كتب : محمد حبوشة
مما لاشك فيه أن سلسلة أفلام (سوبرمان) لعبت دورا كبيرا في حياتنا كأطفال يتطلعون إلى تقليد شخصية البطل الخارق، ولعل قصة (سوبرمان) تربت عليها أجيال من الأمريكيين وتأثر بها الكثيرون حول العالم وتحمل في طياتها مثل كل أبطال القصص المصورة، تأثيرات ثقافية ودينية، توراتية ويهودية، حيث يرى محللون أن الذي اخترعها ومن رسمها تأثرا بأرضيتهما الدينية اليهودية وفكرة الهجرة، وتلونت قصة (سوبرمان) بعدة أشكال من تعبيرها عن أجواء الكساد الاقتصادي في الثلاثينات من القرن الماضي إلى تحولها لصورة عن (الحلم الأمريكي)، فهي صورة عن البطل الذي يقاتل الأشرار في عالم مليء بالشر، ويحمل في طياته الصحافي الهادئ والمؤدب وخلف هذا الأدب حياة مزدوجة و (لغز) وقوة غريبة.
وقد أدت الصورة نفسها بعدد من النقاد والمحللين للظواهر الثقافية لقراءتها وتحليل أبعادها الثقافية، ومن أهمهم الناقد واللغوي الإيطالي (امبرتو ايكو) الذي اهتم بها منذ الستينات وشارك في نهاية التسعينيات بكتاب أصدرته جامعة المسيسبي عام 2006 من تحرير (تشارلس هاتفيلد) تحت عنوان (كوميكس بديل): (أدب ينمو)، ولاحق الكتاب تطور القصص المصورة (كوميكس) في الثقافة الغربية والجدل حولها منذ (ووردرزوث) في القرن الثامن عشر والذي كتب فيها قصيدة لم يمنحها المرتبة التي تضعها في مصاف الأدب الحقيقي أو العالي.
وفي الأعوام الأخيرة حولت السينما الكثير من هذه القصص إلى أفلام ناجحة، بل إن قصة (سوبرمان) عولجت في سلسلة أفلام منذ عام 1978 فأولها كريستوفر ريف (سوبرمان)، وفيلم آخر (سوبرمان – 2 (1981)، وتتابعت إلى (سوبرمان 3) وأربعة: البحث عن السلام، وفي عام 2006 (عودة سوبرمان) وآخرها (سوبرمان: الرجل الفولاذي)، ومع كل فيلم أدخلت تعديلات على القصة بحيث تناسب المشاهد المعاصر، وأضيفت عناصر جديدة تأخذ من أصل سوبرمان الذي سقط من كوكب إلى الأرض والتقطه فلاح ورباه قبل أن يكبر ويعمل في الصحافة، ومن خلالها بدأ يقاتل الأشرار في المدينة من المجرمين وعصابات الجريمة وتجار المخدرات والمهربين وما إلى ذلك.
والآن لماذا سوبرمان .. ما الجديد في قصة سوبرمان؟، الجديد هو أن سوبرمان أعلن تمرده ذات مرة على الحياة الأمريكية عام 2010، مع قرب عيد ميلاده الثمانين، حيث اتخذ (سوبرمان) قرارا مثيرا أعلن فيه عن نيته التخلي عن الجنسية الأمريكية، وأعلن عن القرار في العدد التسعمائة من مجلة (أكشن كوميكس) ففي تحول في مسار القصة أو حبكتها الرئيسية يجد (رجل الفولاذ) نفسه محطا بالانتقاد من البيت الأبيض بعد أن شارك في مظاهرة نظمها شبان مسلمون (الثورة الخضراء) ضد نظام الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في طهران، ففي حوار مع مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي يعبر سوبرمان عن تعبه وقرفه من الفكرة العامة عنه من إنه (أداة في السياسة الخارجية) الامريكية.
