كتب : محمد حبوشة
في وطني (مصر) أصبح للتافه والسخيف والمنحط، له مع الأسف مكانة، فكل ما زاد الفرد في انتاج التفاهات زاد حب الناس له.. وعلى مايبدو نحن نهوى التفاهة .. نحن ننقد بسهولة ونهاجم وننتقد بدون سبب ولا أدلة.. لقد أصبح الجهال الذين تسيطر على شخصيتهم الأنانية وحب الذات يتكلمون ويتشدقون بلا نضج ولا ضمير ولهم الشهرة والمكانة وهم زبالة المجتمع وسقط المتاع.. فعلا مجتمعنا غريب عجيب، نحن نعشق السير في الطريق الممنوع والسباحة ضد التيار.. نحن نحب التفاهة ونبقى أشهر عندما نتحدث عن خصام تافه وتافهة في برنامج تلفزيوني، وكأن مصر بلدي المسكين كتب عليه أن يعيش على أرضة التافهون بعدما كانت الأسود في غاباته ترتع.
وظني إن واصل إعلامنا المصري على هذا المنوال فسنسقط في منحدر لا ننجو منه أبد الدهر، إن كثير من البرامج التلفزيونية ترسخ لثقافة التفاهة التي تولد تلبد الفكر وضعف العقل وبساطته، فهل المواطن يساهم دون أن يدري في ذلك؟ .. نعم بالتأكيد فإن المواطن بتفاعله مع نوعية تلك البرامج إنما هو يشجعها ويساهم في سيادة ثقافة الجهل والتفاهة، ربما ضعف المواد الإعلامية التي تقدم في بعض البرامج التليفزيونية السخيفة لا تكون شخصية الفرد من كل الجوانب سوى كانت ثقافية وأخلاقية أو دينية، لكنها تتسبب في تكوين جيل مقلد للتافهين سوى في الحديث أو اللباس أو الجسد وبرامج إذاعية ضعيفة لا تفيد بل تضر المجتمع وتأثر فيه سلبا.
ونحن أيضا في مجتمع (الفيس بوك) نساهم بالبحث عن التفاهة وننشرها ونشجع نشر الفضائح والغناء التافه والموضوع المائع، لقد كثر ومع الأسف صناع التفاهة فنجدهم في التمثيل، والغناء، والانستجرام والتوتير، والفيس بوك، وتنتشر التفاهة بواسطة صناع التفاهة، ومع الأسف فان صناع التفاهة يجدون محبيهم ومسانديهم وجمهورهم وهكذا يحولون التافهين إلى مشاهير التفاهة، وتسلط عليهم وسائل الإعلام الضوء وتصنع منهم أبطال ومشاهير، والسؤال لماذا هذا الإصرار على نشر التفاهة في المجتمع بكل الطرق؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب التنويه إلى أن التركيز على التفاهة يتسبب في تثبيت ثقافة التفاهة بين أطفالنا الذين هم رجال المستقبل وتصبح صورة المجتمع مشوها مقلدا لمن شهرته التفاهة، ويغيب عمدا المبدعين في الفن والتمثيل والرسم والمتألقين في الطب والهندسة والفيزياء وغير ذلك من الميادين، وهذا لم يكن لينجح لولا الجمهور المتابع لهذه التفاهات، ولعل وصول المجتمع إلى مرحلة يجعل من فنان تافه أو مؤدي مهرجانات بطلا ولا يلتفت أو يذكر مبدعيه وعلمائه ولا يعطيهم أي اهتمام، بينما كان على الاعلام والمجتمع الاهتمام بمبدعيه وعلمائه ودعمهم، فهل أصبح مجتمعنا يدعم التفاهة.
