رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتي مع الزمان .. دراما مملة بأداء باهت !

كتب : محمد حبوشة

حين يدور الحديث عن المرأة في الثقافة المصرية والعربية بشكل عام يشيع مبدأ (يتمنعن وهن الراغبات)، فيتحول مبدأ القبول إلى لعبة يجب أن يلعبها الذكر، ويفرض رغباته في نهاية الأمر، خاصة إذا كان يتمتع بالفحولة الكافية، هذه النظرة المتجذرة في الثقافة طالت كل ما يخص المرأة حتى لو كان الحديث عن العنف الواقع عليها، والطلاق الذي يعد سيفا مسلطا على رقبتها، وفي الحقيقة أغلب الأعمال الدرامية التي عرضت في السنوات الأخيرة كانت محاولات لتيار مجتمعي مؤمن بالمساواة بين الجنسين أن يتحدى الأفكار المقبولة مجتمعيا، والتي تلخص المرأة ومعاناتها في أنها أداة جنسية لتحقيق أو استقبال رغبات الرجل، أو أنها ملك له بشكل عام ليحدد مصيرها ويتخذ قرارات حياتها بدلا منها.

وقد لفت نظري في صدد الظلم الواقع على المرأة المصرية، إنه قد اعتاد المجلس القومي للمرأة مؤخرا على إصدار تقارير لرصد صورة المرأة في الدراما، مشيدا ببعض الأعمال التي عرضت في الفترة الأخيرة من خلال حكايات (ورا كل باب، إلا أنا، زي القمر) باعتبارها نماذج مثالية لكيفية معالجة قضايا المرأة وخاصة مشكلة (الطلاق) بتبعاته المؤلمة، والحقيقة أنها كلها حكايات نمطية ومكررة وسبق أن تم معالجتها في السينما والدراما التليفزيونية من قبل، وهو ما يعكس عدم وعي القائمين على المجلس القومي للمرأة بواقع الدراما المصرية التي عالجت على مدار تاريخها تلك القضايا وأبرزها فيلم (أريد حلال) الذي حسم القضية وبمقتضاه تم تغيير قانون الأحوال الشخصية فور عرضه مباشرة.

وظني أنه لم تنجح حكايات (ورا كل باب، إلا أنا، زي القمر) النجاح الباهر الذي يمكنه سبر أغوار قضية الطلاق بهذا الشكل الذي تم من خلاله تسليط الضوء على العديد من القضايا التى تخص المرأة بشكل كبير، خاصة أن خمس أو عشر حلقات لايمكن أن تلملم أطراف القضية وتقدم لها الحلول العملية، ومن ثم تصبح وظيفتها مجرد إثارة فارغة وتكرار غير ناضج لمسلسلات عالجت مشكلة الطلاق بشكل أكثر تفصيلا، ومن هنا فرأي الشخصي أن مثل تلك الحكايا تعمل بمبدأ المكايدة، خاصة حين يتشدق بعض صناعها بأنها أفكار مبتكرة وغير مطروقة وتصب في خانة خدمة قضايا المرأة، وكأننا لم نرى حتى في الماضي القريب جدا العديد من المسلسلات الأخرى التي اهتمت بنفس القضايا أبرزها (ضل راجل)، الذى اهتم بقضية العنف ضد المرأة، و(اللى ملوش كبير) ركز على قضية النصب والاحتيال، و(الطاووس) الذى تناول قضايا الاغتصاب، وغيرها من مسلسلات ناقشت قضايا كثيرة مثل تأخر الزواج، ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة، وتدخل العائلات فى الحياة الزوجية، والمعاناة التى تتعرض لها الزوجة فى تربية أولادها بعد وفاة زوجها، حتى يطلق صناع الحكايا المكررة شعار يقول: إن عام 2021 عام دراما المرأة بلا منازع.

حاول أحمد خليل أن يصبغ أداء بحس كوميدي لكن القصة المهلهلة لم تساعده

والكلام هنا في مناسبة مسلسل (إلا أنا – حكايتي مع الزمان) الذي جاء بفكرة مكررة وأداء باهت من جانب فريق العمل وعلى رأسهم الراحل الكبير (أحمد خليل) الذي جاء نمطيا لا يحمل وهج أدواره السابقة حتى أنه لم يحصل أداءه في حكاية (كدبة كبيرة) التي جاءت ضمن سلسلة (ورا كل باب)، وظني أنه كان يجب الاكتفاء بعمل واحد يتحدث عن قضايا الطلاق في مثلث الحكايات التي تنتجها (المتحدة للخدمات الإعلامية) مشاركة مع بعض الشركات الأخرى، كما أنه انتشرت فى الفترة الحالية مسلسلات كثيرة تهتم بقضايا المرأة ومشاكلها، وكان من الأفضل أن تكون هناك مسلسلات أخرى تتناول قضايا الرجل وقضايا فساد المجتمع، وغيرهما؛ لأنه عند زيادة الموضوع عن الحد المعقول يمكن أن ينقلب إلى الضد ويأتى بنتائج عكسية عند الجمهور.