وقتها قامة قيامة الحرب على (سوبرمان)، وتساءل رود شبكة الإنترنت هل سوبرمان أمريكي فعلا؟، خيانة التعليقات التي وردت في مواقع الانترنت عن القرار لم تلتفت لهذه الحقيقة فهى رأت فيه قرارا مثيرا خاصة من بين محبي سوبرمان، المعروف بصدارته ترسه الحديدي الذي أصبح علامة عليه، خاصة إنه ظل يعبر عن ماهية الحلم الامريكي منذ اختراعه عام 1938، فقد ولد سوبرمان في كوكب كربيتون وتربى ونشأ في كنف عائلة في ولاية كنساس باسم كلارك كينت، حيث عمل في صحيفة (ديلي بلانيت) الصادرة في مدينة نيويورك وعاش حياة مزدوجة، حيث يقوم بالكبس على أزرار تليفون كي يتشكل بزيه المعروف الأزرق وسرواله الأحمر كي يتدخل سريعا لمواجهة الاشرار.
واليوم مع إعلان مثليته لم يعد الأبطال الخياليون بقادرين على رؤية الخير والشر عبر منظور حب الوطن مما وضعهم في تصادم مع السياسة الأمريكية، ومن هنا فتهديد سوبرمان بالتخلي عن جنسيته كان يمثل موقفا ليبراليا قد لا يلقى القبول من الأمريكيين العاديين والرفض من اليمين الأمريكي الذي بدأ حملة شرسة، ويظهر هذا في كلام معلق قال: (اننا نتحول إلى حفنة من مخنثين من أصحاب السراويل الضائعين)، ومن ثم أصبحت قصة ولادة بطل في البداية يمثل سوبرمان كل مظاهر القوة من السرعة والتحمل وقوة الحواس البصرية والسمعية وإعادة التخلق والذكاء لم تعد تجدي من آثار في المخيلة الأمريكية.
فالقصة ذاتها التي ولدت في عقل كاتبها من خلال قصة من قصص الخيال العلمي تحت عنوان (عصر السوبرمان) وتصور بطلا خارقا قادرا على التحكم بالعالم، تحول من شرير في هذه القصة إلى بطل بعد إعادة كتابة القصص عام 1933 بدون أن يكون هناك أي شبه بين الشرير والبطل الجديد الذي سينقذ العالم من الشرير الذي كانه، رحلة البحث والمؤثرات كما تظهر رحلة الكتابة والتطوير أن البطل في النهاية أخذ بعدا أسطوريا وبطوليا يحمل في ذهن الكاتب صورا عن (هرقل) و (شمشون) مما يعني تأثر الكاتب بثقافته اليهودية، ويعثر القارئ على كم هائل من التفسيرات حول شخصية واسم سوبرمان، فكال أي حسب بعض التفسيرات تعني بالعبرية (صوت الرب) كما أن شخصية (سوبرمان) تشبه الملاك (ارييل وجبريل)، وبعض الكتاب اليهود ذهب للمقاربة بين سوبرمان وبين (غوليم)، وهو شخص أسطوري ظهر من أجل انقاذ اليهود المعذبين في أوروبا في القرن السادس عشر.
والآن على عكس كل التوقعات حول تطور وتحور شخصية (سوبرمان) ظهر إعلان سوبر مان (مثلي الجنس)، والذي أثار ضجة طوال السبوع الماضي بين مغردين بالمنطقة العربية على أثر إعلان الصفحة الرسمية للمسلسل الكرتوني الشهير (سوبرمان) بأن (جون ابن كلارك كينت) الذي يعني (اسم شخصية سوبر مان) ثنائي الميول الجنسية، والإعلان نشرته صفحة سوبرمان الرسمية على تويتر في 11 من أكتوبر الجاري، وقالت فيه: (تمامًا مثل والده من قبله، وقع جون كينت في حب مراسل تعرف على المزيد حول القصة التي ستأتي في سوبرمان، وكأنهم يريدون تحويل العالم إلى مدينتي (سدوم وعمورة) قرى (لوط)، فبدأوا بتغيير المصطلحات من (شذوذ) إلى (مثلية)، وصولا إلى إلغاء مسميات ذكر وأنثى وجعلها تعبيرا واحدا لا تدري أهو أو أنثى، ولا ندري إلى أين سينتهي كل هذا أن يمارس احدهم الشذوذ،لأسباب جينية.. مرضية أو أخلاقية مكتسبة.
