كتب : محمد حبوشة
يرى البعض أن التيارات السلفية أحدثت في العقيدة الإسلامية، مثلما أحدث الهراطقة والوضاعون.. فإذا كان هؤلاء قد خاضوا في الإسلام تجريحا وذما، فالسلفيين على الجانب الآخر جمدوا الدين، واحتفظوا به في ثلاجات التاريخ لتفسده المواد الحافظة، مع أن الله سبحانه لم يشرع الدين إلا لصلاح المجتمعات.. وصلاح المجتمعات لا توجد أدواته في (ثلاجات) التاريخ!.. السلفيون رجعوا بالإسلام إلى الخلف، وعلبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم على خطى السلف الصالح.. رغم أن السلف الصالح لا أمروا ولا شهدوا والأقرب أنهم لم يكونوا ليرضوا لو عرفوا محاولات تقليد السلف الصالح، ومحاكاة زمانهم رغم تغير الظروف واختلاف البلاد وتلون العباد، كانت فاحشة تاريخية.. ومقتا إجتماعياً وساء سبيلاً.
إن الإسلام ياسادة ليس دينا سلفيا، ولم تنص شريعته على أن (السلف الصالح) رضوان الله عليهم كانوا هم الإسلام، ولا أن أقوالهم وأعمالهم، رضي الله عنهم جميعا كانت عماد الدين، مع ذلك لازال بعض الذين ولدوا بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام على وفاة الصحابة يرون ذلك، (أهل السلف) إذن ليسوا أهل الله وحدهم دون غيرهم، حتى لو قالوا ذلك (فهم مقلدون) تراثيون، بينما الدين تقدمي.. عفا الله عما سلف، أو ما معنى قبل نزول الرسالة وجاءت شريعته واضعة المستقبل أمام أعينها.. للذين يتفكرون.. بينما السلفية لا يفعلون.. كان طريفا إعلان السلفية عزمهم المشاركة السياسية ويتخلون في شئون الفن والثقافة في مناهضة تطور المجتمعات، بل ويعتقدون أيضا أنهم القيمون على الدين والدنيا بتدخلات سافرة أقل ما توصف بأنها عنصرية ومقيتة بفرض الوصاية على الناس كي ينغصون عليهم حياتهم الدنيا.
وآخر تلك التدخلات هو ما أعلنه الدكتور أحمد خليل خيرالله، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور بمجلس النواب، عن تقديم طلب إحاطة لوزيرة الثقافة، بشأن مسرحية بول سارتر – مثار الجدل الحالي – مشيرا إلى أن المسرحية مسماة باسم غير أخلاقي، وأن الهيئة تترفع عن ذكره، في إشارة لمسرحية (المومس الفاضلة)، وتشدقت الهيئة البرلمانية لحزب النور في طلبها: (لم تكن المحافظة على ثوابت المجتمع الدينية والأخلاقية يوما ما نوعا من أنواع الرفاهية أو أن تكون وجهة نظر سياسية أو رؤية جماهيرية، ولكنها تظل أمرا ضروريا وملحا لا يؤجل ولا يفوض، وفي ظل التأكيد على النظام العام في المجتمع واحترام الدستور والقانون بمادته الثانية المسيطرة والمهيمنة، وتماشيا مع ترسيخ القيم التي تتماشى مع طبيعة المجتمع ونحن في بداية بناء جمهورية جديدة نحرص فيها على إبراز النماذج المشرفة والمحترمة وصناعة القدوات في كل المجالات مع حرص الدولة ومؤسساتها على صون النظام العام وتعظيم الشعائر وترسيخ القيم والمبادئ التى تعبر عن الهوية وشعائر الدين قدر المستطاع).