للأسف لم يعتمد المؤلف أو صاحب الفكرة وكاتب السيناريو لمسلسل (حكايتي مع الزمان) في طرح القضايا على عدد من المكونات كالواقع وتجارب سابقة وخياله وثقافته، لذا جاءت معالجتهما لظاهرة الطلاق ليست متعمقة، فهما قد اعتمدا على إبراز الجانب الاجتماعي في العمل، وربما لاتكون مهمة الكاتب أو تحتم عليه دراسة الظاهرة دراسة علمية، فهو غير متخصص ليقدم حلولا، هو يقدم عملا فنيا له أركان، وعلى المشاهد أن يدرك ويعي ذلك، حتى لا ينظر للواقع من بوابة الدراما أو عبر الشاشة فقط، لكنه كان ينبغي الوضع في الاعتبار أن الزوجين ليس شخصا واحدا لأن هذا مفهوم خطير ومخرب، ولذلك فإن على الدراما أن تطرح أهمية قبول الآخر واستقلال الزوجين أحيانا واندماجهما أحيانا أخرى، لأن الزواج شركة أبرز مقوماتها حقوق الطرفين، لا طرف على حساب آخر، و(خصوصا الرجال في مجتمعاتنا الذين يتخلون عن مسؤوليتهم في ضمان استمرار هذه الشراكة)، مع أن الزواج مسؤولية مشتركة بنسبة (1 إلى 1)، بدون غلبة أو سيطرة لطرف على آخر.

أداء مفتعل عبر حوار ضعيف بين أحمد خليل ومرفت أمين

أعتقد أن قضايا المرأة كثيرة ويمكن أن تناقش من أكثر من زاوية غير الطلاق الذي تم معالجته في (حكايتي مع الزمان)، ومن قبلها حكاية (على الهامش) وحكاية (ربع قيراط)، في مسافة زمنية قصيرة للغاية وان اختلفت تفاصيل القصص في شكلها الخارجي لكن يظل الجوهر واحدا فيهم جميعا، وذلك باختلاف وجهة نظر الكاتب عن الكاتبة عند تناول قضايا المرأة؛ لأنه إذا لم يتخل الكاتب عن نظرته الذكورية فى الكتابة؛ فهذا العمل لن ينجح ولن يظهر السيناريو بشكل واقعى وحقيقى، إن مناقشة الدراما لقضايا المرأة يساعد على تغيير أوضاع كثيرة تخصها فى المجتمع؛ لأن أغلب الأعمال تساعد المرأة على تحقيق كيان خاص لها فى المجتمع، وتحصل حقوقها بشكل احترافى.

ولعل فيلم (أريد حلا) لفاتن حمامة ساهم فى تغيير قانون الأحوال الشخصية، ما ساعد المرأة على أخذ حقوقها سواء النفقة أو الخُلع.. إلخ، وبالتالي حينما تتطرق الكاتبة أو الكاتب إلى موضوع أو قضية تخص المرأة فلابد أن تحمل قصته جديدا مبتكرا يؤكد أنهما أول من يشعر بهذه القضية، وربما عاشاها فى يوم من الأيام فتخرج الفكرة إلى النور بمصداقية وواقعية متناهية، وهو مالم ألاحظه في (حكايتي مع الزمان) التي افتقدت إلى الواقعية في الطرح، وهو ما جعلها خاوية من عناصر التشويق اللازمة، ما انعكس بالضرورة على أداء جاء باهتا للغاية من جانب الراحل قبل عرض الحلقة الأخيرة العظيم (أحمد خليل) و(مرفت أمين) التي تملك خبرة كبيرة لم تظهرها في الأداء ما يؤكد عدم قناعتها بالقصة، رغم أنها أشادت بالمخرج.

حوار انفعالي وغير منطقي حول قائمة الزواج من جانب أب متعنت
ميرفت أمين افتقدت لذلك البريق الآخاذ في أدائها

وفي صدد وظيفة الدراما في معالجة قضايا اجتماعية منها المرأة، فقد أعجبني رأي أستاذة علم النفس الدكتورة دعاء حجاب، والذي يقول: إن الدراما التليفزيونية تلعب دورا كبيرا فى إلقاء الضوء على قضايا المجتمع، من خلال تقديم أعمال تضع يدها على قضايا حساسة ومهمة تمس كل شرائح المجتمع؛ حيث استطاعت أن تنقل للمشاهد صوتا وصورة لواقعه ومشكلاته التى يعانيها، وهو ما حدث أخيرا من خلال تقديم عدد كبير من الأعمال الواقعية؛ ليشعر المشاهد بأنه جزء أصيل من الحكاية التى يشاهدها، وهو أقرب للصورة من أى وقت مضى، ما انعكس بشكل كبير من خلال ردود الفعل على الأعمال الدرامية التى تقدم على الساحة، وهناك شريحة كبيرة من الفتيات تعرضن لمشاكل فى المجتمع بسبب تأخر سن زواجهن أو لمشاكل ما بعد الزواج، فكل هذه القضايا استطاعت الدراما أن تلقى الضوء عليها، كما قدمت قضايا قد تكون غائبة عن المُشاهد مثل التركيز على بعض الأمراض غير المعروفة فى المجتمع، لتلقى الدراما الضوء عليها.

