بقلم : عمر علي
في هذه المقالة نستأنف ما بدأناه في المقالة السابقة من تحليل وشرح الأفلام التي قمت بمشاهدتها في هذه الدورة من المهرجان.
انطوائيون
في يوم العروض الخامس كان لي لقاء مع فيلم من المسابقة الدولية بعنوان (إنطوائيون Aloners) وهو فيلم من كوريا الجنوبية من إخراج هونج سيونج يون وتدور أحداثه حول فتاة انطوائية تعيش بمفردها بعد وفاة أمها وعدم التوافق بينها وبين أبيها ، وتعمل في كول سنتر ، وترفض هذه الفتاة نظراً لعزلتها أن يدخل أحد حياتها حتى زملائها في العمل.
الفيلم به جرعة مشاعر إنسانية راقية للغاية ، فقد نجح السيناريو في رسم حالة الشخصية والتعبير عنها بمنتهى العمق ، كما تمكن المخرج من توجيه ممثليه بعناية فائقة تحديداً بطلة الفيلم ، وقد توج الفيلم في حفل الختام بجائزة الهرم البرونزي عن جدارة وأستحقاق لكونه فيلماً من أهم أفلام دورة المهرجان هذا العام.
رقيق
ثاني أفلام هذا اليوم كان فيلم من المسابقة الدولية أيضاً وهو فيلم (رقيق Softie) وهو فيلم فرنسي من إخراج صامويل ثيس ، ويدور حول الطفل جوني الذي يتولي المدرس الجديد أدامسكي فصله في المدرسة ويصبحان أصدقاء مع الوقت إلى أن يحدث بينهما ما يفرق هذه الصداقة.
فكرة الفيلم غاية في البساطة فهي تدور حول ما يحدث للأطفال وهم على أعتاب سن المراهقة ، التغيرات النفسية والفسيولوجية التي تأتيهم في هذا السن من رفض الواقع والقدرة على التعبير عن أنفسهم وبداية معرفتهم للجنس ورغبتهم فيه ، كل تلك القضايا الشائكة عبر عنها الفيلم برقي شديد وتمكن السيناريو من التعمق داخل شخصية الطفل البطل بحيث ناقش من خلال ما يحدث له كل ذلك، من الناحية التقنية تمكن المخرج من صنع فيلم جيد من الناحية الإخراجية وإن كنت أعيب عليه بطئ الإيقاع في النصف الثاني من الفيلم، ومن المحزن أن هذا الفيلم لم يحظى بجوائز في حفل الختام رغم أنه كان يستحق ورغم الإستقبال الحافل الذي حظى به أثناء العرض.
إنهم يحملون الموت
في سادس أيام المهرجان شاهدت فيلماً من المسابقة الدولية أيضاً وهو (إنهم يحملون الموت They carry death) ، وهو فيلم أسباني كولومبي من إخراج هيلينا جيرون وصامويل ديلجادو وتدور احداثه عام 1492 حول ثلاثة من أفراد طاقم القبطان كريستوفر كولومبوس نجوا من الموت ويسافرون عبر الأدغال ليصلوا إليه. هذا الفيلم يعد من أسوأ أفلام هذه الدورة ولا أرى سبب واضح لدخوله المسابقة الدولية ، فالسيناريو فارغ من الأحداث تقريباً ومباشر للغاية في نهايته ، ولا يوجد رسم واضح أو مفهوم لأي شخصية في الفيلم ، ولا يوجد تطور في الحدث . على مستوى الإخراج لم تكن الأمور أفضل حالاً فلم يستطع المخرجين توجيه ممثليهم إختيارهم بشكل جيد من الأساس ، ورغم مدة الفيلم القصيرة التي كانت ساعة وربع تقريباً إلا إيقاع الفيلم كان بطيئاً ومملاً بشكل مبالغ فيه ، أفضل عناصر الفيلم كان التصوير الذي نجح في خلق كادرات خلابة وجميلة لأماكن التصوير الذي كانت أغلبه غابات وصحاري وأدغال ، ولعل هذا ما يبرر حصول مدير التصوير خوسيه انجل أليون على جائزة هنري بركات لأحسن إسهام فني ، ولكن هذه الكادرات الخلابة لم تحكي قصة واضحة ومفهومة في نهاية الأمر.
