كتب : محمد حبوشة
فطر الإنسان على احترام والديه وتقديرهما والعناية بهما، وجاء القرآن الكريم الذي عني بإتمام مكارم الأخلاق ليركز على هذه القيم فأمر المسلم بتقدير والديه وطاعتهما، حتى لو كانا غير مسلمين، ونهى عن عقوق الوالدين وأمر ببرهما ووصلهما، لكن المشاهد للواقع المحلي ينفطر قلبه جراء ما يشاهده بعينيه من تفشي مظاهر العقوق في المجتمع بصورة ملحوظة، والابن العاق هو ذلك الابن الذي يواجه والديه دائما بالإساءة والأذى، ويقابل سهرهما على رعايته وتعبهما في تربيته بالجحود والنكران، والابن العاق عادة ما يقسو على والديه قولا وفعلا ولا يقدم المساعدة والمعونة إلى والديه إذا احتاجا إليه، وهو ما حدث مع الفنان الكبير والقدير (رشوان توفيق)، ويحدث الآن مع الفنانة المعتزلة منذ زمن بعيد (شريفة ماهر) عندما ظهرت على بعض الشاشات الفضائية والعديد من المواقع تشكو جحود أبنائها.
والأبناء العاقون صور غريبة وشاذة من البشر لأنهم فقدوا الكثير من إنسانيتهم وسلكوا مسلكا يخالف كل عرف وشرع وعقل، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟، هل الجزاء الذي يحصل عليه الآباء من أبنائهم العاقين عن سهرهم وتعبهم وقلقهم وشقائهم في سبيل رعايتهم هؤلاء الأبناء، يقدمه هؤلاء الأبناء للآباء قسوة وظلما واعتداء وإيذاء، حقا إنه سلوك غريب ولكنه سلوك صادر عن إنسان مضطرب مريض فقد حسه ووعيه وعميت بصيرته، فمن أدب معاملة الأبناء للآباء كما نهى القرآن الكريم عن توجيهها إلى الوالدين في هذه الآيات اللغوية البليغة الرائعة: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 23-24). وفي القرآن الكثير من الآيات البينات التي تحث الأبناء على حسن معاملة الآباء ورعايتهم ومصاحبتهم بالحسنى، وتقديم العون والمساعدة لهم، خاصة عندما يبلغ بهم العمر أرذله.
وفي هذا الصدد ساءني جدا حالة الجدل والتحدي من جانب (شريف شوقى) ابن الفنانة القديرة (شريفة ماهر) عندما تحدث بتجرد من أية مشاعر بردود مستفزة على والدته، وكأنه صاحب الحق في أن يرثها على عين حياته، فذهب يبرر ويلفق من الأدلة والبراهين الواهية أن هى من اعتدت عليه، وهذا شكل من أشكال الجحود ونكران الجميل والفضل، بل هو نوع من عدم طاعة والدته في أي أمر من الأمور، بل وقوف الابن دائما موقف المعارضة في وجه أي رأي أو نصح أو توجيه يصدر إليه عن طريق والدته.
وقد بدا واضحا لي وللمشاهدين ذلك الإصرار من جانب (شريف شوقي)وشقيقه وشقيقته على إجراء المداخلات بصلف وعناد غريب، ما يعكس أن الابن يشعر في بعض الأحيان انه يسيطر على والديه ويتحكم فيهما يوجههما، ويجد هذا الابن أن عليه أن يأمر وعلى الوالدين السمع والطاعة، وأن عليه أن يطلب وعلى الإجابة، وفي مثل هذه الأحوال تنقلب الأوضاع، ويثور الابن ثورة عنيفة إذا لم يجب الوالدان له مطلبا مهما، سواء كان هذا المطلب غير معقول وفوق طاقة الوالدين وامكانياتهما، وكثيرا ما يكون البعد الفكري بين الآباء والأبناء سببا في عقوق بعض الأبناء وإقامة عوائق تحول دون إقامة تفاهم فعّال مثمر بينهما، كما حدث في حالة (شريفة ماهر).
آلمني كثيرا ذلك السجال وحالة الجدل بين الفنانة الكبيرة (شريفة ماهر) مع أبنائها، من خلال عدة برامج وعلى السوشيال ميديا التي راحت بدورها تنفخ النار في حطب المودة، وعلى الرغم من قول الفنانة المعتزلة في تصريحات (إن خلافاتها مع أبنائها بدأت منذ أكثر من 32 عاما، إلا أنها تفجرت على سطح الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، حيث أشارت (ماهر) إلى أن ابنتها (ناهد) التي (أنجبتها من زوجها الأول الكاتب الراحل جليل البنداري) استغلت قيامها بعمل توكيل لها، وتركتها في الشارع دون أي مبالاة، وأوضحت أنها (رفضت اللجوء للمحاكم وفوضت أمرها لله وبدأت تعمل مرة أخرى وأنشأت العديد من الأبراج السكنية) لافتة إلى أن ابنتها (لم تسأل عنها لمدة 10 أعوام متواصلة).
