رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الديفا سميرة سعيد تعيد ليالي الأنس في مهرجان الموسيقي العربية

سلطنة مع (وحشني حقيقي وحشني بصحيح)

كتب : أحمد السماحي

الإنسان بحكم الوفاء لا ينسى أرضا تنسم عطرها الذي مازال أثره يفوح في أرجاء المكان، والإنسان بحكم العشرة لا ينسى الذين كانوا بالنسبة له قوما وأهلا ساندوه في مسيرته الطويلة، وبحكم أنها مثال حي للمواطنة العربية الشفافة إلى حد السمو، حيث تتسم بالرقة والعذوبة في الغناء بإحساس راق ومشاعر فياضة مفعمة بالعطاء الروحي الخلاق، ولعلها في هذا تجتهد في تقديم أساليب متنوعة من الطرب والموسيقى بأرقى أساليب العصر، في وقت تحافظ فيه جيدا على الأصالة الشرقية في ثوب يحمل ألوانا متنوعة من الكلمات والألحان، وباعتبارها مصرية الهوى، مغربية الهوية، لهذا عندما وقفت (الديفا) سميرة سعيد لأول مرة على خشبة مسرح مهرجان الموسيقى العربية في دورته الثلاثين أول أمس الثلاثاء (ثاني أيام المهرجان)، تذكرت من كانوا أصحاب الفضل عليها في رحلتها الطويلة جدا – على حد قولها – وعلى رأسهم الموسيقار المبدع الراحل (جمال سلامه) الذي يهديه المهرجان هذه الدورة.

صعدت سميرة خشبة مسرح دار الأوبرا في أول إطلالة لها بمهرجان الموسيقى العربية بفستان موف فاتح يعكس رقيها اللافت للأنظار، ويشع نورا سماويا هادرا وسط عتمة ليل الأغنية العربية التي أصبحت ترواح مكانها وسط حالة من الصخب والضجيح الحالي، وبثقة تبدو على جبهتها المكسوة بسمرة النيل ومختلطة بدرجات الرمادي الفاتح والداكن في حمرة مميزة كما تتشح بها جبال الأطلس العتيقة في صمودها وتحديها للطبيعة والأيام، وكحمامة بيضاء خرجت لتوها من أيكها لتغني للراحل الكبير (جمال سلامة) أكثر من أغنية، وكأنها تستحضر روحها لتعلو في سماء تلك الليلة القاهرية المزينة بموسيقى آسرة للقلوب، مستمدة من خلاصة رحيقه المبطن بالجملة الحماسية المصحوبة بالمارش، والتي كانت تحلق بمستمعيها نحو آفاق علوية في سماء الكون الفسيح.

تبدأ حفلها الغنائي على مسرح الأوبرا

كما طافت (الديفا) في شموخ وكبرياء على بستان عبقري النغم المصري والعربي (بليغ حمدي) وغنت له واحدة من أغنياتها الرائعة المنسية في دهاليز النغم الأصيل لتذكرنا ببراعة ألحانه وموسيقاه التي تجمع بين الفرح والشجن في جملة من أروع جمل الموسيقى العربية الحديثة، وشكرت الجمهور الذي حضر الحفل والذي أصر على دعم الفن الحقيقي بقطعه تذاكر والحضور إلى مهرجان الموسيقى العربية.

تقلب في أوراقها بحثا عن أغنية جديدة

بثوبها (الموف) المرصع بحبيبات مضيئة، والمشغول بعناية فائقة تناسب أجواء إطلالتها المميزة، وخطواتها التى تبدو وكأنها تتبع غزالا رشيق الأنغام، وعلى الرغم من أن الموسيقى لم تبدأ العزف بعد، دخلت (الديفا) إلى خشبة المسرح كالطاووس في خيلاء ودعة مدعومة بثقة من عشقت الغناء وتماهت كثيرا مع الجماهير عبررحلتها الطويلة، واستقبلت بحرارة جمهور الحاضرين، والذي اعتاد سماع صاحبة الصوت الذي يلمع كالذهب ببريق آخاذ يليق بها، وبأشواقهم إليها، وبدأت برنامج حفلها بأغنية (أنا إيه سهرني)، كلمات الشاعر المبدع هاني شحاته، ألحان صلاح الشرنوبي، بعدها تحدثت عن سر مشاركتها فى هذه الدورة المهداة لروح الموسيقار (جمال سلامه)، الذي صاغ لها ألحان مجموعة من الألبومات والأغنيات التى تعتز بهم في مشوارها الذي يمزج بين الأصالة والمعاصرة في ثوب قشيب.

