كتب : محمد حبوشة
الزواج عبارة عن شراكة مستمرة بين الطرفين، ويتحمل كل منهما المسئولية بشكل متساوي، لكن بعض الرجال يقعون في خطأ إلقاء كل شيء على زوجته، ويبالغون في بعض الأمور، إذ طالبوها بشكل مستمر، ما قد يؤدي إلى زيادة الخلافات بينهما، وتنتهي العلاقة بالانفصال، وتظل المشاكل بين الرجل والمرأة أو العلاقات الزوجية تحديدا، محل اهتمام وتناول كثير من الكتاب على مدار السنوات القليلة الماضية على شاشة التليفزيون، وقد تم تقديم هذا الجانب من الحياة الأسرية بتنويعات مختلفة، كوميدية وجادة، وفي أطر معالجة عديدة، ورغم ذلك لازالت هذه الثيمة الدرامية أو الفكرة التي تدور في فلكها أحداث الدراما الحالية، وذلك من خلال مزيج من المشادات الزوجية والخيانة العاطفية ترسم ملامح مشوهة للعلاقات الأسرية وتطمس صفات الإخلاص والأمانة في الحب، هى مشاهد لخصتها حلقات مسلسل (إجازة مفتوحة)، إذ تبدأ افتتاحية السيناريو بوقوع المشاكل الأسرية ثم إخفاء الأكاذيب وتنتهي بالطلاق بين (شريف/ شريف منير) وزوجته (ندي/ لقاء الخميسي) ثم العودة مرة أخرى في نهاية الحلقات.
الأمر المؤكد أن الدراما المصرية انتبهت مؤخرا إلى القضايا الاجتماعية التي تجد فيها كنزا مدفونا لجذب الجمهور إليها عبر تناول قصص وحكايات واقعية، واحتلت مشكلات العلاقات الزوجية مساحة لافتة فيها؛ فعدد كبير من الأعمال التي عرضت خلال الأشهر الماضية بدت أقرب إلى محاكاة الواقع دون تزييف أو تجميل، وهو ما منحها قدرا من الحيوية الفنية، لأن هناك شريحة من الجمهور تعتبرها انعكاسا لحالها وأحوالها، ومن بينها (لايت كوميدى) بديع من نسخ خيال السيناريست المبدع (أحمد أبوزيد) في مسلسله الذي انتهى منذ أسبوعين تقريبا (إجازة مفتوحة) والذي ضمنه رسائل قوية في كيفية الحفاظ على الكيان الأسري، من خلال لوحاته تحمل طابعا كوميديا خفيفا ملغف بلون من التراجيدا في إطار اجتماعي جاذب.
وقد استغل كاتب السيناريو والحوار (أبو زيد) التوافق التام والتناقض الواضح على المستوى الاجتماعي والمادي في حياة (شريف وندى) والنتيجة الواحدة وهى الطلاق، ونجح في أن يمضي بهما في خطين متوازيين متصلين منفصلين إلى أن وجد ثغرة منطقية للجمع بينهما بشكل واقعي، ويلتقيا من خلالها في قالب درامي متقارب مع حفاظه على الفروق في معاناة كليهما، وبدت (ندى) خلال نحو 10 حلقة سندا اجتماعيا لـ (شريف) وتقاسما المعاناة والرضاء بعد الجمع بينهما في ظل ظروف اضطرارية جراء فقدان الزوج لوظيفته والاتجاه إلى عمل فيديوهات، يقدم من خلالها أكلات مميزة على (اليوتيوب)، ما يتسبب في تغير مسار حياته تماما، حيث يستبدل دور الزوجة المشغولة طوال الوقت في تحقيق حلمها في الترقي بالبنك الذي تعمل فيه إلى أن يتسرب الشك في الخيانة بينهما مسببا الانفصال ثم الطلاق البائن.
قد تكون نماذج عدم التوافق في الزواج معتادة والوصول في النهاية إلى الطلاق مسألة طبيعية، غير أن جودة العمل جعلت الجمهور يتفاعل مع تطورات الحكاية المكوّنة من 40 حلقة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما منح (شريف منير) المزيد من الثبات في خطواته الفنية المتقدمة إلى الأمام، ووفّر للقاء الخميسي درجة من الكشف عن موهبتها الفنية، خاصة أن الشخصيتين اللتين تقمصاها تحولت إلى ألوان من المبارزة أو المباراة الفنية بينهما، بل شملت تقريبا غالبية الفنانين والفنانات الذين أجادوا أدوارهم واضعين أقدام بضهم على عتبات النجومية؛ فقد تمكن الفنانين القديرة (سميحة أيوب)، والمبدع (سامي مغاوري)، وكذلك (مراد مكرم، هشام إسماعيل، محمد العمروسي، نور محمود، مؤمن نور، دنيا ماهر، كريم أبو زيد، ملك قورة) من تقديم أدورا رائعة اعتمادا على سيناريو بحبكة درامية متقنة، وقدرة فائقة على التحكم من جانب المخرج محمد عبد الرحمن حماقي.
