلية التربية الموسيقية، وتعلم العزف على آلتي العود والبيانو، كما درس النوتة الموسيقية والمقامات الشرقية والغربية، وكان يتعلم من دروس والده الملحن والمطرب الكبير (إبراهيم الحجار) لأخيه (علي الحجار)، وبدأ مجال الاحتراف وهو طالب فى السنة الأولى بالكلية حيث وضع لحن (اعذرينى) ﻷخيه (علي الحجار) الذي مازال يسكن وجداننا حتى الآن رغم مرور حوالي 40 عاما على تلحينه، بعدها توالت ألحانه التى كانت تعزف على المشاعر الإنسانية، فإحساس (الحجار) بآلام الإنسان قوي وصادق، فلحن من كلمات (جمال بخيت) أغنية (الشيئ الصعب) للمطرب (علاء عبدالخالق) والتى يقول مطلعها:
الشيئ الصعب إن الكلمة تموت في الحلق
قبل ما توصل أي لسان
ولا جنين يفتكره الموت قبل ما يصبح يوم إنسان.
كما لحن لحميد الشاعري (اسمي بشر، عمري ألوف، والإنسانية مهنتي)، ولشقيقه (علي) لحن له (قلبي يا قلبي يابو الأحلام، حب الخير، ماتقولش بكام، وارجع للي بيخلق واللي بيرزق، واللي عينه ما تنام)، ولحن له أيضا (اوعديني بالغرام، اشتريكي بالآلام، كل يوم باعشق جديد، وانتي عشقي ع الدوام، وبحبك وانطلق عصفور، واسبح ف الهوا والنور، وأملا الكون بأغانينا، ولو كان الجناح مكسور، وسفرنا طويل، وزادنا الصبر والتساهيل، ضلوعنا صاري وسفينة، توصل غيرنا للمينا، وترجع بينا للأمواج، ولا بنميل)، ولحن له أيضا (تسأليني عن جراحك، ليلي كان زارع صباحك، يومها كان السن ضاحك، يومها كان الكون براحك، لولا مرة فتحتي نني، للي خاني، واستباحك).
ولحن لأنغام (الدنيا براح، وأنا قلبي براح، مش عايزة جراح، أنا عايزة صباح يقابلني بصدق ما اكدبهوش)، ولحن لكلا من (محمد فؤاد، هشام عباس، حسن دنيا، أحمد إبراهيم، أنوشكا) وغيرهم.
5 ألبومات غنائية
قدم الملحن والمطرب (أحمد الحجار) خلال مشواره مجموعة قليلة من الألبومات لم تتعدى الخمس ألبومات لكنها من أجمل ما استمعنا إليها في الثلاثين سنة الأخيرة، لأنها على درجة كبيرة من الراقي ومليئة بالشجن، ومطرزة بالأصالة اللحنية، وهى (حنين) الذى تضمن 8 أغنيات من كلمات الشاعر جمال بخيت، وهى (أحلامنا، يا ليل يا ليل، عود، حكاية أميرة، أكرمنا يارب، مها، حنين، فين أشوفك يا نبي) توزيع (طارق مدكور، عماد الشاروني، حميد الشاعري، عمرو عبدالقادر).
وتضمن ألبوم (اتمنيت) 9 أغنيات وهى (لملمت خيوط الشمس، ياريت تعود، يكفاكي، شفتك، هيلا هيلا، إتمنيت، أنا معاكي، قد الأحلام، لحظة وداع) كلمات (عبدالرحمن أبوسنة، جمال بخيت، إبراهيم عبدالفتاح، أيمن سالم، أشرف شحاته، محمد الشاعر)، توزيع ياسر عبدالرحمن، عماد الشاروني، مودي الإمام، أحمد مصطفى، أشرف محروس.
أما ألبوم (ولا عمري) فكان يتضمن 8 أغنيات هى ( ولا عمري، هواكي، احنا هنا، قلبك اماني، وصار العشق موالي، خلينا في بكره، سلمى، على حسب وداد روحي) كلمات (مجدي نجيب، جمال بخيت، عثمان اسماعيل، فؤاد حداد).
وجاء ألبوم (أيام) تجربة متميزة للغاية رغم أنه تضمن أغنيات جاءت في ألبومات سابقة، لكن الجديد في الألبوم مشاركة مجموعة من المطربيين له في غناء الألبوم مجموعة مثل شقيقه (علي الحجار، وحنان، علاء عبدالخالق) وتولى التوزيع (عادل عايش، تامر غنيم).
وكان آخر ألبومات هو (أبويا الحبيب) الذي تضمن 12 أغنية هي (برق الشتا، مين عالغرام، اكرمنا يارب، ولملمت خيوط الشمس، هقولك ايه، من قلبى لقلبك، نور خير الرسل، يعني ايه كلمة وطن، الروح تشهد، من قلبي لقلبك، مها، السكر غلي).
يعني ايه كلمة وطن
من أهم التجارب التى قدمها الموسيقار الراحل (أحمد الحجار) تلحينه للعديد من الأفلام والمسرحيات لعل أهمها أغنيات فيلم (أمريكا.. شيكا .. بيكا) كلمات الدكتور مدحت العدل، والتى تفوق فيها الراحل بشكل عبقري، لهذا جاءت وحتى الآن سابقة عصرها، لأنها كانت وقتها شكل جديد في الموسيقى والتوزيع، وتحمل مفردات رائعة غير مستهلكة، وتضمن الفيلم 6 أغنيات هى (أمريكا .. شيكا بيكا، عم دهب، واتاخد، الغضب، لازم أغني، يعني ايه كلمة وطن) والأخيرة تعتبر من أقوى وأجمل ما تم تقديمه في الغناء الوطني الذي يمس شغاف القلب.
كان فن (أحمد الحجار) نابع من الأرض التى نعيش عليها فيه قدر هائل من صدق التعبير، ونقاء الروح المصرية، وكانت أعماله تتميز ببساطة اللحن وطبعيته وصدقه وعدم تكلفه أوافتعاله، وكان عزفه على العود يدل على مهارة في تحريك ريشة الضرب بتدفق رشيق يخلو من النتوء والخربشات ويتيسر في سلاسة يزخرفها إبداع ذاتي من ارتجالاته التى يملأ بها ما عساه أن يوجد من أي فراغ زمني.
رحم الله (أحمد الحجار)، وإن كان اليوم في سجل الخالدين فإن أعماله ستظل تنبض بالحياة لترسم في صدق وإيمان ملامح اللحن الشرقي بأبعاده ومدلولاته الواعية التى تستأثر بمجامع القلوب وتستحوذ على الألباب.