وكشفت أن ابنتها عادت لمصالحتها لغرض في نفسها، وهو ما اتضح بعد ذلك على الرغم من تحذيرات المحيطين بها، وتابعت: (كان هدفها الأساسي من مصالحتي هو الحصول على الأنتيكات التي اقتنيهتُا والتي تتعدى قيمتها 2 مليون جنيه مصري)، أما عن ابنها (شريف) بطل الأزمة التي تفجرت مؤخرا، فقالت: (الخلاف معه بدأ في عام 2009، وهو تاريخ إنشاء فيلا جاردن سيتي بالقاهرة، وقد حاول بكل الطرق استغلال عاطفة الأمومة ليقنعني بالإقامة معي فيها حتى يحصل على مكان آخر للإقامة مستغلا عدم إقامتي بها وسفري الكثير لـ (السويد)، حيث تحمل الجنسية السودية منذ زمن طويل.
وأعلنت ماهر أنها (كانت تؤجر هذه الفيلا في فترة سفرها وبعد إقامة ابنها في هذه الفيلا أصبحت لا تمتلك أية أموال)، وتتابع: عندما علموا ببيع الفيلا لابنتي الصغرى (نيفين) الأخت غير الشقيقة لشريف قاموا بتهديدي بالقتل أنا وزوجي وأبنائي غير الأشقاء له)، ولفتت في حزن وأسى إلى أن أولادها من زوجها الأول (شريف وناهد ومجدي) يحرصون كل الحرص على عدم كتابة أي عقارات أو ممتلكات باسم ابنتي الصغري وغير الشقيقة لهم (نيفين) لأنهم لا يعترفون بأنها ابنتي، وأشارت إلى أن أختها الكبرى (ناهد) كانت دوما تقول لابنتي الصغري نيفين: (ماما لاقياكي (وجدتك) في الشارع)، مما أثر على نفسيتها وأصبحت تعالج نفسيا.
تصدرت الفنانة المعتزلة شريفة ماهر محركات البحث خلال الأيام الماضية، بعد أن كشف عن ما تعرضت له من جحود على يد ابنها الأكبر شريف، وأشارت إلى أنه حاول التخلص منها بصورة غير مباشرة، وأثارت (شريفة ماهر) ضجة كبرى بتصريحات مؤلمة أدلت بها خلال أول لقاء تلفزيوني الأسبوع الماضي، حيث أكدت إن نجلها شريف زارها في منزلها رغم إصابته بفيروس كورونا، في محاولة لنقل العدوى إليها كي تموت، وقالت الفنانة المعتزلة في تصريحاتها: (شريف ابني جاله كورونا قال هروح لماما هي ست كبيرة يمكن تجيلها ونخلص منها.. عملتلك إيه؟ حد يقبل كده على أمه!).
وأشارت (ماهر) إلى أنها تعرضت للسرقة على يد أبنائها، حيث أكدت في تصريحاتها: (أولادي أخدوا كل ما أملك، فبعد أن اعتزلت بسبب – فيلم أعز الحبايب – حيث ضربنى شكري سرحان على وجهي وأصبت في عيني، ولم أعد قادرة على الرؤية بشكل جيد، شريف ابني استغل الأمر وأجبرني على توقيع 4 عقود لممتلكاتي)، وأضافت: (وزعت جزء كبير من ميراثي، وعلى أثره قام أبنائي شريف وطارق بسبي، شريف دفعني مرتين ودراعي اتكسر من 4 سنين، ولادي أخذوا كل ما أملك)، وعلى الرغم من قسوة الأمر، إلا أن شريفة ماهر لم تمانع في الصلح مع أبنائها، وقالت: (أنا موافقة على الصلح إذا حضروا وقبّلوا رأسي).