والسؤال الأكثر أهمية من ما سبقه: هل آن الأوان أن نغير سلوكنا ونتعاون جميع لنتغلب على التفاهة وعلينا أن نثور على الرداءة وننقض المجتمع ومستقبل أبنائنا من أجل مستقبل أفضل؟، أم هل صرنا من عشاق ومحبي التفاهات والإجابة مع الأسف نعم.. نعم نحب ونتابع الفضائح ونبحث عن صورة أو تصريح أو معلومة وأي فضيحة لنعقد المنابر ويصبح ذلك الشغل الشاغل لبعض وسائل الإعلام، والدليل اهتمام غالبية برامج الفضائيات بتوافه الأمور مثل (البطة شيماء، والطفل محمود)، وكذلك العرض السخيف لعمرو أديب حول سيدة التجمع الأجنبية بملابسها الداخلية في البلكونة، وحتى عرضه الآخر الأكثر سخفا، عندما قال: (شيرين ظهرت بشكل قلقني شخصيا في حفلها بأبوظبي.. شيرين حلقت شعرها زيرو.. حسيتها بتعاقب نفسها)، ما الجدوى إذن من التركيز على تفاهات وسخافات الفنانين وغيرهم؟
لقد نسي هؤلاء أن للإعلام دور في السلوك الذي سيطر على أغلبية مجتمعنا ألا وهو البحث ومتابعة وتداول التفاهة، والدليل على ذلك أنه لماذا مجتمعنا أصبح يهتم بالأغنية الوقحة، وخصام في مبغى وغانية نفخت خديها لتخبأ آثار تجاعيدها؟، إعلامنا يصنع مجتمع تافه جاهل سلبي يهتم بالتفاهات وينسى إعلامنا مشاكله الأصلية، فالمتتبع للقنوات الخاصة سيدرك تماما نماذج مخيفة من المهازل المتنوعة، برامج منوعة هزيلة ولقاءات مع سفهاء المهرجانات تأخذ حيزا كبيرا من الوقت، ولا تراجع عن سياسة التمييع الاعلامي، هل هذا إعلام مصر أم الدنيا وموطن الأزهر الشريف؟، إعلام يجيد فقط التنميق لشخصيات تافهة وفاسدة أخلاقيا، والتزويق لمهرجاناتهم القبيحة، والتنافس في الافتراء وصناعة الأكاذيب، وتكفي إطلالة واحدة على القنوات المصرية الرسمية والخاصة، لتجد فراعين الإعلام يبذلون قصارى جهدهم في خدمة استراتيجية إعلامية تتأسس على التمييع والتشويش، وهو ما لفت انتباه الإعلامي الكويتي (محمد الملا) الذي وجه صوريخ اتهاماته عبر برنامجه (ديوان الملا)، ورغم أنها جاءت بشكل مقتضب إلا أنها أصابت كبد الحقيقة قائلا:
كم حزنت وأنا أشاهد السقوط في الهاوية للإعلام المصري، خاصة الإعلام الخاص الذي يركز اليوم على ورث شفيق والطفل محمود و(ترند شيماء)، وإبراز أي تافه ليس له قيمة، المهم لديهم ترند والشهرة على حساب مصر.. تناسوا وبشكل متعمد الإعلام الخاصة مناقشة معاناة المواطن المصري الأصيل .. أحزنني وأنا أشاهد معظم الممثلات في مهرجان الجونة والقاهرة السينمائي يتنافسن على ألا يلبسن.. هذه الدلالة على السقوط في الهاوية، فما غرض أو هدف القائمين على هذ المهرجان: هل إيصال رسالة للعالم أن هذه هى مصر أم ماذا؟!.
فخامة الرئيس المصري يهتم بالثقافة والآثار والاهتمام بأصحاب الهمم وذوي القدرات الخاصة لتظهر مصر في أحسن صورة، والإعلام الخاص في جهة أخرى يبرز كل ما هو تافه بلا قيمة .. نفتقد اليوم نجيب محفوظ، يوسف إدريس، طه حسين، عباس العقاد وغيرهم .. نفتقد فريد شوقي ورشدي أباظة ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وغيرهم .. أين مصر العظيمة بثقافتها وأدبها؟ .. أين أغاني أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم؟ .. أين البرامج السياسية المصرية الهادفة؟ .. أين البرامج الوطنية الثقافية؟.
