الحضارة المصرية تجذب نجوم العالم وقنواتنا تغط في نوم عميق !
كتب : محمد حبوشة
مصر أرض الحضارات من أقدم العصور، فهى أقدم حضارة أنشأت على وجه الأرض، وتعرف الحضارة المصرية القديمة بأنها حضارة الفراعنة وهى الحضارة التي قامت على ضفاف النيل في مصر أو ما يعرف بحضارة وادي النيل، يعود تاريخ تلك الحضارة إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، كما تعرف الحضارة القديمة والمدونة لمصر بعصر الأسرات، حيث تعاقب على حكم مصر أسر مختلفة تقلدت وتوارثت حكم البلاد، وقد تقسم الحكم في مصر بتتابع تلك الأسرات إلى عدة عصور امتدت على مدار 3000 عاما أفرزت حضارة قوية أضاءت العالم بنور علمها وعرفت العالم بأقدم لغة مكتوبة في التاريخ.
ويقصد بالحضارة هنا على أرض مصر أنها نظام اجتماعي يساعد الإنسان على تطوير إنتاجه الثقافي، وتعني بمعنى آخر درجة التطور التي يعيشها الإنسان في المجتمع وعلاقته بالمجتمعات الأخرى، وتشمل الحضارة جميع النشاطات الإنسانية، والتي تجمع كافة المجالات الدينية والدنيوية، وتعرف الحضارة المصرية القديمة بأنها حضارة الفراعنة وهى الحضارة التي قامت على ضفاف النيل في مصر أو ما يعرف بحضارة وادي النيل، وقد لعب النيل دورا محوريا في قيام الحضارة المصرية القديمة، لذا فقد قال عنها المؤرخ اليوناني الكبير هيرودوت بأن (مصر هبة النيل)، ولكن وبالنظر لما قدم المصري القديم والذي سعى دوما لتهذيب النهر الخالد وأحسن استغلاله في قيام أقدم حضارة عرفتها البشرية، فبنى الأهرامات وشيد المعابد وأقام القناطر وبلغ من العلم والتقنية ما احتار العلم الحديث في اكتشاف إلمام الفراعنة بأسراره إلى الآن، فإن عبارة هيرودوت ليست دقيقة إلى حد كبير حيث استحق المصري القديم بما صنع أن يعيد التاريخ صياغة الجملة الشهيرة المؤرخ الكبير لتصبح (مصر هبة النيل والمصريين).
ومن هنا يمكننا القول بأن تاريخ مصر هو تاريخ الحضارة الإنسانية حيث أبدع الإنسان المصرى القديم وقدم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم، حضارة رائدة أذهلت العالم والعلماء بفكرها وعلمها، فهى حضارة متصلة الحلقات، تفاعل معها الإنسان المصرى، وتركت فى عقله ووجدانه بصماتها، ولقد كانت مصر أول دولة فى العالم القديم عرفت مبادىء الكتابة وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، وكان المصريون القدماء حريصين على تدوين و تسجيل تاريخهم و الأحداث التى صنعوها وعاشوها، وبهذه الخطوة الحضارية العظيمة انتقلت مصر من عصور ما قبل التاريخ وأصبحت أول دولة فى العالم لها تاريخ مكتوب، ولها نظم ثابتة، ولذلك اعتبرت بكافة المعايير أما للحضارات الإنسانية.
أسرار وحكايات كثيرة خلفها لنا القدماء المصريون على جدران معابدهم ومقابرهم التاريخية، (ربما كانوا يعرفون.. لذلك تركوا لنا هذا الإرث)، فلولاهم ما كنا نعرف شيئا عن تلك الحضارة العتيقة التي أبهرت الجميع في الداخل والخارج، كنوز كشفت عن أصالة شعب وسبقه البعيد للتطورات العلمية في علوم التحنيط وغيرها من الإنجازات التي لا نزال نتباهى بها حتى اليوم، وتجذب نجوم العالم للاستمتاع بسحر الأهرامات وعظمة وبريق معابد مصر القديمة في الأقصر وأسوان وغيرها من مختلف المناطق التي تحمل في باطنها كنوز من الآثار المبهرة.
