بقلم : محمد حبوشة
يمكن التعرف على الممثل الحقيقي من خلال علامات معينة، من بينها، يتمثل العامل الرئيسي في القدرة على التعود على الدور، حتى أن هناك (طريقة غمر) خاصة طورها ستانسلافسكي، حيث يسعى الشخص المنغمس في دور ما إلى الاقتراب قدر الإمكان من شخصيته، بحيث أنه من المستحيل التمييز بين اللعبة والحياة الواقعية، بالطبع هذا يتطلب مهارة وتجربة معينة والعمل الداخلي على الذات، لكن كيف تصبح ممثلا محترفا؟.
يتعلم الكثير من الممثلين المحترفين على التمثيل بشكل جيد من خلال التدريبات والبروفات لتحسين مهاراتهم، فمنهم قليل ممن يلتحق بصفوف التمثيل في المعاهد ويقوم بدراسته أكاديميا، ويعملون مع مدرب التمثيل والحوار لأنهم يساعدون الممثل على العمل والدراسة بشكل مكثف، ولكن لا يصل الممثل إلى النجاح الحقيقي إلا إذا كان موهوبا بالفعل، ومن هؤلاء الممثلين الذين يملكون موهبة طاغية توهله للعب كثير من الأدوار سواء على المستوى الكوميدي أو التراجيدي، هو ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع الفنان المبدع (محمود البزاوي) الذي يتمتع بروح السرية والدعابة المستمدة من كونه يحمل بين جوانحه حس الكتابة بلغة راقية، فهو ممثل ومؤلف وصانع للدهشة الإبداعية بكل تجلياتها.
البزاوي من الممثلين الذين لايخشون الخوف عند الوقوف أمام الكاميرا، لفترة قصرت أم طالت ويتصل بهذا الأمر التعود مع الإضاءة والكاميرا وكادر التصوير، فهو متمكن من الإلمام بأساسيات التمثيل مع الحركة أمام الكاميرا، ويستطيع أن يقنع الشخص نفسه بإقناع النفس بعدم وجود الكاميرا، وأن يتم يتصرف بشكل تلقائي لكي يكون التمثيل عنده أقرب للواقع، لذا فهو يتقمص الشخصية المراد تمثيلها بشكل جيد، وهى نفس الشخصية التي يقرأ عنها في السيناريو، ولأنه يملك حسا عاليا في الكتابة فلابد له أن يحب الشخصية أولا ويتعمق فيها ويشعر بها ثانيا، كما أن يحاول بقدر الإمكان أن يختار الدور الذي يتلاءم مع شخصيته ويكون قريب منها حتى يعرف أن يتقن الدور بمهارة ولا يجد صعوبة في أداء هذا الدور.
والمتأمل لمسيرة (محمود البزاوي) سوف يلحظ أنه يبحث عن الأدوار البعيدة عن شخصية الممثل، بحيث يكون التمثيل أقرب من الطبيعة وبعيد عن الزيف، ومن ثم يجب أن يقوم الممثل بتقمص الشخصية التي يقوم بتمثيلها، ويشعر إنه هو والشخصية شخص واحد، كما يجب أن يفهم هذه الشخصية بشكل جيد وأن يقوم بدورها كما يجب أن يكون.
ندرك ونردد كلنا أن الفن هو ليس مجرد تسلية فقط، بل هو رسالة هادفة، رسالة يشترك فيها الكثير بغية إيصالها، بدءا بصاحب فكرة العمل، فكاتب السيناريو أو الكلمات، ثم المخرج، وربما الحلقة الأهم في هذه الدائرة في اعتقادي هى الممثل، لسبب بسيط، وهو أن المتلقي أي المقصود بالرسالة لن يظل في ذهنه سوى صورة الممثل، ومنها يستوحي مضمون الرسالة، وربما كان هذا منهجا يسير عليه محمود البزاوي منذ أن وقف أمام الكاميرا لأمل مرة، إنطلاقا من أدراكه الدفين بأن الممثل أو الفنان الناجح لا يجب أن يقتصر على الموهبة فقط، وقد ساهم في نجاحه في هذا أنه يحرص على أن يزود نفسه بمستوى فكري وثقافي معين، فالفنان هو قدوة الناس اليوم، فإذا كان متخلفا، فبدون شك أن الناس يقتادون به في ذلك، وإذا كان مثقفا وذا رسالة عميقة فالناس سيتخذونه قدوة في ذلك أيضا.
