كتب : أحمد السماحي
كانت أعمال الكاتب الراحل (كرم النجار) الذي رحل عن حياتنا أمس السبت بطاقة دعوة إلى الفكر الحر وتخليص الإنسان، ورفع القيود عن عقله وقلبه وروحه، ولقد كان حلمه أن يستطيع الفكر أن يقول كلمته الحرة أمام القوة، مات (النجار) ورياح النكران كانت قد بدأت تهب من حوله، حيث أنهى كتابة عمل إجتماعي رائع تحدث معي عنه في آخر مكالمة هاتفية بيننا بعنوان (وطن) تدور أحداثه ضمن إطار اجتماعي سياسي في القاهرة والإسماعيلية والمحلة، ورشح لبطولة هذا المسلسل (ليلى علوي، ومحمود عبدالمغني)، لكن لم يتصل به أحد ويسأله ماذا لديك يا أستاذ؟! كما كان متعودا على هذا من شركات الإنتاج في الأزمنة الماضية.
ولأنه عزيز النفس لا يطلب!، احتفظ بعمله في درج مكتبه، وكان من وقت لآخر ينظر إليه ويضيف ويحذف، فقد كانت له مقولة ذكرها لي فى أحد حواراتنا معا حيث قال : (لو لم تحسب الإيقاع وأنت تكتب، فلن تستطيع الإمساك به، والعمل يظل عندي مشروعا على الورق إلى أن يتم تصويره، وفي البروفات كثيرا ما أغير، لا أنصت للممثل وملحوظاته بتواضع فقط ولكن بانسحاق شديد، لأنى يجب أن أستفيد من أراء الجميع، كل هذا لأنني بصدد تعامل مع جمهور حي، وعين وكاميرا تلغيني ككاتب، ولذا فإن مناقشة أقل عامل فى الاستديو لا تجرحني أبدا).
ولقد بُح صوتنا هنا في (شهريار النجوم) ونحن نقول أن مصر ونهضتها الثقافية والفنية ودورها في العالم لم يتكون إلا بـ (طه حسين والعقاد، وتوفيق الحكيم، وأم كلثوم، وأحمد رامي، وحسين السيد، ومرسي جميل عزيز، وعبدالحليم حافظ، وصباح وشادية، وفايزة أحمد، ونجاة، ووردة، وأسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد) وغيرهم من ثروات مصر الفنية، هذه الثروة التى سحرتنا في طفولتنا، وأبهرتنا في شبابنا، ولم نكن نعني بثروة مصر التراث الفني من أغنيات وأفلام ومسرحيات ومسلسلات فقط، لكن كنا نعنى مبدعين مصر أو القوى الناعمة التى شكلت وجداننا الذين بدأوا ينسحبون بالرحيل واحدا وراء الآخر، طالبنا منذ أسابيع قليلة بأن تمد شركة الإنتاج التى تحتكر السوق الدرامي الآن يدها إلى هؤلاء العظماء وتتعاون معهم، لأن في أعمالهم الفنية قيمة ورسالة، نحن فى أمس الحاجة إليها.
ومنذ فترة قليلة تساءلنا أين (يسري الجندي، كرم النجار، محمد جلال عبدالقوي، محمد السيد عيد، محمد حلمي هلال، مدحت العدل) وغيرهم من الكتاب، من الإنتاج الدرامي الذي يعرض كل عام؟! ويومها اتصل بي أحد المسئولين في شركة الإنتاج وقال لي إجابة غريبة عن سؤالي حيث قال: هؤلاء المؤلفين غير مرنيين ولا يسمحون لأحد بالمساس بأعمالهم المكتوبة وكأنهم كاتبين قرآن ياأستاذ!، لكن الموجودين الآن لديهم كل المرونة للحذف والإضافة!
عاش (كرم النجار) حياته مخلصا لشيئ واحد هو الفن، لم يخلص لشيئ آخر، ولم يعط أبدا أي جهد جدي أو حقيقي إلا للقلم والكتابة، فقدم لنا أعمال رائعة ستعيش بعد رحيله سنوات وسنوات من منا ينسى (السنين، الامتحان، رحمة، الإنسان والجبل، أمر إزالة، عفريت القرش، الرقص على سلالم متحركة، الأصدقاء، بابا نور) وغيرها، وفى السينما (صراع الأحفاد، والصرخة) وفى المسرح: (الحصان، ياغولة عينك حمرا، أولاد الغضب والحب).