(خدعة جريمة الإسماعيلية)
بقلم : محمد شمروخ
كان لابد أن مجتمعا برقة وملائكية المجتمع المصري أن يصدم لوقوع حادث الإسماعيلية، فلم يحدث أن وقع مثيل لها في الشارع المصري الخالى من كل أنواع وأشكال البلطجة والذي لا أثر فيه لما يسمى بالجرائم الجنائية والأخلاقية والسلوكية والمرورية.
وكأنى طوال حياتى الصحفية سواء مع عملى السابق في قسم الحوادث والقضايا في جريدة الأهرام منذ ثلاث حلقات من الزمن وما قبلها، لم أسمع أو أشاهد أو أقرأ عن جريمة قتل في الشارع العام سواء فيها قطع رأس القتيل أو مجرد (غزه) بواسطة أدوات غريبة تشبه أدوات المائدة.
لا يا شيخ؟!
آه طبعا.. أمال إيه؟
لقد كنت ألف وأدور على مقار أقسام ومراكز الشرطة فلا أجد غير طلبات تصريح بإقامة الأفراح في الشوارع واستخدام مكبرات صوت يلتزم فيها الناس بالآداب العامة، فلا مخدرات ولا خمور ولا استعراض بالسنج يقوم به راقصون عراة ولا ضرب نار ولا مشاجرات، ولا قطع طريق ووقف حركة الشارع كله للتخميس والتغريز بواسطة السيارات والموتوسيكلات، ولا ناس بتموت بعضها علشان الركنة أو لأنه كسر على وخبط المراية، ولا أى مظهر من مظاهر الإزعاج.
فالشارع المصري طول عمره هادئ ومثالي.. لا فيه ناس لاسعة ولا منفسنة ولا عايزين ياكلوا بعض بدون أي داع ولا أي حد ماشي بيقول يا شر اشتر، فأنت تسير وسط الحدائق الغناء التى تحفها الزهور والرياحين، ولا تسمع أي ألفاظ خادشة للحياء ولا حركات بذيئة، ولا ترى أي أثر لأى مخلفات أو زبالة لكائنات حية أو ميتة.
ولذلك كان لابد أن تحدث هذه الحادثة صدمة كبيرة، فالناس لم يعتادوا القسوة والغلظة فضلا عن القتل وقطع الرقاب!
كما لا بد أن نعترف بأننا ظلمنا الناس لاتهامهم بالسلبية حيال الحادث، فربما ظنوا أن ما حدث مشهد من مشاهد فيلم يتم تصويره أو فقرة في برنامج الكاميرا الخفية أو فكرة مطرقعة لصديقين يصوران معا مقطع فيديو لبثه على موقع (تيك توك).
فالكائن الإنسانى كائن مسالم لا يتحمل أن يرى الدم مسفوكا على الأرض منذ أن سمع عن جريمة قتل حدثت في سالف العصر والأوان قتل فيها المدعو قابيل ابن آدم، شقيقه المدعو هابيل.
فقد استوعب الناس الدرس وعاشوا بعدها في سلام وأمان.
لكن يأتى فجأة كائن أرضى ينتمى لفصيلة تشبه الإنسان يظهر على حين غرة في شوارع مدينة الإسماعيلية ثم يقوم برفع آلة حادة تنتمى إلى العصر الحديدى البائد تسمى بالسنجة، ليطعن بها كائنا آخر شبيها له، ثم يقطع رقبته ويسير بها في الشارع أمام الناس.
مش ممكن.. مش ممكن!
فلم يحدث (مثلاً .. مثلاً) أن كتبت في إبان عهدي مع شغل الحوادث والقضايا، أية قضايا عن قتل وقع جهارا نهارا في الشارع ولا كان في حسبانى أن أكتب مثلا عن جريمة وقعت علنا في رائعة النهار في أحد الأحياء القاهرية في مقتبل عملى، عندما اتخذ؛ فيما أذكر؛ اثنان أو ثلاثة جزارين، قرارا بقتل جار لهما لسبب لا أذكره الآن، وذلك تأديبا له على فعل لا أذكره أيضا.
ولكن عموما لم يكن السبب في ذلك التأديب الانتقامي أيا كان، لم يرق لدرجة أن يتم ذبحه علنا على عتبة محل الجزارة ثم سلخ جلده وبعدها اتخاذ قرار تم تنفيذه فورا بتعليق جثته في الخطاف المخصص لتعليق الذبائح .. هل تصدق هذا؟!.
