رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد السبع .. صاحب الصوت المتميز والأدوار الملتزمة

 كان يقول من أراد أن يتعلم فن التمثيل عليه أن إحضار شريط فيديو لأم كلثوم وهى تغني.

* الفنان إبراهيم الشامي علمه فن التمثيل، و(أحمس) سبب قبوله في معهد التمثيل

* زكي طليمات سخر منه بسبب اسمه فظن أنه سقط في الاختبار

* يعتز بأدواره في (الشيخ متلوف، ودنشواي الحمراء، ومأساة الحلاج)

* غير راضي عن أفلامه السينمائية التى قدمها لظروف المعيشة

قدم أدوار مهة في الدراما

كتب : أحمد السماحي

يعشق الالتزام والجدية، وكانت الأعمال الدينية والتاريخية سبب تفرده، على مدى مشواره الفني الطويل، اعتمد الفنان الكبير (محمد السبع) فى أدائه على الصوت المؤثر، والدقة والانضباط فى الانفعالات، وعلى جلال كلاسيكي فى الأدوار الجادة، وعلى خلفية متعمقة في الثقافة والوعي بإبعاد الدور الذي كان في العادة دورا صغيرا خاصة في السينما لكنه كان يترك فيه بصمته الأدائية دائما، ومن أبرز الظواهر التى تتعلق بشخصيته أنه كان عاشقا لفن التمثيل فقط ولم يفكر أبدا في أن يمارس الإخراج المسرحي.

 إذ ظلت الهواية عنده حتى أخريات حياته لم يتغلب عليها عنصر الاحتراف، وظل في أول يوم لأي عرض مسرحي له يدق قلبه ويداه ترتعشان ويشحب لونه ويجف حلقه، كما ذكر مع الإعلامية (أمينة صبري) في برنامجها (حديث الذكريات)، صوته ومخارج حروفه وتمكنه من اللغة العربية جعلته يخاطب نفوس الناس ويهز مشاعرهم.

كان عاشقا لصوت (أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب)، وكان يقول من أراد أن يتعلم فن التمثيل عليه احضار شريط فيديو لأم كلثوم وهى تغني ويرى طريقة ادائها الرائع، فلم يكن سر نجاحها في الغناء حلاوة صوتها وانما إحساسها الصادق في الأداء أي فى تمثيل الموقف.

في شبابه ممثلا مسرحيا

ابن العمدة

ولد الفنان (محمد السبع) في 29 مارس عام 1923 بقرية (نوسا الغيط) مركز أجا محافظة الدقهلية، وكان والده  – كما يذكر – هو (سعيد بك السبع) عمدة القرية، وكان رجلا بكل معنى الكلمة لديه قيم ومثل وغيورا على كل شخص في قريته، ففي أحدى المرات ضرب (ناظر الزراعة) فلاحا بسيطا، فما كان منه إلا أن أحضر (ناظر العزبة) وقام بتعليقه على (الفلكة) وضربه لأنه ضرب فلاح فقير بدون سبب، وكان قُطاع الطرق والحرامية يحسبون له ألف حساب، ولا يمكن أن يتعدوا على أي منزل من منازل قرية (نوسا الغيط) نظرا لرجولة (سعيد بك السبع) وكرمه وشجاعته وقيمته العالية لديهم، وكان إذا مر في أحد الشوارع قبل مروره تخرج ربات البيوت ويقومن بتنظيف الشارع.

وكان والدة (محمد السبع) ربة بيت، ورغم أنها لا تجيد القراءة والكتابة لكنها كانت حريصة على قراءة المصحف باستمرار، فى هذه البيئة التى تجمع بين القيم والأخلاق والتدين نشأ الطفل (محمد السبع)، لكن القدر لم يجعله يستمتع بطفولته، فحرمه وهو في الخامسة من عمره برحيل والده.

