كتب : محمد حبوشة
لست مع النظرية القائلة: (لا تقتصر البراعة في الكتابة الدرامية على تقديم أفكار جديدة، ولكن فى القدرة على إعادة إنتاج أفكار ولكن بشكل ومعالجة مختلفين)، فمثل هذا الكلام يؤكد على حقيقة فلس المؤلفين، بل إنه يفتح الباب على مصراعيه لسرقة الأفكار من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن إعادة تقديم عمل حقق نجاحا سابقا هو بمثابة تحد كبير لصناعه على مستوى تحقيق الجودة في الدراما والسينما المصرية التي تعتمد بشكل كبير على الأفكار المكررة والمقتبسة من خلال طرحها مرة أخرى فى شكل جذاب، خاصة مع قلة القيمة الدرامية، ولكن يظل الرهان على مدى نجاح العمل الأصلى أو الفكرة المأخوذ عنها العمل: (تعد صفحات الحوادث فى الصحافة هى المصدر الرئيسى لصناع الدراما فى الفترة الأخيرة، ليس هناك جاذبية فى الأعمال المقدمة خاصة فى الأعمال المطروحة في الفترة الأخيرة).
ومع الاتجاه القوي غير المخطط من جانب شركات الإنتاج، وخاصة (المتحدة للخدمات الإعلامية) لغزارة الإنتاج بتقليل عدد حلقات المسلسل سادت فوضى سرقات علنية أو تكرار ممل لأفكار سبق أن تم تقديمها ربما في إطار درامي يفوق كل تلك المحاولات الساذجة التي يتم إعادة تدويرها من جديد، والعجيب في الأمر أنني لاحظت مؤخرا أن صناع (الخمس والعشر حلقات) في حكايات (ورا كل باب، إلا أنا، زي القمر) فور بدء الحلقات يهللون على صفحات التواصل الاجتماعي بالترويج المستفز لإعادة ما تم انتاجه من قبل عبر ولادة طبيعية وليست قيصرية كما يحدث الآن، فقد صور لهم خيالهم المريض بأننا نعيش في غيبوبة فراحو يشيدون بروعة الأفكار الجديدة (المسروقة أو المكررة بالحرف) دون أدني حياء، ويدعون أنها لأول مرة تمس صميم الدراما الاجتماعية.. يالا الوقاحة وانعدام الخجل!!.
وهنالك مثال صارخ في ذلك من خلال (حكاية بالورقة والقلم) التي تتبع سلسلة (إلا أنا) والتي أخذت عن فكرة رائعة قدمها من قبل في المسلسل الرمضاني الجميل (هذا المساء 2017)، أي قبل 4 سنوات، والذي عالج قضية اختراق أجهزة الموبايل بحرفية عالية، وأظهر الجوانب السلبية للتكنولوجيا الجديدة، من خلال قصة (تقى/ أسماء أبو اليزيد)، التي لا يذكر (هذا المساء) أى مصادفة سيئة الحظ ألقت بها تحت أقدام (فياض/ محمد جمعة)، مريض اختراق الخصوصية والابتزاز، فإما أنها بطريق الخطأ قد فتحت رابطا موبوءا به Bug أو سيرفر لابس)، أو أن أحدهم قد قام بتثبيت تطبيق اختراق على هاتفها، أصبح بموجبه قادرا على الاندساس بين محتويات هاتفها، والاطلاع على الصور والفيديوهات، والاستماع لقائمة المكالمات المسجلة، وتصوير مُحادثاتها المكتوبة.
