ننفرد بنشر نشيد (فايدة كامل) الذي منعته الإذاعة السورية لخوفها من أمريكا !

المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها .

كتب : أحمد السماحي

كان صوت (فايدة كامل) واحد من أقوى الأصوات العربية علي الإطلاق وأجملها في أداء الأغاني الوطنية، مليئا بالحماس والقوة، وإثارة العواطف الوطنية، ويهز المشاعر، وواكبت بصوتها كل الثوارات العربية، وعلى مدى مشوارها مع الغناء الوطني كان صوتها صرخة قوية ضد الظلم والتهميش والفساد السياسي، وألهبت أغانيها روح الوطنية لدى الشعب المصري والعربي الثائر فى كل ثوراته، واستلهم الشعب المصري والعربي من أغنياتها الوطنية الحماسية روح المقاومة وحماسته لمواصلة الثورة.

عندما حدثت الأزمة السورية عام 1957 والتى كانت عبارة عن فترة من المواجهات الدبلوماسية الحادة أثناء الحرب الباردة التي استهدفت سوريا من قِبل تركيا التي حشدت قوات على الحدود وقام طيرانها بخرق الأجواء السورية بصفة مستمرة، وكانت الولايات المتحدة تدعم تركيا بسبب وجود اعتقاد بأن سوريا أصبحت في طريقها لأن تصبح دولة شيوعية بعد أن وقعت اتفاقية قرض من الاتحاد السوڤيتي، كما وقعت اتفاقية صداقة معه.

بدأت التوترات في 18 أغسطس، عندما أقدمت الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري (شكري القوتلي) بسلسلة من التغييرات المؤسسية الاستفزازية، مثل تعيين العقيد (عفيف البزري) قائداً أعلى للجيش السوري، الذي ادعت الحكومات الغربية تعاطفه مع السوڤيت، ويومها تزايد الشك في استيلاء الشيوعيين على دمشق، مما دفع (العراق والأردن ولبنان) إلى النظر في دعم التدخل العسكري العربي أو الغربي لإسقاط الحكومة السورية، وكانت تركيا هي البلد الوحيد الذي قام بالتحرك ونشر آلاف القوات على امتداد الحدود التركية السورية، وهدد (نيكيتا خروشوڤ) بأنه سيطلق صواريخ على (تركيا) لو قامت بمهاجمة سوريا، بينما قالت الولايات المتحدة أنها ستهاجم الاتحاد السوڤيتي رداً على هذا الهجوم.

وسط هذه الأحداث الساخنة الملتهبة كتب الشاعر الثوري (كمال عبدالحليم) صاحب نشيد (دع سمائي)، نشيد جديد لسوريا بعنوان (ليس للعدوان أرض) وأعجبت المطربة الكبيرة (فايدة كامل) بالنشيد لدرجة أنها قامت إنتاجه على نفقتها الشخصية، وأعطته لشقيقها الفنان (سليمان جميل) لتلحينه، وبالفعل قام بتلحينه وتم إرساله للإذاعة السورية، وكان الغرض من غناء هذا النشيد – كما يذكر الشاعر الراحل كمال عبدالحليم فى حديث إذاعي له – أن نسمع صوتنا المعادي لأمريكا، وانتظرنا يوم، واثنين، وأسبوع، واثنين، ولم يذاع النشيد، وعندما سألنا عن سر عدم إذاعته قالوا : (لم يكتب له أن يذاع لوجود خلل فني فى النشيد!).

ويضيف الشاعر الراحل (كمال عبدالحليم): الحقيقة أنه لم يذاع بسبب خوف المسئولين فى الإذاعة السورية من غضب أمريكا عليهم، رغم أن أمريكا هى سبب كل البلاء الذي يحدث للعرب وهى التى أنذرت دول العدوان الثلاثي إنجلترا وفرنسا وإسرائيل عام 1956 بالإنسحاب، وكان ذلك لأنهم تجاهلوها حينما قاموا بالعدوان.

وإليكم الآن نشيد (ليس للعدوان أرض) الذي ينشر لأول مرة : 

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

أرضنا الحرة عرض، وجهاد الشعب فرض

لا تحركا ساكنا، لا تقترب أيها

 الطامع فى أرض العرب

دقت فى مصر هوان المنسحب

 وستصلي اليوم فى سوريا اللهب

إنني اليوم وبالأمس جمال

وأنا بالأمس ثم اليوم شكري

وإذا كان دمي يوم القنال

لم يؤمن سوريا، فاليوم ثأري

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

وغدا موعدنا أرض الجزائر

لي دم فيها وقلب وحفائر

ونشيد لم تضيعه الحناجر

عربي مستقل اللفظ ثائر

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

لا تطأ أرض بلادي غازيا

بجيوش الأطلسي أو تركيا

قد مضى عهد مآسي كوريا

والشعوب اليوم تدعى سوريا

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

أنت لم تقو على غصن السلام

أنت لم تقو على غزو القمر

كيف تقوى يوم تهوى في الظلام

تحت أقدام ملايين البشر

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

لا ترك ساكنا لا تقترب

سوريا أرض وشعب من لهب

سوريا حصن لأحرار العرب

سوريا رمز الصباح المرتقب

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض

ستغني في خطى بردى المياه

ويظل النيل يجري كالحياة

ويضئ السلم للفولجا خطاه

لا يريد الكون نهرا من دماه

ليس للعدوان أرض، ليس للأعين غمض.

جدير بالذكر أن (فايدة كامل) حاولت فى زيارة لها لسوريا استرداد شريط الأغنية، لكنها اكتشفت كما ذكرت لي فى حوار بيننا اتفائه وعدم وجود أثر له.