قسوة الأخ

بعد رحيل والده عاش (محمد) مع شقيقه الأكبر (سيد) في (سمالوط) إحدى مراكز محافظة المنيا في مصر، والتى تقع على بعد 25 كم شمال مدينة المنيا، حيث كان يعمل الأخ الأكبر كوكيل للنيابة، وعاش في (سمالوط) لمدة عامين، كان فيها دائم الجلوس مع نفسه، يتأمل ملكوت الخالق، بعدها عاد إلى قريته للالتحاق بمدرسة (أجا) الابتدائية، ومرت أيام الدراسة الابتدائية بهدوء ودون أن تظهر أي مواهب تمثيلية لـ (السبع).

وبعد نجاحه في الابتدائية قرر شقيقه (سيد) إلحاقه بالمدرسة الثانوية الصناعية في المنصورة، ورغم اعتراض (محمد السبع) على الالتحاق بهذه المدرسة، وحبه للالتحاق بالمدرسة الثانوية التى تتيح له أن يلتحق بالجامعة مثل أشقائه المتعلمين تعليم عالي، وأحداهما درس الطب في فرنسا، لكن شقيقه (سيد) كان شديدا وقاسي القلب، وأصر بدون سبب واضح على أن يلتحق بالمدرسة الصناعية.

أحد أعماله في الدراما الدينية

أحمس والهكسوس

التحق (محمد السبع) بالمدرسة الثانوية الصناعية بالمنصورة، واضطر أن يقيم فى المنصورة نظرا لظروف دراسته على أن يرجع (نوسا الغيط) يومي الخميس والجمعة للجلوس مع والدته، ونظرا لجلوسه بمفرده في المنصورة، وحتى يسلي نفسه، كان يرتاد سينما (عدن، ورويال) بانتظام، خاصة أنه أحب نجم وعشق أدائه منذ شاهده وهو في الثامنة من عمره من خلال فيلم (ليلى في الصحراء) هذا النجم كان الفنان (حسين رياض) – الذي كان استاذه وقدوته فيما بعد – وفى أحد الأيام أعلنت المدرسة الصناعية عن نشاطها السنوي في مجالات مختلفة مثل (الرياضة، والخطابة، والإسعاف، والتمثيل).

التحق (محمد السبع) بفريق التمثيل، واستعد فريق المدرسة لتقديم مسرحية بعنوان (أحمس والهكسوس) فحفظها عن ظهر قلب، لكن اتضح له أن فى المدرسة من هم أقدم منه ولديهم خبرة أكثر منه فى مجال التمثيل، فتم توزيع الأدوار عليهم، ولم يتبق له إلا دور صامت في المسرحية لصبي يحمل (مبخرة) يبخر بها بطل المسرحية من عين الحسود، وبدأ ممارسة هواية التمثيل طوال سنوات فى المدرسة، حيث كان التمثيل الشيئ الوحيد الذي يخرجه من وحدته ويشعره بالسعادة.

مع زميله المخرج سعد أردش في أحد أفلام البدايات
مع زوزو نبيل في واحد من أفلام البدايات
مع محمد كامل أشهر خادم في السينما المصرية

القاهرة وإبراهيم الشامي

مرت سنوات الدراسة في المدرسة الثانوية الصناعية سريعا، وبعد حصوله على شهادة الدبلوم نزل إلى القاهرة للعمل، حيث توسط له ابن عمته (عمرو باشا طنطاوي) الذي يعد واحد من أساتذة الرئيس (محمد أنور السادات) أثناء دراسته في الكلية الحربية، للعمل في إحدى الشركات في مركز صيانة.

ولعبت الصدفة دورا هاما في حياته حيث كان يجلس يوما على إحدى المقاهي، فسمع إعلان فى الإذاعة المصرية عن عودة الدراسة في معهد التمثيل مرة أخرى بعد غلقه عام 1933، فسأل عن شروط التقدم، فعرفها ووجد أنها كلها تتوفر فيه، لكن كان ينغص فرحته أنه يجب عليه أن يحفظ مشهدين تمثيليين، وهو لم يكن حافظا إلا مشهد واحد من مسرحية (أحمس والهكسوس)، ونصحه أحد زملائه في شركة الصيانة بفنان شاب يعشق هو الآخر التمثيل، وسبقه في الوقوف على خشبة المسرح هو الفنان (إبراهيم الشامي).

