الطريق إلى 30 – (19) .. عندما امتنعت عايدة عن الظهور
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
قبل ذهاب الدكتورة إيناس عبد الدايم لمجلس الشورى لمناقشة ميزانية دار الأوبرا صدر قرار الوزير باقالتها من منصبها ، و فى نفس اليوم وقف عضو لحزب النور فى المجلس مطالبا بإلغاء فن البالية لأنه فن ( عراة ) و غير أخلاقى مطالبا بتخفيض ميزانية دار الأوبرا ، مما أثبت لجميع الفنانيين و المثقفين – و أيضا لأنصار الدولة المدنية – أنهم فى طريقهم لحقبة مظلمة يحكمها التخلف على يد الإخوان و أنصارهم ، و ربط كثيرون بين توقيت إقالة عبد الدايم و هجوم التيارات المتأسلمة على الفنون خاصة مع تصريحها بأن ( عبد العزيز ) بقرار إنهاء ندبها منعها من حضور الاجتماع ، لكى يسب الفن بهذه الطريقة العار على تاريخ مصر و أن الأمر ليس مصادفة . ولذا توافد كثير من نجوم الفن و الأدب و السياسة على دار الأوبرا ليس تضامنا فقط مع عبد الدايم ، و لكن دفاعا عن قوة مصر الناعمة و تعبيرا عن الغضب مما آلت إليه مصر تحت حكم الإخوان .
بدأت أولى موجات الغضب بتنظيم العاملين بالأوبرا مظاهرة احتجاجية أمام البوابة الرئيسية ، ردد فيها المشاركون شعارات تندد بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وتطالب وزير الثقافة بالرحيل . و قام عدد من الفنانين التشكيليين بالانضمام إلى تلك المظاهرة وذلك لرفض قرار الوزير أيضًا بإقالة الدكتور صلاح المليجى، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، بعدما رفض تنفيذ إملاءات الوزير الخاصة بالمعرض العام ، وحرص المشاركون فى المظاهرة على عدم قطع الطريق واصطفوا على جانبيه ، و سرعان ما تضامن العديد من المارين بسياراتهم بإصدار أصوات أبواق السيارات للتضامن مع الهتافات المعادية لحكم جماعة الإخوان المسلمين، ولرئيسهم محمد مرسى.
و فى المساء صعد إلى خشبة مسرح الأوبرا المايسترو ناير ناجي في موعد رفع الستار لبدء عرض أوبرا عايدة ، معلنا إلغاء العرض في حدث غير مسبوق في تاريخ دار الأوبرا منذ بدء عروضها قبل أكثر من 140 عاما. ورفض جمهور العرض استرداد قيمه التذاكر تضامنا مع فناني العرض الذين ينتمون الي مصر وأسبانيا وإيطاليا. وشكر ناجي الجمهور وقال إن الفنانين والعاملين والفنيين يرفضون قرار الوزير بإقاله ايناس عبد الدايم ويرونه جزءا من ( خطه ممنهجه لتسييس الثقافه والفنون الرفيعه في مصر ).
كما أعلن مديرو الفرق الفنية بالأوبرا توقف أنشطتهم و أن العروض معلقة فى كل المسارح التابعة للأوبرا للمطالبة بإقالة الوزير من منصبه ، و أن فنانى الأوبرا قرروا الاعتصام حتى تنفيذ مطالبهم . و هكذا دخل أكثر من 4 آلاف فنان وعامل بدار الأوبرا المصرية، إضافة إلى عدد من الفنانين التشكيليين، في اعتصام مفتوح لحين إقالة وزير الثقافة .
و لم يكن هؤلاء الفنانين وحدهم فى الاعتصام .. فلقد انضمت لهم جموع كبيرة ضاقت بهم دار الأوبرا ، و لم تتوقف موجات الغضب عند هذا ، بل أعلنت جبهة الإنقاذ، وحزب الوفد و حزب الأحرار تضامنهم مع المثقفين المعتصمين بدار الأوبرا المصرية، مؤكدين أن هذه الهجمة التى تتعرض لها الثقافة والفنون من قبل وزير ثقافة جاء بأجندة وأيديولوجية معينة لتنفيذها داخل وزارة الثقافة أخطر مما تعرضت له على مدار عقود طويلة، مؤكدين على أن الثقافة الفنون هى السبب الرئيسى فى ريادة مصر .
