أهم الظواهر الإيجابية والسلبية بالموسم المسرحي 2021
* ينطبق على المهرجانات المسرحية الكثيرة والمتعددة فى مصر بأنها (ضجيج بلا طحن) !
* هذا العام شهد أسوأ دورات مهرجان المسرح التجريبي
* عايدة فهمي هى نجمة العام المسرحية بـ (فريدة)، وسامح حسين نجم العام بـ (حلم جميل).
* الظاهرة الإيجابية في 2021 توقف إنتاج الاسكتشات المبتذلة التي حرصت على تقديمها خلال السنوات الماضية بعض القنوات الفضائية تحت مسمى المسرح.
* هرولة كبار النجوم لمسرح (موسم الرياض) بتقديم عروض تتسم في أغلبها بالهيافة والابتذال والسذاجة.
بقلم الباحث والمؤرخ المسرحي: الدكتور عمرو دواره
شهد الموسم المسرحي هذا العام عدة فعاليات مسرحية متعددة ولعل أوضحها تلك المهرجانات المسرحية الكثيرة والمتعددة والتي للأسف لا يمكن وصف أغلبها إلا أنها (ضجيج بلا طحن)، فقد تداخلت مواعيد تنظيمها واعتمدت على تكرار مشاركة عروض سبق تقديمها في أكثر من مهرجان، كذلك تكررت وجوه المشاركين بالندوات والورش المسرحية، فتحققت بذلك تلك العبارة الساخرة (مهرجني أمهرجك)!.
أسوأ دورات التجريبي
بشهادة أكبر عدد من النقاد والمسرحيين شهد هذا العام أسوأ دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، حيث اتسمت الدورة الثامنة والعشرين بالعشوائية مع تقليص فعالياتها، وانخفاض عدد العروض المشاركة مع ندرة العروض المتميزة، وضعف مستوى مطبوعاتها.
ضعف المستوى المسرحي
المؤسف أيضا هذا العام تكرار تمثيل مصر بالمهرجانات العربية بعروض مسرحية لا تليق بمكانتها وريادتها الفنية والمسرحية فكانت النتيجة الطبيعية هي عدم حصولها على أي جوائز!
محاولات جادة
الحقيقة أن ضعف الموسم المسرحي هذا العام لا ينفي أيضا وجود بعض المحاولات الجادة سواء من قبل (المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية)، والذي تحمل مسئولية إصدار مجلة (المسرح) بالإضافة إلى إصداره لبعض الكتب التوثيقية المهمة، كما نجح أيضا في تنظيم عدة ورش فنية وندوات مسرحية متميزة، كذلك شهد الموسم تقديم بعض العروض المتميزة بفرق مسارح الدولة وفي مقدمتها عروض فرقة (المواجهة والتجوال) التابعة للبيت الفني للمسرح، والتي نجحت في تنظيم جولات لبعض المناطق النائية المتعطشة للفنون، وكذلك عروض البيت الفني للفنون الشعبية الذي وفق في تقديم أكثر من عرض غنائي استعراضي.
عروض متميزة
تضمن هذا الموسم المسرحي بصفة عامة بعض العروض المتميزة ومن أهمها – من وجهة نظري – العروض الخمسة التالية: (نجوم الظهر) للفنان القدير محمد صبحي، عرض (زقاق المدق) للفرقة الغنائية الاستعراضية من إخراج عادل عبده، عرض (سالب صفر) للمعهد العالي للفنون المسرحية وهو من تأليف محمد عادل وإخراج عبد الله صابر وبطولة أحمد عباس، وعرض (ديفيليه) لفرقة الرقص الحديث رؤية وإخراج وليد عوني، وعرض (المسيرة الوهمية) من إنتاج مركز الهناجر للفنون ومن تأليف رأفت الدويري وإخراج طارق الدويري.
وذلك بالإضافة لتميز بعض العروض التجريبية وفي مقدمتها العروض الثلاث: (ديجافو) لمركز الهناجر، (دوجز) لمسرح الشباب، ومونودراما (فريدة) لفرقة مسرح الطليعة، والذي تألقت من خلاله النجمة القديرة (عايدة فهمي)، لتصبح بلا منافسة الممثلة الأولى هذا العام، كما يمكن اختيار النجم (سامح حسين) كممثل أول من خلال بطولته لعرض (حلم جميل) لفرقة المسرح الكوميدي.