لكن يبقى  الأهم هنا ليس فى طرح القضية، وواقعيتها؛ ولكن فى المحاولة الجادة والواضحة من صناع الدراما لإيجاد حل لهذه المشكلات إما بعرض كيفية وطريقة التعامل معها أو إعطاء نصائح غير مباشرة للمشاهد حتى لا يقع فى مثل هذه المسائل التى أصبحت تمس المجتمع بشكل كبير، وذلك بدلا من تكرار القضايا بشكل يبعث على الممل، كما حدث في (حكايتي مع الزمان)، خاصة أن هناك علاقة تبادلية بين المجتمع والدراما، وهو ما يعكس تعاطى الفن مع الحياة؛ لنعيش خلال هذه الفترة مرحلة مهمة؛ حيث إن الفن لا يسبح فى عوالم وهمية بعيدا عما يعانيه المجتمع وما يمر به؛ خصوصا أن القضايا التى يقدمها ليست قضايا خاصة؛ وإنما تهم كل بيت مصرى.

جدل عقيم بين الأب وأحد أزواج بناته

أيها السادة المعنيين بصناعة الدراما المصرية في الوقت الحاضر: إن أعظم ما تقوم به الدراما أن تكون لماحة ترصد قضايا المجتمع وتحاول البحث عن حلول لها، ونلاحظ أن فيها نفاذ بصيرة واجتهادا شديدا لكتاب ومخرجين وصناع الدراما وأمامهم الطريق ممهدا لتقديم مزيد من القضايا التى تهم الأسرة والمجتمع، ونلاحظ أن القضايا الاجتماعية المثارة فى المجتمع وتركيز الضوء عليها بشكل قربها من المشاهد، فالدراما سلاح قوى جدا لمحاولة إيجاد حلول لمشكلاتنا وقضايانا المختلفة، لكن ذلك مرهون بالأفكار المبتكرة لا المكررة أو التي تستنسخ من أعمال سابقة كما حدث في مسلسل (حكايتي مع الزمان).

ولعلي هنا أنوه إلى أهمية أن يكون هناك تعاون بين القائمين على مثل هذه الأعمال الدرامية مع جمعيات تعنى بمجال قضايا المرأة وذلك حرصا على تقديم العمل ضمن قالب واقعي وخدمة القضية بدلا من الوقوع في فخ الإساءة للنساء وأدوارهن في المجتمع أو ترسيخ لبعض الأفكار الذكورية والعادات الرجعية، إذ لابد أن تكون لدينا فرصة إعطاء مقاربة حقوقية متساوية في الدراما لقضايا النساء، فالدراما يمكن أن تكون نظرة نقدية للمجتمع من خلال إظهار المشاكل والقضايا التي يعاني منها المجتمع وليس مجرد نقلها فحسب، خصوصا أن هذه المشاكل معروفة ولسنا بحاجة إلى مشاهدتها على التلفزيون دون مناقشتها ومعالجتها وإعطائها مقاربة جديدة لتوعية المجتمع ككل.

وأخيرا وليس آخر: لقد أثبتت دراسات عالمية أن للفن أثرا كبيرا على بلورة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع من خلال تراكم الصورة الذهنية لدى الفرد نتيجة المعلومات التي يستقيها من التلفزيون والمشاهد التمثيلية، وطبقا لما عرضته الدراسات فإن الدراما رسمت نمطين من العلاقة بين المرأة والرجل، أحدهما الرجل سيئ الطباع، والمرأة المتمردة الناقمة على أوضاعها أو أخرى نفعية شريرة تسعى للحصول على رجل ثري، أما النمط الثاني بالدراما، التي تعتمد على فكرة الصراع كأحد مقومات النجاح، فيظهر الزوج مثاليا عاطفيا، وهو ما يدفع لاشعوريا المرأة العادية لعقد مقارنة بين ما تراه من رومانسية في الدراما التلفزيونية وبين الواقع، مما يخلق لديها إحساسا بالنقص والظلم الاجتماعي، ما يدفعها لإنهاء العلاقة بالطلاق، وربما شيئا من هذا القبيل لمسناه بطريقة غير مباشرة في (حكايتي مع الزمان) وغيرها من مسلسلات تدور في فلك المقارنة بين الرجل والمرأة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.