مهرجان الموسيقى العربية يجهل (الكابلي) مطرب السودان الأول !
كتب : أحمد السماحي
يعد الجهل من العيوب التى تدمر الدول وتهلك الشعوب، وللكاتب الكبير (توفيق الحكيم) حوار بينه وبين عصاه، قالت العصا فيه: (إن لمصر ثلاثة أعداء، قلت: أعرف (الجهل، والفقر، والمرض)، قالت: لا بل (الدّجل والتّهريج والنّفاق)، والحقيقة أن الموظفين المسئولين عن مهرجان الموسيقى العربية يتمتعون بالجهل والتهريج والنفاق، فمنذ أيام عقدوا مؤتمرهم الصحفي السنوي الذي يجلسون فيه ويضع كل واحد منهم نظارته الطبية على أرنبة أنفه، ويقرأ من الورق الذي أمامه عن الفتح العظيم الذي ستشهده الدورة الجديدة التى تكرر كالعادة نفس المطربين المشاركين كل عام مع إضافة مطرب جديد له ضحكة حلوة أو يتمتع بالوسامة أو جامل مديرة المهرجان بمعسول الكلام، أو تشارك مطربة لها ألبوم تستعد لطرحه خلال أيام وليالي المهرجان العامرة بالغناء الجميل والشدو العذب!.
العام الماضي كتبنا في بوابة (شهريار النجوم) عن تجاهل المهرجان لدولة السودان الشقيقة الحبيبة وعدم تكريم أي رمز من رموزها الغنائية، وتسألنا عن سرهذا التجاهل على مدى دورات المهرجان، وطالبنا بتكريم نجوم الغناء في هذه الدولة الشقيقة التى كانت في يوم من الأيام صنو للدولة المصرية، وفوجئنا هذا العام أن الموظفين الذين يتسمون بالجهل الواعي أعلنوا فى الدورة الثلاثين التى ستنطلق في الأول من نوفمبر القادم عن تكريم الموسيقار السوداني الكبير الرائع (محمد الأمين) أحد عمالقة الغناء السوداني، والذي له دورا كبيراً في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج السودان.
سعدت جدا بهذا التكريم، لكن انتابتني حالة غيظ شديدة بسبب وجود عملاق سوداني آخر أكبر من (الأمين) بعشر سنوات على الأقل هو المطرب السوداني الكبير (عبدالكريم الكابلي) الذي لعب دورا مهما في حركة الغناء السوداني عبر إبداعه الذي لايمكن تجاهله بهذه الصورة الغبية، خاصة أنه يعيش أيامه الأخيرة بعد أن تدهورت صحته فى الفترة الأخيرة وبالتحديد مع بداية شهر سبتمبر الماضي، حيث يعيش مطربنا العربي الكبير (90) سنة مع أسرته في الولايات المتحدة، ومنذ انتشر خبر مرضه – الذي على ما يبدو لم ينمو لعلم موظفي الأوبرا المصرية المسئولين عن المهرجان أو ربما لايعرفونه من الأساس وتلك هى الكارثة – توالت دعوات محبيه في الوسائط الاجتماعية، متمنين عودته معافا ليواصل مسيرته الفنية التي ألهمت ملايين السودانيين خصوصا الطبقة المثقفة.
هذا المطرب العظيم (الكابلي) صفق له الزعيم (جمال عبدالناصر)، كما صفقت له سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) عندما أعاد تلحين وغناء قصيدتها الشهيرة (أراك عصي الدمع) لأبى فراس الحمدانى، وطبعا لن نكرمه لأن (عبدالناصر وأم كلثوم) صفقا له، لكن لأنه قدم للموسيقى السودانية والعربية أكثر بكثير مما قدمه الرائع (محمد الأمين) الذي لا نعترض على تكريمه هو الآخر، وأكثر ما ميز مسيرة (الكابلي) الذي ولد في شرق السودان في عام 1932 هو جمعه بين ثلاث مواهب يندر أن تجتمع في فنان، فإضافة إلى حسه الموسيقي المرهف فهو مثقف، ومترجم، وباحث تراثي من الطراز الرفيع.
