كتب : محمد حبوشة
فى عموده اليومي بجريدة (الأهرام) قال الشاعر والكاتب الكبير فاروق جويدة: يوم من الأيام كان المصريون يطربون بالغناء الجميل وكان الذوق المصرى هو الأرقى والأرفع.. فى حفل النادى الأهلى غنت أم كلثوم أمام الملك فاروق (حبيبى يسعد أوقاته، والليلة عيد).. وبقيت الأغنية لكل الأعياد وغنى عبد الوهاب رائعته (الفن) فى أكثر من مناسبة حتى غنى (كل ده كان ليه) فى حفل سلاح الفرسان أمام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ثم كانت أغانى (وطنى حبيبي، والله زمان يا سلاحي)، وكانت هذه الأعمال الفنية أحداثا فى الأوساط الفنية لأن الأصوات كانت معجزات والكلمات والألحان تحمل تراثا من الفن الرفيع، ومع تراجع مستوى الأذواق وجدنا نماذج تفتتح المهرجانات تسيء لتاريخ طويل من الفن الجميل والإبداع الراقي.. حيث لا أصوات ولا كلمات ولا ألحان، وهى أعمال تسيء لتاريخ طويل من الغناء أثرى الوجدان العربي.
كان الشاعر الكبير قبل شهر تقريبا أكد على أن أن المطلوب أن تكون هناك جهة مسئولة تراجع مستوى ما يقدم فى مثل هذه المناسبات حتى لو كانت من القطاع الخاص لأن مستوى الفن المصرى قضية على درجة من الأهمية، ولأن ما يقدم فى أحيان كثيرة يسيء لكل شيء، فنا وإبداعا وأذواق، خاصة إن هناك اهتماما إعلاميا كبيرا ينشر أنواعا من الفن تسيء للثقافة المصرية كلها وعلى القطاع الخاص أن يكون حريصا على ما يقدم، احتراما لأذواق الناس وقيمة الفن الحقيقي.. ما نراه من الأشباح لا يتناسب أبدا مع تاريخ من الإبداع والغناء الجميل.
وها هى الجهة المسئولة ممثلة في نقابة المهن الموسيقية بقيادة الفنان الكبير (هاني شاكر) قد تحركت أخيرا، وأصدرت قبل أيام قليلة بيانا بوقف مطربي المهرجانات بعد قرار نقابة المهن الموسيقية منع التعامل معهم، كما ألزمت (جميع المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهى الليلية والكافيهات بعدم التعامل مع من يطلق عليهم مطربى المهرجانات، محذرة من يخالف ذلك القرار باتخاذ الإجراءات القانونية ضده وضد المنشأة التى سمحت لهم بالغناء)، بعد أن أصبحت تلك المهرجانات بمثابة أشباح تطاردنا ليس فقط إفسادا للأذواق، ولكنه عدوان على تاريخ شعب ومشاعر أجيال قادمة.
لقد جاء قرار الفنان الكبير هاني شاكر في إطار التصدي لتلك الظواهر السلبية بعدما أصبحت أغانى المهرجانات الشعبية ذوقا جديد ومختلف كثيرا على المجتمع المصرى، وهذا الذوق رفضه الكثيرون فى البداية رفضا شديدا واعتبروه تدنى فى الذوق المصرى، وأن أغانى المهرجانات الشعبية يجب أن تنتهى تماما لأنها تعتبر خطر على ثقافة المصريين إلى أن حدث عكس ذلك على الإطلاق وكأن أغانى المهرجانات الشعبية هى التى انتصرت فى هذه المعركة وظلت منتشرة إلى الآن.
والغريب والمريب في الأمر أن الطبقات التى كانت تهاجم هذه الأغانى هجوما كبيرا أصبحت أغانى المهرجانات تشكل لها سعادة كبيرة عند سماعها، وبالتالى فهذه هى المشكلة التى تؤرق الكثيريين مما يتمتعون بذائقة سليمة، حيث أن أغانى المهرجانات ازداد نطاق انتشارها بين المثقفين والطبقة الوسطى، وهناك العديد من هؤلاء المثقفين الذين أصبحوا يسمعون هذه الأغانى، ولكنهم يظهرون عكس ذلك حفاظا على مكانتهم وكأن هذه الأغانى تشكل تهمه فى سماعها وهى فى نفس الوقت تشكل استمتاعا لهم.