ولهذا وبمجرد أن تقوم مصر بتدشين أي حدث يتعلق باستعراض صور الحضارة والآثار المصرية المذهلة يأتي لمصر نجوم العالم ليعانقوا آثارنا بسحرها الذي لايقاوم، وقبل خمسة أيام من الآن وتحت سفح أهرامات الجيزة، أعلنت مؤسسة (آرت دي إيجيبت) انطلاق أول معرض للفن المعاصر بعنوان (الأبد هو الآن)، تحت رعاية الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة، واستضاف المعرض 10 فنانين عالميين وهم (الفنان الروسي ألكساندر بونوماريف، والفنانة الأميركية جيزيلا كولون، والبرازيلي خاو تريفيزان، والفنان الفرنسي جيه آر، وكذلك الفنان الإيطالي لورينزو كوين، والفنان المصري معتز نصر، والفنانة المصرية الأصل الأميركية الجنسية شيرين جرجس، والبريطانيان شوستر+ موزلي، والبريطاني ستيفن كوكس را، والفنان السعودي صاحب السمو الأمير سلطان بن فهد)، فضلا عن مشاركة الفنانة المصرية الكبيرة يسرا والتونسية درة، ومشاركة من منى زكي عبر الستوري على (إنستجرام).
ولأن معرض (الأبد هو الآن) يعد معرضا للفن المعاصر، وهو يتضمن أعمالا فنية من مختلف دول العالم للحصول على فرصة فريدة من نوعها من أجل التأمل والاستمتاع بعجائب الحضارة المصرية القديمة، عبر عيون واهتمام وشغف فنانين معاصرين، يقام المعرض في مكان صنفته منظمة (اليونسكو) من بين أحد أهم مواقع التراث العالمي، وهى أهرامات الجيزة والهضبة المجاورة التي يمتد تاريخها لـ 4500 عام، ويهدف هذا الحدث لاستكشاف الزمن باعتباره سردا متصلا يقسم الحضارات ويربطها بعضها ببعض، إن هذا المزج بين التاريخ الثقافي العريق والأعمال الفنية المعاصرة يهدف هنا إلى تعقب استمرارية الأفكار من الماضي الأسطوري إلى الحاضر النابض بالحياة، ولكي يكون مصدر إلهام لمستقبل البشرية.
ومن جانبها، قالت نادين عبد الغفار رئيس مؤسسة (آرت دي إيجيبت): نشهد حدثا عالميا يقام على أرض مصر، يتشابك الماضي مع الحاضر ويمتزج التاريخ مع الواقع والآثار مع الفن المعاصر، يسعدنا أن نقيم هذا المعرض بمشاركة فنانين محليين وعالميين من مختلف الدول جاؤوا إلى أهرامات الجيزة التي تعد واحدا من أقدم المعالم الأثرية في التاريخ، لقد جاء الفنانون إلى هذا المعرض لكي يبعثوا برسالة فخر وتقدير للحضارة المصرية القديمة وتراثها ومعالمها الأثرية التي كانت ولا تزال منارة للفن عبر العصور، وعلى هامش معرض (الأبد هو الآن) قدمت (آرت دي إيجيبت) أيضا أول إنسان آلي فائق الواقعية في العالم، حيث يمكنه الرسم والنحت والمشاركة في تنفيذ أعمال فنية، وتمت برمجة الأجزاء والتقنيات في ذراع هذا الروبوت الذي يحمل اسم (Ai-Da) بواسطة الطالبين المصريين بجامعة (ليدز) صلاح العبد وزياد عباس.