مسيرة فنية طويلة
جدير بالذكر أن الفنانة القديرة شريفة ماهر هى واحدة من فنانات من الزمن الجميل، اللاتي تمتعن بحلاوة الروح وجمال الشكل وروعة التمثيل والغناء، ونجحت في خطف أنظار ملايين المشاهدين، بروعة أدائها، وجمال إطلالتها، حتى بعد مرور عشرات السنين، وتميزت بخيارات جمعت الأسلوب الخاص، ومتطلبات الأدوار التي لعبتها على الشاشة الفضية، وشملت هذه الخيارات طريقة تصفيف شعرها، والتي كانت مصدر إلهام للكثير من الفتيات في ذلك الوقت وحتى اليوم، لا تزال هذه التسريحات دليلاً على رقيها، ومرآة عكست جمال الزمن الذي عاشت فيه، وقد اشتهرت في السينما المصرية قديما بواحدة من أجمل النجمات على الإطلاق فكان جمالها الآخاذ يشبه جمال نجمات هوليوود بل وأكثر من ذلك، فقد تميزت من بين نجمات الزمن الجميل بالرقي وجمال المظهر والملبس، فكانت تحرص دائما على الظهور بأبهى حلة سواء كان ذلك خلال تصوير أحد الأفلام أو في الأيام العادية.
عرفت شريفة ماهر بالشريرة الجميلة التي سحرت الجميع، وهى فنانة تخفي ما بداخلها الكثير و الكثير من المواهب و التي لم تستغل علي الشكل الأمثل، فهي معروفة بالفنانة التي تجيد أدوار الشر و المرأة المتسلطة، ولكن من منا يعرف أنها أيضا تمتلك صوتا عذبا تقرا القرآن وأيضا تتغني به، بمجرد ظهورها سحرت الجميع داخل مصر بل وخارج حدودها مما أهلها أن تشترك في عدة أفلام أجنبية، وهذا يدل علي قوة موهبتها بل وتنوعها.. شريفة ماهر التي اقتنع بها نجوم كبار ولكن المخرجين وصناع الأفلام حصروها في أدوار معينة، ولكن وبرغم ذلك أجادت وبجدارة، وظلت شخصية قوية من بدايات صعودها سلم النجومية وحتى لحظة اعتزالها منذ حوالي 20 عاما مع آخر أعمالها في فيلم (رجل له ماضى عام 2000).
وتعد شريفة ماهر آخر حبة في عقد السيدات العظيمات من الرواد في تاريخ الفن المصري من أصحاب الحس الوطني، حيث غنت في حفلات أضواء المدينة وقطار الرحمة و جابت كل مناطق ومحافظات مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لدعم المجهود الحربي، إضافة للحفلات الخاصة بالشئون العامة للقوات المسلحة الشئون المعنوية، وكذلك مناصرة الفقراء والمرضي من أبناء الوطن دون أن تتقاضي مليما واحدا آنذاك، بل كانت تعتبر ذلك مهمة قومية ووطنية بالدرجة الأولي، فضلا عن احتضانها ودعمها للكثيرين من أبناء مصر فترة إقامتها بالسويد التي تزيد عن ثلاثين عاما.
ولدت الفنانة المصرية شريفة ماهر في مدينة حلوان بالقاهرة، ويعتبر اسم (شريفة ماهر) هو الاسم الفني لها، أما اسمها الحقيقي فهو (هدى ماهر الكفراوي)، وقد عاشت الفنانة الكبيرة طفولة صعبة وقاسية، إذ أصر والدها على تزويجها وهى مازالت في سن الخامسة عشر من عمرها على عكس رغبتها، ودرست وتخرجت من إحدى المدارس الفرنسية، ولكنها تركت زوجها الأول قبل قرارها دخول عالم الفن، إلا أن والدها أصر مرة أخرى على تزويجها لشخص يكبرها في العمر بما لا يقل عن 10 سنوات، ولكن انتهت تلك الزيجة أيضًا بالانفصال.
كان حب التمثيل قد بدأ مع شريفة ماهر في أثناء دراستها بالمدرسة الفرنسية، وتحديدا عند مشاهدتها لأحد أفلام الممثل الأمريكي الشهير (كلارك جيبل)، ولشدة حبها له أخذت والدتها وظلت تبحث عنه في العديد من الاستديوهات بمدينة القاهرة ظنا منها أنه في واحد منها، والمحطة الثانية التي كانت تبشر بمستقبل فني كبير لتلك الفنانة كانت في حلوان، حين قابلت الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب أثناء زيارته لتلك المدينة، وحينها تنبأ لها بمستقبل فني كبير، ومن خلال الإذاعة، بدأت نشاطها الغنائي إذ قامت بتسجيل أغنية للملحن أحمد عبدالقادر، وعقب ذلك بدأت بالظهور في بعض الأفلام ولكن بدون دور محدد أي كانت تعمل (كومبارس).