وقد أوضح (هذا المساء) كيف يقوم أحد التطبيقات التي يزرعها المتجسس بإتاحة ما يحفظ الهاتف من مادة عبر المتصفح المكتبى، ويمكن كذلك التحكم فى الهاتف والقيام ببعض المهام كإرسال الرسائل النصية من المتصفح دون الحاجة لالتقاط الهاتف، وتطرق إلى كيف يضيف التطبيق خاصية أخرى مغرية، تتلخص فى إمكانية حذف أو مسح محتوى الهاتف وبياناتك الشخصية عليه حال تعرضه للسرقة، وكذلك استخدام الكاميرا لمعرفة هوية من يحاول فتح هاتفك، ورغم تخصص التطبيق للأغراض الشخصية وليس الاختراق، سخره (فياض) فى الدراما التليفزيونية لاختراق خصوصية زبائنه والبحث عن ثغرة اجتماعية تسمح له بابتزاز هؤلاء بطريقة أو بأخرى.
وهو نفس النهج الذي سارت عليه حكاية (بالورقة والقلم) الذي ركز أيضا على ضعف الخلفية المعرفية بالعالم الرقمى وتفاصيل البرمجيات، حيث يعجز بعض غير المحترفين بمجال بيع وصيانة الهواتف المحمولة عن حل بعض مشكلات صيانة وتشغيل الهواتف البسيطة، ويبقى التعامل مع المعلومات السرية – بحسب رأي أحد خبراء التكنولوجيا -، ما قد يحمل خطر تقليل هامش الخصوصية، وفى أفق شبكة المعلومات المفتوح، يمكن استغلال إتاحة المعلومات بشكل مبالغ فيه فى استغلالها بشكل منظم، فى شركات عالمية ممكن تستخدم البيانات المتاحة فى أغراض بحثية ونفسية وتجارية وترويجية بسبب ضعف الخصوصية، لذا ينصح ما كان ينبغي أن ينصح به المسلسل بمحاولة الأفراد تثقيف أنفسهم فيما يتعلق بالأمان الرقمى ولو بجهد دورى بسيط متمثل فى البحث عبر محرك البحث جوجل والتعرف على أنماط تأمين كلمات السر وكيفية ضبط إعدادات الهاتف والتطبيقات الإلكترونية، وبالتالى رفع حوائط الأمان (Firewalls) فى مواجهة كافة الأخطار وفيما بينها ظاهرة التنمر أو الابتزاز الإلكترونى، كما عرض سلبيا في (بالورقة القلم).
كان ينبغي على صناع حكاية (بالورقة والقلم) أن يختلفوا عن (هذا المساء) في إضافة أبعاد درامية أخرى في توضيح طرق المعالجة من خلال الاستعانة بخبراء في هذا المجال في أثناء الكتابة ومعالجة كيفية الوصول إلى طريق الأمن الرقمى في ظل ظاهرة اختراق الهواتف فى الدراما التليفزيونية، ومن ثم يصبح هذا أمرا إيجابيا ويمثل لونا من الحراك المعرفى والتوعوى فى المجتمع، خاصة بعد أن أصبحت شبكة الإنترنت جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد، خاصة أن الأغلبية العظمى من مستخدمى شبكة الإنترنت والمفردات الرقمية الحديثة يجهلون أخطارها المتوقعة وبالتالى يتجاهلون اتخاذ احتياطات الأمان المبدئية ظنا منهم بعدم أهميتها: (التكنولوجيا تبدو بسيطة للمستخدم البسيط، والأغلبية مش بتخاف منها).
لم يظهر المسلسل في سياقه الدرامي المهلهل، جانبا من أنه وفقا لأحكام المادة رقم (57) من الدستور المصرى فى باب الحقوق والحريات والواجبات العامة: (للحياة الخاصة حرمة، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائى مسبب)، لكن يفقد العديد من المواطنين ذاك الحق الأساسى، فى بعض الأوقات دون علمهم، ومن هنا فإن مهمة الدراما هى تثقيف الضحية ودعمها إلكترونيا يقوى من موقفها أمام الجانى المبتز، والذى يتعامل باحترافية، ويستطيع أن يستخدم بياناتها بوضعها فى قالب من شأنه أن يساعده على تعنيفها وحملها على تنفيذ أوامره، وشيئا من هذا القبيل تعرضت له حكاية (بالورقة والقلم) لماما، وكان ينبغي عليها تقديم الدروس المستفادة لا الاكتفاء بالانتقام بنفس طريقة الجاني.
