كتب : أحمد السماحي
يبدو ملحوظا للمشاهد العربي أن هناك موجة أفكار وخيارات فنية جديدة، تنزع نحوها شركات إنتاج الدراما العربية هذه الأيام، وهى (فورة) الأعمال الدرامية المنتصرة لمقومات العنف والإثارة، وقصص الجرائم والخارجين على القانون، التي باتت مادة دسمة لها، وعادة ما يطلقون عليها (لأصحاب القلوب القوية)، وذلك في وقت نشهد ابتعادها بشكل ملاحظ مؤخرا عن أجواء التراث وقصص الكوميديا والضحك، التي لطالما شكلت العنوان الأبرز لكثير من الأعمال العربية الناجحة خلال سنوات مضت، الأمر الذي أسنده كثيرون إلى التحول المفاجئ الذي تشهده ذائقة الجمهور، الذي لم ينج من تأثير موجة أعمال العنف التي اكتسحت فضاءات ومنصات العرض الرقمي، وسحبت في طريقها الدراما العربية هى الأخرى.
أسئلة عديدة وإشارات تعجب كثيرة تحوم حول هذا التحول الغريب في الاتجاهات الجديدة، التي تبنتها الأعمال الدرامية مؤخرا، والهدف من إنتاج هذا الكم الهائل من المسلسلات الطافحة بمشاهد العنف والدماء والمشكلات النفسية، في وقت مازال يعاني فيه أغلبنا تبعات العزل المنزلي وتداعيات جائحة (كوفيد ـ 19)، فهل هى إملاءات (كورونا) النفسية؟، أم هى مزاجية الجهات الإنتاجية المتحكمة في رأس المال، والمستميتة في تكريس منطق التجديد على حساب المنطق والقيم، إرضاء لعطشها برفع نسب المشاهدة، وتحقيق المزيد من الأرباح؟ .. في كلتا الحالتين عموما يتم في كثير من الأحيان الاستهانة بوقع هذه الأعمال على المشاهد العربي وخاصة الشباب، والاستخفاف برسائلها السلبية على المجتمع، والتي تتعدى حتما رهانات الربح والخسارة.
أما السؤال الأجدى الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح: هل هناك علاقة بين ما نشاهده الآن من عنف على شاشة الفضائيات والمنصات العربية وبين ما يحدث في الواقع؟، الإجابة على هذا السؤال بالطبع لأ!، فالمتابع للشاشات العربية حاليا يجد أنها ملطخة بالدماء، ومليئة بكل صور العنف في كافة أشكالها من خلال عدة مسلسلات (لبنانية – سورية) وخليجية (سعودية كويتية) تعرض الآن، أو عرضت مؤخرا ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: (الهيبة، 8 أيام، باب الجحيم، رشاش، اختطاف، شتي يا بيروت، ملاك رحمة، الناجية الوحيدة، عندما يكتمل القمر)، وأعتقد أن العنف المنبثق من شاشاتنا راجع إلى التقليد الأعمى للمنصات العالمية التى تتنتابها موجات مختلفة من العنف والرعب مرة، واختراق الخصوصية مرة أخرى، والكوميديا المطعمة بإيحاءات جنسية، أو التمرد بألفاظ نابية مرة ثالثة بدعوى ارتفاع هامش الحرية، وهذه الموجات الدرامية تتفق مع نسب المشاهدة العالية من جانب المراهقين من سن الخامسة عشر، وحتى الخامسة وعشرين.