اختفاء القطاع الخاص
هذا وقد استمرت هذا العام أيضا عدة ظواهر مسرحية تكررت بالسنوات السابقة (منذ بداية الألفية الجديدة تقريبا) ومن أهمها ما يلي:
أولا – انحسار بل واختفاء مشاركات فرق القطاع الخاص: اعتمدت بدايات كل من المسرح العربي والمسرح المصري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على مبادرات خاصة لبعض الرواد الذين تحملوا مسؤولية تأسيس فرقهم المسرحية لتقديم تجاربهم وإبداعاتهم المسرحية، وقد تحملوا في سبيل ذلك كثير من الصعاب والخسائر المادية، حتى نجحوا في تأكيد مواهبهم.
وكذلك في غرس ونشر الفنون المسرحية واجتذاب الجمهور بمختلف فئاته، وقد استمرت جهودهم حتى قامت الحكومة المصرية عام 1935 بتأسيس أول فرقة حكومية وهي فرقة (المسرح القومي)، والتي كان لها فضل كبير في الارتقاء بمستوى العروض المسرحية، ومع ذلك لم تتوقف مساهمات الفرق الخاصة بل ظلت تقدم عروضها ويتضاعف عددها، والمتتبع لأنشطة وفعاليات الفرق الخاصة يمكنه رصد فترات كبيرة من الازدهار وكذلك فترات أخرى من الهبوط والانحدار.
نبذة على فرق القطاع الخاص
على سبيل المثال شهدت عشرينيات القرن الماضي أفضل عصورها بتلك المنافسة الكبيرة بين ثلاث فرق كبرى هى فرقة (رمسيس) ليوسف وهبي وفرقة (جورج أبيض) وفرقة (فاطمة رشدي)، وذلك بخلاف التنافس بين بعض الفرق الأخرى في مجال الكوميديا وفي مقدمتها فرقتي (الريحاني) و(الكسار)، كما شهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ازدهارا للفرق الخاصة مرة أخرى، حيث تأسست عدة فرق خاصة ولعل من أهمها: (المسرح الحر)، (إسماعيل يس)، (تحية كاريوكا)، (المتحدين)، (الكوميدي المصرية)، و(ثلاثي أضواء المسرح)، و(عمر الخيام)، (مسرح الفن).
ثم أعقب ذلك عصرا آخر اتسم بالهبوط والانحدار في مستوى العروض المقدمة، مواكبة لسياسة الانفتاح ومحاولة إرضاء وتلبية رغبات جمهور السياحة العربية وجمهور الحرفيين العائدين من الدول النفطية، فتضمنت بعض المسرحيات الرقصات الخليعة والحوارات المبتذلة والتعبيرات المسفة.
ثورة يناير وفرق القطاع الخاص
منذ ثورة يناير 2011 انحسرت تقريبا عروض الفرق الخاصة كرد فعل تلقائي لارتفاع أسعار التذاكر كضرورة منطقية لتحقيق متطلبات العروض ومن أهمها ميزانيات الدعاية الضخمة وأجور النجوم، وقد استمر هذا الوضع للأسف هذا العام أيضا فلم يتم خلاله سوى تقديم ثلاثة عروض تتسم بالتجارية وبأسعار تذاكر مبالغ بها بشدة، ولم تحقق أي منهما النجاح المنشود خاصة في غياب كبار نجوم المسرح وفي مقدمتهم (عادل إمام، وسمير غانم) وكذلك نجوم الجيل التالي (محمد هنيدي، وأحمد آدم، ومحمد سعد).
ولا يستثنى مما سبق سوى عرض (نجوم الظهر) للفنان القدير (محمد صبحي) الذي ينجح دائما في السباحة ضد التيار، ونجح في تقديم الكوميديا الموسيقية الهادفة.
والأسباب الرئيسة لاختفاء تلك الفرق الخاصة بخلاف ارتفاع إيجار دور العرض وارتفاع تكلفة الإعلانات هى ارتفاع أجور هؤلاء النجوم بصورة مبالغ فيها جدا، وبالتالي فهم بهذه الصورة يرفضون تقديم عروضهم للمشاهد المصري الذي كان السبب الرئيس في تلك الشهرة والمكانة التي حظوا بها، مما أعده عقوقا للجمهور وجحودا وإجحافا بحقوقه وحقوق وطنهم عليهم.