ويبدو لي أن نقيب الموسيقيين قد ضاق ذرعا بغربان المهرجانات خلال السنتين الأخيرتين، كما جاء في تصريحاته عبر بعض الفضائيات بقوله: أن غياب القدوة الفنية والحفلات الغنائية، وإحجام الدولة عن الإنتاج الغنائى، سبب انتشار ما سماه (الهرجلة الفنية) على رأسها أغانى المهرجانات، وشدد (شاكر) على أنه ضد أى إسفاف أو ابتذال فى الغناء، خاصة الموجة الأخيرة من الأغانى التى ظهرت وانتشرت وتم ترويجها بعد يناير 2011، مضيفا: (حتى الآن لا أعترف بما يسمى أغانى المهرجانات وأراها تفسد وتدمر الذوق العام، وأرى أن مطربى المهرجانات لا يمتلكون مؤهلات فنية أو مواهب حقيقية حتى أساندهم، لكنه رغم ذلك اعترف بانتشار هذه المهرجانات وتأثيرها (الكارثى جدا)، مشيرا إلى أنه حاول قدر المستطاع تقنين هذا النوع من الأغانى، وذلك بدراسة تخصيص (شعبة) لها فى نقابة الموسيقيين، وذلك لإلزامهم بانتقاء كلمات الأغانى والتصريح بها قبل أن يغنوها ويقدموها للناس، لكنهم لم يلتزموا.
ولعله محق في تشديده على أنه لا تراجع عن قرار منعهم من الغناء الصادر عن النقابة، مؤكدا على أن (الموسيقيين) لن تعطيهم تصريحات بالغناء مرة أخرى، وعبر عن أسفه لما وصل له الغناء، قائلا: (بكل أسف أنا غير سعيد بالمشهد الغنائى حاليا ولست راضيا عنه، خاصة أن هناك العديد من التيارات الغنائية التى تنتشر كالفيروس وتزيد مع الوقت، وليس لدينا أى حل إلا أن نقاومها بكل الطرق حتى لا تؤثر فى الأجيال الجديدة من أطفال وشباب وتشكل (وعيا غير مسئول)، لذا أضاف (شاكر): (أعتقد أن الطريقة الوحيدة للخلاص من فيروسات الغناء هى الإكثار من المهرجانات الغنائية الحقيقية، التى تقدم المواهب الجادة والمهمة، وتمنح الناس الفرصة للاستمتاع بالفن الأصيل).
نقيب الموسيقيين اختتم تصريحات قائلا: (الفن المصرى الجميل موجود بدليل طريقة استقبال الجمهور له ولجميع المطربين المحترمين على الساحة الفنية)، مرجعا الإنتاج القليل لهؤلاء المطربين مقارنة بالمهرجانات إلى إنتاج أصحاب المهرجانات الأغانى بشكل يومى دون الاهتمام بجودة الكلمات والألحان والمضمون، وكان النقيب أصدر بيانا سابقا في فبراير 2020 جاء فيه: إنه فى إطار الجدل المجتمعى الحاصل على الساحة المصرية ووجود شبه اتفاق بين كل طوائف المجتمع على الحالة السيئة التى باتت تهدد الفن والثقافة العامة بسبب ما يسمى بأغانى المهرجانات، والتى هى نوع من أنواع موسيقى وإيقاعات الزار وكلمات موحية ترسخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية فى كثيرٍ منها، وقد أفرزت هذه المهرجانات ما يسمى بـ (مستمعى الغريزة)، وأصبح مؤدى المهرجان هو الأب الشرعى لهذا الانحدار الفنى والأخلاقى، وقد أغرت حالة التردى هذه بعض نجوم السينما فى المساهمة الفعالة والقوية فى هذا الإسفاف.
لكن تصريحاته النقيب وقتها لم تلقى قبولا من البعض الذين هاجموا قراراته الأخيرة متهمين النقابة بالحد من حرية الإبداع، وأتعجب كثيرا لآراء بعض النقاد وعلى رأسهم ناقد معروف عنه مبدأ (خالف تعرف)، حيث علق بصفاقته المعهودة قائلا: (سيسقط في الأيام القادمة وكالعادة قرار هاني شاكر نقيب الموسيقيين بمنع مطربي المهرجانات من الغناء، ليس مهما أسمائهم التي أصبحت تريند في السخرية منهم)، وأضاف: (الأمور لا تتم معالجتها على هذا النحو ولكن بخلق مناخ صحي لكي نقدم فنا موازيا قادر على عودة المؤشر إلى الغناء الرصين، طوال التاريخ وهذا النوع متواجد في الشارع، عدوية يغني السح الدح أمبوه وأم كلثوم تغني الأطلال).
