الطريق الى 30 – ( 20 ) .. مين اللى جابه ده ؟!
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
فى الثالثة ظهر يوم 30 مايو بدأ اجتماع الأدباء والمثقفين والفنانين بالمجلس الأعلى للثقافة بقاعة المؤتمرات و هو المؤتمر الذى دعت له جبهة الإبداع و فنانون و أدباء من أجل التغيير للمطالبة بإقالة وزير الثقافة بعد قراراته التى أنهى بها انتداب غالب قيادات الوزارة و التى رأت القوى الثورية أنها تمهيد لأخونة الدولة . و برغم أن الاجتماع ضد النظام إلا أن الدكتور طارق النعمان القائم بأعمال أمين عام المجلس سمح بانعقاده و على مسئوليته ، بل و كان حاضرا فيه .
فى بداية الاجتماع ظهرت إشكالية : من سيدير الاجتماع ؟ و اتفق المشاركون أن يتم اختيار شخص من غير العاملين بالوزارة ، أو من القيادات التى تمت إقالتها للابتعاد عن ( شخصنة القضية ) و عندما تم اقتراح أن يقود الاجتماع الناشط السياسى المعروف المهندس أحمد بهاء الدين شعبان اعترض البعض ، ليس على شخصه و لكن فضلوا ألا يكون لمن يدير الجلسة منصب حزبى ، حتى لا يقال أن للاجتماع لون حزبى محدد ، و بالتالى تم اختيار المايسترو يحيى خليل لإدارة الاجتماع و كذا السيناريست سيد فؤاد .
و الحقيقة أن الاجتماع كاد أن ينفض عدة مرات بسبب رعونة البعض و عصبيتهم ، و لكن الحنكة السياسية للكاتبة الكبيرة فتحية العسال و الدكتورة عواطف عبد الرحمن و هدوء الدكتور أحمد مجاهد و استيعاب الدكتور محمد العدل ساهمت فى استمرار الاجتماع و الخروج بقرارات منها مقاضاة وزير الثقافة ، بعد تصريحاته فى العديد من وسائل الإعلام بأن نسبة الفساد فى قطاعات الوزارة بلغت 60% ، واتهامه للقيادات المقالة بأنهم ( أبناء حظيرة فاروق حسنى )، كما قرر المجتمعون تنظيم إعتصام أمام وزارة الثقافة ، كخطوة تصعيدية ضد الوزير .
هنا يجدر الإشارة لما قاله الفنان كريم مغاورى بعدم الإعلان عن مكان الاعتصام ، أو أن يقال أن الاعتصام سيكون أمام مكتب الوزير ، و فى الحقيقة سنعتصم بالمجلس الأعلى ، و هنا اعترض البعض ( كنت منهم ) على الاعتصام فى مكان مغلق ، مما يسهل على الطرف الآخر محاصرة الاعتصام و تصفيته ، كما أن حركة الاعتراض على قرارات الوزير بوجودها فى أماكن مفتوحة مطلة على الشوارع ، نجحت فى كسب تعاطف الجماهير و شجعتهم على التعبير عن ضيقهم بحكم الإخوان ، و استقر الرأى على أن الاعتصام أمام مبنى الوزارة أفيد و له مردود أقوى ، و صعب تصفيته بسهولة . و عندما حاول مغاورى الدفاع عن وجهة نظره تم إسكاته بعدة طرق ، لأسباب لم يتم الاعلان عنها فى حينها ، فحسب شهادة الناقد و الفنان التشكيلى محمد كمال عن وقائع ذلك اليوم – و المنشورة بمجلة أدب و نقد – أن المخرج خالد يوسف صارحه فى نفس اليوم بأنه هناك خطة لاقتحام وزارة الثقافة و الاعتصام بها ، لذا كان اقتراح مغاورى يطابق نفس الفكرة ، و الإعلان عنه أو الإقرار به سيكشف تلك الخطة .
