بقلم : عماد النويرى
كل الفنون محاكاة للواقع، وكل فنان حر في اختيار موضوعه وأداة تعبيره، والناقد حر في اختيار ما ينتقده دون أية ضغوط من أى نوع، والمتلقي المشاهد أو المستمع حر في الأخذ بوجهة نظر الناقد أو عدم الأخذ بها، وما يحدث أحيانا، ويسبب ربكة كبيرة، وحالة من الاضطراب، إن الناقد أحيانا يرغب في مصادرة حرية الفنان، والمتلقي يرغب في مصادرة حرية الناقد، وأن يقوم كل واحد بدور ليس له مستخدما كل أساليب الترهيب والتخوين رغم أن كل تلك الحريات في النهاية محكومة بهامش حرية تسمح بانفراجه أو تضييقه سلطات لاترغب في أغلب الأحوال في تحريك الساكن، أو تسكين مايجب أن يتحرك، وتفتح هذه المقدمة الباب على مصراعية لجدل لاينتهى عن علاقة الفنان بالناقد (إذا كان ناقدا بالفعل) وعلاقة الاثنين بالمتلقى، وعلاقة الثلاثة بالسلطة.
فيلم (ريش) من المفترض أن الرقابة وافقت على السيناريو الخاص به، كما وافقت على تصويرة على أرض مصر، ومن المفترض أيضا أنها اطلعت على الجهات الممولة للفيلم، وبعد حصول الفيلم على جائزة أسبوع النقاد في (كان) قامت وزارة الثقافة بتكريم صناع الفيلم، وعندما ثارت الضجة حول الفيلم ومحتواه قامت الوزارة بإصدار بيان لنفى مشاهدة الوزيرة للفيلم، وكأن الوزارة تحاول أن تسبق الأمور لتحمى نفسها من تحقيقات وتساؤلات ومسائلات لابد وأن تحدث في القريب العاجل، خاصة بعدما أثيرت بعض الأقاويل من هنا وهناك حول المساهمة في تمويل الفيلم من بعض الجهات المشبوهة، كذلك فعلت إدارة مهرجان الجونه بإصدار بيان توضيحي وتبريري عن حرص المهرجان علي اختياراته التي لا تسىء إلى سمعة مصر ، ولم ينس المهرجان أن يشير إلى جهوده من أجل الوطن!، وكما يبدو فى كلتا الحالتين لاتملك أية جهة من الجهتين المذكورتين الشجاعة الأدبية للدفاع عن اختياراتها .
من المهم وضع مهرجان الجونة في إطاره المفترض، حتى لانعقد الآمال الكبيرة على أشياء لم تأخذ منذ البداية حجمها الصحيح. من المؤكد أن المهرجان وخلال دوراته السابقة وحتى دورته الخامسة التي تنتهي اليوم قدم الكثير من الأفلام والندوات وغيرها من الأنشطة السينمائية المهمة، وكان من الأفضل ومنذ البداية ومنعا لوصول المهرجان إلى ماوصل إليه من صورة يبدو فيها وكأنه (مولد وصاحبه غايب)، كان على داعمى المهرجان الرئيسيين من (آل سايروس) أن يبتعدا عن الأضواء ويتركا صلاحيات الإدارة السينمائية لأصحابها وفى هذه الإدارة أسماء نعتز بها ونقدر خبرتها الكبيرة، بدلا من استفزاز الناس بتصريحات جارحة، مع فرض المصالح والرغبات الخاصة بهما على أروقه المهرجان.
طبعا من حق ضيوف المهرجان أن يفرحوا وأن يمرحوا، ومن حق السينما أيضا أن تفرح وتمرح. ماحدث ومايحدث هو أن (الأخوين ساويرس) يبدو أنهما قد فقدا البوصلة في تحديد مالهم من المهرجان وماعليهم كحق مطلوب للسينما وأهلها في مهرجان الجونة، ومع كامل الاحترام لكل النيات الطيبة (إذا كانت كذلك) اختلط الحابل بالنابل فأنت لاتعرف على وجه التحديد هل أنت في (منتجع سياحي) راقي (تنتجع) فيه كما تشاء؟!، أم أنت في مهرجان سينمائي بحق يقدم لك وجبات سينمائية شهية؟، أم أنت في ملهى ليلى كبير تعقد فيه الصفقات بين نخبة المجتمع من رجال الأعمال المشبوهين والطيبين؟!
وبين كل ذلك خيوط رفيعة تكاد لاترى، وحتى يتم إدراكها تحتاج إلى عين خبيرة وحس إجتماعى مرهف ورؤية ثقافية تتخطى المكاسب السريعة والادعاءات الكاذبة.