صاروخ أحمر
لم تكن الأمور أفضل حالاً في الفيلم التالي الذي حمل عنوان (صاروخ أحمر Red Rocket) وهو فيلم أمريكي من إخراج شون بيكر ويدور حول مايكي الممثل الذي إحترف العمل بالأفلام الإباحية ويجد نفسه فجأة وحيداً بلا عمل فيقرر الذهاب إلى طليقته والعيش معها هي وأمها والعمل في بيع المخدرات فتدر عليه دخلاً وفيراً !
سيناريو الفيلم مشوه للغاية وليس به أي شئ مفهوم ، صحيح أن النقطة التي بدأت الأحداث منها جيدة ولكن بناء الفيلم به الكثير من الكوارث أولها هو عدم وجود معني للأحداث المتعاقبة خلف بعضها ثانيها عدم وجود رسم واضح لباقي الشخصيات المحيطة بالبطل ولا وجود مبرر مقنع ومفهوم لتصرفاته ، فهل الفيلم يدين العمل في الأفلام الإباحية أو يدين بيع المخدرات ، بالعكس بالبطل سعيد بعمله السابق وسعيد بعمله الحالي في المخدرات ولا يبدو أنه سينال عقاب على الجرم الذي يرتكبه والذي يمارسه في الخفاء ولا يتقبله مجتمعه.
جسد ضئيل
آخر أفلام المسابقة الدولية التي شاهدتها في المهرجان كان فيلم (جسد ضئيل Small body) وهو إنتاج مشترك بين فرنسا وإيطاليا ومن إخراج لورا ساماني وتدور أحداثه حول في إيطاليا في بداية القرن العشرين في أحد الأديرة حيث تلد اجاتا طفلة ميتة وتطلب تعميدها فيرفض الرهبان ذلك لأن القوانين تمنع تعميد الأطفال الميتون، فتقرر البحث عن جثة ابنتها وأخذها في رحلة خطيرة لأحد الأديرة لأنها عرفت أنهم يعيدون تعميد الأطفال الميتون. بداية يمكننا القول أن الفيلم جيد إلى حد كبير لكن مستوى جودته لم يصل لكونه ممتازاً ربما لأن الإيقاع كان بطيئاً بعض الشئ ربما لأن الأداء التمثيلي لم يكن في أفضل حالاته. ربما الأداء التمثيلي المميز للبطلة هو ما جعل الفيلم مقبولاً بعض الشئ. وهذا الفيلم قد حاز جائزة الهرم الفضي في حفل الختام.
هيا هيا
آخر فيلم شاهدته خلال أيام المهرجان كان فيلم (هيا هيا C’mon C’mon) وهو فيلم أمريكي من بطولة خواكين فينيكس وإخراج مايك ميلز وعرض في القسم الرسمي خارج المسابقة الدولية. وتدور أحداثه حول جوني الصحفي الإذاعي الذي يسافر عبر الولايات المتحدة لإجراء مقابلات مع مجموعة متنوعة من الأطفال حول أفكارهم المتعلقة بعالمهم ومستقبلهم. هذا الفيلم أيضاً يعد ما أفضل أفلام هذه الدورة في المهرجان وذلك لعدة أسباب أولها هو الأداء البسيط والقوي في نفس الوقت للبطل ثانياً بساطة الفكرة والتناول ، ثالثاً إختيار الممثلين الذي كان جيداً جداً فبالإضافة إلى خواكيس فينيكس هناك الطفل الذي جسد دور إبن أخته والذي رافقه في رحلته خلال الأحداث. وأنا أعتقد أنه اذا كان الفيلم ينافس على الجوائز لكان توج بجائزة مستحقة في حفل الختام.