أسئلة مشروعة
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
خلال الأيام القليلة الماضى وقعت عدة أحداث فنية هامة ، أحس المصريون من خلالها بالفخر و العزة و أنهم بحق أبناء حضارة شامخة ، قادرون على البناء و التشييد ، و قادرون على الإنجاز لو توفرت لهم السبل . فمنذ أيام تم افتتاح دار الأوبرا الجديدة بالعاصمة الادارية – و هى جزء من مدينة متكاملة للفنون و الثقافة تضم عدة مسارح و معارض و مركزا للابداع – و استضافت فى حفل افتتاحها أوركسترا فيينا الذى يعتبر أيقونة فى عالم الموسيقى تتهافت الدول على استضافته . و كما قرأت فى حوار للمايسترو أحمد ابو زهرة المسئول عنها ، فان دار الأوبرا – أو قاعة الموسيقى الرئيسية – قد تم تشييدها حسب أعلى المواصفات الفنية التى تتوفر لدور الأوبرا العالمية و أن بها تجهيزات فنية و تقنيه على أعلى مستوى .
و فى نهاية الأسبوع الماضى تزينت الأقصر لتكون عروس المدن جميعا فى الاحتفال بافتتاح طريق الكباش ، و إحياء عيد الأوبت المصرى القديم ، و قدمت للعالم استعراضا فنيا راقيا بشكل مبهر و معاصر ، رفع رأس الفنانيين المصريين عاليا و ازادهم فخرا بعد موكب المومياوات ، و أثبت أن المصرى قادر على التنظيم و الإبداع ، و تضمن الاستعراض سردا سريعا عما تضمه المدينة المبهرة و ما حولها من كنوز أثرية و إمكانات سياحية ، فكأنه أضاف لكنوز الماضى جواهر الحاضر .
هذه الأحداث ملأتنى بالزهو كمعظم المصريين ، و لكن افتتاح الأوبرا بالتحديد أثار فى عقلى أسئلة – اعتقد انها مشروعة – فأنا كمواطن مصرى من حقى أن أسأل لكى أعرف ، و لكن نفسى همست لى : لا تكن مثل عواجيز الفرح ، و انسى الأسئلة و افرح بما تم . و لكن تلك الأسئلة اللعينة ظلت تطاردنى ، فقررت التخلص منها بأن أطرحها على الملأ ، و كلى أمل ألا تزعج أحدا ، فهى مجرد أسئلة دفعنى لها حبى لهذا البلد ، و تقديرى لحكومة تبذل أقصى الجهد فى تحقيق طفرة على مستوى الإنجاز فى مجالات عدة و فى نفس الوقت و بنفس الحماس ، لكن هذا لا يعنى أنها دائما على صواب .
لا أنكر أننى فرحت بإضافة مدينة جديدة للفنون و الثقافة و لكن بدأت الأسئلة عندما علمت من بعض الأصدقاء الذين حضروا الافتتاح أن العاصمة الادارية لم تدب فيها الحياة حتى الآن ، فهى مازالت تحت الإنشاء ، فلماذا كانت العجلة فى افتتاح نشاط يقوم على وجود ( البشر ) ؟ ، و لماذا تم افتتاح جزء من مدينة الثقافة و الفنون قبل أن تسكن المدينة و تدب فيها الحياة ؟ ، فهل سيتم إغلاقها مرة أخرى حتى تصبح المدينة الجديدة عامرة بمن يملأ المقاعد الوثيرة ؟
