في الذكرى الأولى لرحيله: تعرف على دور (حاتم علي) الذي كان نورا ونارا عليه !
كتب : أحمد السماحي
كان (حاتم علي) الذي تمر اليوم الذكرى الأولى لرحيله، بشرا مثلنا، خجولا، متواضعا، ذكيا، حاد الذكاء، ولكنه كان يملك ما لا يملكه الكثيرين، كان ذا إرادة .. إرادة للاختلاف وللعمل، كان عاشقا لمهنته، لهذا بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق كتب المسرحية وأصدر ثلاث مسرحيات بالاشتراك مع المخرج المسرحي (زيناتي قدسية) بعنوان (الحصار)، وكتب القصة القصيرة ونشر مجموعتين قصصيتين هما: (ما حدث وما لم يحدث، موت مدرس التاريخ العجوز)، كما كتب في أدب الأطفال إلى جانب كتابته للدراما التليفزيونية، فضلا عن إنتاجه، حيث كان من أوائل النجوم السوريين الذين اتجهوا إلى الإنتاج وقدم سهرة من تأليفه وإنتاجه بعنوان (القناع).
كان رحيل (حاتم علي) العام الماضي مفاجأة مؤلمة لكل من اقترب منه، حيث كان موفور البسمات مشع الطاقة، فالكلمة الحلوة تملأ فمه، والإحساس العميق بالناس وأحزانهم ومتاعبهم الصغيرة يقض مضجعه، لكنها إرادة الله حيث رحل وهو في الثامنة والخمسين من ربيعه.
على مدى مشواره قدم كمخرج مجموعة من المسلسلات والملاحم التى غيرت وجه الدراما السورية، وتعتبر أهم أعمدتها، ولو حذفت ستفقد الدراما السورية الكثير من وهجها وبريقها وتألقها، فمن منا ينسى (التغريبة الفلسطينية، صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش، ربيع قرطبة، الزير سالم، الفصول الأربعة، سفر، عصي الدمع، على طول الأيام، الملك فاروق، قلم حمرة، العراب، عمر، أوركيديا) وقد تم دبلجة مسلسله (صلاح الدين الأيوبي) وعرض في ماليزيا و تركيا واليمن والصومال.
جمعت بيني وبين (حاتم علي) أكثر من مناسبة حيث حضرنا سويا الدورة الأولى لمهرجان وهران السينمائي الدولي عام 2009، ووجدته رقيقا عذبا، صافي الضحكات، خجول، إنطوائي إلى حد كبير، هكذا عاشرناه، وصادقناه، وأحببناه، وعشنا معه أيام المهرجان، حيث كان حريصا على مشاهدة كل الأفلام التى تعرض بانتظام.
بعد عودتنا إلى القاهرة بفترة أجريت حوارا له في مجلة (الأهرام العربي)، ثم حوارا آخر على صفحة كاملة في جريدة (الأهرام) حيث خصني بأول حوار عن مسلسله (عمر)، ومن الحكايات النادرة التى قصها على دور لعبه في مسلسل بعنوان (دائرة النار) ولمع فيه بقوة، رغم أنه كان بعيدا عنه تماما، حيث جسد دور (عبدو) الفران الشاب الفقير القادم إلى الحارة الدمشقية، المشاكس الذي يريد أن يخترق حجب البيوت المغلقة بقوانينها الصارمة.
وعن هذا الدور قال لي: فى أثناء دراستي لم يكن يخيل لي، ولا لأي من زملائي أن ألعب مثل هذا الدور، وكان هذا انطباعا سائدا في المجموعة الفنية العاملة في المسلسل باستثناء المخرج (هيثم حقي)، حتى أنا كنت أشك في أن أستطيع لعب هذا الدور، فأنا أقرب إلى الهدوء، وإلى الخجل، وطبيعة تكويني النفسانية والفيزيولوجية بعيدة كل البعد عن شخصية (عبدو) فى المسلسل، فهو إنسان مشاكس ووقح، ويريد أن يأخذ ما يريد عنوة، وفي الوقت نفسه كانت متعتي كبيرة لأنني كنت على أبواب مغامرة .. مغامرة أداء دور بعيد عني، وبعد نجاحي فى هذا الدور توالت علي أدوار شبيهه له، حتى تمردت عليها من خلال فيلم (الأبواب السبعة) مع المخرج (هيثم حقي) أيضا، الذي أعطاني الشخصية الإيجابية الوحيدة في الفيلم.
كما تحدث لي بشيئ من السعادة والشجن عن عمله تحت قيادة الفنان والمخرج (أيمن زيدان) فى المسرح حيث قدمه في عملين في بداياته الفنية هما (صخب في كيوشا)، و(حكايا الحكيم).
رحم الله (حاتم علي) الذي كانت معظم أعماله بطاقة دعوة إلى الفكر وتخليص الإنسان، ورفع القيود عن عقله وقلبه وروحه، ولنع دائما أن سوريا ونهضتها الفنية، ودورها فى العالم العربي لم يتكون إلا بنجم مثل (حاتم علي) وعظام مبدعيها من النجوم والكتاب والمفكرين.