فرق الهواة
ثانيا – تعاظم دور فرق الهواة ومشاركتهم الفعالة: كثيرا ما طالبت بضرورة إتاحة الفرصة كاملة أمام الموهوبين من هواة المسرح، وتذليل كافة العقبات التي تواجههم وتحد من إبداعاتهم، ولعل من أهمها قوانين نقابة المهن التمثيلية وتشدد مديري فرق الدولة، خاصة وقد أثبتت التجارب المختلفة عبر التاريخ أن عددا كبيرا الهواة وخاصة بالمسرح الجامعي ومسارح الأقاليم قد نجحوا في تحقيق نجوميتهم – بالرغم من عدم التحاقهم بالمعاهد الفنية -، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر: (عادل إمام، سعيد صالح، محمود ياسين، سميرة عبد العزيز، وحيد سيف، محمود عبد العزيز، يحيى الفخراني).
ومن الأجيال التالية: (يسرا، بوسي، ليلى علوي، عبلة كامل، ممدوح عبد العليم، غادة عبد الرازق، محمد سعد، أشرف عبد الباقي، ماجد المصري).
ومنذ مطلع ثمانينات القرن العشرين استطاع هواة المسرح ومن خلال تأسيسهم للجمعية (المصرية لهواة المسرح) أن يحملوا راية الإبداع المسرحي، بتقديمهم لعدد من المهرجانات المتخصصة غير المسبوقة كـ (مهرجانات المسرح العالمي، الشعبي، الاستعراضي، الطفل، الضاحك، الفصل الواحد والمونودراما).
وأخيرا مهرجان (المسرح العربي) مع بداية الألفية الجديدة، وهو المهرجان الذي نجح في استضافة كبرى الفرق العربية وأيضا في إلقاء الضوء على عدد كبير من النجوم الجدد والتجارب المسرحية الهامة، ولعل من أهمها: عرض (1980 وأنت طالع)، وهو العرض الذي فاز بالجائزة الأولى بالدورة العاشرة عام 2012، وبجائزة (المهرجان القومي) عام 2103، واستمر منذ ذلك التاريخ في اكتساب جمهور بإعادة عرضه تجاريا بعدة مسارح.
ومما لا شك فيه أن نجاح مهرجانات الجمعية وتميز عروضها قد لفت أنظار المسؤولين بمسارح الدولة إلي تميز وارتقاء مستوى عروض الهواة، مما دفعهم خلال الألفية الجديدة إلى استضافتها على مسارح الدولة أو إلى إعادة انتاجها مرة أخرى، ومن أهم العروض التي حققت نجاحا كبيرا: (شيزلونج، أوديب، حلم بلاستيك، شيكايرو، أركلينو والغار، قضية ظل الحمار)، كما أعيد انتاج عرضي: (حلم ليلة صيف) و(هنا أنتيجون) بالاعتماد على نخبة الهواة الذين سبق تقديم العرضين بمسرح الجامعة.
والمتتبع لنتائج الدورات المتتالية للمهرجان القومي للمسرح المصري أو حتى عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يمكنه رصد مدى تميز عروض الهواة وحصولهم على الجوائز الأولى بأغلب الدورات.
والحقيقة أنني على قدر سعادتي بتحقيق حلم إتاحة الفرصة للهواة وظهور جيل جديد من المبدعين، إلا أنني حزين لاستغلال موهبة الهواة دون منحهم الحد الأدنى من الأجور أو حتى فرصة الحصول على عضوية نقابة المهن التمثيلية.
وبخلاف الظواهر المسرحية المستمرة طوال السنوات السابقة شهد هذا العام أيضا بعض الظواهر المسرحية الجديدة ولعل من أهمها:
جحود وعقوق كبار الفنانين
ما يحدث بحياتنا المسرحية خلال السنوات الأخيرة الماضية على كل من المستويين المصري والعربي يعد للأسف ردة ثقافية وفنية متعمدة كنتيجة لتلك المؤامرات والهجمات المدبرة والمخطط لها بعناية فائقة لضرب قوتنا الناعمة ولاستنزاف مواهب وخبرات وطاقات نخبة من أكبر فنانينا.
ولكن خلال هذا العام (2021) تفاقمت بعض الظواهر التي تؤكد تلك المؤامرة، والتي يمكن للناقد المتخصص وكذلك للمشاهد الواعي أن يرصدها كما يمكنه بحدسه ووعيه وثقافته إدراك الهدف الرئيسي من ورائها وهو محاولة إنهاء الريادة المصرية وتهميش دورها المحوري في حمل شعلة التنوير ونشر الفنون الرفيعة، بالإضافة إلى السعي لتغييب العقول وتخديرها بدعوى الترفيه عن النفوس وتقديم المتعة، وكأن المتعة لا تتحقق للمشاهدين إلا من خلال تلك الأعمال التافهة والمسرحيات المبتذلة !