هل أصبحت قضية كل برامج مناقشة هموم ممثلة ومغنية وراقصة؟! .. للأسف أصبح الإعلام المصري لايمثل المصريين، وثقافة المجتمع المصري الطيبة والمتدينة .. أصبحت السينما بعيدة عن الواقع، فمن يعيد الثقافة والإعلام إلى مصر أم الثقافة؟!.
وحتى أوضح الصورة أكثر فإن الإعلامي الكويتي الكبير (محمد الملا) معروف بحبه لمصر وشغفه بحضارتها، ومن قبل وجه فى رسالته للشعب المصرى عبر برنامجه (ديوان الملا) قائلا: نحن بالكويت قيادة وشعبا نحبكم ونحترمكم.. واللى يكرهوكم هم من الإخوان الشياطين.. ومصر مستهدفة وعلى الجميع أن يقفوا يدا واحدة، ولقد أثارت بعض الأصوات ذات التوجهات المناوئة لمفاهيم العروبة وكل ما فيه أمن ووحدة العرب الكثير من الجدل خلال الآونة الأخيرة في ظل المخاوف العالمية من انتشار فيروس كورونا المستجد، وما يترتب عليه من خسائر بشرية ومادية، وأضاف: ظهر بعض نواب مجلس الأمة الكويتي وهم يحاولون تشويه صورة مصر وضرب العلاقات المصرية الكويتية وما يربط شعبي البلدين من أواصر قوية وممتدة عبر التاريخ، فيما أكد القطاع الأكبر أن مثل هؤلاء لا يمثلون الكويت وشعبها ممن يكنون لمصر ومواطنيها كل الحب والاحترام والتقدير، إلى جانب التأكيد على أن مثل هؤلاء أغلبهم ممن يتبعون التيارات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان الإرهابية أو المُتعاطفين معها وتوجهاتها.
كما وجه الإعلامي الكويتي البارز والمحب لمصر وشعبها محمد الملا، من خلال برنامجه (ديوان الملا) وغيره من منصات إعلامية عربية رسائل عديدة إلى الشعب المصري يؤكد فيها على ما تكنه الكويت قيادة وشعبا لمصر وشعبها، وأنه أمر لا يمكن تغييره مهما طال الزمن، مطالبا المواطنين المصريين بتقدير مصر والاعتزاز بها، لأنها أم الحضارات والحصن والأمان لكل عربي، لافتا إلى أن الهجمة على مصر خلال الفترة الماضية متعمدة؛ وهو ما يتطلب من جميع المصريين وجميع العرب والشرفاء أن يقفوا يد واحدة مع مصر، وقال في رسالة أخرى أيضا: (اللي يحبوكم كثر في العالم، لكن اللي يكرهوكم هم من الإخوان الشياطين ممن يسمون بالمسلمين)، مضيفا: (نحن بالكويت قيادة وشعبًا نحبكم ونحترمكم مثلما تحبوننا وتحترموننا؛ أما أصوات النشاز التي تحاول خلق الفتنة بين الشعبين مرفوضة تماما.. والله يحفظكم ووطنكم وأنتم في القلب).