وقالت: يشرفني المشاركة فى هذا المهرجان الراقي، ولقد سبق وعرض علي المشاركة من قبل في أكثر من دورة من جانب عشرة عمري وصديقتي المقربة (جيهان مرسي) مدير عام المهرجان، لكن هذا العام كان صعبا على أن أرفض، بحكم أن الدورة مهداة لروح رفيق المشوار الموسيقار (جمال سلامه) الذي أكن له كل حب وتقدير، بعدها غنت أغنيتها الرائعة التى تنشر البهجة والتفاؤل (وحشني حقيقي وحشني بصحيح)، كلمات عبدالوهاب محمد، ألحان جمال سلامه، وأعقبتها بأغنيتها الطربية (لعلمك أنت) كلمات عمر بطيشة، ألحان صلاح الشرنوبي.

ورغم هبوب نسمات الخريف الباردة حيث أقيم الحفل في (مسرح النافورة) فى الهواء الطلق، لكن ساده جو رائع من الدفء والحب والحنين والذكريات، وكان الجمهور الغفير يصفق بحماس بالغ مستعيدا ذكرياته الجميلة مع (الديفا)، وبدورها استقبلت الجماهير صاحبة الصوت الذي يحمل عبق الماضى ورشاقة الحاضر وهى وتخطو خطوات راقصة أحيانا، وأحيانا أخرى يتداعى صوتها كشلال هادر وهى تقف مكانها في سكون يسبق عاصفة الحركة والنشاط الذي تملئ بها خشبة المسرح، لتتحول الأغنيات إلى أهازيج من الفرح والبهجة والسعادة التي أدخلتها في قلوب محبيها من الجمهور الذي عشقها وتوجها ملكة على الإحساس والرومانسية، وحتى على أغاني التمرد ومساندة المرأة في أخريات إبداعاتها الغنائية، وفى تلك اللحظات الدافئة تذكرت الموسيقار العبقري (بليغ حمدي).

قالت سميرة: من الأغنيات التى لحنها لي الموسيقار (بليغ حمدي) وأحب أن أتذكرها وأقدمها لكم الآن، لأني يعز على أن تمر في مشواري مرور الكرام أغنية (كتر الكلام)، وغنت منها مذهبا واحدا وكوبليه، وكان كل حرف في اللحن يعيش في أعماق (الديفا) يقابله سحر ونشوة حب الجماهير، فيتعالى التصفيق الحاد الذي بث فيها الطاقة الإيجابية التي غالبت كل ضعف كان يعتريها، ورغم أن درجة حرارتها كانت تقترب من الأربعين، لكنها صالت وجالت على خشبة المسرح كفراشة تواقة للضوء، خاصة في أغنياتها الأخيرة التى لحنها لها بلال سرور وهى (محصلش حاجة، سوبرمان، مون شيري، هوا هوا)، ولولا يقيني أنها هى (سميرة سعيد) بشمحها ولحمها ما صدقت أنها تستطيع أن تغني على امتداد هذا الليل، وأن تبدع بهذا القدر وهذا الثراء، وهذا العطاء، ودرجة حرارتها عالية كما ذكرت.

تقلب في أوراقها بحثا عن أغنية جديدة
هوا هوا .. قدمتها بشكل خفيف

أشعلت المسرح بعذب أغانيها

كانت (الديفا) تغني من أعماقها وأحاسيسها التي كانت تبدو مرسومة بعناية فائقة على صفحة وجهها المبتسم دائما، والجهد يأخذ منها، ولكنها لا تبالي، ورغم أن فرقة (محمد عرام) لم تكن فى أفضل حالاتها خاصة في أغنية (آل جاني بعد يومين)، والتى استبدلتها المطربة المخضرمة بذكاء تحسد عليه – بعدما شعرت أن الطبقة الموسيقية العالية لاتناسب صوتها – بأغنية (مش هتنازل عنك مهما يكون)، كلمات عبدالوهاب محمد وألحان جمال سلامه، وقد بدا لي أن خبرة (سميرة سعيد) وغنائها الدائم جعلها تتخطى بعض الهفوات التى حدثت من قبل الفرقة والكورس، وكان حفلها في مهرجان الموسيقى العربية في دورته الثلاثين ربيعا للطرب، أبدعت وتجلت وهزت قلوب الجماهير طربا، وقدمت من أغانيها باقة أنغام هى الحصاد الرفيع لمنافسة حامية بين ملحني الثمانينات والتسعينات والحاليين، فى ليلة اتصلت أنغامها بنور القمر وخفقات القلوب.

جدير بالذكر أن الحفل حضره جمهور غفير، فضلا عن كثير من نجوم الفن والغناء منهم (إلهام شاهين، ليلى علوي، مصطفى قمر، الشاعر هاني عبدالكريم، المنتج الكبير محمود موسى، والمنتج علي المولي مدير أعمال صابر الرباعي، المؤلف رامي عواض، الأعلامية سهير جوده) وغيرهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.