وأشعر بالغيثان بشده جراء هذا العبث والجهل الذي يعيش فيه (ناقد خالف تعرف)، فلا يصح أبد أن يتطاول بالقول: (لا مصادرة على لون غنائي له مساحة في الشارع لا يمكن لأحد إنكارها، لم تكن المرة الأولى التي يمنعهم هاني من الغناء ثم يتراجع، لقد سبق لهاني شاكر غناء بنت الجيران في لقاء تليفزيوني مع وفاء الكيلاني وهى أكثر مرة حقق كثافة استماع، بينما في السنوات الأخيرة لم يردد له الشارع أغانيه الجديدة، الحل الوحيد لكي يعاود التواصل مع الجمهور أن يغني هاني مهرجانات)، يالا الوقاحة!! .. ما هذا السخف والتردي والتجاوز في حق فنان أمتعنا بروائعه الغنائية التي ماتزال تأسر قلوب محبيه، خاصة في كثيرا من دول المشرق والمغرب العربي التي تعشقه وتبجله أكثر من جمهور المهرجانات التي يروج لها هذا (الخرف) باعتبارها تحتل مساحة من الشارع، ومن ثم يحاول فرضها علينا!.
أما كبيرة الأسافي فهى ما حاوله رجل الأعمال المتغطرس نجيب ساويرس، عندما دس أنفه في هذه القضية الجدلية بعبارة غاية في السخف تحمل في باطنها حقد وغلا لهذا الوطن، وتدعو في الوقت نفسه إلى نشر الفوضى، كما جاء في تغريدته الحمقاء على تويتر قائلا: (ربنا بس اللي يمنع حد من الغناء، بنحب الغناء الشعبي .. قرار معيب)، وأضاف: (أول مرة أشوف نقيب للمغنيين فخور جدا بمنع الغناء، الجمهور اللي يقرر يسمع مين وميسمعش مين.. مش النقيب)، وقد أعجبني رد الفنان الكبير هاني شاكر له ملقنا إياه دراسا قاسيا – وربما يشعر بتأنيب ضميره لو كان عنده ذرة من فهم أو انتماء تجاه بلده في مرحلة البناء الحالي – ففي بيان رسمي قال شاكر:
أولا: اسمها نقابة المهن الموسيقية وليست نقابة المغنيين كما تعلم أو لا تعلم لذا وجب التوضيح.
ثانياً: هؤلاء ليسوا أعضاء بالنقابة ومن يريد أن ينتمي لها يتقدم بأوراقه وفقا للقانون لاجتياز الاختبارات.
ثالثا: نقابة المهن الموسيقية منشأة بقانون 35 لسنة 1978 والعضوية لها شروط وعليها واجبات أخصها الالتزام بالسلوك الذي لا يتنافى مع القيم والأخلاق.
رابعا: دور النقابة تنظيم ما هو حادث على الساحة الغنائية وليس منعه شريطة أن يكون عضوا أو مصرح له والقانون.
خامسا: حضرتك تسمعهم بشكل خاص وهذا حقك لكن لا تفرضه على العامة بغير الإجراءات واللوائح المنظمة لمهنة الغناء..
سادسا: الأخ نجيب أموال النقابة هى أموال عامة وإهدارها إهدار للمال العام.
سابعا: حضرتك تستطيع أن تتبناهم جميعاً ونراهم في مهرجان الجونة القادم.
وأشيد أيضا بجسارته في رده الناري على بذاءات (ساويرس) خلال مداخلة هاتفية على برنامج (الحكاية) الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب قائلا: (نجيب بيقول إنه ما بيسمعش الأغاني اللي أنا بقدمها، وأنا بقوله ما يشرفنيش إنك تسمع الأغاني بتاعتي، اللي يسمع المهرجانات ما يشرفنيش إنهم يسمعوا أغانيّا، وأضاف نقيب الموسيقيين: (نجيب مش فاهم حاجة.. وما دام مش فاهم يبقى يسأل.. وهو بيقول إن مفيش حد بيسمعنى وأنا بقوله كنت تعالى شوف حفلتي في مهرجان الموسيقى العربية وانت تعرف كم ونوعية الجمهور اللي بيسمعني)، وتابع هاني شاكر: (أنا ما علقتش على الفضايح اللي حصلت في مهرجان الجونة، هو ليه بيتكلم في اللي مالوش فيه، زي مانا مش عاجبه هو برضه مش عاجبني).
وهنا أهال النقيب المهذب بأدبه الجم لجهل التراب على غطرسة (ساويرس) الذي أصبح يطل علينا بين الحين والآخر (كعفريت العلبة) ليفتي في أمور لايفهم فيها ولا يعي خطورة ما يقوله تماما كما يفعل نديمه (محمد رمضان) الذي يحبه ويتعاطف معه، هذا الـ (ساويرس) زاد سخفه كثيرا مؤخرا، ولذا أنصحه بالانخراط في تمثيل فيلم أو مسلسل كوميدي يخلص نفسه ويخلصنا من طاقة السخف تلك التي يعتبرها من دربا من دروب الظرف حيث (يطرشها) بسم ثعباني على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقيني الذي لا يقبل الشك أنه سيكون مصيره السقوط الزريع لانتهاجه نوعا من النطاعة الكوميدية.