و بعد انتهاء الاجتماع اتجه المشاركون إلى مدخل دار الأوبرا الرئيسى للتضامن مع الوقفة الاحتجاجية للعاملين بها ثم انضم لهم الفنانون التشكيليون الذين كانوا فى وقفة أمام قصر الفنون ، ثم اتجه الجميع – و بترتيب من جبهة الابداع – إلى باب الأوبرا الرئيسى ، و تحت ظل تمثال سعد زغلول كان أكبر تجمع للفنانين و الأدباء و المثقفين و بعض كبار قادة الأحزاب المدنية و معهم القيادات المقالة يتم فى الشارع ( للأسف لو ذكرت أسماء المشاهير فقط ممن كانوا فى ذلك اليوم لاحتجت لعدة مقالات ) ، ثم وقف أمامهم الفنان خالد صالح ليقرأ أمام وسائل الإعلام المصرية و العالمية انذارا موجه الى حكومة هشام قنديل بإقالة وزير الثقافة خلال ثلاثة أيام ، و إلا فعليها تحمل كافة التبعات و ردود الأفعال ، و عندما تساءل الصحفيون ماذا ستفعلون بعد انتهاء المهلة أجاب خالد يوسف إنه إذا لم تستجب الحكومة لمطالب المثقفين، لن تتخيل ما يمكن أن يفعلوه .
و مما أوحى بصدق هذا التهديد البيان الذى أصدره اتحاد النقابات الفنية برئاسة الفنان هانى مهنى ، الذى أعلن فيه رفض الاتحاد التام لسياسات الحكم في مصر، خاصة المتعلقة بالثقافة والفنون . وحذر أن هذه السياسات تهدد بتصفية الإبداع ، ومحو التراث، وناشد الاتحاد جميع المنظمات الحقوقية والثقافية والفنية ، سواء العربية أو الدولية ، بإعلان تضامنها مع مبدعي مصر ومثقفيها في مواجهة من يصورون الفنون بأنها رجس من عمل الشيطان ، كما دعى البيان جميع أعضاء النقابات الفنية في مصر للإعلان عن غضبهم من سياسات النظام ، بجميع الطرق السلمية للدفاع عن مستقبلهم ، وأكد أن خيارات التصعيد كلها مفتوحة .
و هكذا أصبح الفن و الثقافة فى مواجهة صريحة مع النظام ، الذى لجأ إلى أساليبه البالية التى تثبت أنه نظام يفتقر إلى الخيال و الإبداع . ففجأة ظهر إلى الوجود كيان غريب أطلق على نفسه جبهة الإبداع المستقلة ( و كأنهم عدموا الأسماء فقلدوا اسم جبهة الإبداع المصرية ) و أعلنت تلك الجبهة دعمها المطلق لوزير الثقافة ، و طالبته بتطهير الوزارة من الفساد والضرب بيد من حديد فوق أيدي المفسدين داخل وخارج الوزارة ، مؤكدة قدرتها على حشد آلاف المثقفين فى الشارع لتأييد خطوات الوزير الحكيمة ، وتحرير الوزارة من الاحتلال الشيوعى اليسارى العلمانى ( كعادة ذلك التيار بإلقاء تهم جاهزة معلبة تستخدم الدين ) . وأعربت الجبهة عن استيائها من الحملة الإعلامية التي تستهدف النيل من وزير الثقافة والسعي لإقالته لإفساح الطريق أمام شخصيات بعينها يتم التمهيد لاعتلائها كرسي الوزارة . كما استنكر البيان دفاع بعض المثقفين من التيار الماركسي والعلماني عن أشخاص ما قدموا شيئا للثقافة المصرية طوال فترة عملهم ، مستمدين شرعية وجودهم من نظام مبارك ( المقصود بهم القيادات المقالة ) وقال البيان : ( وصلت حملة التشويه إلى حد الطعن فى عرض الوزير واتهامه باتهامات مكذوبة لا دليل على صحتها ، و كأنهم جهة تحقيق استوثقت من البراءة ) ثم كانت المظاهرات الصاخبة وقطع الطرق والتهديد بمنع الوزير من أداء عمله ومنح حكومة الدكتور هشام قنديل مهلة 72 ساعة لتعيين وزير جديد ينتمى للماركسية ( !! ) .