انفجرت ثورة الرفض لشخصية (سوبرمان) المثلي الجنسية حتى لا يصبح قاعدة من قواعد السلوك العام، ومن ثم تطالبنا الجمعيات الحقوقية المشبوهة على مستوى العالم باحترام حقوق المثليين، فهذا بلاشك أمر مرفوض تماما، خاصة أن مجلة (سوبرمان) كانت ومازالت المجلة المفضلة للصغار، وكان سوبرمان والحسناء الجبارة بطلي أطفال العرب المفضلين، وهذا مايدفع لمقاومة مثل تلك الأفلام أو المسلسلات التي تؤكد أن مسألة أن يتحول (سوبرمان) إلى (مثلي)، هو أمر مستساغ كنموذج لنشأ جديد نعول عليه.
الإعلان الرسمي بأن (سوبر مان) سيصبح (شاذ) وسيكون له عشيق (ذكر) في الفيلم الكرتوني القادم ! حرك المياه الراكدة في الفضائيات العربية، وذلك من خلال برنامج (الحكاية) لعمرو أديب الذي ينبغي أن نحييه على تعرضه لهذا الملف الشائك، حيث استضاف الدكتور محمد محمود حمودة، استشاري ومدرس الطب النفسي بطب الأزهر، الذي قال: إن الأطفال تحت 10 سنوات لا يجب أن يشاهدوا المواد الكارتونية التي تروج لفكرة (المثلية الجنسية) مشددا على أهمية التوعية بتلك الظاهرة للأطفال بعد أن يتجاوز عمرهم 10 سنوات، وأضاف أن الطفل الذي يتجاوز عمره 10 سنوات يجب أن يعلم بأن (المثلية) أمر مخالف للفطرة والطبيعة البشرية، ونفى في الوقت ذاته، ميلاد شخص مثلي جنسيا، موضحا أن الولايات المتحدة تحاول إقناع العالم بأنها أحد جهات حقوق الإنسان؛ بسبب امتلاك أصحاب المناصب القوية ميول جنسية شاذة كوزير العدل الأمريكي.
ونوه (حمودة) إلى أن الأطفال ما دون الـ 10 سنوات يرتبطون بالأبطال الخارقين، متابعا: (المشكلة التي تواجهنا أن الطفل لو شاهد المواد المروجة للمثلية فالأمر يختزن في عقله الباطن، وهو ما قد يسترجعه بعد البلوغ، ولذلك من الأفضل منع الأطفال من مشاهدة تلك المواد، مؤكدا على أن المثلية الجنسية اختيار وطريقة تربية، قائلا : إن وجود الأب وتوحد الطفل مع والده يجعله يرغب في تقليد الأب في كل التصرفات ومنها الانجذاب للجنس الآخر (السيدات)، وذكر أن قلة وجود الأب في المنزل وبقاء الطفل مع الأم طويلًا التي تنجذب إلى الرجال تجعل ميوله منجذبة إلى الرجل، مشيرا إلى: (التعامل مع الفتيات على إنهم أخوته وأصدقائه وألفة وجودهم يمنع وجود إثارة جنسية نحو المرأة وبالتالي تكون الميول متوجهة للذكور).
وشيئا من هذا القبيل حذرت منه من قبل الأمريكية (كارين ديل شاكلفورد)، الحاصلة على دكتوراة في علم النفس الإعلامي ، في أن الخطورة تكمن في (إن بعض الأطفال يرتبطون بالشخصيات الخيالية ويشعرون بالتعاطف مع شخصياتهم المفضلة أكثر مما يشعرون به تجاه الأشياء والناس في حياتهم اليومية، لأن رواية القصص تعد وسيلة جيدة للتواصل مع الأفكار التي يهتمون بها، ورغم أنها علاقات أحادية الجانب مع وسائل الإعلام التي يستهلكونها، فإن تلك الشخصيات تجلب لهم الفرح، وهو ما يرسخ في عقولهم فكرة البطل الخارق للطبيعة في تصرفاته وسلوكه.
