(حكايات.. من زمن فات) .. وتاه جناح الزمالك !
بقلم : سامي فريد
حكاية شريف الفار جناح أيسر نادي الزمالك في الخمسينيات والستيتات والشقيق الأصغر من أسرة الفار حسن الفار لاعب نادي الزمالك في جيل الأربعينات وكذلك حسين الفار لاعب النادي الأهلي في نفس جيل الأربعينيات، والممثل الفكاهى الذي يعد واحد من المتربعين على عرش الفكاهة والنكتة خلال الأربعينيات و خمسينيات القرن الماضي.
حكاية شريف الفار مع كلبه حكاية كانت تستحق أن تكون فقرة في برنامج (ساعة لقلبك) يكتبها يوسف عوف لما فيها من المفارقة المضحكة.
تبدأ الحكاية عندما لم يستطع الحاج أبو حسن الفار والد اللاعبين الثلاثة أن يكتم غيظه من ذلك الكلب الذي يتمسح في ملابسه فرحا مع ما يتسير من النباح المرحب كلما ذهب الحاج الفار أو عاد من المسجد لأداء الصلاة حتى جاء اليوم الذي نادى الوالد على أبنائه غاضبا:
الكلب الغبي ده بتاع مين؟
ولم يتردد حسن الفار أو حسين الفار في أن يدفعا التهمة عن نفسيمها فقالا على الفور:
بتاع شريف يا حاج؟
ونادي الحاج أبو شريف غاضبا على ولده:
فقال: يا شريف .. الكلب ده بتاعك؟!
ولم يكذب شريف والخوف من الوالد ومن عواقب غضبه يملأ قلبه فقال:
أيوه يا حاج بتاعي.
وقال الحاج يحسم هذه المسألة التي تواجهه في كل ذهاب إلى المسجد أو عودة منه:
خلاص يا شريف.. الكلب ده تاخده وتسربه.. فاهم .. تسربه بعيد عن البيت علشان ما يرجعش تاني.
ثم شارحلا لأبنائه:
أنا مش كل ما أروح أصلي هاتوضا ثلاث مرات علشان حضرته بيحبني والا بيحب شريف.. خلاص يا شريف؟!
وقال شريف :
خلاص يا حاج.. حاضر.
ثم.. وفي محاولة أخيرة ليبقى الكلب إلى جواره:
بس يا حاج المسكين ده حيعيش ازاي؟
قال الحاج:
زي احنا مش أحن عليه من اللي خلقه.. أهو يعيش زي بقية مخلوقات ربنا..
أطاع شريف الأمر وسار بالكلب والكلب يتبعه كظله قاصدا أن يبعد به بعيدا عن البيت حتى لا يستطيع الكلب أن يعود إليه مرة أخرى.
وكانت الست الطيبة تنظر مشفقة من نافذة البيت إلى شريف الذي سار وكلبه إلى جواره لتسريبه لكنها لم تستطع أن تنطق حرفا.. فالحاج له كل الحق.. وعلى شريف أن ينفذ أوامره.. الله يتولانا جميعا.. هكذا أقنعت نفسها بعدم التدخل.
سار شريف على غير هدي يفكر فيما يفعله هو مع طلبه المخلص الذي أحبه. سار وسار حتى كلت رجليه ليجد نفسه في ميدان الأوابرا، ثم في العبتة وبين الصورين وشارع فاروق (الجيش الآن) والدموع تخنقه لهذا الغدر الذي يواجه به كلبه المخلص.
ودخل شريف في شوارع باب الشعرية وحاراتها المزدحمة ودموعه المنهمره على خديه حتى يستطيع أن يهرب هو من الكلب فلا يعود يراه.. ثم أخيرا وجد باب أحد البيوت الخارجية مفتوحا فأسرع إليه ليختبئ فيه منتهزا فرصة ابتعاده عن الكلب أو ابتعاد الكلب عنه.
ونظر شريف بحذر شديد خارج البيت فلم يجد للكلب أثرا فخرج وسار يتلفت حوله وقد تأكد من أن الكلب قد تاه.
ومن شارع إلى درب إلى زقاق في ذلك الحي الذي يشغى بالناس وفي شوارع وحواري لا يعرفها سار شريف يسأل عن الشارع الكبير الذي يمكن أن يعود به الآن إلى حي السيدة زينب والناس.. كل الناس الذين سالهم مندهشون، هذا الذي يسال عن حي السيدة وهو في عمق أعماق باب الشعرية.. فهذا شارع الصبان، وهذا حوش البقر.. وهذه حارة الدودة وهذا سيدي جلال، حتى خرج أخيرا إلى الشارع الكبير ليجد أمامه الترام فأدرك أنه قد استلم أول الطريق، ولكن لا ياس من السؤال مرة أخرى حتى يعود إلى شارع الخليفة.. ثم اخيرا.. السيدة زينب.
سار شريف.. وسار البرد يقرصه والجوع والتعب وقد تشتت تفكيره بين تدريب الغد صباحا في نادي الزمالك وبين حالة المزرية الآن وهو يكاد يلقى بنفسه على أقرب رصيف لينام.
واخيرا هذه هي السيد زبنب… وهذا هو الطريق الذي يعرفه والذي يؤدي إلى بيته فدخل فيه وهو يكاد يستند على الحيكان حتى لاح له بيته اخيرا وهناك كانت المفاجأة.
كان الحاج ابو شريف وأخويه حسن وحسين في انتظاره ومن قبلهم كان الكلب المخلص أول من رأى شبه صاحبه شريف وقد عاد إلى البيت فأسرع اليه سعيدا ليستقبله وسط فرحة الجميع بعودة شريف.
وقال الحاج أبوشريف:
يا بني أنا تأكدت ان الكلب ده مخلص وبيحبك.. علشان كده خليه.
ثم وكأن يرجوه:
بس ابقى اربطه لما أخرج علشان أروح أصلي.
ورد شريف والفرحة ترج كل كيانه:
من عينيا يا حاج.. ايدك أبوسها..
ولم تفت اللقطة حسين الفار فقال بسخريته اللاذعة
الكلب رجع.. وشريف افندي هو اللي تاه!