أيها النواب : لقد سئمنا جهل بعضكم !!!
بقلم : محمد حبوشة
تابعت عن كثب أزمة مسرحية (المومس الفاضلة) المزمع عملها من بطولة النجمة الجريئة والجسورة (إلهام شاهين)، ومن إخراج سيدة المسرح المصري (سميحة أيوب)، وهى قصة مفتعلة أراد أحد نواب البرلمان المصري أن يركب (الترند) من ناحية، ومن ناحية أخرى يغطي على فشله وفشل مجلسه في ملامسة قضايا وهموم الناس في دوائرهم التي يمثلونها بافتعال مشاكل مع الفن وأهله، وهو ما يثبت جهلهم بالثقافة والفنون الذي سئمناه كثيرا، فكيف تسمح لنفسك بأن تهاجم فنا لم تره، بل لم يخرج للنور بعد، أليس هذا يمثل تحديا صارخا لحدود الإبداع حين تتلخص القضية في الاعتراض اسم (المومس الفاضلة)، تلك المسرحية التي أبدعها الفيسلوف الفرنسي الشهير (جون بول ساتر)، وعرضت في سيتنيات القرن الماضي، وكانت واحدة من أسباب شهرة العملاقة الكبيرة (سميحة أيوب).
كان أيمن محسب، عضو مجلس النواب، تقدم بطلب إحاطة للمستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الثقافة، بشأن مسرحية (المومس الفاضلة)، أو (الساقطة الفاضلة) – هكذا سماها محسب على سبيل الإثارة ولفت النظر ليس إلا لركوب الترند – التي تعتزم الفنانة إلهام شاهين تقديمها على خشبة المسرح، مؤكدا: (طريقة التناول والمعالجة للمسرحية التي كتبها المفكر الفرنسي جان بول سارتر قبل أكثر من 75 عاما غير مناسبة للمجتمع والمصرى، بل ومن الممكن أن يطلق عليها فن إباحى)، ولست أدري كيف بنى وجهة نظره على نص مسرحي مكتوب مازال في طور الفكرة والمعالجة للعرض على المسرح؟!، ناسيا تماما أن المعالجة في العرض على المسرح قد تخالف وجهة نظره تلك تماما في حال تمصيرها أو حتى عرضها بمحتواها الأصلي.
والغريب أن (محسب) قال في طلبه: أن (القوى الناعمة لها دور في نشر الوعى وتغيير ثقافة المجتمع، وذلك من خلال إلقاء الضوء على موضوعات هادفة والجميع مع حرية الفن وعدم وضع قيود عليه لعظيم دوره في المجتمع، ولكن في نفس الوقت يجب أن يتم تناول موضوعات هادفة، فعلى سبيل المثال هذه الأعمال ستدخل كل بيت، ويشاهدها أطفال، وهذا الاسم للعمل الفني والمضمون غير مناسب، وهناك العديد من الاختيارات في حال ضرورة تقديم هذا العمل الذي يتحدث عن العنصرية في إشارة دون ذكر هذه المصطلحات صراحة في مجتمعنا الشرقي)، وهنا أتوقف عند قوله (هذه الأعمال ستدخل كل بيت)، فمن قال لك يا سيد محسب أن المسرح يدخل كل بيت، إلا إذا كنت تقصد تصوير المسرحية بعد انتهاء موسم عرضها لتعرض على التليفزيون فيما بعد، وهذا ينم عن قصر نظر واضح.
ظني أن (أيمن محسب) الذي ينتمي لبيت فني، حيث كان والده الكاتب الراحل الكبير (حسن محسب) هو واحد من المعنيين بالإبداع الدرامي والروائي، قد أخطأ الاختيار والتفسير، حين قال: (ليس معنى أن هذه الرواية لكاتب كبير أنها تتناسب مع ثقافة المجتمع المصرى، ففي الوقت الذي تحرص الدولة المصرية على بناء الإنسان المصرى وذلك من خلال الاهتمام بالنشء ومحاربة الأعمال المبتذلة، مثل هذه الأعمال يكون له مردود سلبى على المجتمع، وليس كل الاقتباس من الأدب الغربى يتماشى مع ثقافتنا ويجب إعادة النظر في هذه الأعمال، مع الأخذ بالأسباب ضرورة فتح آفاق جديدة للإبداع وتشجيع الكتاب المصريين لتناول موضوعات هادفة من داخل المجتمع المصرى)، وهنا أهمس في أذنه ألم يسترعي انتباهك ياسيادة النائب المحترم كم الإسفاف والعنف والرعب الذي يتجسد في أعمالنا الدرامية والذي بالتأكيد يؤثر على سلوكيات الشباب، كي يحظى بطلب إحاطتك، ظني أن هذا أوجب في الانتقاد وطلب المناقشة لأن تأثيره أخطر بكثير من مسرحية جمهورها محدود مقارنة بجمهور التليفزيون.
ولقد عجبت بأن عضو بالبرلمان المصري يحظى بكل هذا القدر من التناقض، ففي حين يؤكد (على ضرورة تشديد الرقابة على الأعمال الفنية خلال الفترة المقبلة، بما يضمن تحقيق التوازن بين ما يقدم من جرعة فنية وثقافة المجتمع، يقول: هذا لا يعنى وضع قيود على الفن بقدر ما يعنى نقطة نظام لصالح تنشئة أجيال جديدة لديها وعى وثقافة مع ضرورة إحياء الفن المصري والهوية والثقافة المصرية)، فكيف يمكن إحياء الفن المصري بهذه الظلامية التي يحظى بها نواب الشعب، وكأنهم يحيون أجندة الإخوان من جديد، تلك التي هاجمت الفن والفنانين في فترة حكمهم القبيحة، إنك هنا ياسيادة النائب تحاصر الإبداع مثلما فعل وزير ثقافتهم المأسوف عليه (علاء عبد العزيز)، حيث تمتع بقدر من الانغلاق مثلما تفعل أنت في عصر الحرية المفتوحة على مصراعيها .. رجاء مشاهدة قدر ولو ضئيل من دراما المنصات فقد تفهم إلى أي مدى ارتفع سقف الحرية حتى وصل إلى قمة الوقاحة.