عموما أنصحك بألا تصدقنى لأن هذه الجريمة قد حدثت في عام 1992 في تلك الفترة كان الناس ملائكة يمشون على الأرض يخلفون، لذلك لابد أن تكون هذه الواقعة من نسج خيال شارع بحاله وسرعان ما تشكلت الشياطين في هيئات آدمية لتحقق هذه الأخيلة المرعبة لأهل الشارع ولتوقع في روع الملائكة الآدميين أن هؤلاء من أبناء جنسهم!
لكن لم يكن أيامها لا توجد موبايلات تم تجهيزها بكاميرات فيديو، بل لم يكن هناك ما يسمى بالموبايلات أساسا، كما أن موقع فيسبوك لم يكن تشكل بعد في آفاق الزمان لأن (زوكربيرج) كان طفلا في الثامنة لايزال يرتدى مريلة كاكي متسخة، وهو يلعب في فناء مدرسة (وايت بلينس) الابتدائية المشتركة التابعة لإدارة شمال نيويورك التعليمية!
هذه الجريمة التى كان فيها الذبح والسلخ والتعليق، وردت عرضا على ذهنى عقب سماع ما حدث في الإسماعيلية ومثلها كثير، فكم من حوادث ذبح نهارية تمت على قوارع الطرق في أماكن كثيرة في عرض وطول البلاد وكانت العلانية ركنها الأساسي والسلبية تجاها هى الركن المكمل.
أليست تلك مثل هذه، بل قد تزيد لأن حادث الإسماعيلية ارتكبه شخص مدمن مخدر (الشادو) وقد يكون مختلا نفسيا، ولكن كثيرا من الحوادث التى سبقته كان الجانى فيها واعيا وأحيانا مجموعة من الجناة يعضدون بعضهم بعضا وكل غرض الذبح هو استعراض القوة وإنذار للآخرين بملاقاة المصير نفسه لأية أسباب!.
هل أذكر لك واقعة أكثر بشاعة من القتل كنت قد تابعت تحقيقاتها في إحدى نيابات الأقسام التابعة لمحافظة الجيزة، حيث أراد أربعة بلطجية تأديب خصم لهم فهجموا على بيته جهارا نهار وقاموا باغتصاب زوجته أمام عينيه وخرجوا عراة في شرفة بيته شاهرين أسلحتهم البيضاء، وهم يعلنون ما حدث متحدين أهل المنطقة أن يتصدى لهم رجل واحد تباهت أمه بأنها أنجبت ذكرا!
حدث هذا في منطقة كانت نائية قبل إنشاء الطريق الدائري وقد انطمست ملامحها الآن تماما، فلم تعد قرية ولا حتى شبيهة بقرية، فقد قامت فيها العمارات والأبراج السكنية العشوائية وكنت أحيانا أتذكر هذه الواقعة كلما مررت بتلك المنطقة عند سيرى على الطريق الدائرى، فلابد أيضا أن ذاكرة المكان قد طمست، كما طمس الإحساس والضمير والحياء والرجولة حيال تلك الواقعة في ذلك الزمن الملائكى النزعة!
اختم معك بواقعة من عمق الصعيد عندما تكونت إمبراطورية مصغرة لتجارة المخدرات في إحدى قرى أسيوط ولما قررت الدولة تصفيتها ذهبت إلى هناك لتغطية الحدث، فكان الناس يتناقلون قصص البلطجة التي تحكى عن كبير الإمبراطورية الذي قتل قبل أن يرث عرشها أخوه كآخر أباطرتها السفلة، فقد تم عقاب خصم لهم باغتصاب عروسه في صباحية ليلة دخلته عليها، وحدث الاغتصاب علنا مع تعمد ترك باب المنزل مفتوحا ليرى الناس بأعينهم كيف ينتقم هؤلاء.
وحياتك ما صدقت حتى سمعت الواقعة بتفاصيلها من معاون المباحث في المركز، والذي أكدها لى حينذاك لأنه حقق فيها لكن لم يتم شيء لأن العريس لم يجرؤ على اتهام المجرمين!
(الحكومة بتيجى وتروح.. لكن دول قاعدين على طول!).
بس كده كفاية فقد تتهمنى بنشر ثقافة العنف أو تبريره أو حتى الدفاع عنه وبالمرة اتوصى وزود على الميزان تهمة تشويه سمعة مصر عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية التي اهتمت بالحادث البشع.
لا ياشيخ.. بل هى سمعة كوكب الأرض منذ هبوط الإنسان عليها ليفسد فيها ويسفك الدم ثم يذرف الدموع فوق الدم لكن تراب الأرض اعتاد على أن يشرب الدموع بينما حرم عليه أن يشرب الدم!.