وفي سياق متصل قال (الملا) في مقطع فيديو عبر حسابه الرسمي على موقع التدوينات القصيرة (تويتر) قبل فترة: (يجب اليوم أن نقف مع مصر في الدفاع عن حقها في مياه النيل، مصر هى الخط الأول للدفاع عن الأمة العربية، وزيارة وزير الخارجية سامح شكري للدول العربية حيث يحمل رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى قادة الدول؛ تدور حول أزمة سد النهضة الذي يتطلب وقوف عربي صادق يساند مصر في الدفاع عن حقها)، مضيفا: (علينا كعرب اليوم وكمسلمين أن نقف مع مصر التي وقفت مع الجميع.. علينا كمسلمين أن نكون يد واحدة أمام من يحاول الإضرار بمصر العروبة.. وعلينا استخدام أولا القوة الناعمة في كسب التأييد الخارجي حتى نكسب النقاط لضمان حقوق مصر المائية في سد النهضة.. عاشت مصر وعاش شعبها).
والملاحظ في نهاية كلام (الملا) أنه يركز على استخدام القوى الناعمة في كسب التأييد الخارجي لمصر، وكذلك الاهتمام بمشاكل المواطن في الداخل، وهنا يقصد (الإعلام).. الإعلام كذراع قوي معني بالتنوير، فالإعلام المصري بعد أن كان رائدا ومنارة تشع حقيقة، وهدفها الأول والأخير أن تطلع المتلقي على ما يجري حوله، وكيف عليه أن يتصرف حيال مشاكله اليومية العادية أو الأخرى السياسية العميقة أو الثقافية والفنية الملهمة، أصبح الآن شبيها ببركة ضحلة يتجمع حولها البعوض، الإعلام المصري نزل مستواه وانحدر حتى صار سوقيا، يوافق ويشكر ويحيي ويدين ويشجب دون أن يناقش أو يحلل، رغم أن أبسط المواطنين تعليما ومعرفة يستطيع بوضوحٍ أن يعرف أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ بفضل تلك السياسات الإعلامية التي ترسخ للتفاهة.
نجح هذا الإعلام باختلاف أشكاله وألوانه وقنواته، في تأخير النضج المعرفي لدى الشعب، فأمتنا المصرية تعرف تفاصيل حياة الفنانين ومن يدعون بـ (المؤثرين)، لكن لا أحد يعلم مشاريع القوانين أو القوانين التي تم التصديق عليها، وغالبا هي قوانين تخدم المصلحة العامة للشعب وتحتاج إلى شرحها، واستطاع هذا الإعلام أن يخلد تعزيز التفاهة ويجعلها أهمية قصوى في حياته، ومن المؤسف حقا أن نجد الآباء غاضبين من لامبالاة أبنائهم واستخدامهم للأجهزة الإلكترونية أغلب الوقت، وتمضية أوقات لا تنقطع على منصات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لا يضعون رقابة ممنهجة، بل كل ما يفعلونه هو تقديم توجيهات لفظية لا أقل ولا أكثر، فأصبحت الناشئة تحدد قدوات خاطئة بناء على الشكل والتهور والثروة، ولا يكترثون أبدا للبعد المعرفي أو الثقافي أو تجارب الحياة.
وأخيرا يبدو لي من الصعب تخيل بناء مجتمع واعٍ وقوي وهو لا يعير للتعليم اهتماما، والأسوأ إلهاؤهم بصور متحركة وأشخاص لا يمتون إلى النجاح بصلة، ومن الصعب أيضا إنكار نظرية المؤامرة، فمصر التي ترغب في تقدم أفرادها ستدرأ عنهم السوء ولو قليلا، وهذا ما نراه منعدما في إعلامنا، فلا رقابة تفرض على المحتويات، وغلبة التأثير أخذتها التفاهة والفضائح، والصحافة تسترزق على الهشاشة الفكرية والثقافية، وتلك قضية تحتاح إلى شرح طويل في قادم الأيام .. يبقى لي فقط التنويه إلى ضرورة غربلة الإعلام المصري بقنواته العامة والخاصة لصناعة رؤية واقعية تحكي (أسطورة شعب وقائد) أدرك المستحيل وقدم إنجازات غير مسبوقة تحتاج إلى عين كاميرا واعية تنقل تفاصيل ملحمة (مصر الجديدة) في ثوبها العصري القشيب.