بقلم : محمد حبوشة
يبدو الجمال هذه المرة مختلفا، فحتى لو كانت عيناها ملونتين، والشعر أشقر، فان مايجذب الانتباه هنا هو مهارة التحكم في ايقاع الجسد، فهي ممثلة يتطلع الناس إلى أسلوبها في الأداء بحساسية ومشاعر متدفقة، فضلا عن مهارتها في الحركة عبر المكان والزمان، وهى تمتلك قدرة هائلة على التلون في التعبير والتجسيد بما تمتلك من جسد ممشوق مفعم بإثارة طاغية، وعليه فإن ميرفت أمين مصرية الملامح، شقراء البشرة، استطاعت أن تحافظ على رشاقتها وقوامها طوال سنوات حياتها، وهى التي عاشت قرابة الخمسة وسبعين عاما، كما أنها استطاعت أن تصير من جميلات التمثيل لأطول فترة ممكنة في الوقت الذي أصابت فيه البدانة الكثيرات غيرها.. أنها تجسد البساطة والرشاقة والخفة والمرونة والرومانسية، تشد انتباه الرجل بلا أي إثارة، وما أجمل قصص الحب في حياتها.
استطاعت أن تدخل قلوب كل من شاهدها ببساطة ودلع وأنوثة، وبملامح بريئة وجمال ساحر حفرت لنفسها مكانة خاصة في ذاكرة الفن، وبموهبة فنية طاغية أثبتت جدارتها.. أنها ميرفت أمين التي لقبت بقطة الشاشة في زمن السينما الجميل، هكذا اشتهرت ميرفت التي أسرت القلوب بوجهها الجميل وإطلالتها المميزة، وتمكنت من اقتحام الشاشة الفضية لأول مرة بأدوار البطولة، حينما ظهرت أمام العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في (أبي فوق الشجرة) وغنى لها أجمل الكلمات العاطفية، وبعدها صار من الطبيعي أن تستقطب موهبتها المنتجين والمخرجين ليقدموا لها أعمالًا صارت مع الوقت من علامات السينما المصرية في العصر الحديث، وكانت من أشهر الممثلات في سبعينات وثمانينات القرن العشرين في السينما المصرية.
عادل أدهم لقبها بقطة السينما
وقد وصف عادل أدهم ميرفت أمين بأنها قطة فى فيلم (حافية على جسر الذهب، وقد شبه المصريون القدماء المرأة بالقطة، وكانت إلهة الحب والجنس عندهم باستت Bastet على هيئة قطة، وتذكرنا (ميرفت أمين) بعصر الرومنسية وسينما الأحلام عبر الأدوار التي مست قلوبنا وعزفت على مشاعرنا.. هادئة، تملك ابتسامة دافئة وإطلالة مميزة ومشاعر مرهفة.. إنها ليدي السينما المصرية بملامحها البريئة وكبريائها الذكي وحضورها الخاص.. ميرفت أمين صاحبة أرق وجه أحبته الشاشة وماتزال بفضل جاذبيتها الأسرة.
أناقتها لها عطر خاص اسمه البساطة، عندما تجلس أمامك يسبقها عطرها، وتمنحك تأشيرة خروج للأفكار والمشاعر والذكريات المخبأة في أعماقها وفي عقلها، ولدت الفنانة صعيدية الأصل (ميرفت محمد مصطفى أمين)، في المنيا لأب صعيدي وأم إسكتلندية، وهى واحدة من مشاهير الفن المصري قديما وحديثا، دراستها قبل الجامعية كانت بمدارس المنيا، بعد انتهائها من المرحلة الثانوية انتقلت للعيش في القاهرة لتلتحق بكلية الآداب، جامعة عين شمس بقسم اللغة الإنجليزية، وبعدها بدأت بالبحث عن عمل ليكون هذا العمل هو التمثيل، وقبل أن تقوم بالتمثيل أمام كاميرات حقيقية وجمهور كبير قدمت بعض المسرحيات بالجامعة، بعدما اشتركت بالفرقة المسرحية الجامعية، وكان هذا سببا كافيا لجعلها تبحث عن فرصة حقيقية للعمل كممثلة، لتصبح بعدها واحدة من أبرز الفنانات وقتها بالسينما والتلفزيون أيضا.