أما بخصوص اعتراض المدعوين (أيتن عامر، محمود العسيلي، عبير صبري) وغيرهم ممن يتملقون أشباح المهرجانات، فأرى أنهم لا يستحقون الرد، ولكني هنا أتساءل: عن أي حرية يتحدث هؤلاء؟!، عن أي فن يتشدقون بعبارات تعكس جهلهم بأبسط قواعد الفن، فوإذا أردنا أن نعرف المحصلة النهائية لكارثة المهرجانات فسنجد أنها خلقت جيلا نشأ على أغنية (مفيش صاحب بيتصاحب ومفيش راجل بقى راجل)، ونوعية رديئة من كلمات مثل (يا وردة يا فلة أموت وأكسر إزاز المولة.. أموت أنا فى المكن.. يا مزة يا قطة تروحى ويجى بعدك ستة.. أنا الفارس ورامى الجتة.. و مش رايح لأجلك أحل.. عوأ فى مارينا حريم زينة وجم وسطينا رفعنا الونش ولا حلينا ليه أنتو ترموها.. يا وردة يا فلة أموت و أكسر إزاز المولة.. طالب القرب نفسى اتسلى).
لقد أمسينا وأصبحنا على جيل نشأ وقدوته (إبراهيم الأبيض وعبده موته والألماني ورفاعة الدسوقي)، جيل يتفاعل ويرقص ويغني على مهارترات (حمو بيكا ومجدي شطه وحسن شاكوش وعمر كمال)، وللأسف يرون في هؤلاء المثل والقدوة (شافوا الناس دي هى اللي معاها فلوس ودكاتره ممكن يكونوا بيشتغلوا في أوبر عشان يعرفوا يعيشوا!) .. يا ألف خسارة على جيل جيل نمى وعيه على (برامج تستضيف شوية عيال متسولين وسرسجيه عملوا مهرجان شعبى منحط، فى الوقت اللي حملة الماجستير يلهثون لا أحد يسمع لهم)!، جيل لايحمل أي نوع من النخوة فعندما يسمع مهرجان يقال فيه: أمك صاحبتي وأختك بترقص على مطوتي)! لاينتفض ولايبالي بانتهاك شرفه وكرامته.
هل يعقل أن نرى جيلنا الحالي قد نشأ على (دكتوراه فخرية لتافه مثل محمد رمضان)، وماذا ننتظر بعد من جيل بهذا الشكل وتلك البيئة الفاسدة التي ينمو ويترعر في ظلها، هل هذا جيل يستطيع أن يشتغل وينتج ويفيد بلده في أي مجال؟!.. أعتقد أن هذا درب من الخيال الواهي .. نحن في أزمة حقيقية يعيشها وسيعيشها المجتمع خلال السنين القادمة لأن الجيل الحالي بهذا الوضع لايمكن أن يبني وطن ولا يتحمل مسئولية!.
من أجل هذا وذاك أشد على يد نقيب الموسيقيين في جسارته بإصدار قرار يضع خط النهاية لهؤلاء المتسكعين في ساحة الغناء ينعقون كالغربان التائهة في ظلام الجهل والتخلف والتردي بالذوق العام بموسيقى صاخبة في تكرار ممل وكلمات سوقية، فالفن ياسادة يجب أن يرتقى بالذوق العام لا أن ينحدر به، ودور نقابة الموسيقيين انتقاء الموهوبين وإبعاد عديمى الموهبة والنقابة لا تمنع أحدا من الغناء لمجرد أنه يندرج ضمن مطربى المهرجانات، بل تقف بالمرصاد لمحاولات التعدي على فن الغناء الذي أثري حياة المصريين وبث فيهم الروح الوطنية في وقت الحروب والأزمات، وهو ما تتطلبه مرحلة البناء الحالية البتي تتطلب الرقي بالفن ونحن ندشن عصرا الفتوة في ظل (الجمهورية الجديدة).
رد على الفنان العظيم هانى شاكر ..الله ينور عليك فىه ناس يسعدها هدم الدوله بطرق خبيثه لا فيها مخدرات تدينهم ولا قضوه غير جمع الملايين من غير تعب ، زمان استاذى الفاضل كان فى رحلات المدارس يزورونا المصانع المنتجه لدفع الاطفال للانتاج والعمل فى المستقبل ،تقدر تقول لى احنا بنقدم ايه علشان الاجيال القادمه هل القضوه رجل الاعمال المنتج المكافح والنجاه فى العلم ولا فى افكار اللى بيشجعوا الفساد امثال نجيب سويرس وعمرو اديب …الخ