التسلل المسموم
بقلم : محمود حسونة
كثير من الجرائم ترتكب باسم الحرية، وكثير من التجاوزات تحدث باسم حقوق الإنسان، وكثير من القيم تُهدم على عتبة مصطلحي (الحرية) و(حقوق الإنسان) اللذين أصبحا السلاح الذي تشهره الحضارة الغربية في وجه كل من يخالفها الرأي، لهدم كل ما أمرتنا به الديانات السماوية وما توارثته الإنسانية عبر تاريخ ممتد في أعماق الزمن، وما تناقلته الأجيال، وبعد أن وصل لأجيالنا وقف الغرب أمامنا حائط صد، محاولاً منعنا من نقله للاحقين، فارضاً علينا قيم جديدة تنال من السمو القيمي، وتكرس قيماً جديدة تنتصر لكل ما يخرق ناموس الطبيعة ويخرق الفطرة الإنسانية ويحول الإنسان إلى كائن مادي شهواني يحق له أن يفعل ما يشاء ويعيش الحياة بالطريقة التي ترضيه بصرف النظر عن تأثيرات ذلك سواء بعيدة أو قريبة المدى.
خلال السنوات الأخيرة ارتفع صوت المثليين في العالم، وأصبحت لهم الكلمة العليا وفرضوا وجودهم فى الدراما والسينما العولمية، ومن يمتعض منهم تتم محاصرته والهجوم عليه ووصفه بأبشع الألفاظ، باختصار أصبح اليوم الشخص أو الشعب أو المجتمع الرافض للشذوذ جاهل ومتخلف وغير متذوق للجمال ومتعدٍ على حريات الآخرين ومتجاوز على حقوق الإنسان.
حكومات دول كبرى تضم وزراء رجال متزوجين من رجال، وحفلات الزفاف المثلية أصبحت علنية، ومؤسسات دولية تدافع عن هذه الفئة وتعتبر أن ما تفعله طبيعي، ودولة مثل هولندا تمنح ولية العهد البالغة من العمر 17 عاماً حق الزواج من شخص من أي جنس دون التخلي عن حقها في العرش!.
ويبدو أن شركات الإنتاج السينمائي الكبرى ومنصات العرض التليفزيوني مثل نتفليكس، تحرص على فرض المثلية على الشاشة كي يتقبلها الجميع، وحين تتكرر المشاهد الجامعة بين زوجين من جنس واحد أي رجلين أو سيدتين، يعتادها المرء ويتشربها المراهقون والشباب فتتحول من مشاهد وعلاقة (شاذة) إلى طبيعية ومقبولة؛ ومن يتابع المسلسلات التي تنتجها نتفليكس وتسميها (أصلية)، لن يجد بينها مسلسلاً واحداً يخلو من علاقات مثلية وتمر ضمن الأحداث بشكل طبيعي، مثل المسلسل الرائع Good doctor والذي شوهته هذه المشاهد المزعجة وأجبرت مشاهدين على مقاطعته رغم الإعجاب بالموضوع الذي يطرحه وبقدرات أبطاله التمثيلية.
بالنسبة للسينما، حدث ولا حرج، فقبل أيام شاهدت فيلم (الجمال الأمريكي) الذي نال 5 جوائز أوسكار وتم إنتاجه عام 1999، ومن يتأمل النماذج التي يقدمها الفيلم ستجدها جميعها غير سوية في علاقاتها، سواء الزوج مع زوجته أو الشاب والشابة التي تربطهما علاقة غرام، كل العائلات مفككة والأزواج يعانون من مشاكل كثيرة باستثناء رجلين متزوجين، حيث قدمهما الفيلم على أنهما الأكثر تفاهماً وانسجاماً واستقراراً، هما النموذج الصحي في العلاقات الإنسانية الذي ينبغي أن يحتذيه كل باحث عن علاقة خالية من المشاكل والمنغصات!!