وبالفعل ذهب (محمد السبع) وتعرف بالفنان (إبراهيم الشامي) الذي دربه على أحد المشاهد التمثيلية، ولفت نظره إلى طريقة الإلقاء، ومخارج الحروف، وكل ما يتعلق بفن التمثيل.

زكي طليمات يسخر من اسمه

قدم (محمد السبع) أوراقه إلى معهد التمثيل، وبعد أن أدى المشهدين المطلوبين منه، لم يعلق أحد من أعضاء لجنة التحكيم على أدائه، بل على العكس سخر منه الفنان (زكي طليمات) رئيس اللجنة وقال له: (روح  روح مع السلامة، أومال بيسموك السبع ليه بس!) ويومها غضب (السبع) جدا – كما ذكر مع أمينة صبري – من سخرية الأستاذ (زكي طليمات)، وقال : (طالما مش عيزني ليه الأستاذ طليمات بيسخر مني!).

دفعة 1947

بعد هذا الاختبار والسخرية من اسمه، انشغل (السبع) في عمله اليومي، ونسى حكاية معهد التمثيل، لكن بعد مرور شهر من الاختبار فوجئ بوصول جواب له يؤكد نجاحه واستعداده للتصفية النهائية، وسعد جدا بهذا الجواب، واستعد للتصفية النهائية التى تمت على مدخل مسرح الأزبكية، وكانت لجنة التحكيم تضم مجموعة من عمالقة الفن والأدب والموسيقى وهم (جورج أبيض، زكي طليمات، نجيب الريحاني، سليمان نجيب، حسين رياض، فؤاد شفيق، محمد حسن الشجاعي، حلمي رفله، محمد مندور).

ونجح (السبع) فى التصفية النهائية والتحق بالمعهد العالي لفن التمثيل، وفى نفس الوقت كان يذهب إلى عمله في الصباح، حيث كانت الدراسة في المعهد ليلية، وكان زملائه في الدفعة (حمدي غيث، نبيل الألفي، شكري سرحان، فريد شوقي، نعيمة وصفي، صلاح منصور، عمر الحريري، سعيد أبوبكر، لطفي عبدالحميد، زكريا سليمان)، وتخرج الجميع من المعهد عام 1947.

العمل مع ملك وطليمات

بعد تخرجه مباشرة عمل مع فرقة المطربة (ملك) في مسرحها، لكنه لم يستمر إلا بضعة أسابيع، انتقل بعدها للعمل في الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى عام 1848، ليشارك – كما يذكر الباحث المسرحي الدكتور (عمرو دواره) – بأداء بعض الأدوار الرئيسية في عدة مسرحيات من بينها دور (الرجل المنتصر) في مسرحية (سر الحاكم بالله)، ودور الطبيب في (اللص)، ودور عامر في (اليوم خمر)، والسجان في (ألف ليلة وليلة) عام 1949، وكل هذه المسرحيات أخرجها أستاذه (زكي طليمات).

فيلم ليل وقطبان

كفاح شعب

 عندما أنشأ (زكي طليمات) عام 1950 فرقة المسرح المصري الحديث من خريجي المعهد فاختاره ضمن أعضاء الفرقة ممثلا، وبالفعل في بطولة أول مسرحية للفرقة وهى مسرحية (ابن جلا) وقام – كما ذكر دواره – بأداء دور (سعيد بن جبير)، كما أدى في نفس العام دور الملك في مسرحية في (خدمة الملكة).