توقف مسرح الفضائيات ظاهرة إيجابية
لقد شهد هذا العام ظاهرتين مسرحيتين وكل منهما على قدر كبير من الأهمية، أحدهما إيجابية والأخرى سلبية، وتتمثل الظاهرة الإيجابية في توقف انتاج وإذاعة تلك الاسكتشات المبتذلة التي حرصت على تقديمها خلال السنوات الماضية بعض القنوات الفضائية تحت مسمى (المسرح)، وذلك بعدما تصدى لها النقاد وهاجموها بضراوة، وبعدما ملها ورفضها الجمهور وانصرفوا عن مشاهدتها، وذلك بخلاف سبب آخر رئيسي وهو انطلاق نجومها المشاركين ببطولتها للعمل بأعمال أكثر ربحية وجماهيرية.
والحقيقة أن تلك الاسكتشات كانت تمثل في مجموعها ردة فنية وثقافية تعود بنا لأكثر من مئة عام، وبالتحديد إلى ما كان يقدم بالملاهي الليلية قل عام 1916، وبالتحديد بكازينو (دي باري) قبل أن ينطلق منه الفنان (علي الكسار) بشخصية (البربري عثمان عبد الباسط) ليؤسس فرقته على مسرح (الماجستيك)، وكازينو (الأبيه دي روز) قبل أن ينطلق منه الفنان (نجيب الريحاني) بشخصية (كشكش بك) ليؤسس فرقته على مسرح (الإجيبسيانة)، وفي هذا الصدد لابد أن أؤكد أن تلك الاسكتشات الهزلية قد أهدرت موهبة وجهود نخبة من الموهوبين بمختلف المفردات الفنية وكذلك نخبة من أفضل المواهب الشابة.
موسم الرياض.. ظاهرة سلبية!
أما الظاهرة الأخرى السلبية فهى هرولة نخبة من كبار نجومنا للمشاركة في أسبوع الترفيه بالمملكة السعودية بموسم الرياض 2021 الترفيهي، وذلك بتقديم عروض تتسم في أغلبها بالهيافة والابتذال والسذاجة اعتمادا على تكرار بعض نجاحاتهم السابقة، وبداية لابد أن نقرر بأن الهدف الأساسي بالنسبة لجميع المشاركين في تقديم تلك العروض هو تحقيق المكاسب المادية!.
وهو هدف مشروع بالطبع تماما كاستغلال بعض النجوم لشهرتهم ومشاركتهم في تقديم الإعلانات للترويج لبعض السلع الاستهلاكية، ولكن كما نطالبهم في الحالة الأخيرة (أثناء مشاركتهم ببعض الحملات الإعلانية) بضرورة الحرص على عدم الإساءة لتاريخهم الفني، وأيضا بعدم استغلال شهرتهم في خداع الجمهور بمساهمتهم في الترويج لبعض المشاريع الوهمية أو لبعض السلع الضارة أو ذات الموصفات غير القياسية، نطالبهم أيضا عند مشاركتهم في مثل هذه العروض بضرورة الالتزام والحرص ومراعاة نفس المحاذير.
اللمبي وسلام مربع
الحقيقة أن هذه العروض التجارية التي شاركت ضمن موسم الرياض، ومن بينها على سبيل المثال عرضي: (اللمبي في الجاهلية) للنجم محمد سعد – الذي عرض في الفترة من الأربعاء 10 نوفمبر 2021 إلى الأحد 14 نوفمبر 2021 على مسرح بكر الشدي (البوليفارد) بأسعار تذاكر تبدأ من 450 ريال وتصل حتى 1,200 ريال سعودي، وكذلك عرض (سلام مربع) للنجم محمد هنيدي تعيد إلى الذاكرة على الفور ذلك الصراع القديم بين أنصار الفن للفن، وأنصار الفن للمجتمع التي سبق حسمها لصالح الفن للمجتمع وخاصة في مجتمعاتنا النامية، وأعتقد أن أي فنان حقيقي لابد وأن يؤمن بدور المسرح في نشر الوعي والتنوير والتثوير، ويرفض أن تكون مهمته الأولى هى الترفيه فقط، لأنه إذا قبل تلك المهمة يكون قد ساهم في إعادتنا مرة أخرى إلى العصور الوسطى ورضي القيام بدور المهرج في بلاط الملك.
