بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
لا ينكر إنجازات حكومة الدكتور مصطفى مدبولى إلا جاحد ، أو متعامى أو مشكك ، فهى حكومة تعمل فى عدة مجالات فى وقت واحد و بشكل جاد و لاهث ، و تولى الاهتمام لكل مناحى الحياة ، فنراها تحقق فى المشروع القومى للطرق إنجازات سريعة و متعددة و تتخطى المراحل الزمنية الموضوعة للخطة – كما أعلن الدكتور مدبولى بنفسه – و كذلك فى مشروعات ميكنة الخدمات و بناء العاصمة الإدارية و مجال النقل و المواصلات و الاسكان ، و لو مضيت أعدد المجالات التى تعمل بها الحكومة لقضينا الساعات ، و لكن السيد رئيس الجمهورية – بما له من إحساس عميق بالجماهير يفوق جميع المسئولين – نصح الحكومة بأن تبرز الانجازات لكى يشعر بها المواطن ، فهل لا يشعر المواطنون بحجم الانجازات ؟
لن أقع فى خطأ الكلام بلسان الجماهير ، فلكل طبقة و لكل شريحة و لكل منطقة جغرافية وجهة نظر مختلفة ، و لكنى سأتكلم بلسان الطبقة الوسطى من سكان الجيزة و أكتوبر- أو معظمهم – الذين يحسون إنهم فى الدرجة الثانية من الاهتمام ، لأنهم خارج دائرة مصر الجديدة و مدينة نصر و التجمع بأرقامه المتعددة ، و أقر بداية بأننى لا أستمتع بهذه الانجازات و لا أقدرها حق قدرها ، لأسباب لا حصر لها و لذا سأسوق بعضا من الامثلة :
فى إنجازات الطرق لابد و أن أقرر أنها كبيرة و متشعبة و منها – على سبيل المثال لا الحصر – الأعمال التى تتم فى طريق الواحات الممتد من طريق الفيوم حتى الواحات ، بما فيه من كبارى و أنفاق سهلت الانتقال ، و لكن فى الجزء الممتد من طريق الفيوم و حتى المنطقة الصناعية نشهد أكبر إساءة لعلم هندسة الطرق ، فشركات المقاولات المسئولة عن تنفيذ الطريق أهملت مراعاة المناسيب فى رصف الطرق بين التوسعات الحديثة و الأجزاء القديمة ، فتجد سيارتك فجأة تصطدم بما يشبه المطب بين كل فترة و أخرى نتاج لنهاية مرحلة من التجديد ، و تكاسلت شركات المقاولات عن مراعاة الاتساق و التساوى بين المرحلتين ، ليس هذا فحسب بل إن جزءا كبيرا من الطريق تم رصف ثلثيه حديثا و تركوا الثلث الباقى و فى جزء آخر اكتفوا بثلث الطريق ، و أصبحت السيارات مهددة بالحوادث من جراء اختلاف المناسيب !!
بالإضافة إلى إهمال تركيب لافتات إرشادية واضحة تدل السائقين إلى أماكن الدخول الى الكبارى التى تتيح لك العودة للخلف ، فتجد نفسك مضطرا إلى قطع أضعاف المسافة للبحث عن ( يوتيرن ) لأن السادة المسئولين عن الطريق لم يوضحوا لك أن عليك الدخول فى طريق الخدمة الفرعى للصعود إلى الكوبرى !! و لن نتكلم عن الإهمال المتعمد سواء المتمثل فى ترك بقايا الأعمال فى جانب الطريق أو فى ترك أجزاء صغيرة بدون تغطية بالأسفلت و كأنها شراك خداعية ، فكيف أحس بالإنجازات و أنا أعانى يوميا من صعوبات الطريق ؟
هذا مجرد مثال لطريق واحد ، و لن أتكلم عن الطريق المسمى بالسياحى و الممتد من طريق الفيوم و حتى الطريق الدائرى ناحية المعادى و مدى سوء تغطيته بالأسفلت أو رصفه ، بل سأترك للسيد الدكتور رئيس الوزراء مهمة اكتشاف الأمر بنفسه فإنه أصعب من أن يتم شرحه .