وتابعت الهيئة المذكورة: (انطلاقا من قيام الكتلة البرلمانية لحزب النور لدورها الرقابي – ولست أدري عن أي دور رقابي يتحدثون – نتقدم بطلب إحاطة للسيدة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة عن الاسم المثير للاستفزاز والمخالف لما ذكرنا من مبادئ وأعراف في عنوان هذه المسرحية المزمع تقديمها، ونحن نعلم أنها رواية لجان بول سارتر وهى أحد أهم روايات مقاومة الظلم والمحسوبية، وأنها تحكي عن سيدة هى الشاهد الوحيد على اغتصاب رجل أبيض لسيدة سوداء وهو ابن سياسى كبير ومحاولة إلصاق التهمة ببريء أسود وهي ترفض كل الضغوط لتغيير شهادة الحق وتتعرض للتشوية، ولكن لماذا هذا الاسم ولماذا هذا العنوان المغرض غير الأخلاقي؟).
وأوضحت (برلمانية النور المزعزمة): (عندما نصف من تمارس الرزيلة بالفاضلة، فهذه مصادمة لقيم المجتمع وأخلاقه ودينه، بل هو تشجيع على نشر الرذيلة في المجتمع سواء قصد صناع العمل أم لم يقصدوا ونحن فى دولة ينص دستورها على أن دينها الإسلام)، وأضاف (المنغلقون): (لتتخيل وزيرة الثقافة أن أحد المخرجين أراد إخراج مسرحية بعنوان الإرهابي الفاضل، أو الإرهابي الجميل!، ماذا ستكون ردود الأفعال لديها ولدى المؤسسات الرقابية؟!، بلا شك أن الإنزعاج الشديد مع الرفض البات سيتصدر المشهد، وحينها لن يستطيع أحد أن يقول أن هذا وأد للحريات أو قصف للقلم، لأنه عندما يتعلق الأمر بالنظام العام والآداب القويمة وبث روح القدوة للشباب، وهذه من مفاصل تثبيت المجتمع أمام أي تغيير في مرتكزاته، فحينها سينتصر الدستور على الجميع، وإلا فسيكون ذلك كيلا بمكيالين وسيظل هذا الاسم سبة في جبين كل من وافق عليه أو سكت عنه، وإذا لم يكن التاريخ مخوفا للبعض فإن الحساب الأخري أكثر تخويفاً وأعلى ندامة).
واختتمت الهيئة البرلمانية طلبها: لذا لابد للحكومة من أن يكون لها وقفة جادة وعندها من الأدوات والوسائل لوقف هذا العبث الذى يمارس باسم الفن، حفاظا على شبابنا وبناتنا وحفاظا على مصر ومستقبلها، ليست هذا دعوة للتقييد ولكنها دعوة لرقي الأخلاق والحفاظ على القيم في بداية عصر جديد)، ويذكر أنه فور أن أعلنت الفنانة إلهام شاهين تقديم مسرحية (المومس الفاضلة) للكاتب والفليسوف جان بول سارتر ثارت حالة من الجدل والاعتراض على اسم المسرحية ووصلت إلى البرلمان ووصفها أحد النواب بالعمل الإباحي، وهم في هذا يحاولون الانتقام من جديد من (شاهين) الفنانة الجريئة والجسورة في معاركها معهم في فترة تولي الإخوان سدة الحكم في عام 2013.
نعم إنها المكايدة لإلهام شاهين فور أن بدأت قصة تقديم المسرحية في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي دورة (سميحة أيوب)، وأعلنت فيه إلهام عن استعدادها لتقديم المسرحية إذا أخرجتها الفنانة القديرة سميحة أيوب التي وافقت، علما بأن الفنانة القديرة سميحة أيوب قدمت مسرحية (المومس الفاضلة) في ستينات القرن الماضي ولاقت إعجاب الجمهور، وقالت عنها سميحة أنها كانت نقطة فارقة في حياتها المهنية، ومن ثم قالت الفنانة سميحة أيوب عن أزمة اسم المسرحية: عايزين يرجعونا الكهف تاني، مشيرة إلى أن الإعلان عن إعادة تقديم مسرحية (المومس الفاضلة) للكاتب جان بول سارتر، التي سبق أن قدمتها قبل سنوات طويلة كانت (دردشة ومجرد فكرة تم طرحها والتحمس لها)، خلال لقائها بالفنانة إلهام شاهين التي أعلنت عن بطولتها للمسرحية وتحمست لها خلال لقائهما في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي قبل أيام، ولم نبدأ فيها حتى الآن.