أحمد مظهر منحها الفرصة
ودخلت الفن عن طريق الصدفة حيث عرض عليها أحد أقاربها الذهاب معه إلى استديو جلال لترى عن قرب صناعة الأفلام، وهناك رأت رشدي أباظة ومحمود المليجي وأحمد رمزي، وهناك تعرفت على الفنان الكبير أحمد مظهر، الذي أقنعها بالعمل في السينما، ومنحها الفرصة الأولى عام 1965، وتعد ميرفت أمين فنانة محظوظة، إذ وقفت في بدايتها أمام قامات فنية كبيرة، الأمر الذي ساعد على انتشارها وتوهجها بشكل سريع، فعلى سبيل المثال شاركت رشدي أباظة وفريد الأطرش وفريد شوقي وأحمد رمزي في أعمال سينمائية مهمة، فيما شكلت ميرفت أمين مع نور الشريف ثنائيا فنيا ناجحا، وشاركته بطولة 27 فيلما أبرزها (الحفيد، وسواق الأتوبيس).
من أكتر الحواجز التي يمكن أن تكون بين الجمهور وأي فنان، هو اعتماده بشكل أساسي على ملامحه الشكلية بعيدا عن الاهتمام بتقديم أدوار مختلفة أو متنوعة أن يعيش بها وسط الجمهور، ولقد شاهدنا ممثلات كثيرات ظهروا واختفوا بعد فترة لمجرد إنهم اعتبروا إن جمالهن هو الموهبة الحقيقية، لكن هذا الحاجز استطاعت الممثلة ميرفت أمين أن تكسره، وبدأت مسيرتها الفنية عندما كانت في الجامعة حيث قامت بتأدية أدوار مسرحية، حيث اشتركت في فريق المسرح وقدمت مسرحية (يا طالع الشجرة) لتوفيق الحكيم، وبعد التخرج احترفت التمثيل، حيث قدمت مسرحية (مطار الحب) مع الفنان عبد المنعم مدبولي، وظهرت لأول مرة خلال فيلم (نفوس حائرة) وروج البعض أنها كانت تعمل سكرتيرة لأحمد مظهر قبل احترافها الفن، ولكنها كذبت الشائعة، وقالت ميرفت أمين إن مصدرها هو تواجدها الدائم داخل شركة الإنتاج المملوكة لمظهر، ومنها انطلقت في عالم الفن وقدمت عدة أعمال فنية للسينما والتليفزيون.
أبي فوق الشجرة
بدايتها مع عالم الشهرة كانت عندما اختارها المخرج حسين كمال لتقف في أول مشوارها أمام العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في فيلمه الشهير (أبي فوق الشجرة)، حيث كانت ممثلة أخرى المرشحة الأولى للدور، ولما تخلفت، رشحها مدير التصوير وحيد فريد لبطولة الفيلم، وصارت بعده ميرفت أمين من أبرز نجمات جيلها تقديما للسينما وادراما التليفزيونية، بعد اختيارها لبطولة مسلسل (الانتقام) عام 1969 وشاركها بطولته نور الشريف ومديحة كامل، ومن تأليف سعد زايد وإخراج نور الدمرداش، وقامت بالتمثيل في فيلم (ثرثرة فوق النيل) في عام 1971 بدور سناء، وفي عام 1973مثلت في فيلم (البحث عن فضيحة) بدور حنان، و في فيلم (البنات والمرسيدس) بدور نيفين مراد.
في عام 1974 مثلت في أفلام (أبناء الصمت، الحفيد) بدور نبيلة وفيلم (البنات والحب) بدور إيمان، وفي عام 1976 مثلت في فيلم (دائرة الانتقام) بدور عفاف و فيلم (حافية على جسر من ذهب)، بدور كاميليا، وفيلم (رجال لا يعرفون الحب) عام 1979 بدور فاطمة، أما عن أشهر أفلامها في الثمانينات فهي (جنون الشباب، سواق الأتوبيس، تزوير في أوراق رسمية، زوجة رجل مهم، الأراجوز) مع عمر الشريف و (الدنيا على جناح يمامة)، وأبرز أفلامها في التسعينات (همس الجواري – 1992 ، كارت أحمر- 1994 ، القتل اللذيذ – 1998).
أما عن أفلامها منذ عام 2000، فإن دورها في فيلم (أيام السادات) في 2001 يعتبر من أحد أدوارها التي خلدت في ذاكرة الجمهور، ويحكي قصة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حيث جسدت فيه دور زوجته، وصرحت أنها شعرت بقلق شديد، خاصة أن زوجة الرئيس نفسها هى من اختارتها، وفيلم (أولى ثانوي)، والذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة من مهرجان الإسكندرية الدولي الخامس عشر، و مثلت في فيلم (مرجان أحمد مرجان) عام 2007 الذي حقق نجاحا كبيرا، وهو من بطولة الفنان عادل إمام، وشاركت بالتمثيل في فيلم (حماتي بتحبني 2014)، وكان آخر أعمالها فيلم (ممنوع الاقتراب أو التصوير) الذي عرض عام 2017.