و المثال الثاني إنه برغم الأعمال العظيمة التى تتم على الطريق الدائرى فى المسافة من أكتوبر إلى ميدان الرماية من توسعات ، إلا أن شركات المقاولات تأبى أن تضيئ الطريق و تتركه فى ظلام دامس منذ أكثر من عام ، تاركة السائقين يعانون طوال 7 كيلو متر من ضوء السيارات المبهر – و خاصة سيارات النقل – فى الاتجاه المعاكس، و مايزيد الطين بله – كما يقولون – الإضاءة المبهرة التى تصر بعض سيارات النقل الثقيل على تزيين ظهورها بها و كلها إضاءات مخالفة لقانون المرور ، و لما لا ، و ليس هناك خدمات مرورية طوال هذه المسافة و كأنها خارج مسئولية إدارات المرور، فهل أحس بالإنجازات و أنا أتلو الشهادتين يوميا قبل الدخول إلى الطريق .
و حتى على مستوى مشروع آخر ، أراه من أجمل المشروعات و أكثرها حضارية و هو مشروع إحياء و ترميم مبانى القاهرة الخديوية ، فللأسف الشديد يعوقنى عن ملاحظة جمال المبانى أن شوارع وسط البلد تم نزع طبقة الأسفلت عن ثلث الشارع و أصبحت السيارات تتزاحم فى ثلثى الطريق !!! ، و كأن المبانى و ترميمها كاف بدون شوارع مكتملة المواصفات !!
و حتى على مستوى مشروع رابع و هو إحلال و تجديد جميع عربات و قطارات السكة الحديد و التى تكلفت مليارات ، فكل هذه الإنجازات تقل قيمتها كثيرا أمام التأخير الدائم فى مواعيد القطارات يستوى فى هذا المجرى و الأسبانى و القشاش ، إلى جانب أن الغاء قطارات الأقاليم من بعد التاسعة مساء وضعت كثيرا من المواطنين تحت رحمة سائقى الميكروباس و عطلت مصالح كثيرة ، و أذكر أن زميلا يسكن إحدى مدن المنوفية اضطرته ظروف العمل إلى العودة متأخرا عن التاسعة فسار 10 كيلو متر على قدميه إلى قريته . فهل يحس هو و أقرانه بالإنجازات ؟
و الحقيقة أن المواطنين تحملوا الكثير من أجل بناء الجمهورية الجديدة ، حتى أن السيد رئيس الجمهورية توجه بالشكر لهم عدة مرات و فى العديد من المناسبات ، فى حين أن الحكومة لم تسع إلى التخفيف عنهم ، فنجد فى مقابل ازدياد إنتاج الغاز بنسبة تصل إلى 900% أن الحكومة ترفع سعر اسطوانة البوتاجاز ، و نفس الأمر ينطبق على الكهرباء ، فكيف أحس بالانجازات و هى لا تترفق بى كمواطن و ترفع عن كاهلى بعض الأعباء ؟
إضافة إلى أن أولويات الحكومة تدفع إلى الدهشة ، فالمشروعات الكبرى و العاجلة لا خلاف عليها ، و لكننى كلما مررت بمطار ( سفنكس ) المغلق بعد افتتاحه بفترة قصيرة تصيبنى الحيرة ، إنه واحد من خمسة مطارات جديدة تم إنشاؤها ، فهل كان هناك احتياج عاجل لإقامتها ؟ ألم يكن الأولى بالحكومة تأجيلها ؟
إن المواطن لن يشعر بإنجاز أو تقدم و منفذى تلك الإنجازات لا يقومون بها على الوجه الأكمل و ليس هناك من يراجعهم ليتأكد من جودة التنفيذ ، و هو أمر هام و حيوى فالطريق غير المكتمل حسب أعلى مواصفات الجودة سيجعل الحنق على الحكومة أكبر من الاعتراف بفضلها ، كما أن المواطن لن يعترف بأى إنجاز و هو مضغوط و يعانى و تآكل الأسعار و الضرائب الأخضر و اليابس ، و تتراجع قيمة مدخراته و أيضا يتم تقليص عوائدها ، فقليلا من الإنجاز فى هذا المجال سيسعد به المواطن أكثر من أى إنجاز آخر .