وقالت إلهام شاهين في إطار استهدافها بإثارة الأزمة: (المسرحية ليست شيئًا من اختراعنا، ولكننا نعيد الأعمال الناحجة في الأدب العالمي، وأنا واثقة أن من يعترض لا عمره قرأ لجان بول سارتر ولا يعرف المسرحية بتتكلم عن إيه، ومش عارفة على أي أساس بيحكم عليها)، وذلك فور أن تقدم النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الثقافة، بشأن مسرحية (المومس الفاضلة) أو (الساقطة الفاضلة) التي تعتزم الفنانة إلهام شاهين تقديمها على خشبة المسرح، مؤكدا: (طريقة التناول والمعالجة للمسرحية التي كتبها المفكر الفرنسي جان بول سارتر قبل أكثر من 75 عاما غير مناسبة للمجتمع والمصرى، بل ومن الممكن أن يطلق عليها فن إباحى).
ومن هنا فقد فتح عضو مجلس النواب (أيمن محسب) شهية السلفيين للانتقام من (إلهام شاهين) عندما قالت إلهام شاهين في مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه (الحكاية): اسم المسرحية ليس من اختراعنا، ومن يهاجمون لا يعرفون من هو سارتر أو عما تتحدث المسرحية، الناس لم تعترض على المسرحية حين عرضت من 45 سنة ولا أعرف هل تم تبديل الشعب أم ماذا؟)، وقد أثارت حفيظة المنغلقون فكريا وثقافيا بقولها: (المسرحية محترمة جدا وفيها فكر، وفيه كتب دينية فيها عناوين تقيلة بس مش عاوزة أقول أسامي الكتب)، وقدم عمرو أديب، مقترحا لإلهام بأن تحذف هذه كلمة (المومس) وتكتفي بأن يكون اسم المسرحية (الـ ؟ الفاضلة)، كما حدث مع أفيش المسرحية الفرنسية للرواية نفسها، وهو ما أيّدته الفنانة المصرية الشهيرة، واستجابت له.
واستطردت (إلهام): (أوعدكم أننا هشيل كلمة المومس ونخليها الـ (…..) وفسروا براحتكم بقى، وهى مسرحية محترمة جدًا، ويا رب تعجب الناس، لكن فيه تسرع شديد واللجان شغالة وبتتبلى علينا، اصبروا وشوفوا العمل وبعدين ابقوا احكموا عليه).
ترى هل اقتراح عمرو أديب بتغيير الاسم وموافقة إلهام عليه يمكن أن يوقف الزحف التتاري السلفي خاصة أن أحداث مسرحية (المومس الفاضلة) والتي استوحى كاتبها جون بول سارتر أحداثها من واقعة حقيقة تعرف إعلاميا بـ (فتية سكوتسبورو)، حول فتاة ليل تدعى (ليزي) التي تكون الشاهدة الوحيدة على واقعة تعدى رجل أبيض على فتاة ليل داخل القطار، ولكن توجه الاتهامات إلى راكب أسود البشرة والذي يهرب في محاولة لإثبات برأته، وتتعرض(ليزي) لضغط شديد من قبل والد الرجل الأبيض، الذي يعمل سيناتور في مجلس النواب الأمريكي، في محاولة لجعلها تشهد ضد الرجل الأسود في المحكمة، وأمام رفضها يهددها بالقبض عليها بتهمة ممارسة البغاء.
