علي بدرخان : التمثيل عملية إبداعية تعتمد على الموهبة والتقنية (3/4)
كتب : أحمد السماحي
الممثل كفنان، لم يكن معترفا به منذ زمن بعيد، ففي العصور القديمة كانت الغالبية العظمى من الممثلين من طبقة العبيد، وفي العصور الوسطى كانوا ينظرون إلى الممثلين بعين الازدراء، وفى الوقت الذي ظهرت فيه السينما كان ممثلو السينما يغيرون أسماءهم حتى لا يُلحقون المهانة بأسرهم وذويهم، وقد تغير كل هذا تدريجيا، وأصبح ممثل السينما اليوم يتمتع بكل أسباب الشهرة والتقدير والرعاية والاعتراف بقدره كفنان في جميع أنحاء.
هذه هى البداية التى بدأ بها المخرج المبدع (علي بدرخان) كتابه التعليمي الممتع الثالث (صناعة الفيلم … التمثيل للسينما والفيديو)، تحت عنوان (فن التمثيل)، الكتب الثلاثة من أجمل ما طرح هذا العام في مجال السينما، وسدت عجزا كبيرا في المكتبة السينمائية، حيث صال وجال المخرج الكبير في صناعة الفيلم السينمائي، وقدم لعشاق السينما والدارسين كنز معرفي كبير من خلال هذه الكتب الثلاثة، وأُقبل عشاق الفن السابع على الكتب بلهفة وفرحة، لهذا نفذت من المكتبات، خاصة الجزء الأول الخاص بالسيناريو.
يقول (بدرخان) أن هذا الكتاب تم إعداده كدليل عملي يستعان به لإكتشاف الجوانب المهمة لفن التمثيل السينمائي والتليفزيوني وفهمها، وذلك بعد الدراسة والاطلاع على العديد من الكتب والمراجع، ومن واقع التجربة العملية، إضافة إلى المشاهدة، وتحليل الكثير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية، أملا في أن يساهم في تنمية مهارات الممثل بشكل واع متبصر، وبأسلوب يبتعد عن التعقيد وفي ذات الوقت لا يفقد العمق، من خلال إطار مرن يمكن تطبيقه لمن لا يوجد لديه معرفة مسبقة بالتمثيل السينمائي.
وقد حاولت التركيز على المعلومات الضرورية فقط وتقديمها بطريقة واضحة ومباشرة، لتيسير عملية تحويل أدائه إلى عمل فني متقن، إن التمثيل مزيج من الموهبة والتقنية، وإن الإلمام بمهارات وتقنيات السينما والتليفزيون يمكن أن تشحذ تجربة المؤدي التمثيلية وتزيد من روعتها.
من هو الممثل؟!
هذا السؤال يجيب عنه (بدرخان) فى الجزء الثالث من (صناعة الفيلم) فيقول : هو وسيط بين عالمين، عالم الشخصية الدرامية القادمة من عالم الخيال، وعالم المتفرج الباحث عن بعض الراحة والمتعة، وهو إنسان مبدع يقدم شيئا من روحه خاصا ومتميزا، حتى وإن تماثل خارجيا مع شخوص تاريخية أو واقعية تعيش معنا، وإن ما يقدمه لنا الممثل، حتى ولو كان تشخيصا لميول سلبية فهو تجسيد لبعض الميول الكامنة في أعماقنا.
ومن ثم ترانا نمتثل مطمئنين لما يجري لنا من تطهير من هذه المشاعر السلبية، مثل الخوف والشفقة أو الرغبة في الانتقام والتلذذ برؤية منظر الدم والقتل، بل إننا لا نلبث أن نصفق له حالما ينتهي من أدائه وقد امتلأنا بشحنة غامضة من الفرح المطمئن أو ما يعرف (بالتطهير).
ويضيف (بدرخان) : التمثيل ليس مجرد النطق بكلمات بطرق معينة، والحركة أمام عدسات التصوير في ديكور، ولا هو مجرد البكاء بأصوات مرتعشة وتحريك عضلات الوجه بطريقة مؤثرة، لكنه عملية إبداعية متكاملة تعني بإظهار ما يمكن القول إنها ممارسة (نفسية اجتماعية) متميزة، تتضمن سلسلة من التناقضات الظاهرية المعقدة.
فالممثل ليس كالأديب أو الرسام أو المؤلف الموسيقي، يعيش في صومعته الخاصة حيث يبدع منفردا مع أوراقه وفرشاته أو آلته أيا كانت.
الغريزة التمثيلية
بعد ذلك يحدثنا المبدع (علي بدرخان) عن الغريزة التمثيلية وهى الرغبة في أن نتخذ لأنفسنا شخصية غير شخصيتنا ونأتي أفعالا تخالف أفعالنا المألوفة، وأن نخلق لأنفسنا وسطا غير وسطنا الذي نعيش فيه.
المواهب الطبيعية والمكتسبة
إن نبوغ الممثل أو الفنان بوجه عام يتوقف على التوازن الذي يوفق بين مواهب الطبيعة، والمواهب المكتسبة بالتعليم أو التدريب، إن المواهب بنوعيها الطبيعي والمكتسب لا تحدد في صفات معينة، بل تدل عليها الحساسية والمزاج والذكاء والثقافة.
