رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

تعرف : كيف أنقذت زوجة (كمال الطويل) أغنية (يا واد يا تقيل) من السقوط ؟!

صاحب الألحان التى لا تموت كمال الطويل

كتب : أحمد السماحي

(حبك في كل مكان، كيف أنت ملكي وحبك في كل مكان، لا يهمني إلى أين نحن ذاهبان، طالما يدك في يدي) هذه الأغنية التى غنتها المغنية (جاكي ترانت) كان الموسيقار المبدع (كمال الطويل) معجب بها جدا، ومعجب ببساطتها اللحنية، جملة موسيقية تنتقل بها المغنية من مقام إلى آخر فى صدق، أحاسيس ترتعش، فموسيقارنا الراحل كان يحس لحظة الصدق ويتشبث فيها حتى لا تهرب منه، وحاول أن يطبق ذلك في ألحانه خاصة التى لحنها للأسطورة (سعاد حسني) من هذه الأغنيات أغنية (يا واد يا تقيل) التى أنقذتها زوجته من السقوط المروع كيف حدث ذلك تعالوا نترك (كمال الطويل) يحكي لنا حدوتة هذه الأغنية بالتفصيل كما ذكرها للزميل الرحل (محمد الدسوقي) في مجلة (فن) فى بداية التسعينات.

ياواد يا تقيل .. يا .. يا ..يا

يقول الطويل: قابلتني (سعاد حسني) ذات يوم بجانب مبني الإذاعة والتليفزيون، سلمت على ثم قالت لي وهى تضحك ضحكتها الجميلة بانطلاق وبراءة: (مش هتلحن لي بقى؟)، فقلت لها مجاملا من دون تفكير : (يا سلام من عينيه يا سوسو).

وانتهى اللقاء بسرعة كما بدأ، ولم يبق منه إلا هذا الوعد، وانتهت المسألة بالنسبة لي، ولكني فوجئت بأن الأمر لم ينته بالنسبة لـ (سعاد) حيث فوجئت بعد فترة بالصديق الفنان (صلاح جاهين) يتصل بي قائلا : (ايه يا كمال، الكلام جاهز من فترة طويلة، انت فين؟ مجتش ليه لأجل أن تلحنه، إحنا بانتظارك)، فقلت له بدهشة كبيرة : (أي كلام يا صلاح؟) فلم يجبني بشيئ بل قال : (تعال وتعرف كل شيئ).

ذهبت اليه فوجدت عنده (حسين فهمي، سعاد حسني، صبري عبدالمنعم) وغيرهم كعادته، فتح درج مكتبه وأعطاني ورقة وقال لي : (أقرأ يا بو كمال)، قرأت فوجدت كلاما لطيفا جدا وعلى ضلفة الباب في حجرة مكتبه وجدت نفسي أغني وأنقر على الباب ( يا .. يا .. يا واد تقيل، دا انا بالي طويل وانت عاجبني)، ثم جلست على البيانو، ووجدت نفسي انتهي من لحن الأغنية في الجلسة نفسها، جاءوا بمن كتب النوتة الموسيقية، لأنني قلت لهم وبمجرد أن انتهيت: أنا مسافر الآن إلى الأسكندرية حيث كنا في عز الصيف في شهر أغسطس.

وكانت السيدة زوجتي بالأسكندرية، وكنت قد تركتها وعدت على القاهرة لإنجاز أمر من الأمور، وبالمصادفة البحتة اتصل بي (صلاح) فوجدني انجزت اللحن وعدت إلى الأسكندرية، وأقسم بالله العظيم أنني نسيت اللحن تماما.. تماما!.

شموخ حسين الفخراني في الأغنية والفيلم

ويضيف الموسيقار المبدع : وفي يوم من الأيام كنت جالسا على شاطئ البحر حين فوجئت بزوجتي تقول لي : إيه يا كمال أنت عارف اللحن الذي لحنته في رحلتك إلى القاهرة سوف يتم تسجيله فى ستديو مصر الليلة، فقلت لها : لحن ايه؟ فقالت: (يا واد يا تقيل، الصحافة كاتبه الخبر)، فقلت لها: ياه والله جد، بتتكلمي جد، اللحن سيسجل الليلة؟)، فقالت بدهشة كبيرة مخلوطة بسخرية جميلة: (بقى فيه ملحن وفنان كبير تسجل سعاد حسني أغنية له وهو بعيد عن الاستديو والفرقة وسعاد، ثم أنها أول مرة تغني لك، وهى فنانة وممثلة كبيرة وليست بمطربة، أليس مفروضا أن تكون موجودا؟).