الفن والإبداع شيئان متلازمان عند (البزاوي)، فإنك لا يمكن أن ترى فنانا وصل إلى درجة عالية من الإتقان وهو ليس مبدعا في عمله، فالفن بجميع أشكاله يحتاج إلى التفكير الإبداعي العميق المنظم، وإن كان الفنان يفتقر إلى الإبداع فهو يفتقر لاستحقاق لقب الفنان، فالفن ليس حرفة يدوية، بل إنه نقل للشعور الذي عاشه الفنان، لذا تجد أن الثراء الذي حققه (محمود) يأتي من الطبيعة، فالطبيعة مصدر إلهامه الحقيقي، وإذا كنت تريد إنشاء شيء قوي ومهم، فيجب على الأقل أن تكون مدفوعا بقوة داخلية بنفس القوة، فالدافع الرئيسي للموهبة لديه هو أن نتحرك، أن نحب، نتأمل ، نرتجف ، نعيش، ومن ثم فمحمود يسعى في كل أدواره إلى رسم الفن الذي يريد رؤيته، ويبدأ العمل الذي يريد تشغيله، ويكتب الكتب التي يريد قراءتها، ويبني المنتجات التي يريد استخدامها، إيمانا بأنه عليك أن تقوم بالعمل الذي تريد أن تراه منجزًا.
الملمح الرئيسي الذي ألمحه في شخصية الممثل الموهوب (محمود البزاوي) أنه يكون دائما وأبدا على سجيته وفطرته الفلاحية البسيطة والطيبة، وكأن لسان حال يقول: وحيدا تماما أثناء الليل، عندما لا أستطيع النوم، في مثل هذه المناسبات تتدفق أفكاري بشكل أفضل وأكثر وفرة، وتشتعل لدي الموهبة، لا تفكر في صنع الفن، فقط قم بإنجازه، دع الجميع يقررون ما إذا كان ذلك جيدا أم سيئا، سواء أحبوه أم كرهوه أثناء اتخاذ القرار، اصنع المزيد من الفن واستغل موهبتك.
الموهبة كما ترسخ في يقين (البزاوي) هى ربط الأشياء ببعضها، والجمع بين عناصر غير عادية، غريبة، وغير متناسقة، يحتاج الإبداع إلى قدر من الذكاء، ويؤكد التربويون دائما على أهمية تنمية الإبداع لدى الإنسان، من خلال تعزيز الإبداع وملكات الموهبة بين من لديهم القابلية للتعلم، وكي نشجع على هذا الأمر استشف قولا ربما لم يأتي على لسانه مباشرة، لكنى أراه مرتسما على وجهه الطيب الحنون الذي يقول: الموهبة أرخص من ملح الطعام، ما يفصل الموهوب عن الناجح هو الكثير من العمل الشاق، الموهبة لا تعني شيئًا ، بينما الخبرة المكتسبة في التواضع والعمل الجاد تعني كل شيء، الفنان لا شيء بدون الموهبة، لكن الموهبة لا شيء بدون عمل،
الشخص المولود بموهبة من المفترض أن يستخدمها سيجد أعظم سعادته في استخدامها، القليل من الموهبة شيء جميل إذا كنت تريد أن تكون كاتبا، لكن الشرط الحقيقي الوحيد هو القدرة على تذكر قصة كل حزن تمر بها، الموهبة الفنية هى هبة من الله ومن يكتشفها في نفسه عليه التزام يتمثل في أن يعرف أنه لا يمكنه إضاعة هذه الموهبة، بل يجب عليه تطويرها، وإذا وجدت أنك الشخص الأكثر موهبة في الغرفة، فأنت بحاجة إلى العثور على غرفة أخرى، وأيضا إذا لديك موهبة فريدة وطريقة فريدة للتعبير عنها، فهناك شيء يمكنك القيام به بشكل أفضل من أي شخص آخر في العالم بأسره، لأن لكل إنسان موهبة فريدة وطريقة تعبير فريدة عن تلك الموهبة، هناك أيضا احتياجات فريدة، وعندما تتوافق هذه الاحتياجات مع التعبير الإبداعي عن موهبتك، فهذه هي الشرارة التي تخلق لك الثراء.