الزوجة أول من يعلم
أما عن أدوارها في الدراما التليفزيونية فإن أهم أعمالها في الثمانينات مسلسل (الزوجة أول من يعلم)، الذي عرض عام 1987، وفي التسعينات قامت بأداء دور حكمت في مسلسل (الرجل الآخر) عام 1999، أما أحدث مسلسلاتها فهي مسلسل (لاتطفئ الشمس) عام 2017 بدور اقبال، و (بالحجم العائلي) عام 2018 بدور ثريا، و(قيد عائلي) عام 2019 بدور منال، وكان آخر أعمالها لعام 2021 فيلم (أعز الولد)، و(حكايتي مع الزمان) ضمن سلسلة (إلا أنا) آخر أعمالها مع الراحل الكبير (أحمد خليل)، ولم تكتفي الفنانة ميرفت أمين بالمسلسلات و الأفلام، بل قامت أيضاً بتقديم البرنامج التلفزيوني (سينما القاهرة)، و(مساء الجمال مع ميرفت ودلال).
تم اختيار 5 أفلام شاركت فيهم الفنانة ميرفت أمين، ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بالسينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996، وجاءت كالتالي:
أبي فوق الشجرة:
عام 1969 شاركت ميرفت أمين، العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، فيلم أبي فوق الشجرة، عن قصة الأديب إحسان عبدالقدوس، إخراج حسين كمال، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وغنى لها العندليب عدد من الأغنيات (الهوى هوايا، ياخلي القلب).
ثرثرة فوق النيل:
وعن رواية الأديب نجيب محفوظ، شاركت ميرفت أمين في فيلم ثرثرة فوق النيل عام 1971، إخراج حسين كمال، سيناريو وحوار ممدوح الليثي، بطولة عماد حمدي، أحمد رمزي، ماجدة الخطيب.
أبناء الصمت:
بعد عام واحد من حرب أكتوبر شاركت أمين، في فيلم أبناء الصمت عام 1974، للمخرج محمد راضي، وسيناريو وحوار مجيد طوبيا، بطولة نور الشريف، محمود مرسي، أحمد زكي، مديحة كامل.
سواق الأتوبيس:
مع المخرج عاطف الطيب، شاركت ميرفت أمين عام 1982 في فيلم سواق الأتوبيس، بطولة نور الشريف، عماد حمدي، وحيد سيف، نبيلة السيد، حسن حسني، زهرة العلا، حمدي الوزيري، عبدالله محمود، قصة محمد خان، سيناريو وحوار بشير الديك.
زوجة رجل مهم:
مع المخرج محمد خان، شاركت ميرفت أمين في فيلم زوجة رجل مهم عام 1988، بطولة أحمد زكي، حسن حسني، زيزي مصطفى، سيناريو وحوار رؤوف توفيق.
120 فيلما و20 مسلسلا
طوال مسيرتها الفنية قدمت أكثر من 120 فيلما للسينما المصرية و20 مسلسلا، وحصدت خلال مشوارها الفني العديد من الجوائز والتكريمات، وأبرزها بمهرجان القاهرة السينمائي عام 2009، وبمهرجان دمشق السينمائي الدولي الخامس عشر عام 2007م، كما كرمها الرئيس المصري الأسبق محمد حسنى مبارك ضمن فريق عمل فيلم (أيام السادات) عام 2001، وتعرضت ميرفت لوعكة صحية حرجة أفقدتها ذاكرتها، بعد إقبالها على تعاطي نوع معين من العقاقير من تلقاء نفسها، سمعت أن له تأثيرا في حرق الدهون والشحوم وبدأت تتناوله بكثرة، إضافة إلى امتناعها عن تناول الطعام، لكنها شعرت بعد فترة بأنها غير متزنة، ثم أخبرت أسرتها بذلك ومن بعدها خلدت للنوم، لكنها استيقظت بعد مدة طويلة، وفوجئت بعدم تذكرها لأي شخص من أفراد أسرتها حتى ابنتها وتم نقلها إلى المستشفى، وإجراء الإسعافات الأولية لها، وضبط نسبة السكر، إلى أن بدأت تعود لها ذاكرتها تدريجيا.
تزوجت الفنانة ميرفت أمين أكثر من مرة، وكان من أشهر أزواجها الفنان السوري موفق بهجت ، ثم ارتبطت برجل آخر من خارج الوسط الفني ولم تستمر معه أيضًا لفترة طويلة، وتزوجت عازف الجيتار الشهير عمر خورشيد، وارتبطت بعد برجل أعمال مصري يدعى مصطفى السيد صاوي ولظروف خاصة أقامت دعوى خلع ضده وانفصلت عنه، لترتبط بالفنان الوسيم حسين فهمي، والذي قدمت معه على شاشة السينما (دويتو) مميزًا وأنجبت منه ابنتها (منة الله) واستمرت تلك الزيجة لفترة طويلة نسبيا، وبعد الانفصال تزوجت من المنتج الفلسطيني حسين القلا وبعد الطلاق تزوجت من رجل الأعمال مصطفى البليدي.