وتأكيدا على أهمية هذا الحدث الذي يستعرض أوجه الحضارة المصرية أمام أعين العالم، شارك المغنى والمنتج الأمريكى فاريل ويليامز، والفنان التشكيلي الفرنسي جي آر وفنانون عالميون فى مغامرة بالخيول بمنطقة الأهرامات، وشارك جي آر متابعيه بلقطات خاصة من مغامرته الأخيرة التى خاضها وسط صحراء الأهرامات فى الجيزة، ونشر عبر حسابه الشخصى على موقع (إنستجرام) كواليس مغامرته التى جمعته مع عدد من الفنانين أثناء ركوبهم الخيول وتجولهم فى منطقة الأهرامات ومن ثم الصحراء، كما ظهر فى الصور التى نشرها، مشاركة فاريل ويليامز، وأسرته، الذى سبق ونشر أيضًا خلال الساعات الماضية الكثير من صوره وسط معالم مصر السياحية فى منطقة الأقصر وأسوان.
وظهر المغنى فاريل ويليامز، وزوجته هيلين لاسيشان، أمس، أثناء زيارته لمصر، حيث يستمتعان برحلات شيقة فى الأماكن الأثرية المصرية بالقاهرة والأقصر، وعبر صاحب أغنية Happy الشهيرة، عن سعادتهم بزيارة الآثار المصرية، ونشر عبر حسابه على موقع (إنستجرام)، مجموعة صور برفقة زوجته، وصديقة الفنان الفرنسي جي آر، أثناء جولاتهم فى المعابد المصرية، وأظهرت الصور التي نشرها ويليامز استمتاعه مع أسرته وأصدقائه بزيارة الآثار المصرية الشهيرة، حيث زار أهرامات الجيزة، ومعبد الكرنك بالأقصر، ومعبد الدير البحرى، كما استمتعوا بجولة في النيل بمركب شراعية.
هذا الحدث المهم والذي يعد أكبر ترويج للسياحة المصرية عبر نجوم عالمين كبار – لو تم الاستعانه بهم من خلال برنامج ترويجي من جانب وزارة الثقافة لدفعت لهم ملايين الدولارات – يبدو أنه لم يرقى لمستوى الحدث من جانب قنواتنا الفضائية الغراء سوى بث خبر أو اثنين وحدها وكالة أنباء الشرق الأوسط هى التي بثت فيديو مدته 3.27 دقيقة وبثته على موقع اليوتيوب منذ أربعة أيام، ولم يحصد سوى (110 فيو) فقط، وذلك في وقت ربما اهتمت بعض المواقع الإخبارية المصرية بالحدث مثل (اليوم السابع وبوابة الأهرام ومصراوي) وغيرها من البوابات الإلكترونية على استحياء دون أية تفاصيل تشير إلى أهمية الحدث الذي استقطب عديد من المحطات التلفزيونية العالمية مثل (روسيا اليوم وبي بي سي وسي إن إن، وقناة mbc عبر برنامج (الحكاية) لعمرو أديب، و(العربية) التي قامت بجولة داخل المعرض استعرضت من خلاله كافة التفاصيل الخاصة بروعة الحضارة المصرية، فضلا عن وكالات الأنباء العالمية كـ (رويتر، اشوسيتدبرس، الوكالة الفرنسية)، وذلك بفرد صور ولقاءات مع الجماهير الحاضرة.
وفي هذا الصدد يبرز سؤال جوهري: إذا كانت الحضارة المصرية مصدر إلهام للفنانين من حول العالم ولها حضور عالمي وتأثير مميز، وعلى هذا الأساس اقيم معرض (الأبد هو الآن) في منطقة الجيزة ليستعرض أروع الأعمال الفنية المستلهمة من الحضارة الفرعونية .. ألا يلفت نظر جهابذة الإعلام المصري الغارقون في الثرثرة الفارغة هذا الحدث العالمي الكبير؟ وذلك بدلا ملاحقة أخبار التي لاتمس المواطن في شيئ سوى تصدير الإحباط واليأس على الرغم من الإنجازات غير المسبوقة التي تقوم بها الدولة المصرية وتفقأ عين الناظرين من هؤلاء التي تمتلئ كروشهم وجيوبهم من الضرائب المفروضة على بسطاء هذا البلد، إن عملا واحدا مستلهم من الأسطورة الفرعونية القديمة (أسطورة رع) أو (قرص الشمس) للفنان الروسي (ألكسندر بونوماريف) لحري بنا أن يتم استراضه على الشاشة الكئيية لتوضيح ملامح الأسطورة، أنه يركب مركبين يعبر بهما النهار ويعلو في السماء ثم يختفى وقت الغروب ويبدأ رحلة إلى السماء.