ولد محمود البزاوي في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، كان أصغر أشقائه وكان محب للاطلاع والقراءة بكثرة، وعندما كان في الصف الثالث الثانوي تقدّم إلى أحد المسابقات لاكتشاف وجوه جديدة في التمثيل، وقد أدى واحد من أصعب المشاهد وأجملها، وأعجبت بتمثيله اللجنة التي ضمت الفنان (نور الشريف) مع غيره من نجوم مصر، إلا أن نور الشريف قدم نصيحة له وهى إكمال دراسته والالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ومن ثم الخوض في هذا المجال، وبالفعل هذا ما فعله البزاوي، وبعد تخرجه وخوضه تجربة التمثيل التلفزيوني والسينمائي نجح في رأي غالبية نجوم مصر القدماء وقدم أجمل المواهب وأهمها، إلا أنه بنظر الكثيرين من الوسط الفني يعتبر من مظلومي هذا المجال، فلم ينال الشهرة الواسعة التي تستحقها موهبته إلى الآن.
كان أول ظهور لـ (محمد البزاوي) في السينما من خلال فيلم (الاحتياط واجب) إنتاج 1983، بطولة الفنان أحمد زكي، لكن كانت بدايتة الحقيقية عام 1986 في فيلم (الطوق والإسوارة) فجسد فيه شخصية عبد الحكم، وفي عام 1987 كان في فيلم (التعويذة) وهو من بطولة محمود ياسين ويسرا وعبلة كامل وتحية كاريوكا، وفي عام 1989 شارك في فيلم (كتيبة الإعدام) الذي كان من بطولة الفنان نور الشريف الذي تنبأ له بمسيرة فنية رائعة.
في عام 1990 ظهر في فيلمي (قضية سميحة بدران، وتحت الصفر)، وفي عام 1991 بدأ بانطلاقته الفعلية من خلال المشاركة بأربعة أفلام سينمائية هي (يا مهلبية يا، يا ناس يا هووه، سمع هس، وفيلم الهروب)، أما عام 1992 اقتحم التلفزيون المصري بخمسة أعمال هى (ألف ليلة وليلة، وما زال النيل يجري، أيام الغياب، الوديعة، السوق)، كما شارك في فيلم (الحب في الثلاجة)، وعام 1993 كان في فوازير (المتزوجون في التاريخ)، وفي مسرحية (الزعيم) للفنان عادل إمام، وفيلمي (وزير في الجبس، بوجي وطمطم وأسرار جحا) ومسلسل (ذئاب الجبل).
عام 1994 شارك (محمود البزاوي) في مسلسل (بوابة الحلواني – الجزء الثاني)، وفي عام 1995 كان في فيلمي (بخيت وعديلة، وطيور الظلام)، ومسلسل (الوهم والسلاح)، وعام 1996 ظهر في ثلاثة أفلام هى (النوم في العسل، ناصر 56، بخيت وعديلة 2: الجردل والكنكة)، وفي مسلسل (خالتي صفية والدير)، وفي عام 1997 كان في فوازير (أبيض وأسود تاني)، وثلاثة مسلسلات هى (الشارع الجديد، حلم الجنوبي، زيزينيا – الجزء الأول)، وعام 1998 شارك في فيلم (رسالة إلى الوالي) ومسلسل (أوراق مصرية – الجزء الأول)، وفي عام 1999 شارك في فيلم (همام في أمستردام) ومسلسل (حلم العمر كله).
في بداية الألفية الجديدة شارك في فيلمي (فيلم ثقافي، وعلشان ربنا بحبك)، وثلاثة مسلسلات هى (شنة ورنة، أوبرا عايدة، ودقات الساعة)، أما في عام 2001 فقد اقتصر وجوده على السينما المصرية في فيلمي (الرجل الأبيض المتوسط، شرم برم)، وفي عام 2002 شارك فقط في مسلسل (زمن عماد الدين)، وعام 2003 شارك في مسلسل (أمانة يا ليل)، وفي عام 2004 تواجد في مسلسل (القاهرة منفلوط والعكس)، وعام 2005 شارك في مسلسل (ريا وسكينة)، وفيلم (زكي شان( الذي كان من بطولة أحمد حلمي وياسمين عبد العزيز.
شارك (البزاوي) عام 2006 في فيلمي (جعلتني مجرما، وظرف طارق)، وثلاثة مسلسلات هى (أسلحة دمار شامل، العندليب، فقد لعب دور الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في هذا المسلسل، وحارة الزعفراني)، وعام 2007 كان في فيلم (الشبح)، كما شارك في كل من المسلسلات التالية: (تامر وشوقيه – الجزء الثاني، لحظات حرجة، نافذة على العالم)، كما كتب وألّف كل من المسلسل التلفزيوني (لحظات حرجة) والمسلسل الإذاعي (عيد في ريال مدريد)، وفي عام 2008 كتب سيناريو وحوار فيلم (كلاشنكوف)، كما ألف المسلسل الإذاعي (السندباد عماد)، ومثل في مسلسلي (العيادة – الجزء الأول، وناصر، وفيلمي (مسجون ترانزيت، زي النهاردة).