واجه المسلسل نقدا – أراه غير منطقي بالمرة – من جانب من يشاهدون بعض الحلقات ثم يقومون بالانسلاخ عن بقية الأحداث معلقين عليها متأثيرين برواد السوشيال ميديا، ومنهم من شكا من تعرض الحلقات لبعض الملل – على غير الواقع – حيث أن الحلقات كانت تحمل قدرا هائلا من الإثارة والتشويق وتضمنت رسائل غاية في الروعة من حلقة إلى أخرى، حتى أن كل حلقة كانت تحمل في طياتها جوانب من الكوميديا والتنوع في مواقف حياتية يعيشها غالبية الأزواج في ظل التكنولوجيا الجديدة التي فرضت نوعا من التمرد من جانب الشباب على المنظومة الأسرية، لكن وعي (أبو زيد) وثقافته تغلبت على المشاكل الطارئة ووضعتها في سياقها الطبيعي للنجاة من الانهيار الذي كاد يعصف بكيان أسرى ناجح إلى حد كبير بحسب الأحداث التي وقعت خلال الـ 40 حلقة لتنتهي نهاية سعيدة ترضى كافة الأطراف.
حرصت حلقات (إجازة مفتوحة) على السعي الحثيث للفصل والتقاطع الفني في الأحداث والشخصيات بجدوى فنية، ولم يستغل المخرج التشابه في الدوافع التي أدت إلى الطلاق، وحاول إيجاد هامش للحركة كي لا يصبح العمل قائما على التناقض فقط، واستغلاله في الصعود والهبوط الدرامي، ولجأ المؤلف إلى الاستفادة من عملية الانهيار لأسرة الشابين المتزوجين حديثا (سارة/ ملك قورة) و(عبد الرحيم/ محمد العمروسي) بعد الطلاق الذي وقع بينهما، وأدخل العمل في إشكالية إنكار النسب الذي ادعاه (عبد الرحيم) حتى لجأت (سارة) إلى هجر بيته لإثبات أبوته التي تنصل منها في البداية تماما، وهى جزئية ربما تحمل جانبا من الواقع بحكم العادات الصعيدية لزوج متعنت، ما جعل المخرج يطوي هذه الصفحة سريعا من خلال ندم الزوج وحنينه إلى طفله التي اعترف به بعد التأكد من ننسبه عن طريق تحليل الـ DNA بعيدا عن ساحة القضاء.
وبعد أن أصبحت الأحداث التي تجري في المجتمع المصري – خاصة المتعلقة بمؤسسة الزواج من حيث غرابتها وما يصاحبها من اندهاش – مادة غنية يغترف منها مؤلفو الدراما، ما يطرح السؤال القديم الجديد: هل الفن مطلوب منه أن يجسد المجتمع بحذافيره أم يقوم بتطوير أدواته لينهل منه الناس ويستفيدون في سعيهم لتحسين المستوى الاجتماعي؟، من هنا أثبت (أحمد أبو زيد) حقيقة أنه (على الفن ألا يكون منفصلا عن الحياة)، وهي الفكرة التي تبدو سهلة لدى الكثير من مخرجي الدراما الآن، فزخم المشكلات يمنحهم أفكارا جاهزة أقرب إلى المعلبة، ربما تبعدهم عن الخطابة؛ فمن السهل عندما يسأل المخرج أو المؤلف أو الفنان عن العمل وما يحمله من مشاهد سوداوية أن يرد بأن ذلك يحدث، وهى ثيمة سهلة تشجع على الكسل ويمكن أن تؤدي إلى عدم الإبداع، لكنها في (إجازة مفتوحة) استندت إلى الجرأة في التناول على نحو صحيح.