ولقد أعجبني رد الفنانة سميحة أيوب في قولها: (نعيش ردة أخلاقية)، ومن ثم وضعت (النائب محسب) في (خانة اليك) بجملة قصيرة قالت فيها: إن الإعلان عن إعادة تقديم مسرحية (المومس الفاضلة) للكاتب جان بول سارتر، التي سبق أن قدمتها قبل سنوات طويلة كانت (دردشة ومجرد فكرة تم طرحها والتحمس لها)، خلال لقائها بالفنانة إلهام شاهين التي أعلنت عن بطولتها للمسرحية وتحمست لها خلال لقائهما في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي قبل أيام، وتابعت (سميحة): مجرد فكرة ودردشة، ولم نقرأ ورقا ولا بدأنا فيها بعد)، ولكن لفت نظري إعراب سيدة المسرح المصري عن اندهاشها من الجدل الثائر حول اسم مسرحية (المومس الفاضلة) والهجوم عليها دون الاطلاع على محتوها، قائلة: (مندهشة من الهيصة اللي معمولة عشان اسم مسرحية ومتأكدة محدش يعرف محتواها إيه ومحتوى المسرحية نبيل للغاية.
وأوضحت أيوب، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج (حديث القاهرة) على قناة (القاهرة والناس)، أن الذين هاجموا اسم المسرحية طبقوا قاعدة (لا تقربوا الصلاة)، مضيفة: (فيه مسرحيات الاسم عادي والمحتوى حقير ونفسي الهيجان يبقى لشيء نافع للبلد)، واستكملت: (أنا حزينة من اللي حصل على اسم المسرحية، وأنا عملت المسرحية دي في أواخر خمسينات القرن الماضي، واحنا تقهقرنا الآن 500 سنة، ونتراجع بشكل سريع للخلف، مع التطور والثقافة والتحضر الذي يحدث في العالم، (أنا مش عارفة هما عايزين مننا إيه عشان يتكلموا عن المسرحية بالشكل ده قبل ما نعمل أي حاجة، ومعرفش هما بالشكل ده عايزين يرجعونا للوراء ولا إيه؟!).
ولأنها تتمتع بالجرأة والثقة بنفسها فقد تصدت الفنانة إلهام شاهين بشراسة في دفاعها عن قضية مسرحية (المومس الفاضلة)، التي أعلنت عن خوض بطولتها خلال تواجدها بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، ونشرت إلهام، صورة نادرة جمعت سميحة أيوب مع الكاتب (جان بول سارتر)، عبر حسابها على إنستجرام، وعلقت: (سارتر ينحني احتراما للفنانة سميحة أيوب، وبجانبه لطفي الخولي وحسنين هيكل)، كما نشرت صورة أخرى من مجلة قديمة لحوار أجرى مع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب أثناء عرض مسرحية (المومس الفاضلة) في الستينيات، وقالت أيوب فيه: (من الأدوار الخالدة التي لعبتها على المسرح، ولا أظن أن الفنان يتاح له كثيرا أن يقدم مثل هذه الأدوار للجمهور، إنها تجربة جديدة في مسرحنا العربي)، وأضافت أيوب: (كنت خائفة قليلا في الليلة الأولى من الجمهور، خائفة ألا يقبل تحركاتي وألفاظي، ولكن الجمهور أحس بجدية التجربة وتقبلها بتقدير ووعي، جعلني ازداد إيمانا بأن وعينا المسرحي تطور).
وعلقت إلهام شاهين على هذه الصورة الأخيرة كاتبة: (سؤالي هل الشعب المصرى بجمهوره ومثقفيه فى فترة الستينات غير الشعب المصرى الآن؟، هل الآن يحافظوا على التقاليد و الأخلاق .. و فى الستينات ماكانش فيه تقاليد و أخلاق؟، الحقيقه أن فترة الستينات هى العصر الذهبي للفن و الثقافه و الرقى و الشياكه و الجمال.. و كان فعلا زمن الفن الجميل).
وأخيرا أقول للنائب (أيمن محسب) لقد لجأت إلى اجتزاء النص على غرار من يخوضون فى التجديد فى هذا الزمان، حيث يسلكون مسلكا عجيبا يكفى لتشويه الدين ويجعل مهمة تطوير الفكر والثقافة والفنون مهمة صعبة، بل مستحيلة؛ إذ يفتحون أبوابا بغير مفاتيحها ولا يمكن حصر مصاريعها؛ حيث يعمدون إلى بعض النصوص الصحيحة فيقتطعونها من سياقها اللغوى ويفصلونها عن زمن ورودها وأسباب نزولها، ومن المعلوم أن ارتباط النص بسياقه مسألة ضرورية، وعليه فقد وجب الاعتذار – من جانب أحد النواب الذين سئمنا جهلهم – لكل من الفنانة القديرة (سميحة أيوب)، والنجمة الجسورة (إلهام شاهين) .. هذا إذا كان يرغب في فهم أصول الحوار والمناقشة وعدم اجتزاء النص من أصله، وخاصة أن سيدة المسرح أوضحت أن المشروع مازال في طور التكوين ولم ينفذ على الأرض!!!.