الباحث السوري سامر عوض يكتب : صباح فخري .. شجرة عريش
بقلم : سامر عوض
اليوم يسكتُ عندليبٌ عمره عقودٌ من الفنّ، والموسيقى، والحضارة، رجل العلم الموسيقي يرحل، الطبيب بطربه الحلبي، المولّدُ بأبي القوس الذي سحب زناده وأرخاه، فانطلق ليستقرّ في قلوب مئات الملايين حول العالم، في دنيا العرب والغرب.
أدخل سوريا في جينتس، وأخرجها من سياق، وعجنها بآخر.
من يذكر فرنسا وينسى شارل ديجول، من يتذكر ألمانيا، ويتناسى جوته، من يعرف مصر ولا يعرف أمّ كلثوم، ومن لا يعرف صباح فخري، حين يذكر سوريا.
صباحُ الإنشادِ والقرآن الكريم، والصوت الرخيم، والكلمة الطيبة، مسك الأغنية بيدها من ألفها إلى يائها.
صباح فخري البارودي، وصبري المدلل، والحمداني، وسيف دولته صلاح العراقة، والغناء، دون التغني بالسلطان، لأنّ الفنّ مسؤولية، وليس وسيلة.
هو لغةٌ عالمية يتفاعل الناس بها، ولو لم يفهموا معانيها.
اليوم تطوي سوريا صفحة مشرقة من الجمال، خطّها بيمينه شجرة شوحٍ، كرّمت يوماً وديع الصافي، وأثنت على ملحم بركات، وتفاعلت مع فيروز.
فصباحنا هذا لا يغرب نوره، ولاتنطفىء روحه، فقد صدق دريد لحام، حين قال لي: إن سمعتَ يا مال الشام من صباح فخري مئة مرة في الأسبوع، ستشعر كل مرةٍ، أنّه يغنّيها بشكل مختلف، ويُغنيك بها كل مرة بطريقة جديدة.
يموت الناس ويبقى الفنّ عالياً، يرحل البشر ويستمرّ الفن متوالداً.
دوستويفسكي قال (أنّ العالم لن يخلص إلّا بالجمال).
فحين سقط الحكم الشيوعي في روسيا حطّم الناس العروش، وأبادوا تماثيل رموزهم، لكنهم أبقوا مجسّم راسين، وبوشكين وغوركي. إذ أنّ أمةٌ بلا فن أمّة بلاضمير.
تطوي اليوم سوريا عهداً من الجمال وعقوداً من الحضارة تبقى هى.. يذهب هو..
لكنّ فنّه يعانقها إلى مئات السنين، رحمه الله.