الطريق إلى 30 (21 ) .. الجدع جدع .. والجبان جبان !
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
مضت الأحداث فى تصاعدها ، و لكن برغم المؤتمرات و البيانات و الاحتجاجات و الاعتصامات و تعليق الأنشطة ، كان من الواضح أنها لن تثمر ، و لن تؤد إلى زحزحة الوزير عن منصبه ، أو أيقاف خطة أخونة وزارة الثقافة التى بدأت بإبعاد القيادات ، برغم أن جانب الاحتجاج اتسع ليشمل إلى جانب الفنانين و الكتاب و المثقفين ، كل التيارات السياسية المدنية ، فقد طالب نواب التيار المدني بمجلس الشورى – الذي يضم أحزاب المعارضة وعددا من المستقلين – إقالة وزير الثقافه ، وقال النواب خلال مؤتمر صحفي أنهم ذهبوا لدار الأوبرا المصرية للتضامن مع فنانى الأوبرا والمثقفين المعتصمين ضد قرارات وزير الثقافة . كما أعلنت احزاب : التجمع و مصر الثورة و الحزب الديمقراطى الاشتراكى و حزب المصريين الأحرار و الوفد تضامنها أيضا.
و أعلن العديد من الأدباء والمثقفين والفنانين، عن اتجاههم لمقاضاة وزير الثقافة لاستغلاله مقر الوزارة فى الدعاية الحزبية، حيث التقى بعدد من أعضاء حزبه (التوحيد العربى – تحت التأسيس) بمقر الوزارة، وهو ما يخالف القانون ، و لم يعقد أحد من الوزراء السابقين لقاءً لأعضاء حزبه داخل الوزارة ليحدثهم عن برنامجه وخطته !!
و استمرارًا لحالة التصعيد تقدمت الدكتورة كاميليا صبحى، رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية باستقالتها ، التى قالت فيها أنها حاولت طمأنة الرأى العام الدولى حول ما يحدث للثقافة فى مصر في أثناء وجودها فى منتدى باكو الدولى للحوار بين الثقافات ، و لكن بعد عودتها و فى ضوء استمرار التصعيد ضد قيادات الوزارة دون طرح بدائل من شأنها الارتقاء الحقيقى بالعمل الثقافى ، وفى ظل عدم طرح الوزير لرؤية واضحة المعالم لاستراتيجية حقيقية للعمل الثقافى فى دولة بحجم مصر فإنها توثر العودة إلى الصفوف الأكاديمية أستاذةً بجامعة عين شمس ، واختتمت الدكتورة كاميليا نص استقالتها بعبارة ( الثقافة ستبقى أما نحن فعابرون على الأماكن ).
أمام كل هذه الأحداث لجأت قوى الظلام للحشد ، و لكنها لم تجد فى الحركة الثقافية و الفنية سوى أفراد قلائل وافقوا على لقاء الوزير ، منهم للأسف أستاذ فاضل و عالم جليل ، لكنه تراجع بعد الزيارة و صرح أنه ندم عليها ، و منهم من كان يدعى الثورية و هرع بانتهازية شديدة لنيل الحظوة لدى نظام الإخوان ، و لكنهم لم يجرأوا على إعلان مواقفهم بصراحة و وضوح و إنما روجوا لدعوات من قبيل ( أعطوا للوزير الفرصة .. ربما أصلح ) .
و أمام فشل الحشد لجأ النظام لاستجلاب كوادره – حتى و ان كانت بعيدة عن مجال الفنون – فقد أعلنت الوزارة أن الوزير التقى بمجموعة من الشباب الموهوبين الوافدين من مدينة المحلة الكبرى بمكتبه (لا يدرى أحد متى ظهرت موهبتهم و فى أى مجال)، واستمع إلى العديد من مشاكلهم التى تتمثل فى عدم وجود دعم حقيقى لصغار الموهوبين وعدم الاستخدام الأمثل لقصور الثقافة فى دعم المواهب الناشئة !!
و لتخفيف الضغط المصرى و العالمى بسبب موقف التيار المتأسلم من فن الباليه ، فقد تم خداع بعضا من شباب الباليه بدار الأوبرا المصرية للذهاب لمكتب الوزير كى يتلقوا منه تأكيدا بأن فن البالية لن يتم إلغاؤه – و فى نفس الوقت لتفتيت الموقف الموحد لكل فنانى الأوبرا – و سارعت الوزارة لإصدار بيان صحفى جاء فيه أن الوزير إلتقى بشباب الراقصين ، و استمع إلى العديد من المشاكل والموضوعات التى تتعلق بقضاياهم منها ( تدنى الأجور مقارنة بالوفود الأجنبية )، مؤكدًا على حرصه على الاستجابة لكل الأمور التى من شأنها الاهتمام بالفنون والثقافة وتقديمها على الوجه الأمثل ، مع إزالة كل المعوقات أمام المبدعين لتقديم إبداعهم بالشكل اللائق.
و عندما أعلنت جبهة الإبداع المصرية انتهاء مهلة الـ 72 ساعة التى منحها المثقفون والمعتصمون والأدباء لرئيس الوزراء لإقالة وزير الثقافة ، وأعلنوا بدء اتخاذهم الخطوات التصعيدية والتى ستبدأ باعتصامهم أمام مكتب الوزير حتى إقالته تم تنظيم مظاهرة تأييد للوزير من العاملين بدار الكتب والوثائق القومية ( و الذين تم وعدهم سابقا بصرف مكافأة 350 جنيه لكل فرد ) ، فذهب عدد صغير منهم ليقفوا أمام مكتبه بالزمالك فى مواعيد العمل الرسمية !! مرددين هتافات من نوعية : بالروح بالدم نفديك ياعلاء ، و كأنه زعيم للأمة .. ( كفاية غش .. كفاية خداع .. صرفتوا فلوسنا على الإبداع ) ، و كأن وزارة الثقافة أخطأت بصرف ميزانياتها على الإبداع !!