ويستكمل كمال الطويل كلامه قائلا: وقتها وبصراحة كنت مختفيا عن الأنظار تماما، ومضت السيدة زوجتي قائلة دون توقف وبلهجة فيها الدهشة والتساؤل: (عندما يفعل الإنسان شيئا جديدا لتسمعه الناس، هل يرمي العمل أم يعرف ماذا حدث له، العمل الجديد ألا يجعلك تفكر بالسفر، ولو لساعة لتطمئن على عملك؟ فقلت متقفا معها : فكرة جميلة جدا سوف أسافر الآن.

وعلى الفور قمت ونزلت إلى القاهرة وإلى استديو مصر مباشرة من دون توقف، دخلت الاستديو فوجدت الفرقة تسجل اللحن بالفعل يقودها المايسترو (شعبان أبوالسعد) الذي قام بتوزيع اللحن بتكليف من (صلاح جاهين)، ووجدت (أبوالسعد) وهو فنان وأستاذ محترم جدا، يقوم بعمل أشياء بديعة من خلال الأوركسترا السيمفوني، لكن لحني الذي لحنته وأنا أقف بباب حجرة مكتب (صلاح جاهين) لم يكن مناسبا له، فأنا خيالي في التلحين انحصر في موديل الفتاة ابنة الست العالمة والتى في داخلها عالمة، هى صحيح طالبة في كلية الحقوق لكنها تظل (عالمة) فيها موروثات كل شارع محمد علي، كل هذه الأشياء تداعت إلى ذهني وأنا أقف استمع إلى لحني الذي لم أعرفه، ولم استدل على ملامحه.!

سعاد حسني .. خف دم ورشاقة منقطعة النظير

ولأن الفرقة كانت تعزف والكل مندمج، فلم يكن أمامي إلا الصمت، لم اتكلم بقيت صامتا احتراما وتقديرا لرؤيا لحنية أخرى جيدة، ولكنها على النقيض تماما من رؤيتي، لذلك بقيت صامتا حتى انتهى التسجيل تماما، عند ذلك توجهت إلى المرحوم (شعبان أبوالسعد) وسلمت عليه وقلت له أمام الجميع : (أشكرك جدا أستاذ شعبان، وأشكركم يا سادة من قلبي، على المحاولة)، سمع الزملاء الموسيقيون هذا الكلام وبدأ كل عازف يضع آلته في الكيس الخاص بها، رأيت هذا فأسرعت قائلا لهم : من فضلكم يا أساتذة لدي شيئ بسيط أود أن أقوله لكم، المايسترو (شعبان أبوالسعد) وبلماحية وذكاء الفنان فهم وعرف الحكاية، فقام على الفور بجمع النوت الموسيقية التى تحتوي التوزيع الموسيقي الكلاسيكي الرصين الذي قام بوضعه للحني البسيط، وسلم علينا ومضى.

وعلى الفور ناديت الأستاذ (نصري عبدالمنصف) رحمه الله، وقلت له : من فضلك أستاذ نصري هات (النوت) الموسيقية الأصلية، فأعطاني لحني من دون توزيع، وكما دونته، أعطاني الرجل النوت، نظرت إلى مجموعة العازفين فلمحت المرحوم (عمر خورشيد) وبجانبه مجموعة من أفضل وأمهر العازفين فقلت لهم بفرح : (يا أخوانا احنا حنعملها يختاوي شعباوي، حاجة كده شعبية، دعونا نقول مزاجنا البلدي الجميل فيها) وفهمني الجميع خصوصا أن اللحن لا يحتمل الفذلكة أو الكلاسيكية، وسجلنا اللحن.

وغنت سعاد حسني وحين تغني وتؤدي لا يمكن لمخلوق أو صوت آخر أن يؤدي مثل هذا الأداء وبهذه الحلاوة وبخفة الدم المحببة التى تؤدي بها، ولا يمكن لصوت آخر أن يدخل القلب بمثل هذه الصورة السريعة إلا صوت سعاد حسني.

التمثيل بالغناء وليس العكس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.