كيف ولماذا حصل على كل هذه الجوائز؟ من يتأمل جوائز الأوسكار التي تحظى باهتمام إعلامي عالمي لا تحظى به جائزة أخرى، سيجد أن أقصر الطرق للاستحواذ عليها هو تقديم أعمال تروج للشذوذ الجنسي، ومن نماذج ذلك فيلم Boys Don’t Cry الذي نالت بطلته هيلاري سوانك عن دورها فيه أحسن ممثلة والذي عرض سينمائياً عام 1999 ونالت هيلاري سوانك عن دورها فيه جائزة أحسن ممثلة، و فيلم The Hours من بطولة ميريل ستريب وجوليان مور ونيكول كيدمان، وتم طرحه عام 2003، ونالت نيكول كيدمان عن دورها فيه جائزة أوسكار أفضل ممثلة، ونفس الجائزة نالتها تشارلز ثيرون عن فيلم Monster وناتالي بورتمان عن فيلم Black Swan، وهذه مجرد نماذج من أفلام روجت للمثلية ونالت تكريم الأوسكار.
المشاهد المثلية لم تعد تقتصر على الأفلام والمسلسلات الغربية التي تدور في فلك العلاقات الاجتماعية، ولكنها امتدت للمسلسلات الكوميدية والسياسية، وأفلام الأكشن وحتى الفانتازيا.
ويمكن أن يتقبل البعض أن الترويج للمثلية قد يكون نهج بعض شركات الانتاج، ولكن الصدمة الكبرى أن تنقلب شركة ديزني -التي اتسمت أفلامها في الماضي بالبراءة والشفافية والانتصار للقيم الإنسانية ومحاولة زرعها في الأطفال- على تاريخها وتسير مع القطيع وكأن التعليمات بنشر المثلية تصدر عن جهات لا يمكن عصيانها!
ديزني أتحفتنا مؤخراً بفيلم (الأبديون)، والذي تدور أحداثه حول مجموعة من الأشخاص الخارقين يتم إرسالهم إلى الأرض لحماية البشرية من عدو فضائي، وهو الفيلم الذي تم منع عرضه في مصر والسعودية والكويت وقطر بسبب العلاقة المثلية التي تربط بين بطليه، وكانت الدول الخليجية الثلاث قد طلبت حذف المشاهد المثلية من الفيلم حتى يتسنى عرضه لديها وهو ما رفضته شركة ديزني، لتخرج بطلته أنجلينا جولي مهاجمة العرب والرافضين للفيلم بلغة لا تختلف عن لغة بنات الشوارع الذين لا يقبلون اختلافاً معهن، ومن تقوده أقداره بالاختلاف معهن فلينتظر أبشع الصفات وأحط الألفاظ.
أنجلينا جولي وصفتنا بالجهلة وانتقدت عدم تقبلنا للعلاقات الشاذة قائلة: (كيف لا ترون الجمال في العلاقات المثلية). أي جمال في العلاقة المثلية يا ست أنجلينا؟ .. يبدو أنك أصبحت ترين القبح جمالاً، بعد أن شمرت عن ساعديك وقررت التجاوز في حقنا بعد أن ارتكبنا جريمة رفض الشذوذ والاعراض عن مشاهدة من استباحوا ما يتجاوز الفطرة التي فطرنا عليها.
أنجلينا قدمت لنا نفسها على أنها المدافعة عن المستضعفين في الأرض، وصدقنا أنها مرهفة الحس، تشعر بآلام اللاجئين والمطاردين في الأرض، وإذا كان موقفها من الشواذ باعتبارهم (مستضعفين)، فهو حق لها لكنه لا يمنحها الحق في التجاوز على من يرفضون هذه الفئة جملة وتفصيلاً. وإذا كان من حق ديزني وشقيقاتها أن تروج للمثليين، فمن حقنا نحن أن نرفض أفلامها ونقاطعها حماية لقيمنا، وإذا كان من حق نتفليكس أن تقحم مشاهد المثلية في جميع مسلسلاتها فمن حقنا أن نتهمها بدس السم لنا في العسل.
وجود المثليين قديم جدا، وكل الأعذار نقدمها لمن أصيب بهذا الداء لأسباب خلقية، وسينما بلادنا قدمتهم في بعض أعمالها بأساليب ورؤى مختلفة، ولكن أن تصبح أحد وظائف الدراما والسينما الترويج للمثلية وتوسيع دائرة انتشارها والتجاوز في حق من يرفضونها، فهذه الكارثة.
إمنحوا المثليين ما تشاؤون من حقوق، ولكن ارفعوا عنا حصار المثلية ولا تفرضوها على أولادنا، كفاكم تجاوزاً في حق الفطرة، وخروجاً على القيم باسم الحرية وحقوق الإنسان.. ليتكم تكشفون نواياكم الحقيقية بدلاً من هذا التسلل المسموم.
mahmoudhassouna2020@gmail.com