وكل تلك التصرفات الهمجية تدين هؤلاء الذين يدعون الثقافة والفكر، وتثبت أنهم لا يختلفون فى شيء عن قطاع الطرق وعصابات الخطف والإفساد ، كما أن ردة الفعل العنيفة من تجاه هؤلاء تثبت أنهم منفصلون عن الواقع ولا يعنيهم من أمر بلدهم إلا مصالحهم ومكاسبهم الشخصية، ففى الوقت الذى تواجه مصر مخاطر كبرى فى سيناء وبناء أثيوبيا لسد النهضة ومحاولات الثورة المضادة عرقلة مسيرة التنمية والاستقرار والخروج على الرئيس محمد مرسى ، لا يجد هؤلاء إلا وزير الثقافة ليصبوا عليه إرهابهم ” . و تقول الصحيفة التى نشرت البيان أنه قد وقع عليه عدد من المثقفين من مختلف مناطق مصر منهم محمود القاعود منسق جبهة الإبداع ( ليس بالطبع لاعب الكرة و إنما شخص واضح من أسلوبه و ألفاظه إلى أى منحدر ينتمى ، و نعتذر عن نشر باقى الأسماء الموقعة على البيان ) .
و فى يوم السبت سارع بقية أفراد الكورس فى التيار المتأسلم بإعلان تضامنهم مع الوزير ، و منهم حزب البناء والتنمية ، و لجنة الثقافة و الإعلام بمجلس الشورى التى يرأسها إخوانى معروف . لكن هذا لم يمنع المثقفين من التصعيد ، فقد نظم العاملون بأوبرا الاسكندرية وقفة أمام مسرح سيد درويش ، احتجاجًا على أخونة وزارة الثقافة ، انضم لها عدد من الفنانين و المثقفين و أيضا نشطاء سياسين ينتمون للأحزاب المدنية ، و استمرت لمدة ساعة ، أما فى دار الأوبرا بالقاهرة فقد كان الاعتصام مازال مستمرا ، و أعلن المعتصمون عن وقفة احتجاجية و لكن أفراد الأمن بدار الأوبرا قاموا بإغلاق الأبواب الحديدية لمنع دخول مشاركين فى الوقفة و كذلك منعوا الصحفيين من الدخول لتغطية الأحداث بناء على قرار من رئيس دار الأوبرا الجديد المهندس بدر الزقازيقى بمنع دخول من لا يحمل تصريحا ، إلا أن مفاجأة حدثت أذهلت الجميع .
ففى المساء ، انفرج ستار المسرح الكبير عن أوركسترا القاهرة السيمفونى مصاحبا للفنان المصرى العالمى رمزى يسه – فى أول حفل بعد انتهاء الأيام الثلاثة التى أعلنت الأوبرا تعليق أنشطتها فيها – و إذا بمجموعة ضخمة من كبار الفنانين و الأدباء و المثقفين تدخل الى المسرح يتقدمهم (يسه) ليعلن الاعتذار عن تقديم العرض اعتراضا على قرارات وزير الثقافة ، لتصبح هذه هى المرة الثانية التى يعتذر فيها أحد أكبر الفرق المصرية بدار الأوبرا عن العمل للمطالبة بإقالة الوزير . و وقف الفنان الكبير عزت العلايلى يناشد كافة أطياف الشعب برفض سياسات جماعة الإخوان و يطالب جموع المصريين بالحفاظ على مصر ، لتنطلق بعدها هتافات الفنانين و الجمهور ضد الإخوان ، و تعدهم بالويل يوم 30 يونيو . و خرجت جموع الفنانين و معهم المشاهدين إلى باب الأوبرا حيث وقف العازفون يعزفون النشيد الوطنى فى مشهد من أروع المشاهد الوطنية التلقائية التي فجرت الدموع فى أعين كثيرين .
لكن البسمة عادت من جديد و الجميع يتابع مداخلة للفنان الكبير عادل إمام فى برنامج (مصر الجديدة) الذى كان يقدمه الإعلامى معتز الدمرداش على قناة (الحياة) و هو يقول بطريقته الشهيرة : (يا وزير الثقافة ابتعد عن الثقافة وسيبنا فى حالنا .. خذ القطار من الإسكندرية إلى أسوان وانزل القرى والنجوع والمدن وشوف إزاى الشعب المصرى الفن مزروع فيه .. مين اللى جابه ده.. هاتولنا حد بيفهم فى الثقافة) .
و لم تنته الأحداث بل استمر التصعيد .. و لهذا حديث آخر ..