عام 2009 شارك في ثلاثة مسلسلات (قلقاسة في وكالة ناسا، عبودة ماركة مسجلة، الأدهم) ويذكر أن كتب سيناريو وحوار مسلسل (الأدهم) وألف مسلسل (قلقاسة في وكالة ناسا)، أما في عام 2010 فقد ألّف مسرحية (الأيدي الناعمة)، والجزء الثاني من مسلسل (لحظات حرجة)، وشارك في مسلسلي (الجماعة، اللص والكتاب)، وعام 2011 كتب السيناريو والحوار لكل من المسلسل الإذاعي (مصباح علاء الدين) والمسلسل التلفزيوني (الريان) ومثّل في (الزناتي مجاهد)، وفي عام 2012 ألّف الجزء الثالث من مسلسل (لحظات حرجة)، وشارك في فيلمي (ساعة ونص، والمصلحة)، ومسلسلي (الزوجة الرابعة، فرقة ناجي عطا الله).
عام 2013 شارك (محمود البزاوي) في ثلاثة مسلسلات هي (الرجل العناب، بدون ذكر أسماء، مزاج الخير)، وفي عام 2014 ألف مسلسل (مكان في القصر)، وشارك في مسلسلي (الإكسلانس، سرايا عابدين – الجزء الأول، وعام 2015 تابع في الجزء الثاني من (سرايا عابدين)، ومسلسل (ظرف أسود)، وفي عام 2016 شارك في أربعة مسلسلات هى( ليلة، الكيف، جراند أوتيل، والجزء السادس من ليالي الحلمية، فضلا عن ثلاثة أفلام هى (كلب بلدي، من 30 سنة، حرام الجسد)، وعام 2017 كان في فيلم (الشيخ جاكسون) ومسلسلي (لمعي القط، تصبح على خير) وأيضا في المسلسلات التالية (كلبش، سابع جار، والجزء الثاني من مسلسل الجماعة).
عام 2018 شارك (البزاوي) في أربعة أفلام هى (البدلة، تراب ألماس، ليلة هنا وسرور، بني آدم( وفي المسلسل الإذاعي (لمس الأكتاف) ومسلسلي (أمر واقع، وكلبش – الجزء الثاني)، وفي عام 2019 تواجد في خمسة مسلسلات هى: (بدل الحدوتة تلاتة، علامة استفهام، الزوجة 18، أبو جبل، أهو ده الي صار)، وفيلم (كازابلانكا)، كما شارك في الأعمال التالية (مسلسل بنت القبائل، فيلم البدلة – الجزء الثاني)، وفي عام 2020 شارك في مسلسلي (فرصة تانية، سلطانة المعز)، وفيلم (خان تيولا)أما عام 2021 فقد شجل تألقه الكبير بالمشاركة في مسلسلي (هجمة مرتدة، قصر النيل)، وأخيرا أثبت تفوقه في مسلسل (شقة 6)، وحكاية (هدف نبيل) ضمن خكايات (ورا كل باب) التي لعب فيها دور الأب الذي هرسته الأيام كسائق تاكسي مكافح ومخلص لأهله وأصدقائه.
وييقى (محمود البزاوي) بين أولائك الفنانين الذين قد يختفون قليلا، ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى زحمة الدنيا لبعض الوقت، لكنهم يظلون طوال الوقت حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة، ونقطة ضوء فى عتمة الليالى الفارغة، يظلون دائما، كما بقي (البزاوي) فنان من العيار الثقيل، ففى كل مرة يظهر خلالها على شاشة التليفزيون أو السينما سرعان ما ندرك رغبته القوية فى ترك بصمة جديدة فى تاريخه الفنى الذى حرص من خلاله على البحث عن الكيف لا الكم من خلال أبرز ما تضمنه من أدوار.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان المبدع والقدير (محمود البزاوي) الذي يرى البعض أنه قليل الظهور، ولكن فى حقيقة الأمر عبر هذا الظهور النادر كاف للتأكيد على موهبة حقيقية سواء فى عالم التمثيل أو الكتابة الدرامية الرشيقة، لذا سيظل أثره راسخا في الوجدان المصري بموهبته الطاغية التي لم تدركها الشهرة التي يستحقها عن جدارة في ظل سيطرة أنصاف وأرباع بل عديمي الموهبة على الساحة الفنية.