ظني أنهم لن يتركوا فرصة لاحطت لهم بتصفية ثأرهم القديم الذي شنه الداعية السلفي (عبدالله بدر) على الفنانة، مما أدى إلى انفعال شاهين أكثر من مرة في حينه، وكادت أن تجهش بالبكاء وهى تدافع عن نفسها نتيجة تعرضها للسب والشتيمة من قِبل الداعية الإسلامي، ووصفت شاهين الأمر بالبشع متسائلة (ما هذه الاخلاق التي لا يقبل بها أي دين سواء اسلامي أو مسيحي أو يهودي ولا حتى هندوسي)، مضيفة إنه كان بامكان بدر أن يقول إن (أفلامها سيئة لا تعجبني)، دون اللجوء الى ألفاظ كهذه، (يبدو انه لا يعلم انه يحرمها الدين ويجرمها القانون)، وتوجهت وقتها الى القائمين على جامعة الأزهر: هل هذا الشخص حاصل بالفعل على شهادة دكتوراة من الجامعة؟، وعما اذا كان الأزهر ووزارة الأوقاف يوافقان على ما يقوله عبد الله بدر؟
ويبدو أن السلفييين لم يروق لهم حديث إلهام في تلك الأثناء عن السلطة الجديدة الحاكمة في مصر بالقول: (هؤلاء الذين لم تمضِ 100 يوم بعد على استلامهم الحكم .. هل جاؤوا لمحو تاريخ السينما في مصر الممتد منذ 100 سنة؟، ولفتت إلى دور السينما المصرية وأثرها ليس على الصعيد المحلي فحسب، مشيرة الى الاحترام والتقدير الذي يحظى به الفنان المصري خارج البلاد على المستووين الشعبي والرسمي كذلك، وهو ما يتجلى في كيفية استقبال الفنانين والمبدعدين المصريين خلال زياراتهم لبلدان عربية على أعلى المستويات، ويتم التعامل مع الفنان المصري (كسفير لبلده) لأنه قيمة كبيرة جداً، وهو ما ينبغي له (عبد الله بدر) ولغيره أن يفهمه).
سيظل استهداف السلفيين قائما وسيقفون لإلهام بالمرصاد لأنها ببساطة قالت في أثناء أزمة (عبد الله بدر): هذه الناس تعيش في زمن آخر، وأن كرامة أي إنسان مصري لا تقل أهمية عن كرامة رئيس البلاد، مشيرة إلى أن الرئيس في نهاية الأمر (موظف)، ويجب الأخذ بعين الاعتبار (اننا قدمنا الكثير لمصر)، ثم توجهت للشيخ بدر بسؤال (ماذا قدمت أنت لمصر سوى السب وقذف المحصنات بألفاظ بشعة كهذه).
ورأت إلهام شاهين في معرض دفاعها عن نفسها، أن عبد الله بدر وغيره من سلفي مصر لم يشاهد فيلما واحدا مما قدمته، واعتبرت أنه يتعمد اجتزاء لقطات ومشاهد محددة من سياقها، وأنه لا يصح التعامل مع الأمر على هذا النحو، معتبرة أن ذلك يشبه تلاوة الآية القرآنية (لا تقربوا الصلاة) وتجاهل (وأنتم سكارى)، واعتبرت إلهام شاهين أن هجوم إسلاميين على الفن هو بمثابة (تفكيك للدولة المصرية)، متسائلة وماذا في مصر سوى (الفن والثقافة والسياحة؟) مقارنة مع دول أخرى تتمتع بثروات طبيعية كالنفط وما إلى ذلك، وكأنها تناظرهؤلاء الجهلاء في قولهم (ليست هذه دعوة للتقييد ولكنها دعوة لرقي الأخلاق والحفاظ على القيم في بداية عصر جديد)، ولعل تصديها الحالي بتقديم (المومس الفاضلة) يعيد الأجواء ذاتها بالهجوم على فنانة مصرية تتمتع بالجرأة في تناول موضوعاتها الفنية التي تقض مضجع الإخوان وأقرانهم من السلفيين .. هل وصلت الرسالة؟!.