إن نظرة واحدة لرصد أسماء مجموعة الفنانين المشاركين في هذه العروض تكشف على الفور أنها قد ساهمت في إهدار واستنزاف الطاقات الفنية والخبرات المصرية باختيار نخبة متميزة من المبدعين من بينهم بمسرحية (سلام مربع) بطولة النجوم (محمد هنيدي، آيتن عامر، محمد ثروت، محمد محمود، إيمان السيد)، وهي من تأليف وإخراج (خالد جلال)، ديكور وإضاءة عمرو عبد الله، أغاني أيمن بهجت قمر، موسيقى وألحان عمرو مصطفى، و(اللمبي في الجاهلية بطولة النجوم (محمد سعد، سامي مغاوري، مي سليم، ويزو، منير مكرم، حسن عبد الفتاح)، وهى تأليف ورشة (بلاك هورس) وإخراج تامر كرم.
وتجدر الإشارة إلى أن مثل تلك العروض لا يمكن إدراجها تحت تصنيف العروض المسرحية المصرية، وذلك بالرغم من اعتمادها الكامل على إسهامات ومشاركات النجوم والفنانين المصريين في مختلف مفردات العرض المسرحي، وذلك ليس فقط لأنها لم تعرض على المسارح بمصر، ولكن أيضا – وهذا الأهم – أنها قد اعتمدت على تمويل غير مصري واستهدفت بالدرجة الأولى جمهور المملكة العربية السعودية (سواء المواطنين من أبناء المملكة أو المغتربين من مختلف الأقطار العربية).
ويؤسفني حقا سعي بعض نجومنا الموهوبين لتحقيق المكاسب المادية فقط ولهثهم وراء المادة مع عدم اهتمامهم بتقديم إبداعاتهم لجمهورهم المصري الذي منحهم الشهرة والمجد وكثير من الأموال أيضا.
كان يمكنهم أن يعيدوا تقديم تلك الأعمال بمصر، ولكنني أعلم صعوبة بل استحالة ذلك ليس فقط لضخامة الإنتاج والذي يتطلب ضرورة رفع قيمة التذاكر، ولكن أيضا وبالدرجة الأولى لضعف المستوى الفني الذي لا يتناسب مع الجمهور المصري وتذوقه الراقي للفنون الرفيعة، وعشقه لعروض المسرح الجاد، ويكفي أن أذكر أن بعض عروض فرقة (المسرح القومي) قد استمرت لأكثر من ثماني سنوات، وحتى فرق القطاع الخاص المستمرة حتى الآن وفي مقدمتها فرقة (محمد صبحي) تقدم عروضا كوميدية راقية المستوى يمكن تصنيفها تحت مسمى الكوميديا السوداء (أو التراجيكوميك).
ونظرا لاستحالة تقديم مثل تلك العروض بمصر فإنني أطالب مجموعة المشاركين فيها بتسديد ضريبة الوطن بالسعي لتقديم عروض أخرى على الفور للجمهور المصري وليس بمسارح العاصمة فقط، بل وأيضا بالتجوال بها ببعض الأقاليم، وهذا أقل رد لجميل هذا الجمهور المتعطش للفن المسرحي، وأعتقد أن تقديم كل عرض بمصر لمدة شهر على أقل تقدير – بدلا من تقديمه لمدة أربعة أيام فقط بالسعودية – سوف يحقق للفنان الحقيقي المتعة ويتيح له فرصة التجويد والإحساس بنبض جمهوره الحقيقي، لكن للأسف فإن تعود بعض النجوم على الكسب السريع سوف يحرمهم من هذه الفرصة، مما يوقعهم تحت صفات الجحود ونكران الجميل.
وأخيرا أرى ضرورة أن أقوم بدوري بالتحذير ودق ناقوس الخطر لجميع النجوم والفنانين والمبدعين المصريين بضرورة الانتباه وعدم الانسياق وراء تحقيق المكاسب السريعة، وذلك حتى لا تتكرر مأساة المسرحيات المصورة (المعلبة) التي تم انتاجها خصيصا للعرض التليفزيوني، وتم إعدادها وتجهيزها على عجالة فتسببت في إهدار واستنزاف طاقات نجوم جيل السبعينيات والثمانينات ومن بينهم (سعيد صالح، يونس شلبي، سيد زيان، نجاح الموجي، أحمد بدير، مظهر أبو النجا، محمد أبو الحسن)، وذلك بخلاف اهتزاز علامة الجودة المصرية بجميع الفنون، والتي حققها جيل الرواد بمواهبهم ودأبهم وحسن اختياراتهم لأعمالهم.
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتمنى أن يكون عام 2022 أفضل مسرحيا، بتقديمه لعروض تجمع بين الفكر والمتعة، عروض مسرحية راقية تحقق جماهيرية حقيقية عن طريق التجوال بها بجميع الأقاليم لكسب جمهور جديد ربما يشاهد المسرح لأول مرة.