ألا تفقأ عين إعلامي (التوك شوز) العبثية تلك البطاقة البريدية للمصور والفنان الفرنسي (جي آر) من أمام هرم خفرع الذى يعود تاريخه إلى 2570 عام قبل الميلاد والتي أعادت نشرها محتفية بفخر الحضارة الفرعونية النجمة العالمية (أنجلينا جولي)، وذلك على الرغم من عدم حضورها الافتتاح وانشغالها بإطلاق فيلمها الجديد The Eternals، إلا إن أنجلينا شاركت بوست على صفحتها على انستجرام لأعمال فنية اتخذت من الأهرامات خلفية لها، وعلقت على البوست وكتبت بما معناه: (أحببت هذه التحفة الفنية التي أرسلها إلى صديقي جي آر من مصر).
فاذا رأيت هذه اللوحة من نقطة معينة تصبح لوحة كاملة الصورة تصور علية الهرم مرتفعة في السماء وتعتمد بشكل كبير على الخداع البصري، وكذلك لوحة (رمسيس الثالث) لسمو الأمير سلطان بن فهد ذلك العمل الفني الذي يتحدث عن التجارة بين جزيرة العرب ومصر القديمة، حيث وجد نقش هيروغليفيا في منطقة (تيماء) شمال المملكة العربية السعودية ينتمى للملك رمسيس الثالث وهو أول نقش هيروغليفي يعثر عليه في شبه الجزيرة العربية، خاصة أن العمل يشمل بناء متاهة من المكعبات تحمل نقشا لتوقيع رمسيس الثالث محفور على السطح.
لقد لفت هذا المعرض ياسادة (التوك شوز) أنظار عدد من النجوم المصريين والعرب، أبرزهم النجمة التونسية (درة زروق) التي زارت المعرض وهنأت زوجها لكونه أحد الرعاة الرسميين لهذا الحدث الفني الضخم باعتباره (حدث عالمي فريد من نوعه على أرض مصر) من جانب فنانين تشكيلين ونحاتين صمموا أعمالا فنية معاصرة رائعة على سفح الأهرامات العظيمة. الفكرة والمعرض لـ أرت دي ايجيبت، وقالت أنها فخورة بزوجها المهندس هاني سعد لكونه أحد الرعاه وفريقه الذي قام بتركيب تصميمات الفنانين على أرض الواقع)، فضلا عن أن المعرض تحت رعاية وزارتي السياحة و الاثار والخارجية ومنظمة اليونسكو ابتدأ المعرض من 21 أكتوبر ويستمر حتى 7 نوفمبر، ويحتوى المعرض على عشرة أعمال بالمجمل.
ظني أن الفرصة مازالت قائمة ومحرضة على الاهتمام الإعلامي من جانب قنواتنا التي ينبغي أن تلتفت لهذا الحدث العالمي (الأبد هو الآن) باعتباره رساله أمل للبشرية خلال هذه الفترة العصيبة مع انتشار كوفيد 19، كما قال الدكتور زاهي حواس: (انظروا إلى الأهرامات وأبو الهول قائمين منذ آلاف السنين رغم العديد من الأحداث التي جرت عليهم من حروب عالمية وغيرها ورغم ذلك استمرت تلك الحضارة إلى يومنا هذا)، وهى رسالة هامة جداً بأن مصر تقدم للبشرية أمل جديد كل يوم، وأن كل ذلك سيمر ونعبر تلك المرحلة .. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد!!.