نجيب ساويرس على خطى محمد رمضان !
بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن (نجيب ساويرس) شخصية مثيرة للجدل من خلال تويتاته وبوستاته المستفزة تارة، والتي تعكس ـ أحيانا – حبه لمصر (الذي أراه مزيفا)، وقد يصيب بعض الوقت، لكنه معظم الوقت يخطئ بالخروج عن المألوف، وكأنه يتبع المثل القائل (خالف تعرف)، وربما شأنه في الأخيرة تلك يشبه الممثل الموتور والمغرور (محمد رمضان)، وهذا هز السر في اختياره لينفس سمومه القذرة في افتتاح مهرجان الجونة في دورته الخامسة باستعراض إباحي مسف، وهو ما مثل تحديا غريبا وعجيبا من جانب (فيلسوف الغبرة) نجيب ساويرس الذي ترك كل ردود الفعل السلبية على فعلته الشنعاء بالترويج لثقافة المهرجانات المبتذلة وراح إلى وجهة أخرى قائلا بالحرف الواحد: (الناس اللي بتتكلم عن فساتين مهرجان الجونة بتصعب على، دي ناس عايشة في القرون الوسطى،ومش عايزة تشوف جمال ولا فرح وعايزة ترجعنا لورا .. أنا غياظ فكل ما احنا بنتقدم وبنوري الحرية والثقافة بتاعتنا بيتملموا وهيموت بغيضهم).. لاحظ أنه تفرغ للرد على التفاهاات ولم يتفوه بكلمة واحدة عن أفلام المهرجان من حيث القيمة والمنافسة وغيرها من مستتلزمات إقامة مهرجان للسينما.
وبتحليل لغة الخطاب التي ينتهجها (نجيب) خلال الفترة الأخيرة سنجد أنه ينافس رمضان في هوس ركوب (الترند)، ومن ثم أصبح يسير عي خطاه في سبيل سيادة ثقافة التفاهة، وأعترف أنني كنت في الوقت الذي كان يهاجمه فيه بعض رواد السوشيال ميديا إلى قريبا لدي بعضا ولو قليل من احترام لرجل الأعمال الذي أقام مهرجان للسينما في منطقة الجونة تحت شعار (سينما من أجل الإنسانية .. سينما تعبر عن الواقع وتجسد المجتمع .. سينما الأمل والانتصارات .. سينما الحب والحرية)، والحقيقة أن هذا الشعار لايعكس الهدف الأساسي للمهرجان على أرض الواقع، فكثيرا ما يثار جدا حول فساتين النجوم سواء (القصيرة أو العارية) وينتفض (ساويرس) مدافعا عن نجمات برعن فقط في التمخطر على السجادة الحمراء بتيه وخيلاء يعكس كبتا جنسيا واضحا، فضلا عن تغطيات إعلامية أقل ما توصف بالهزلية من خلال إعلاميين مصابون بعمى المهنية جراء ما يحملونه من قدر من السطحية في المعلومات و(الهبل والعبط) في طرح أسئلة تافهة على الضيوف، ما يثير حفيظة جمهور المهرجان الذين يحاولون بشق الأنفس متعابعة الفعاليات.
وفوق هذا وذاك لا يمكن أن تلمح حديثا من جانب (نجمات السجادة الحمراء) عن فيلم شاهدنه، بل جل حديثهم عن إطلالة من تصميم (فلان)، وإكسسوار (علان)، وميكاب (ترتان)، وكأنهن في عرض أزياء دائم طوال فترة إقامة المهرجان .. ومع أن شعاره الدائم (سينما من أجل الإنسانية) فقد تحول إلى شعار (سينما من أجل التعرية)، وقد حظيت هذه الدورة بسلبيات كثيرة على هذا المستوى تدعو للسخرية والتندر وتفتح شهية التنمر من فرط المبالغة في عرض الأجساد (البضة والنحيلة والاسمارت) وغيرها من صنوف الإثارة، وبالمناسبة لست من منتقدي أزياء النجوم لأنه هذه سمة طبيعية لأي مهرجان أو تظاهرة فنية تقام على وجه الكرة الأرضية طالما كانت وجدت سجادة حمراء.