ولو أحدا من موظفي مهرجان الموسيقى العربية لديه ثقافة غنائية وإطلاع على ما يحدث فى العالم العربي كلفه نفسه للبحث لمدة دقائق معدودة كان حتما سيسارع بتكريم هذا العملاق قبل رحيله، وكانت ستكون لفتة طيبة من مهرجان مهم وراقي مثل مهرجان الموسيقى العربية، لكن ماذا نفعل في الجهل .. قاتله الله!
المطربة الكبيرة ماجدة الرومي
جدير بالذكر أن المهرجان سيغني فيه نفس نجوم العام الماضي – كالعادة – مع إضافة بعض الأسماء التى غنت في الدورة قبل السابقة وما قبلها!!، حيث سيحيي ليالي المهرجان كلا من (سميرة سعيد، علي الحجار، هاني شاكر، مدحت صالح، صابر الرباعي، أصالة، ماجدة الرومي، عبادي الجوهر، عاصي الحلاني، وائل جسار، مروان خوري، محمد محسن، فايا يونان، عمر خيرت، محمد عساف، جنات، زياد برجي، مي فاروق، نهى حافظ، إبراهيم راشد، رحاب عمر، وليد حيدر، فرات قدوري، مروة ناجي، طوني وديع الصافي).
الجديد الذي يشارك فى هذه الدورة لأول مرة هى المطربة الكبيرة الديفا (سميرة سعيد)، والمطرب والملحن اللبناني (زياد برجي)، والباقي أقل واحد منهم شارك 10 مرات ولن أقول عشرين في نفس المهرجان الذي لايجد وسيلة للبحث والتنوع في اختيارات مطربين أو جلب أغنيات قديمة من التراث الذي يعكس ثراء الموسيقى العربية لإعادة غنائها بحنجرة مطربين جدد أو معاصرين يغنون فقط أغنانيهم التي تتردد في الشارع وعلى مواقع اليوتيوب مصورة بطريقة الفيدية كليب، وفي هذا الصدد قلنا عشرات المرات لماذا لا تحمل كل دورة من دورات المهرجان اسم مطرب قديم مثل (محمد عثمان، عبده الحامولي، سيد درويش) وغيرهم ممن نقلوا التخت الشرقي من القصور إلى الشارع بأروع الأغنيات التي تعبر عن المواطن المصري في تلك الأيام، ليغنيها المطربون المشاركون في المهرجان على سبيل إحيائها من ناحية ومن ناحية أخرى بيان روعة وجمال الكلمات والألحان التراثية التي تغنى بها العظماء في تاريخ الموسيقى الشرقية.
كما يجدر بالذكر أيضا أنه سيتم تكريم 18 شخصية موسيقية منهم الشاعر الكبير مدحت العدل، والشاعر صلاح محمد علي، والموسيقار محمد مصطفى، والمؤلف الموسيقي هشام نزيه، والموسيقار محمد ضياء، والمطرب والملحن السعودي عبادي جوهر، ومروان خوري، والموسيقار محمد الأمين، الفنان عازف القانون فرات قدوري، نجل الراحل حسين قدوري، والباحث الموسيقي محمد المصمودي، والباحث القانوني محمد أحمد إبراهيم عمران، وعازف الناي محمود كمال عبد الرحمن، وفنان الخط العربي إبراهيم أحمد إبراهيم، وفرقة سداسي شرارة.
هل يمكن تدراك الأمر بإضافة المطرب السوداني الكبير (عبدالكريم الكابلي) للمكرمين، أم أن موظفي الأوبرا المسئولين عن المهرجان سيصمون الآذان ويظلون في جهلهم يعمهون؟! .. أغلب الظن أن الجهل هو سيد الموقف في هذا الزمن الردئ الذي لايدرك هؤلاء وغيرهم القيمة الفنية التي ينبغي على أساسها الاختيار الصحيح والرمزي في التكريم.