ويحدثنا (بدرخان) بشكل تفصيلي عن كل صفة من هذه الصفات، فيذكر الأمزجة المختلفة والصفات التى تلائم كل مزاج للممثل، فيقول أن مزاج الممثل له أثر كبير في نجاحه، فهناك صاحب المزاج الصفراوي، والمزاج اللمفاوي، والمزاج العصبي، ويشرح كل مزاج.
أهمية الممثل وأدواته التعبيرية
تحت هذا العنوان يقول مؤلف كتاب (التمثيل للسينما والفيديو) : عندما نفكر في الذهاب لمشاهدة فيلم فإن أول سؤال نطرحه عادة لا يتعلق بالمخرج أو مدير التصوير، وإنما بالممثلين .. من يمثل فيه؟، عمل الممثل يتسلط على اهتمامنا إن النجم هو الذي يجذب الجماهير ويؤثر فيهم، الممثل هو الأهم في السينما والمسرح، الممثلون فقط هم من يؤثرون بشكل مباشر على الجمهور، ويقيمون معه علاقة حية، أما من بقى من المشاركين في العمل الفني (المؤلف، المخرج، مدير الإضاءة، مهندس الديكور، المونتير) فتأثيرهم عليه غير مباشر.
أما بالنسبة لأدوات التعبير فيلخصها (بدرخان) فى الجسد، والوجه، الجسد هو وسيلة أساسية للتعبير عند الممثل، ويجب أن يكون الجسد مرنا وطيعا ومستجيبا لتيار الإحساس، بمعنى أن العضلات يجب أن تتلقى تيار الإحساس وتستجيب له، وتتشكل تبعا لهذا التيار المتولد فى نفس الممثل، إن جسد الممثل يوضح الشخصية، الوضع الاجتماعي، الموقف، الحالة النفسية والسيكولوجية.
ويتكون الجهاز الحركي للممثل من الرأس والرقبة والوجه والجذع والصدر والذراعين واليدين والفخذين والساقين والقدمين، فمثلا الأيدي لها لغتها وتعبيرها تخيل رجلا يغرق ويده فقط هى الظاهرة على صفحة الماء، ألا تجد فى إشارة أصابعه ما يكفي لإدراك المأساة؟، ويد الأم التى تداعب شعر طفلها الصغير ألا توحي إليك بالحنان بأحلى معانيه، ويد الشاب التى تبحث عن يد حبيبته فتجدها وتضغط عليها في رفق، ألا ترى أن ذلك أبلغ من المكاشفة بالغرام التى تكون غالبا ممجوجة؟، انظر إلى المدخنين وطريقة مسكهم للسجائر، هذه تدل غالبا على شخصيتهم، فالرجل الأرستقراطي له طريقة في مسك سيجارته غير طريقة العامل البسيط.
أما الوجه فهو عنوان الشخصية، وهو مركز الحواس الرئيسية، ومن ثم فإن قراءة ملامح الوجه تعني بالضرورة قراءة ما يدور بداخل الشخصية، أو على الأقل ما يريد الشخص إطلاعنا عليه من مشاعر أو انطباعات.
عناوين أخرى
كتاب (التمثيل للسينما والفيديو) للمخرج الكبير (علي بدرخان) مليئ بكل ما يتعلق بفن التمثيل، ومليئ أيضا بالتدريبات العملية التى تصلح وتفيد ورش التمثيل، ومن أهم العناوين الموجودة فى الكتاب والتى يشرح تحتها المؤلف ما يتعلق بها (تمارين لتطوير وتنمية قدراتك التعبيرية، الاسترخاء الذهني والحرية العضلية، الانتباه، ذاكرة الحواس (الذاكرة الانفعالية)، الشعور الشامل، المكان كذاكرة للحواس، طبيعة الإحساس الدرامي، قوة المخيلة، خصوصية الشخصية النمطية، الشكل والمضمون في فن الممثل.
رسم الشخصية، تدفق الأفكار لدى الممثل، العملية الابداعية في حرفة التمثيل، التوحد، العلاقة بين الممثلين، المراقبة لدى الممثل، الأداء الدرامي (الدوافع والأفعال)، ماذا يجب أن يفعله الممثل، كيف تستطيع المشي بشكل صحيح وطبيعي، التشكيل الحركي (الميزانسين)، الحوار والممثل، الإصغاء أو الإنصات، اللغة باعتبارها ظاهرة بصرية، الإيقاع.
التمثيل المسرحي، والتمثيل السينمائي، الصفات اللازمة لممثلي السينما، طرق التعبير في التمثيل السينمائي، الإشارات وملامح الوجه، العمل على الدور وبناء الشخصية، طاقم العمل الفنيون المتعاملون مع الممثل، بعض تقنيات سينمائية ذات صلة بالممثل، الاستبدال وصناعة الفيلم، الممثل وإعداد الكاميرا، وضع الجسم بالنسبة لزاوية التصوير، أفلام الطلبة، اختبار الأداء، أول يوم في موقع التصوير، الأداء أمام الكاميرا، البروفات، العلاقة بين الممثل والمخرج، الفيلم النهائي، مدارس التمثيل، كيف تنمي قدراتك التمثيلية؟.
بعد قراءاتي في الكتب الثلاثة أريد أن أقول كلمة واحدة كنت واحدا من ملايين المصريين الذين أعجبوا ــ ومازالوا ــ بأعمال (علي بدرخان) السينمائية، وتمرده ومواقفة الشجاعة، لكن ازداد إعجابي به بعد قرأتي لكتبه الثلاثة التى جاءت تحت عنوان (صناعة الفيلم).