موفق بهجت يكشف سر إضافة كوبليهات وطنية لأغنيته الشهيرة (بابوري رايح رايح)
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها .
كتب : أحمد السماحي
على مدى مشواره قدم مطربنا السوري الكبير (موفق بهجت) صوت البهجة والسعادة، والأداء الراقي المتدفق بالحيوية والشباب العديد من الروائع الغنائية التى سكنت ذاكرة الجمهور في مصر والعالم العربي، وتلاعب بطبقات صوته العذب الجميل، وبمشاعر جمهوره، وهو يتنقل بخفة فراشة بين إيقاعات موسيقية متنوعة، وبين أغنيات عاطفية، وأخرى وطنية، وبين أغنيات باللهجة العامية، وأخرى بالفصحى من الشعر المنثور، في أداء مبهر ورائع.
من أغنياته التى لا تنسى أغنية (بابوري رايح رايح، بابوري جاي) تأليف الشاعر اللبناني (عبدالجليل وهبة)، وألحان المبدع السوري (عبدالفتاح سكر)، هذه الأغنية التى حققت شهرة مدوية وصنع منها الفنان سمير غانم (إفيه) لطيف في مسرحية (موسيقى في الحي الشرقي)، فأضحكنا عندما حكى لنا عن كيف أربكت الأغنية عامل التحويلة المسئول عن حركة القطارات، فلم يعرف ما إذا كان القطار رايح أم جاي، فتسبب في تصادم القطارات القادمة من جميع الجهات.
كما أن هذه الأغنية، هى أغنية مستقبلية بكل المقاييس، فقد تنبأت بالقطارات التي تتحرك في جميع الاتجاهات فتتصادم، لهذا تذكرناها كثيرا خلال الفترة الماضية، هذه الأغنية الخالدة سنحكي لكم أعزائي قصتها قريبا، وهذا الأسبوع سنتوقف في باب (محذوفات الأغاني) عن ما حدث من حذف وإضافة لهذه الأغنية، ففي البداية أطلقها المطرب السوري الكبير (موفق بهجت) فى نهاية عام 1968 وكانت كلماتها الأولى تقول:
موال: بابوري شج البحر، وأمواجه عليت فوق
ما دري يا خلي مي، مادري يا خلي غلبني الشوج
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
بابوري محمل سكر وشاي
بابوري رايح، على بيروت
رايح يجيب مرجان وياقوت
على البعد ياحبيبي راح أموت
يالله الحقوني بشربة ماي
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
دخل الله عجل يابابور
وعلى دقة قلبي لف ودور
بيني وبينك سبع بحور
عجل لا تمشي شوي شوي
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
حمي بخارك على القلبين
ازرع وسابق نظر العين
يا وابوار لو تعرف رايح فين
لتطير طيران من فوق المي، المي
بابوري رايح رايح، بابوري جاي.
هذه هى كلمات الأغنية كما أذيعت أول مرة وحققت نجاحا كبيرا طار بها وبمطربها الوسيم إلى مصر المحروسة، فعندما حضر(موفق بهجت) إلى مصر في بداية السبعينات، ولأنه سوري، وسوريا هى التي حملت دائما راية القومية العربية، والتي كانت دائمًا تنادي بالقومية العربية، وتتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان، لهذا كان من الطبيعي أن يتأثر المطرب الشاب بما نشأ وتربي عليه فى بلده سوريا، فقام بحذف وتغيير وتبديل كلمات الأغنية وجعلها أغنية وطنية تتطالب بوحدة الأوطان العربية.
خاصة وأنه كما ذكر مطربنا الكبير (موفق بهجت) لـ (شهريار النجوم): نشأت على نشيد (بلاد العرب أوطاني)، هذا النشيد الذي يتغنى بالوطنية القومية العربية ويمتدح الوحدة، والذي كتب كلماته الشاعر (فخري البارودي) ولحن موسيقاه الأخوان (فليفل) وكان يقول مطلعه:
بلادُ العُربِ أوطني، منَ الشّامِ لبغداد
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ، إلى مِصرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا، ولا دينٌ يفرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا، بغسَّانٍ وعدنانِ
ويضيف (موفق بهجت): هذا كان لسان حالنا كشباب عربي، وجاءت الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، وأكدت هذا المعنى، وكنا سعداء بها جدا، لكن فرحتنا لم تدم كثيرا، حيث جاء الأنفصال عام 1961 ليطيح بأحلامنا الصغيرة، وكان الأنفصال بالنسبة لكثير من الشباب السوري وأنا منهم مدمي وقاتل، لهذا عندما تواجدت بعد سنوات طويلة من الأنفصال، وفي أول حفل لي أمام الجمهور المصري الذي استقبلني بكل شرائحه بحفاوة شديدة، واحتضنني بحب شديد، فأحببت أن أصافحهم بطريقتي وأرد لهم الجميل، فكتبت بعض الأبيات التى تنادي بالوحدة العربية وأضفتها إلى أغنيتي الشهيرة (بابوري رايح رايح، بابوري جاي).
جدير بالذكر من يستمع إلى الأغنية الشهيرة يجد لها نسختين، نسخة لبنانية وسورية، ونسخة مصرية، وفي النسخة المصرية نجد فيها بعض التغييرات والحذف والأضافة، فقد بدأ الكورس الغناء، ثم دخل المطرب السوري وغنى الموال، وحذف (الكوبليه) الخاص (ببيروت)، وأضاف كوبليهات خاصة بالوحدة العربية ومصر وسوريا وليبيا والسودان وفلسطين.
وإليكم كلمات (بابوري رايح رايح، بابوري جاي) كما تذاع وتعرض في مصر :
كورس : بابوري رايح رايح، بابوري جاي
موفق : بابوري شج البحر، وأمواجه عليت فوق
ما دري يا خلي مي، مادري يا خلي غلبني الشوج
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
دخل الله عجل يابابور، وعلى دقة قلبي لف ودور
بيني وبينك سبع بحور، عجل لا تمشي شوي شوي
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
أنا مصري وسوري وليبي كمان
أنا نفسي تتوحد الأوطان
قال السودان أنا والله كمان
هنضم للوحدة بعد شوي شوي
وباوري رايح رايح، ووباري جاي.
حمي بخارك على القلبين
ازرع وسابق نظر العين
يا وابوار لو تعرف رايح فين
لتطير طيران من فوق المي، المي
بابوري رايح رايح، بابوري جاي.
بابوري رايح على فلسطين
رايح يحيي الفدائيين
ياناس ناس قولوا أمين
نفدي أراضينا بالروح والدم، الدم
بابوري رايح رايح، بابوري جاي
بعد هذا الحفل ولد (موفق بهجت) نجما كبيرا في مصر، وخرج المصريين من الحفل، مبتهجين بالمطرب الوسيم الذي يغني للوحدة العربية، وثبت في ذهنهم الكلام المتعلق بالسكر والشاي، فالمصريين كما نعلم جميعا هم (كييفة) شاي، حتى أن السكر والشاي كانا أثمن هدية يمكن لمسافر من القاهرة أن يحملها لأقاربه الريفيين، وما زاد إعجابهم وحبهم للمطرب السوري، أنه يقدم لون غنائي يتميز بالبهجة والانشراح والحركة، لم يكن موجودا من قبله فالمطرب الذي يتحرك على المسرح ويصفق ويتفاعل بحب ورقي مع الجمهور كان غائبا عن الجمهور المصري.