ووفقا لموقع جامعة ميشيجان، فإن الطفل يتعلم تقليد النماذج السلوكية الإيجابية والأخرى السلبية، لذا يجب على الآباء ضمان حصول أطفالهم على فرص لمشاهدة وتجربة التقليد بالطريقة الإيجابية وليس السلبية وذلك من خلال: بذل الجهد لإحاطة أطفالك بالنماذج والمواقف البناءة، حيث يتم تعزيز السلوكيات الإيجابية، إذا كانت هناك أماكن أو أشخاص أو أنشطة تمثل سلوكا سلبيا أو مقلقا، يجب تغييرها أو استبدالها قبل انتباه الطفل لها، وكذلك تعمد الإشارة إلى السلوك الإيجابي الذي يحاكيه الطفل، فهذا يؤدي إلى تعزيزها واكتساب المزيد من السلوكيات الجيدة، كما أنه لابد من الحد من التعرض للنماذج السلبية التي تعرض على البرامج التلفزيونية أو في الأفلام أو الألعاب، لأن الطفل يفعل بالضبط ما يلاحظه.
الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تصدر فيه الولايات المتحدة الأمريكية لأطفال العرب نموذج (سوبرمان) مثلي الجنسية، تظهر دراسات من قلب جامعاتها ومعاهدها تقول: (سوبرمان و سبايدرمان وباتمان خطرون على الطفل، وذلك حيث يتعلق الأطفال وخصوصا الذكور منهم، بأبطال القصص الكرتونية مثل (باتمان ، سوبرمان، وسبايدرمان)، فهل لهذه الشخصيات الكرتونية تأثير سلبي أم إيجابي على شخصية الطفل؟، وتجيب الدراسة الأمريكية أجرتها جامعة (بيرجهام يانج) الأميركية أن السلوك الاجتماعي والجسدي للأطفال أصبح عنيفا بشكل واضح بسبب أبطال المسلسلات الكرتونية الخارقين، على غرار (سبيادر مان و باتمان و سوبرمان)، وأجرى الباحثون بقيادة الخبيرة (سارة كوين) اختبارات على 240 أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث و ستة أعوام ونصف على مدار عام كامل.
ودرس الخبراء كل بطل كرتوني وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر على سلوك الأطفال سواء بالفعل أو الكلام، وتبين أن الرغبة في العنف تزداد لدى الأطفال كلما أقبلوا أكثر على مشاهدة مسلسلات الأبطال الكرتونية، و بينت الدراسة أن الأطفال أجابوا عما يجعل البطل بطلاً، بالقول: (لأنه يضرب و يدمر كل شيء)، فيما قال آخرون: (إنه يمكن أن يطير و يمكن أن يصطاد آخرين بشبكته)، من جهة أخرى أثبتت الدراسة أن الفتيات كن أقل عرضة لتأثير الأبطال الكرتونيين لأن غالبية الأبطال من الذكور، كما أن الفتيات يهتممن أكثر بالقصص التي تدور أحداثها عن الواقع والحياة اليومية.
وأكد الخبير الألماني في العلوم الاجتماعية بجامعة بوتسدام (روبرت بوشينج) ذلك، إذ يقول: (لم تفاجئني نتائج الدراسة الأمريكية، لأن العنف كان دوما مبررا في مسلسلات الأبطال الكرتونية)، ومن هنا حذرت (كوين) رئيسة فريق البحث من أن الأطفال لا يستطيعون حماية أنفسهم من تأثير الأبطال الكرتونيين، لذلك فإنه من الضروري على الآباء أن يقوموا برعاية الأطفال نفسيا ومحاولة التقليل من تأثير الأبطال الكرتونيين عليهم.. فهل وعينا في عالمنا العربي درس خطورة (سوبرمان) وغيره من الأبطال الخارقين على أطفالنا الذين يشكلون نواة الأوطان التي يعول عليها في بناء الشخصية السوية، بعدما أختلفت أساليب حرب الغرب في السيطرة على عقول أطفال المستقبل العربي القادم، والعبث بعقديتهم الدينية على جناح المثلية وغيرها من أساليب الحرب الجديد في بغضها ومخاصمتها للقيم الإنسانية؟.