و بدءا من الظهر بدأ توافد المثقفين ، و بدأت هتافاتهم رافضة للوزير و لحكم المرشد ، و سرعان ما وقع اشتباك بالهتافات بين مؤيدى ومعارضى الوزير ، و عندما لجأ مؤيدو الوزير إلى الإشارات البذيئة كادت الاشتباكات أن تصل إلى حد الاشتباك بالأيدى ، مما أدى إلى تدخل رجال الشرطة والفصل بينهم و غلق الشوارع المؤدية للوزارة ، و للأسف الشديد إن تنسيق اليوم لم يسر بالطريق المرسوم ، فلقد تم استئجار سيارة نصف نقل لاستخدامها كمنصة ، و لكن تأخيرها فى إحضار (مكبرات صوت) من مكتب الناشر محمد هاشم كان سببا فى عدم انتظام اليوم كما هو مخطط له ، ولكن فرقة مسرح الشارع التى أتت من السويس خصيصا للتضامن مع المثقفين المعارضين لبقاء الوزير أشعلت الشارع بأغانيها دون الحاجة لمكبرات صوت ، بالإضافة الى هتافات الصحفية الشابة جهاد الدينارى و الفنان الشاب كريم مغاورى الذى أطلق يومها هتافا أصبح شعارا لحركة الفنانين و المثقفين هو : اكتب على جدران الأوبرا .. 30 ستة الثورة الكبرى .
و فى الثانية ظهرا انسحبت المظاهرة المؤيدة للوزير ، و اتجه الموظفون إلى منازلهم – فبعضهم كانت تنتظرهم أتوبيسات حكومية تابعة لجهات عملهم – و ودعتهم المظاهرة الأخرى بسخرية شديدة تتعلق بأن ( الفلوس المدفوعة خلصت ) ، و على غناء ( مع السلامة يا أبو عمة مايلة ) خلى الشارع تماما للفنانين و المثقفين ، و مع وصول السيارة التى تحمل مكبرات الصوت تحول الشارع أمام الوزارة إلى ساحة فنية ملأتها الفنانة عزة بلبع بأغانى أحمد فؤاد نجم و الشيخ إمام ، كما قدمت مجموعة من عازفى آلات النفخ بالأوبرا عرضا موسيقيا بقيادة المايسترو هشام جبر ، و شاركت فرقة السويس بعرض مسرحى من عروضها استخدمت فيه هتافات الثورة ، و بدأت مع موجات الحرارة الشديدة يظهر مجموعة من الباعة الجائلين لعل أهمهم فى تلك اللحظة بائع العرقسوس ، و تبادلت الفرق تقديم فنونها و بينها كانت الهتافات لا تتوقف ، و بعد العصر حضر الكاتب الكبير بهاء طاهر ليضفى بكلماته التى ألقاها حماسا ملهبا و ملهما.
و برغم إنه من بداية المظاهرة وقف رجال أمن الوزارة على السلم الداخلى يحاولون تسجيل أسماء المتظاهرين أو تصويرهم ، إلا أن الأعداد كانت تتزايد و شارك فيها كثير من الفنانين و المبدعين سواء من دار الأوبرا أو من قطاعات وزارة الثقافة وبينهم مسئولون لم يخشوا على مناصبهم ، بينما اختفى من المشاركة بعضا ممن كانوا يتشدقون بالمواقف ، و كان يومها فرزا حقيقيا لمن هو الجدع و من هو الجبان . ففى درجة حرارة وصلت إلى الأربعين وقف رجال و نساء و شباب و شيوخ يدافعون عن الهوية المصرية ، بينما كانت هناك قلة اتجهت لمكتب الارشاد لتوقع استمارات عضوية .
و سرت شائعة بعد الظهر أن الوزير يحاول الخروج من باب الجراج ، و على الفور اتجهت مجموعة لتسد عليه الطريق ، ليصبح محاصرا داخل الوزارة ، و تولى المخرج السينمائى حامد سعيد التعليق على الأحداث من خلال ميكروفون المظاهرة ليعلن بشكل ساخر أن المحيطين بمبنى الوزارة يعلمون كل ما بداخلها ، و كيف يعيش الوزير لحظاته المحاصرة و كأنه يقدم فقرة ( ستاند اب ) ساخرة على المسرح ، و بعد قليل بدأ الأمن فى التفاوض مع المتظاهرين للسماح للوزير بالخروج ، فلقد فاته افتتاح المهرجان السنوى السابع للحرف التقليدية والتراثية ، و لديه برنامج تليفزيونى لابد من الذهاب لتسجيله ، و لكن المتظاهرون رفضوا فك الحصار عن الوزارة الذى استمر إلى الثامنة مساء .
و فى نفس الوقت انتشرت على الفيس بوك دعوات لمقاطعة حفل افتتاح مهرجان الاسماعيلية للأفلام القصيرة الذى سيقوم الوزير بالحضور فيه ، و لكن بعد مداولات استقر الرأى على عمل وقفة احتجاجية أمام مقر المهرجان يوم الافتتاح و منع الوزير من الحضور .
و لهذا حديث آخر ..