أشهر أقوال ميرفت أمين:
** كانت والدتي قريبة جداً مني وكنت أحكي لها تفاصيل حياتي كافة.
** أخشى التفوّه بكلام أندم عليه أو يفهمه الناس بصورة غير صحيحة، ربما لأنني لا أجيد أحياناً التعبير عن نفسي أو ترجمة أفكاري بشكل دقيق.
** عقلي هو المسيطر على كل تصرفاتي، ومن ثم فإن التخطيط السليم من خلال العقب تحكم بتصرفاتي.
** كنت أقصد النادي يوم الإجازة وأرتاد السينما مرة أسبوعيا، كوني تربيت في حي مصر الجديدة، فقد كانت لي ظروف خاصة، إذ نادرا ما يخرج منه سكانه، وهم قليلون، لأن كل متطلباتهم موجودة فيه.
** لم يكن لدى حلم محدد، إنما كانت تستهويني أي مهنة أتعامل فيها مع الأطفال كمدرّسة في روضة أطفال أو دار حضانة.
** أحب السيدة جيهان السادات وكنت أتابع نشاطاتها، وعندما علمت من الفنان الراحل أحمد زكي أنها رشحتني للدور بنفسها، سعدت وانتابني القلق لأن الشخصية التي أجسدها حقيقية وليست خيالية.
** أستمع إلى أغاني عبد الحليم حافظ وأسرح معه، وأتعامل مع الأمور بحذر وهدوء، وتصدمني التصرفات الغريبة وتبهرني اللمسة الناعمة وتجذبني تفاصيل صغيرة ربما لا يلتفت إليها أحد.
** ما زال للسينما سحرها وبريقها وجمهورها وتسيطر على حياتنا بكل ما فيها من إبهار ومتعة بصرية.
** عبد الحليم حافظ لديه القدرة على إلغاء الحواجز فورا بينه وبين الناس وهو حساس ورومنسي وصاحب ابتسامة هادئة ومريحة.
** رشدي أباظة كان يتمتع بخفة ظلّ نادرة وموهبة جعلته يحفر اسمه في السينما ويصنع لنفسه مكانة مميزة لم ينافسه فيها أحد.
** من الشجن نتعلم الفرح وفي الفرح يزورنا دائماً الشجن، أحياناً عندما يحبّ الإنسان بقوة يشعر بأن قلبه يؤلمه من كثرة الحب.
** منحني الفن الكثير وربما أكثر مما استحق.. الحمد لله أنني عملت في عصر جميل وظهرت في أفلام جميلة مع نجوم كبار ومخرجين عظماء.
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام للنجمة (ميرفت أمين) جميلة السينما التي ظلت حلما لكل الأجيال السابقة، التي يضم ملفها الفني روائع سينمائية يغلب على موضوعاتها تنوع الأفكار وجرأة المحتوي، ومن ثم فقد تربعت على عرش السينما لفترة طويلة وحققت نجاحا مذهلا مع مرور السنين، ومن خلال رحلتها الفنية الطويلة استطاعت أن تأسر قلوب المحبين من خلال طلتها المميزة بوجه ملائكي وجمال طبيعي آخاذ، وطبعت في أذهانهم بأدوارها المميزة، بل تجد العديد من أفلامها بمثابة علامات مضيئة في تاريخ السينما السينمائية.
وأيضا عندما اتجهت إلي التليفزيون تجد الكثيرمن المسلسلات التي قدمت من خلالها أدوار متنوعة تساند من خلال قضايا المرأة، و كل فترة عمرية في حياة الفنانة ميرفت أمين تتميز بنضج فني، فتجدها علي شاشة التليفزيون مختلفة تماما علي أدوارها الرقيقة في السينما وبرعت في أدوار الشر بالرغم من ملامحها الهادئة، وتخلت عن الفكرة التي كونها جمهورها عنها من خلال أدائها لدور الفتاة الجميلة علي شاشة السينما لتبدع في أدوار اجتماعية ترصد معاناة المرأة المصرية والعربية في كل حالاتها كما تجلى ذلك في آخر أعمالها (حكايتي مع الزمان) التي برعت فيها من خلال شخصية امرأة تعاني فظاظة زوجها لتطلب الطلاق ثم تعاود الحياة معه من جديد في ظل دفئ أسري بالغ الأثر.