لهذا استغل القائمون على الإنتاج ميل الجمهور لهذه النوعية من الأعمال الدرامية التي تحمل في طياتها أفكارا جديدة على حد زعمهم، وقاموا بإنتاج العديد من المسلسلات التى يمكن أن نطلق عليها ونحن مرتاحي الضمير (هرش مخ)!، وبدلا من أن يبتعدوا بنا عن مرارة الواقع الذي نعيشه المليئ بالحروب والدمار والفيروسات ويقدموا لنا قصص اجتماعية هادفة يمكن أن تعيد روح التآلف وتعالج تصدعات جدار العائلة، أو قصص شخصيات ناجحة تمنح الأمل والتفاؤل، أو مسلسلات كوميدية راقية تنشر البهجة والسعادة، أو أعمال درامية تلعب على وتر الرومانسية التي تقوى على تحويل المزاج العام إلى مناطق دافئة في الحياة ، نجد أن صناع هذه الدراما أكدوا على تكريس العنف والإثارة والجنس.
وأخطر ما في بعض هذه المسلسلات المليئة بالعنف هو البطل الفرد الذي يبتعد عن القانون ويلجأ إلى العنف كوسيلة وحيدة نهائية لحل مشكلته أو لزيادة تعقيدها، أو لإرجاع حقوقه وحقوق غيره، وهو ما يكرس للـ (هيرو) الوسيم، كما حدث في مسلسل (الهيبة) بأجزائه الخمسة، وخاصة ذلك العنف الذي مارسه (جبل) بالغ الشراسة مختلطا بحس رومانسي أحيانا في إطار التبرير، إذ هو عنف مكتوم تضطرم فيه النيران فيخرج بركانا مليئا بالحمم والقذائف الملتهبة، خاصة أن قوى الصراع هنا غير متكافئة على كافة المستويات.
ولأن الثأر قيمة درامية محببة لدى الجمهور، مثيرة للفضول بأبعادها، لهذا أقدمت شركة (صادق الصباح) على التكملة على باقي المشاهدين الناجيين من مسدسات ورشاشات وبنادق ورصاص (الهيبة) وقدمت صورة أخرى من العنف نشاهدها حاليا في مسلسل (شتي يا بيروت)، حيث شاهدنا في حلقاته الأولى التى عرضت كم كبير من الدماء، فضلا عن حالة الفقر والضياع في رحلات الهجرة غير الشرعية، وخلال الحلقات القادمة سنعرف مصير بطل الحلقات (عبدالله) الشاب الضائع الذي يعيش على هامش المجتمع، الهارب إلى بيروت هربا من الثأر الذي يطارده.
يا جماعة الخير من أهل الإنتاج رفقا بنا، ارفعوا الحصار عن عالمنا المسالم الضعيف المليئ بالطيبة والسماحة، وتأكدوا أنه لا خوف منا كمواطنيين شرفاء نعيش في بيوتنا، لا نريد طاقات سلبية ولا كأبة، يكفي كآبة الحياة، وصعوبة المعيشة في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة، وابحثوا عن طريق آخر بدلا عن هذا العنف، أوقفوا رأس الأفعى الحقيقية فلسانها مصوب نحو شبابنا بالسم القاتل في كل الاتجاهات، فالفكر اليهودي الصهيوني له دور كبير في تكريس العنف والجنس على الشاشة الشبابية العربية ليخدم أهدافهم في دعم التخريب النفسي للشعوب العربية وإثارة الإحساس بالتوتر بزرع بذور العنف والكراهية وسيادة مبدأ أخذ الحق بـ (الدراع) بعيدا عن سيطرة الدولة الوطنية.
انتبهوا أيها السادة القئمون على الإنتاج العربي، فالجيل الجديد الذي نشأ على مسلسلات العنف أصبح مصابا بأعقد الأمراض النفسية، فلا يستهويه إلا التلذذ بتعذيب الآخرين بشكل سادي، وأصبحت سلوكياته مليئة بالتمرد والعنف، وأصبحت مسلسلات القتل والرعب والاغتصاب والشذوذ هى الأكثر طلبا وحبا له .. أرجوكم احرصوا في رسائلكم تلك تجاه شبابنا، إلا إذا كنتم رسل للفكر اليهودي الصهيوني الذي يحاول تصدير الشخصية العربية على أنها همجية لا تؤمن بأسس الحضارة الإنسانية والعيش بسلام على الأرض!.