(حكايات من زمن فات) .. انتي فلاحة يا سمسمة !!
بقلم : سامي فريد
بدأ مشوارها مع الفن يوم نزحت إلى القاهرة تبحث عن مكان يتسع لموهبتها ونصحتها صديقة لها بأن تتقدم للامتحان في مسرح بديعة مصابجي لتصبح راقصة هناك.
وذهبت زينب خليل إلى مسرح بديعة للامتحان أمام الفنانة بديعة وخارج المسرح وقفت تتأمل صور الفنانين المعلقة على الحاجز المزروع وفيهم صور الفنانين (كارم محمود وابراهيم حمودة ومحمد فوزي وفريد الأطرش)، وقفت زينب مبهورة بالمشهد وإلى جوارها طفل أسمر صغير كان أحد أبناء العاملين في البوفية.. سألته زينب وهي تشير إلى صورة فريد الأطرش:
صورة مين دي يا حبيبي؟
نظر إليها الطفل ولم يرد فانحنت تمسح على شعره وتقبله وتسأله مرة أخرى:
عارف دي صورة مين؟
وسمعت زينب الصورة من خلفها يقول:
دي صورتي ..
ولم تصدق زينب نفسها فنظرت إلى الطفل لتسأله لآخر مرة:
إنت مش عارف دي صورة مين؟
فسمعت الصورة من خلفها يقول:
دي صورتي أنا.
التفتت زينب خلفها لتفاجأ بالفنان فريد الأطرش بنفسه هو الذي كان يرد علي سؤالها.
وتقول الفنانة سامية جمال وهذا هو اسمها الفني الجديد: لم أصدق نفسي وأخذتني المفاجأة المذهلة فسقطت كالمغشي على استند على الحاجز المزروع المعلقة فيه الصور لكن يد الاستاذ فريد اسرعت تسندني لأقف من جديد.
وسألني بعد أن تمالكت نفسي:
إيه .. هو أنا بأخوف قوي كده؟
أجابته في خجل وارتباك:
لا أبدا.. بس أنا اتفاجئت.
وسألني الأستاذ فريد:
انتي جاية هنا ليه؟ جاية تتفرجي على الصور؟
وقالت هى:
لأ.. أنا جاية اجرب .. وداخلة امتحن يمكن يبقى لي نصيب واشتغل هنا..
سالها فريد:
انتي بتغني؟
وأجابت هي:
لأ .. أنا بأرقص.
آه.. بترقصي .. طيب تعالي معايا .. أنا داخل .. تعالي أقدمك للأستاذ بشارة هو يرتب لك كل حاجة مع مدرب الرقص ويحدد لك ميعاد مع الست بديعة.
وتضيف زينب خليل:
دخلت وسألني الأستاذ بشرى واكيم: (انتي اسمك ايه)؟، قلت: اسمي زينب فقال بلاش الاسم دلوقتي.. لو وافقت عليكي الست بديعة ووافقة المدرب حبنقي نشوف لك اسم فني يليق بيكي.
أمام بديعة مصابني رقصت زينب فأعجب رقصها صاحبة الكازينو لكنها اعترضت على اسمها واختارت لها اسم سامية ثم قالت:
لكن انتي ليه بترقصي في مطرحك زي بدوية (تقص تحية كاريوكا بعد ذالك) .. انتي جسمك حلو وحركة ايديكي خطيرة وابتسامتك حلوة.. دوري يا بنتي في المسرح واعملي زي الاستعراض عشان يبقى في فرق بينك وبين بدوية.
والتحقت سامية الجميلة أو سامية جمال بالفرقة لترقص في البداية مع المجاميع ثم ترقص صولوا أو منفردة مثلها مثل تحية بعد ذلك ويبدأ مشوار شهرتها.. لكنها لم تنسى أول لحظة شاهدت رأيى العين فريد الأطرش فتعلقت به.
ثم عرفت سامية جمال بعد ذلك طريقها إلى السينما في مشهدين صغيرين أحدهما كان مع محمد عبدالوهاب في فيلم (يوم سعيد) عندما حملت وسادة احتضنتها وسارت بها في خطوات راقصة.. ثم مشهد آخر مع فريد الاطرش وأسمهان في فيلم (انتصار الشباب) وكان فريد يغني أمام نافذة الأميرة وسامية إلى جانبه لا ترفع عينها من عليه.
لكن فريد لم ينسى سامية فقد تعلق بها ووجد أن أفلامه الغنائية والاستعراضية تحتاج إليها فشكلا معا ثنائيا بدأ منذ عام 1947.. وانتهي في عام 1952.
بدأ المشوار مع أول افلامهما معا وكان (حبيب العمر) عام 1947 في شهر يوليو ثم فيلم (عفريتة هانم) عام 1949 وفيلم (أحبك انت) في يناير 1949 و(آخر كدبة) في دبسمير عام 1950 تلاه فيلم (تعال سلم) في شهر سبتمبر عام 1951 حتى انتهت علاقتهما السينمائية في شهر نوفمبر عام 1952 .
ولا تنسى سامية حتى وفاتها أن فريد هو الذي أحضر لها المدرسين لتعليمها القراءة والكتابة بالعربي باللغات الإنجليزية والفرنسية، كما عملها فن الاتيكيت لكن ذهب كل هذا هباء عندما سألته في لحظة من لحظات الصفاء وكانا لا يفترقان طوال هذه السنوات الست.. سالته:
وأخرتها يا فري.. احنا مش حنتجوز بقى؟
ورد فريد (فري) على الفور ودون تفكير فيقول:
ما ينفعش يا سمسمة العيلة مش حتوافق.. انتي فلاحة يا ماما وأنا أمير.
أحست سامية بالسكين تغوص في قلبها فخرجت ودموعها التي حرصت ألا يراها أحد تجري على خديها لتختفي من حياته.. وهى تلك الفترة التي رقصت أمامه في أفلامه بعدها راقصات مثل ليلى الجزائرية وأخرى لبنانية عاد بها من بيروت، لكن جمهور أفلامها لم ينسى كل ما كان يراه من حبهما الذي انتهي هذه النهاية بين الفلاحة والأمير.
ثم دارت الحياة دورة غربية مع سامية بعد ذلك عندما تزوجت رشدي أباظة بعدما كان قد تزوج تحية كاريوكا التي كانت تقول عن سامية أنها ليست راقصة شرقية ولكنها راقصة ستايل، وحرصت بأنها أكبر من سامية بـ 10 سنوات وكان الفيلم الوحيد الذي جمعمها معا هو فيلم (حبيبي الأسمر) مع شكري سرحان واستيفان روستي، وكانت نهاية سامية جمال بعد محاولة الفنان سمير صبري أن يلحقها بالعمل كراقصة في أحد ملاهي الهرم فلم يرض الجمهور أن يراها ترقص، وقد اقتربت من الستين من عمرها فعادت لتعيش وحيدة في شقتها على النيل بعد وفاة رشدي أباظة بلا إيراد أو أي دخل يعينها على الحياة لتموت بغرغرينا في الأمعاء كما أثبت التشريح حيث لم يدخل جسمها سوى الماء!!