ما يهمني التركيز عليه في هذه الدورة هو كم الاستفزازات التي حدثت في أثناء الفعاليات التي تمتعت بالارتباك بدأ بقضية رفض تكريم النجمة الكبيرة (يسرا) من جانب إدارة المهرجان التي تحججت بأنها عضو اللجنة الاستشارية، وكأنها عصية على التكريم بتاريخها العريق، بينما أصرت نفس الإدارة على تكريم الممثل (أحمد السقا) الذي أراه محدود الموهبة، كما أنه ليس لديه إنتاج (سينمائي حقيقي) يؤهله للتكريم في مهرجان يدعو لـ (سينما تعبر عن الواقع وتجسد المجتمع)، فماذا قدم أحمد السقا للمجتمع غير بعض حركات أكشن هزيلة لا ترقي إلى الدرجة التاسعة من سينما الإثارة والأكشن في هوليوود، لكن لأن نجيب ساويرس (غياظ بطبعه) فقد أراد استفزار المجتمع المصري بكامله باختيار نماذج لاتعبر عن المجتمع بل تسيئ إلى السينما نفسها.
والدليل ما قاله (السقا) في كلمته المرتبكة التي قال فيها مدعيا أنه وجيله من أنقذوا السينما المصرية وأحدثوا فيها طفرة وتغيير من حيث التقنيات، وكأنه (يستغفل) جمهور الشباب الذي دأب على مشاهدة أعظم الأفلام في العالم في هذا اللون الذي يقصده، ولو أن لي ملاحظاتي واعتراضاتي الخاصة على ما يقوله هذا الممثل الذي يزيد فشلا يوميا يعقبه مباشرة تسليط مزيد من الأضواء التي تكسبه بريقا ومؤازرة ترقى إلى مستوى (المؤامرة)، أو على الأقل (المقامرة) على فن السينما المصرية الخلاقة والدراما التي أصبحت ترتبط بالجدية والوطنية، فعلى مدار تاريخه يسعى بتفريغه الفن من مضمونه الحقيقي، لكني أتوقف بقدر من الأسي والحزن أمام جملته التي تقول: (السينما بعد نكسة 67 كان خلقها ضيق) – واختيار التعبير العامي يكشف ضحالته وجهله – وهو بالطبع يعني أنها لم تقدم شيئا يذكر في سجلاتها، حتى جاء هذا المهرج (جامد المشاعر وبارد الأحاسيس) وجيله (الذي يعد أتعس جيل في السينما المصرية) على جناح الأكشن الساذج وأفلام المسخ والنسخ من أفلام أجنبية ليعيد للسينما نهضتها المفقودة في زمن التردي والبلطجة والعنف والحط من شأن المرأة وضرب الكيان الأسرى في مقتل كما نشاهد يوميا على شاشة السينما والدراما التليفزيونية.
ولست أدري عن أي نقلة نوعية في السينما شكلا و مضمونا يتحدث نجم الفشل الدرامي الذي يطارده مسلسله (نسل الأغراب) بالعار والهزيمة الفنية التي يقاومها مهرجان الجونة في شعاره (سينما الأمل والانتصارات) فقد قدمت السينما المصرية أيها القزم الأعمى أفلاما عظيمة بعد النكسة، وقد أصبحت علامات مهمة في تاريخ هذا الفن المصري العريق، و منها على سبيل المثال وليس الحصر (الزوجة الثانية 1967، السمان و الخريف 1967، قنديل أم هاشم 1968، شئ من الخوف 1969، أبي فوق الشجرة 1969، الأرض 1970، ثرثرة فوق النيل 1971، خلي بالك من زوزو 1972، إمبراطورية ميم 1972)، ثم تطورت أهدافها ومساعيها فيما بعد كما جاء في (الكرنك 1975، أريد حلا 1975 – الذي غير قانون الأحوال المدنية -، أفواه و أرانب 1977، العار 1982، البرئ 1986، زوجة رجل مهم 1987، العفاريت 1990، الكيت كات 1991).