ومن الملاحظ أن الكثير من الأعمال الدرامية الحالية تلجأ إلى المجتمع وتكاد تخاصم التفكير خارج الصندوق لأسباب متعددة، وينطوي ذلك على استفادة في توسيع الحركة أمام القوة الناعمة المصرية على المدى البعيد، لأن الاستسهال في تصوير الواقع للجمهور قد يصيبه لاحقا بالملل وعدم الرغبة في المتابعة، لاسيما أن منصات التواصل الاجتماعي باتت أكثر نشاطا وأسرع من التلفزيون، ومن هنا يأتي التركيز من جانب المؤلف والمخرج في (إجازة مفتوحة) على مسألتي الجودة الفنية والإتقان، وهو ما سعى له نجوم المسلسل، وحاولوا جميعا – خاصة الشباب – أن يكونوا في مستوى الثقة التي منحت لهم، مثل (كريم أبو زيد، أحمد عنان، رنيا بنات، يوسف حسن، أحمد الشاذلي) بتجسيد تلقائي يعكس التناقض في ظل منظومة أسرية أقرب إلى التفكك، وقد لعبت (ألفت عمر/ أماني) دورا محوريا في هذا السياق بمحاولتها الحثيثة لترميم التصدعات الناجمة عن الخلافات الحادة في علاقتها مع زوجها (سميح/ مرادمكرم) وصديقتها (ندى/ لقاء الخميسي).
أستطيع القول أن الأداء السلس من جانب (شريف منير ولقاء الخميسي) وباقي فريق العمل، أكد على أن بناء المزيد من الثقة مع شريكك يستوجب منك عدم التزام الصمت، بل على العكس ينصح بالحرص على فتح المجال للتواصل، وتحمل مسؤولية بعض أفعالك، ونظرا لأن الجدال يعد أحد أصدق أشكال التواصل، فإنه يساعد بالفعل على تعزيز مشاعر الود بينك وبين الطرف الآخر، وجعل العملية مثمرة، ويقر علماء النفس بوجود سبعة عوامل أساسية وضرورية لتحقيق علاقة صحية وسعيدة، ويصنف الجدال من بين أحد أهم هذه العوامل، وفي الحقيقة، يساعد الجدال الأزواج على إعادة تقييم المبادئ المشتركة، فضلا عن مشاعرهم، من خلال مناقشة ومعالجة الأمور المهمة بالنسبة لكليهما، ومن جهة ثانية لا بد لهذه النقاشات من أن ترتكز على حجج بناءة وغير عدوانية.
ومن غير المجدي التركيز على الطرف الفائز في الجدال، حيث يجب العمل على اكتشاف حقيقة الطرف المقابل وحقيقتك على حد سواء، وتسهم النزاعات البسيطة في الكشف عن طبيعة شخصية كلا الطرفين؛ مما يجعل من السهل التعامل معها، في حال تحقق هذا الأمر، يتسنى للزوجين تجاوز التحديات معا، ويصبحان قادرين على التوصل إلى تسويات، الأمر الذي يؤدي إلى تقوية الروابط بينهما، فيمكن أن تتخلل العلاقة العديد من العوامل المسببة للاستياء، وفي هذا الصدد، قد ينمي التزامك بالصمت في خضم المواقف التي يتصرف فيها شريكك بأنانية، دون الأخذ بعين الاعتبار رأيك؛ شعورك بالامتعاض، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى علاقة غير صحية بينكما.
من هذا المنطلق، تكمن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه المشكلة في الإفصاح عن المشاعر السلبية التي تخالجك، على أمل أن يدرك شريكك أن احتياجاتك مهمة بقدر احتياجاته، واستنادا إلى بعض الدراسات: يعد تجنب الطرف الآخر والنقاش معه من بين أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأزواج؛ فيشعر غالبا أحد الطرفين بوجود خطب ما، لكنه يفضل التغاضي عن الأمر، فبشكل عام يشكل ضعف التواصل السبب الأكثر شيوعا للانفصال، وعلى الرغم من اعتقادك أن مناقشة المسائل الحساسة لن تجدي نفعا، فإن ذلك يتيح لك الفرصة لمعالجة المشاكل التي تواجهها مع شريكك قبل أن تتفاقم، ويفسر هذا الجانب حقيقة أن الأزواج الأكثر جدالا يحظون بفرصة أكبر لمواصلة حياتهم معا، لذلك، لا داعي للذعر إذا لاحظت وجود بعض الاختلافات بينك وبين الطرف الآخر، في حين ينبغي أن تحاول جعل هذا الأمر عاملا إيجابيا ضمن علاقتك مستقبلا، تماما كما حدث مسلسل في سياق أحداث (إجازة مفتوحة) المكتوبة بعناية فائقة.