و من خلال صور الافتتاح لاحظت أن دار الأوبرا قد تم تشييدها على نمط قديم يزدان بفخامته المبالغ فيها ، كان للرخام المستورد دور البطولة فيه . و كأنها دار للأوبرا فى القرن التاسع عشر !! و تساءلت : ألم يكن من الأفضل اختيار أسلوب أقل تكلفة و أكثر جمالا ؟ أعلم أن الأوبرا داخل العاصمة الإدارية ، و كما صرحت الحكومة عدة مرات فإن تلك العاصمة و ما تحتويه ليست من ميزانية الدولة ، و مع ذلك فإن الأسلوب الكلاسيكى هذا إلى جانب تكلفته قد عفى عليه الزمن و صارت الأبنية الحديثة أكثر جمالا و أكثر وظيفية ، هل لا نملك موهبة معمارية مثل زها حديد – التى صممت عدة مسارح و مراكز ثقافية عصرية فائقة الجمال – كى تصمم لنا أوبرا عصرية نفخر بها و تتكلف أقل و فى نفس الوقت تحافظ على مواصفات الأوبرا الفنية ؟ أليس المبنى المقام على نيل القاهرة ( المركز الثقافى ) و نسميه الأوبرا ، جميل على بساطته التى قصدها اليابانيون عندما بنوه ؟
و تمتد الأسئلة إلى أبعد من المبنى ، فنحن لا نعرف إلى أى إدارة تنتمى الأوبرا ؟ ، إنها و كما يبدو بعيدة عن سلطة وزارة الثقافة !! ، فهل ستصبح كل مدينة الفنون بالعاصمة الإدارية غير خاضعة للوزارة المختصة ؟ ، و هل كل ما يمت بصلة لتلك العاصمة سيكون بعيدا عن يد الوزارات المختصة ؟ ، هل هى مدينة قائمة بذاتها لها إدارتها الخاصة بعيدا عن الحكومة ؟
و تغوص الأسئلة و تمتد حول برامج تلك الأوبرا ، و كيف سيتم ترتيبها ؟ هل ستكون لاستضافة الفرق الأجنبية فقط ؟ أم سيكون لها برامجها الخاصة ؟ ، و هل سيتم إنشاء فرق جديدة لتحقق تلك البرامج ؟ ، بمعنى آخر هل سيتم إنشاء أوركسترا سيمفونى و فرقة باليه و كورال خاصة بتلك الأوبرا ؟ ، و هل يعلم السادة المسئولين صعوبة هذا، إلى جانب تكلفته المالية الطائلة ؟ ، أليس من الأجدى و الأوفر و الأنفع أن تستعين الدار الجديدة بفرق الأوبرا التابعة لوزارة الثقافة ؟ و العكس أيضا صحيح : إن المسافة شاسعة و طويلة بين العاصمة الإدارية و سكان أكتوبر مثلا ، فهل أسافر كى أشاهد عرضا فى الأوبرا الجديدة بدلا من نقله إلى المركز الثقافى القريب من ميدان التحرير ليستطيع باقى مواطنى العاصمة القديمة مشاهدته ؟ ، و هل تغنى الشاشات التى قالوا إنها ستنقل عروض الأوبرا الجديدة إلى كل أنحاء الجمهورية عن رؤية الأعمال على المسرح ؟
عشرات الأسئلة تتوالد و تتكاثر نتيجة لغياب المعلومات ، و لكنها فى النهاية لا تنفى أو تقلل من جهود البناء و التشييد ، و لكنى لابد و أن أعترف أن فرحتى الأكبر – التى فاقت فرحتى بافتتاح الأوبرا – كانت بوضع حجر الأساس لمسرح السامر بالعجوزة التابع للثقافة الجماهيرية ، فعلى هذا المسرح تمت ولادة أكثر من تجربة مسرحية أضاءت حياتنا الفنية ، كما شهد ولادة عدة نجوم ملأوا الساحة لإبداعا ، و عودته بعد 28 عاما من الإغلاق و المؤامرات للاستيلاء على موقعه يعنى لى و لكل المسرحيين سواء فى العاصمة أو الأقاليم الكثير ، إنه الرئة التى يتنفس من خلالها آلاف من الموهوبين ، فهو الوصلة و الصلة بين مسرح الأقاليم و بين الحركة المسرحية ككل. لذا نتمنى لمسرح السامر اهتماما خاصا ، فهو مدينة فنون أخرى تغطى مساحة شاسعة من أرض الوطن .