كان لابد أن تشير الحكاية في سياق درامي إلى بعض النصائح ومنها على سبيل المثال: لا تتركوا جهازكم من دون مراقبة في الأماكن العامة، ففي ظل وجود العديد من التهديدات عبر الإنترنت، لا يزال عليكم أن تكونوا على دراية بالتهديدات الواقعية مثل أن يمسك شخص غريب بجهازكم، وإذا كان خيار (رؤية الهاتف) مفتوحا لديكم، أوقفوا تشغيله، فهو يتيح للأجهزة القريبة رؤية هاتفكم وتبادل البيانات معه، تذكروا أيضا عدم حفظ كلمة المرور أو معلومات تسجيل الدخول للتطبيقات المصرفية والحسابات الحساسة الأخرى، فقد يتمكن أحد المتطفلين من تسجيل الدخول تلقائيا عند الوصول إلى جهازكم، لا تلقون بالا لرسالة نصية أو إشعارا عبر البريد الإلكتروني من مشغل شبكة الجوال بشأن تغيير في الحساب لم تقوموا به.
كذلك كان ينبغي أن تشير الحكاية إلى أن خدمة (واي فاي) المجانية غير المحمية في المقهى مريحة للغاية، لكنها تسهل تجسس شخص ما على كل ما نشاطاتكم هناك، وإذا كنتم تريدون استخدام (واي فاي) غير آمن فمن الأفضل استخدام خدمة VPN للحفاظ على اتصالكم آمنا، وإذا لم تفعلوا ذلك فتأكدوا من عدم تسجيل الدخول مطلقا إلى موقع أحد البنوك، مع محاولة الابتعاد عن استخدام بريدكم الإلكتروني أيضا، وإذا كنتم تريدون التحقق من بريدكم، فابحثوا دائماً عن شريط العناوين، وفي حالة تصفح مواقع الويب، تأكدوا إن كان الموقع صحيحا، إذ تشير تلك الإضافات إلى اتصال آمن، ويجب أن يكون هناك أيضا رمز قفل أخضر بجوار الرابط الإلكتروني URL إذا لم يكن لديكم مؤشرات اتصال آمن، فلا تسجلوا أيا من معلومات الدخول الخاصة بكم.
هذه بعض التعليمات والنصائح التي كان ينبغي أن تتضمها الدراما في حكاية (بالورقة والقلم)، لا أن تكتفي بمطاردات ساذجة تخاطب جمهور من الشباب على علم كامل ودراية بأدق تفاصيل القضية موضوع الحلقات، ومن ثم فمن حلقة أخرى كان يخرج لسانه لصناع يعيشون هم في الغيبوبة في عصر تخصص التخصص، وقد يأتي أحد قائلا أن هذه أمور فنية معقدة لا يمكن تصويرها درامي، فأقول له : بعد أن أصبحت الهواتف الذكية جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ نستخدمها فى التسوق، وطلب الطعام، وحجز سيارات الأجرة وتذاكر السينما، وإتمام المدفوعات، ونخزن الكثير من المعلومات السرية عليها، مثل كلمات السر وتفاصيل بطاقة الائتمان، مما يجعلها هدفا للاختراق والتجسس، علينا أن نبحث عن أساليب درامية من خلال التعاون مع خبراء التكنولوجية لتبسيط وشرح وسائل الآمان والحماية في إطار الحبكة الدرامية طالما نتوجه لشباب يعرف جيدا أدق أسرار الهواتف الذكية.
ومع كل الانتقادات التي وجهتها لحكاية (بالورقة القلم) تبقى حسنة وحيدة هى حسن الأداء من جانب كل من (يسرا اللوزي، نور محمود، علي الطيب) وغيرهم من الممثلين الذين عبروا جيدا عن خطورة القضية وأثرها على المجمتع، رغم أنها فكرة مكررة أو بالأحرى مسروقة من مسلسل (هذا المساء)!!.