هذا جزء بسيط من قائمة طويلة على رأسها طبعا (السقا مات في 1977) يا (سقا)!، والسؤال الآن: ألا تفقأ عينك هذه القائمة من سينما (1967) وما أعقبها من أفلام تعبر عن الواقع المصري الحقيقي؟، ما كان يستلزم منك أن (تذاكر كويس أوي قبل ماتنطق جهلا وجهالة) وأنت تصعد خشبة التكريم وتتحدث ببلاهة عن سينما بلدك الذي أذهل العالم بفنونه في هذا التخصص (السينما) من خلال نجوم عظام لم يحصلوا على عشر الجوائر التي حصلت عليها في زمن التيه السينمائي، وأظن من العيب أن يكون ممثل مثلك عمره السينمائي يزيد عن 30 سنة ولا يعرف تاريخ مهنته!، كما أن جيلك الذي تتحدث عنه لم يحدث أي نقلة نوعية تحسب له!، بل على العكس تماما انتم حولتم السينما من (فن هادف) ومعبر عن قضايا المجتمع إلى (صناعة رديئة) على مستوى الشكل والمضمون، تلك هى النقلة التي تقيسها بالايرادات كما تتشدق بقولك أن السينما كانت (بتدخل الآلاف دلوقتي بتدخل ملايين)، بغض النظر عن المضمون !! كفاك أنت وجيلك (عبثا واستخفافا) بالفن السابع في مصر.
هذا هو النموذج المثالي الذي اختاره (نجيب ساويرس) للتكريم، وهو ما يؤكد على سيادة ثقافة التفاهة والسحطية التي يصر عليها كما حدث وكرم العام الماضي (خالد الصاوي) .. ألم أقل منذ البداية أن (نجيب) أصبح يسير على هدي (رمضان) في التفكير، فهذا الرجل الذي يصر على استفزاز المصرين بتويتاته وبوستاته الخارجة أحيانا عن حدود اللياقة والساعية أحيانا إلى ضرب الوحدة الوطنية بخبث شديد (بانت لبته) في الدورة الخامسة من مهرجانه السينمائي، تارة بتكريم غير مستحق للسقا وتارة أخرى بجلب (رمضان) في حفل الافتتاح الهزيل – إلا من فقرة (سمير غانم) الذي كان يستحق التكريم – وهنا أتساءل: لماذا يصر نجيب ساويرس وينحرف عن المسار الحقيقي في كل دورة بإهمال – مع سبق الإصرار والتعمد – لتكريم نجوم مصر الحاليين أوالذين رحلوا في نفس العام على الأقل، ربما يرجع السبب أنه (غياظ بطبعه) كما قال منذ أيام قليلة في بوست على الفيس بوك، فأراد أن يغيظنا بتكريم الفشلة على طريقة استفزاز (محمد رمضان).
وأخيرا وعلى الرغم من كل مافات أهمس في أذن (نجيب العري السينمائي) قائلا: أرجوك كف عن العبث بمقدرات فن مصري عريق علم المنطقة بأكمله كيف يكون الفن السابع معبرا حقيقيا عن نبض المجتمع كي يتفق ذلك مع شعار الجونة (سينما من أجل الإنسانية) الذي استبدلته بشعار (سينما من أجل التعرية)، وأضفت عليه بهارات الرقاعة والتردي وسيادة ثقافة التفاهة باعتلاء (محمد رمضان) خشبة مسرحك محاطا بالبنات في أغنية استعراضية أقل ماتوصف بالتفاهة والرداءة وانعدام الأخلاق على مستوى الأداء وفكرة الاستعراض الراقص هزيل المستوى ولحنها المضطرب والمتشنج الذي يفتقد إلى أي إبداع حقيقي، كما أن كلماتها تنفصل تماما عن الحدث فضلا عن كونها قدمت صورة للفن المصري أمام العرب والعالم.
باختصار يانجيب الذي وضعت نفسك مع (محمد رمضان) في سلة واحدة، هى رسالة سلبية تدعو لنشر ثقافة (قلة الأدب) ودعوة الشباب إلى استرخاص قيمة الأنثى وإباحة تعدد علاقة الرجل الواحد المغرور والمستهتر (اللي شايف نفسه) مع العديد من الفتيات – على حد قول الدكتور طارق عرابي – وهو ما يدمر كل القيم الاجتماعية والأخلاقية في بلادنا العربية بل ويفوق بجهله وسفهه كثير من المهازل الغنائية العالمية ببعض الدول الأجنبية.. أرجوك كف عن هذا الخبث الذي يضرب القوى الناعمة المصرية في مقتل في وقت نحن أجوج فيه إلى فن حقيقي يعكس القيم الإنسانية بحسب شعار مهرجانك الذي بدأ يفقد بريقه بفصل تصرفات حمقاء تنال من جوهره النبيل في سيادة فن السينما الجميلة.