كتب : محمد حبوشة
تشهد فعاليات الليلة الختامية من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته الـ 28 اليوم الأحد، والتى تحمل اسم الراحل الدكتور فوزي فهمي، تكريم المخرج الكبير عصام السيد صاحب (الدهشة الإبداعية) في المسرح المصري، الذي لخص خلاصة ما يزيد عن الخمسين عملا مسرحيا منذ عام 1981 و حتى الآن فى مسرح الدولة والقطاع الخاص، والتليفزيون، والثقافة الجماهيرية، و الاحتفالات القومية، وعن طيب خاطر حاول المخرج العظيم أن يفسر لنا حاول خلال تلك الأعمال اتباع منهج إخراجى يستفيد من الظواهر المسرحية الشعبية المصرية، فى تزاوج مع المناهج الإخراجية العالمية، الأمر الذى حقق له نجاحا جماهيريا و فنيا و نقديا، أدركناه نحن عن قرب فى تعريفه لطبيعة عمل المخرج المسرحى كمترجم ومفسر، إضافة لدوره كمعلم مهمته الأساسية هى توجيه الممثل داخل النص.
استطاع المخرج الكبير عصام السيد طوال رحلته الطويلة التي وقعنا خلالها فى أسر أعماله العذبة الشجية أن يصول ويجول بنا بسلالة ونعومة فى حرفية تفكيك النص المسرحى بشقيه (النص المرئى والنص الخفي) وكيفية التحول من التراجيدى للكوميدى على جناح المسرح الواقعى والسياسى والعبث واللامعقول، وغيرها من قوالب تجرى على خشبة مسرح الحياة منذ نشأة المسرح وحتى يومنا الحالي، لافتا إلى أن الفيصل فى كل ذلك هو جودة النص الذى يصنع الدهشة الإبداعية فى النهاية كما جسدها فى غالبية ما قدمه على خشبات المسرح المصري، خلال مسيرته الطويلة من العطاء والتفانى فى محراب أبو الفنون، إخراجا و تدريبا و نقدا وتنظيرا وإدارة على مدار ما يقرب على الـ 40 عاما.
ولقد مثلت خلالها أعماله (مصر) فى عدة مهرجانات عربية و عالمية بمصر و سوريا و تونس والعراق والكويت وفرنسا فاستحق الحصول على جائزة الدولة فى التفوق فى الفنون عام 2013، وميدالية القوات المسلحة عام 2009، وتم تكريمه من وزارة الإعلام عام 2005، والثقافة الجماهيرية، وقسم المسرح بآداب حلوان، وجريدة حريتي، ومن عدة مهرجانات مصرية وإقليمية، كما كرمته محافظات (الشرقية، الفيوم، بورسعيد).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسرحيته الشهيرة (أهلا يا بكوات) قد حازت جائزة أفضل عرض مسرحى فى المهرجان القومى الأول للمسرح المصرى عام 2006، فضلا عن اختياره فى عدة استفتاءات صحفية و اعلامية كأفضل مخرج أو اختيار أعماله كأهم عرض مسرحي، لذا سيبقى بفنه الإبداعي راسخا فى الذكرة جراء (القاعدة الذهبية للإخراج الجيد هو كسر القاعدة ذاتها)، وربما يفهمها كثير من مسرحى هذا الزمان على نحو مختلف، كما يبدو فى أعمال تستهدف كسر القيم على جناح الفهلوة التى لاتفضى إلى متعة مشاهدة حقيقية، بقدر ما تجنح للتسطيح والاستخفاف بعقول المشاهدين، عبر استكتشات هزلية تغتال التقاليد العريقة للمسرح المصرى الذى تربينا عليه.
فالقاعدة الذهبية التى يقصدها المبدع (عصام السيد) تتطلب أن يكون المخرج طبيبا نفسيا كى يستطيع اقناع الجمهور، بحيث ينجح فى اختيار النص الذى يحقق (وحدة الزمن، وحدة الحدث – الفعل – وحدة المكان)،على نحو مشوق وبترتيب هرمى طبقا لمفهوم أرسطو فى الواقعية، وحتى لو كان النص بأسلوب بريختي، لابد أن يجرى بترتيب دائرى تتوفر فيه (بداية – عقدة – نهاية – حل) كما هو سائد فى كل المدارس المسرحية الرصينة فى فعلها نحو التعبير بصدق عن الواقع الحياتى المعاش.
أما أجمل ماقاله هذا الزاهد العظيم فى محراب المسرح، هو حديث عن فقدان قيمة (الصمت) فى مسرحنا الحالي، وهى إشارة غير مباشرة، فلم يقولها صراحة ، كما نقول نحن حيال الفوضى والضجيج اليومى الذى نشاهده، وهى فى الواقع فرضية غائبة بحسب قول (بريخت) على لسان (الأم شجاعة) : (ما فائدة قرع الطبول إذا لم تكن هناك آذان تصغي)، إنها إذن مقولة تؤكد بلاغة الصمت فى التعبير المسرحي، وهو والله يشكل قوة اتصال غير شفاهي، بخاصة عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة للاتصال، وكثيرا ما يكون الصمت موقف استثارة لفهم الآخر عبر لغة العيون التى تحل محل اللسان فى التعبير عن المسكوت عنه وبطريقة أكثر بلاغة، وهو ما لايدركه هؤلاء الفوضويون فى لغة المسرح كرسالة إنسانية سامية.
جدير بالذكر أن عصام السيد حصل على العديد من الجوائز و تم تكريمه من عدة جهات رسمية و شعبية مصرية وعربية، وتم اختياره عضوا و رئيسا للجان التحكيم فى المهرجانات الدولية و العربية ، كما أقام العديد من الورش التدريبية و المحاضرات و شارك فى الندوات الفكرية و النقدية فى عدة مهرجانات كما كتب بالصحف و المواقع الفنية و المسرحية، وأخرج شريط الصوت لعدة أفلام من انتاج شركة (والت ديزنى) العالمية فى بداية تعاملها مع العالم العربي، وبدأ نشاطه المسرحي بالتمثيل والإخراج بالمسرح الجامعي فنال جائزة الممثل الأول على مستوى جامعة عين شمس عدة مرات ، ونال جائزة المخرج الأول على مستوى الجامعة عدة مرات آخرها عام 1975 اثناء التحاقه بالدراسات العليا .
كما نال جائزة أفضل عرض مسرحي بمهرجان الصداقة بين الجامعات المصرية 1974، وقدم من إخراجه للمسرح الجامعي : (الفيل يا ملك الزمان) في أول تقديم للكاتب السورى الكبير (سعد الله ونوس) في مصر، وحازت مسرحيته (الرجال لهم رؤوس) لمحمود دياب على عدة جوائز على مستوى الجامعة و كذلك على مستوى الجامعات المصرية .. تحية تقدير واحترام للمخرج الكبير (عصام السيد) في يوم تكريمه، والذي نعتبره تكريما لبوابة (شهريار النجوم) باعتباره أهم كتابها منذ انطلاقتها الأولى وحتى الآن .. مبروك يا (صاحب الدهشة الإبداعية).