وظل (محمد السبع) مع هذه الفرقة حتى ضموها إلى الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى لتصبح الفرقة المصرية الحديثة عام 1953، ثم بعد ذلك أصبحت فرقة المسرح القومي عام 1958، ولمع اسم (محمد السبع) خلال فترة الخمسينات ليصبح أحد نجوم المسرح المصري ويشارك فى العديد من المسرحيات بعضها من روائع المسرح العالمي وهى (مريض الوهم، الجلف، دنشواي الحمراء، قصة مدينتين، الشيخ متلوف، كفاح شعب، إيزيس، دموع إبليس، الأشباح، تلميذ الشيطان، الموت يأخذ أجازة، قهوة الملوك، أهل الكهف، المحروسة، السلطان الحائر، تاجر البندقية، سكة السلامة، الندم، المهزلة الأرضية، شهر زاد، الحب والحرب، الشيطان يسكن في بيتنا، رسائل قاضي أشبيلية، السيرة النبوية، التشريفة، المهرج، حكمت إمرأة، منمنمات تاريخية) وغيرها.

فيلم حبيب الروح

الشيخ متلوف، والحلاج، ودنشواي

عن المسرحيات التى يعتز بها في مشواره سألته الإذاعية الكبيرة (أمينة صبري) فقال : الحقيقة أكثر من دورمثل (القسيس) في مسرحية (الأشباح)، ودور (لويس) في مسرحية (الفرسان الثلاثة)، لكن من أهم وأحب الأدوار إلى نفسي دوري في مسرحية (الشيخ متلوف) إنسان زنديق يقول على نفسه أنه ينتمي إلى الأسرة الدينية، لكنه بعيد تماما عن القيم الدينية وتعاليمها ومبادئها، لكنه أخذ الدين وسيلة للوصول إلى غايات غير سليمة لكي يستحوذ على صاحب البيت وزوجته.

وأحب أيضا دوري في مسرحية (دنشواي الحمراء) تأليف (خليل الرحيمي) وإخراج (حمدي غيث) حيث شهد لي مؤلفها بتمكني من أداء الدور فقال لي : (لم أكن حاسس دورك وأنا أكتبه، لكن عندما جسدته جعلتني أحبه، وأحسه جدا).

والدور الثالث هو دوري في (مأساة الحلاج) لصلاح عبدالصبور، حيث حدث تماس إنساني وروحي مع بطل المسرحية، وأحببت الدور جدا لما فيه من قيم ومثل ومعنى روحي جميل جدا، وتميز في معظم هذه الأدوار بأداء الأدوار التاريخية، وشخصيات رجال الدين والعلماء والحكماء.

مع زبيدة ثروت ونور الشريف في (لا شيئ يهم)
فيلم وراء الشمس
فيلم من حاتم زهران
فيلم اريد حلا

غير راضي عن أدواري السينمائية

لم يقتصرعطاء (محمد السبع) فقط على المسرح فقد جذبته أضواء السينما فقدم فيها العديد من الأدوار الصغيرة مثل ( حبيب الروح، إلهام، شم النسيم، مؤامرة، كدت أهدم بيتي، طاهرة، توحة، بياعة الورد، المغامرة الكبرى، المماليك، ليل وقضبان، غرباء، أريد حلا، سنة أولى حب، لقاء هناك، كباريه الحياة، الحب قبل الخبز أحيانا، وراء الشمس، عشاق تحت العشرين، الورثة، زمن حاتم زهران).

وأكد (السبع) في حواره الإذاعي مع السيدة (أمينة صبري) أنه غير راضي عن أدواره السينمائية، وأنه عملها مضطرا لظروف المعيشة، وإلحاح أولاده عليه.

أبناء ولكن

إذا كانت السينما ظلمت الفنان القدير (محمد السبع) فإن التليفزيون عوضه بعض من حقه من خلال إسناد أدوار مهمة له في العديد من السهرات والمسلسلات والأفلام التليفزيونية المهمة منها (سيدي أحمد البدوي، أقوال الرسول، أمة القرآن، أسماء الله الحسني، سيدي إبراهيم الدسوقي، محمد رسول الله، الإنسان والمجهول، غريب يا ولدي، الشيخ متلوف، أبناء ولكن، ابن الجبل) وغيرها.

أب حنون

تزوج (محمد السبع) مرة واحدة، وانجب ستة من الأبناء وهم (صفاء، سهير، وفاء، ملكة، ونور) ورحل أحد أولاده وهو في ريعان شبابه حيث رحل وهو لم يكمل الـ 24 عاما.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.