واستمر هذا الوضع إلى أن قابلت الموسيقار محمد عبدالوهاب مرة أخرى، ولكن تلك المرة كانت بمثابة البوابة الكبيرة التي دخلت منها شريفة إلى عالم الشهرة، إذ قامت بالتوقيع على عقد مدته 3 سنوات مع عبدالوهاب، وتم تغيير اسمها من (هدى) إلى (شريفة)، وشيئا فشيئا دخلت إلى عالم السينما وعرفها الناس كمغنية وممثلة، وساعد صوتها الجميل إلى جانب إطلالتها المميزة والجذابة على انتشارها بشكل سريع، والمشاركة في العديد من الأفلام بفضل حب قطاع كبير من الجمهور المصري لها ولأدوارها.
في فترة السبعينات تزوجت (شريفة ماهر) من بطل الاسكواش المصري عبدالواحد عبدالعزيز، وسافرت معه إلى السويد حيث استقرت هناك لمدة طويلة وحصلت على الجنسية السويدية، ابتعدت فيها عن الفن وأنجبت ابنها الوحيد (طارق عبدالواحد)، وارتدت الحجاب أيضا وابتعدت عن المجال الفني تماما، وعادت الفنانة الكبيرة إلى مصر في أوائل التسعينات وأسست شركة إنتاج، وقامت بإنتاج العديد من الأعمال لابنها طارق، وشاركت في الكثير من الأعمال عقب ذلك.
لدى الفنانة شريفة ماهر تاريخ سينمائي كبير وعريض، إذ قدمت العديد من الأدوار المختلفة التي أظهرت موهبتها العالية، كما استطاعت أن تترك بصمة خاصة لدى الجمهور الذي أحب طريقة أدائها إلى جانب طلتها الجميلة، ومن أهم الأفلام التي شاركت فيها شريفة هو فيلم (ظلموني الحبايب) للمخرج حلمي رفلة، ومن تأليف بديع خيري، وتم عرضه عام 1953، ومن بطولة نجوم كبار مثل صباح، عماد حمدي، حسين رياض، زينات صدقي، محمود شكوكو، محمد الديب، نصرالدين مصطفى، فريد شوقي، وشريفة ماهر التي قامت بتقديم شخصية نظيمة، ابنه خالة بهاء الشخصية التي يقدمها عماد حمدي.
شاركت (شريفة ماهر) فى أكثر من 40 عملا فنيا، ومنها أفلام: (رجل له ماضى 2000، وضيفة شرف فى أبناء الشيطان 2000، والمصير 1997، وعذراء وثلاثة رجال 1986، وكلمة السر 1986، وبئر الأوهام 1986، والفرن 1984، وجفت الدموع 1975، وكرامة زوجتى 1967، وقصر الشوق 1966، وفارس الصحراء 1966، والعقلاء الثلاثة 1965، والمدير الفنى 1965، والحياة حلوة 1965، وفاتنة الجماهير 1964، ورابعة العدوية 1963، وشاطئ الحب 1962، ولن أعترف 1961، وأعز الحبايب 1961، والفانوس السحرى 1960، وصخرة الحب 1959، والمتهم 1957، وإزاى أنساك 1956، وإسماعيل يس فى البوليس 1956، ومن رضى بقليله 1955،وفالح ومحتاس 1954، وتحيا الرجالة 1954، وارحم دموعى 1954، وكدت أهدم بيتى 1954، وظلمونى الحبايب 1953، ومجلس الإدارة 1953، والمقدر والمكتوب 1953، وغلطة أب 1952، وادينى عقلك 1952، وبلد المحبوب 1951، وأسرار الناس 1951، وأنا بنت مين 1950)، وقدمت ثلاثة مسلسلات تليفزيونية هى: (عزيز على القلب 2008، وأوراق مصرية 2002، وبرديس 1985).
ولأنها صاحبة أجمل وجه على شاشة السينما وبطلة العديد من الأفلام التي لاتنسي، فقد اشتهرت بالأنثى القوية في السينما التي تخصصت بتجسد أدوار الشر، وبقدر ما كرهها الجمهور وهى تؤدي أدوار الشر على الشاشة الصغيرة، بقدر ما أصبحت أعمالها الفنية علامة مميزة لموهبتها الكبيرة وأدائها القوي أمام الكاميرات، ورغم أن ظهورها لم يكن بمساحات كبيرة، لكنها كانت مختلفة في هذه المساحة البسيطة التي كانت تتاح لها، فلم تكن من الفنانات اللواتي مررن مرور الكرام على السينما المصرية، بل قدمت الكثير من الأعمال السينمائية التي تركت بصمة قوية في عالم الفن.