و تضامنت نقابة المهن التمثيلية مع فنانى البالية و قال سامح الصريطي، وكيل أول نقابة المهن التمثيلية، إن ( النقابة حريصة على الاجتماع مع فرقة باليه الأوبرا وبعض الفنانين، لدعمهم في التصدي لمحاولات تشويه فن الباليه، بوفد برئاسة الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين ) ، مشددًا على أن النقابة ترفض ممارسات بعض التيارات لتشويه الفن والثقافة ، وأكد أن ( فن الباليه يعد ثروة قومية يجب الحفاظ عليه واستثماره، والنقابة ستصدر بيانًا تستنكر فيه استهداف بعض التيارات للفن والثقافة وتشويه فن الباليه الذي يُعد إحدى الشُّعب المهمة التي توليها النقابة اهتمامًا كبيرًا ) . واستنكر محاولات تشويه الفن المصري الذي يعد ضمير الشعب، رافضًا الإساءة لفن الباليه الراقي الذي يُعد من أعرق الفنون وإحدى دلالات تقدم وحضارة الشعوب
وقرر مجموعة من الفنانين إلغاء حفلاتهم، تضامنًا مع ( عبد الدايم ) ورفضًا لقرارات وزير الثقافة من بينهم الفنانة نسمة عبد العزيز، عازفة الماريمبا ، و الفنان عمر خيرت الذى أعلن إنه ( قرر إلغاء جميع حفلاته المدرجة على أجندة دار الأوبرا، هذا العام ) ، مشددًا على أنه ( لن يعود لتقديم حفلاته إلا إذا أُقيل وزير الثقافة أو تمت إعادة الدكتورة إيناس عبد الدايم لموقعها كرئيس لدار الأوبرا) ، معتبرًا أن ( القرار الصادر بإقالتها في حقيقة الأمر قرار ظالم )، متسائلًا : كيف أتمن وزيرًا سبق أن نفى خبر إقالة رئيس الأوبرا، ثم قام بعدها بأيام بإصدار القرار) ، كما قرر الفنان هاني شاكر اعتزال الغناء في دار الأوبرا نهائيًا، لأن إقالة إيناس عبد الدايم بمثابة حكم بالإعدام على الفن والفنانين، و قال : ( إذا لم نتخذ موقفًا تجاه ما يحدث في دار الأوبرا فقل على فنوننا يا رحمن يا رحيم ، فدار الأوبرا كانت المكان الوحيد في مصر الذي يقدم فنًا هادفاً، ويبدو أنني سأقوم بفتح محل لبيع السجائر أمام منزلي، وسأترك الغناء نهائيًا، بعد أن سيطرت شركات الكاسيت على المحطات الإذاعية الغنائية ) .
و لم يكتف الشاعر الكبير فاروق شوشة بإلغاء أمسيته الشعرية بالمسرح الصغير بل أعلن استقالته من أمانة بيت الشعر ، و أعلن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي استقالته من رئاسة تحرير مجلة إبداع، التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب، ومن رئاسة بيت الشعر التابع لصندوق التنمية الثقافية، مطالبا برحيل وزير الثقافة عن المنصب ، كما أعلن الأديب الكبير بهاء طاهر عن استقالته من المجلس الأعلى للثقافة.
و قال عدد من العاملين بدار الأوبرا المصرية، فى تصريح لـ (اليوم السابع)، إن دار الأوبرا الفرنسية، ودار الأوبرا فى براغ أعلنتا عن تضامنها مع العاملين بدار الأوبرا المصرية، ورفضهما لقرار وزير الثقافة بإنهاء ندب عبد الدايم ، حيث أعلنتا تعليق أنشطتهما لمدة ثلاثة أيام .
خلال تلك الأحداث كانت هناك كثير من الأفكار تتصارع و تتضارب و لا يدرى أحد هل هى تسعى لضرب وحدة الحركة الفنية و الثقافية ضد الإخوان أم أنها تدعمها ، فلقد عبر البعض عن قلقهم بأن قرار توقف الأوبرا عن تقديم عروضها سيصب فى مصلحة الإخوان و ربما كان حافزا لهم على إلغاء نشاط الأوبرا أو تخفيض ميزانياتها ، لذا اجتمع فى اليوم التالى 18 من مديري العموم ورؤساء الإدارات المركزية بدار الأوبرا المصرية و قرروا ان يكون الامتناع عن إقامة الحفلات والعروض على المسارح التابعة للدار على مدار 3 أيام فقط اعتباراً من الأربعاء على أن يتم استئناف العمل السبت المقبل . وأكدوا في بيان أصدروه – و معهم كل المحتجين و المعتصمين – تمسكهم بإدارة الدار الموجودة، التي تمثل جزءاً من نجاحات الثورة، على حد قول البيان، ووصفوا قرار إقالة الدكتورة إيناس بأنه ( عشوائي وتعسفي ودون أي سند قانوني ووفقاً لخطة ممنهجة لتدمير الثقافة والفنون الرفيعة في مصر ) .
كما كان هناك اقتراح آخر تزعمه البعض – و لقى مقاومة شديدة من كثيرين – بذهاب وفد للقاء الوزير للوساطة فى بقاء عبد الدايم فى منصبها – و لو لفترة مؤقتة – و هو اقتراح كاد أن يؤدى لانشقاقات أو ساهم فى تعميق الخلاف فى الرأى بين المحتجين، و لكن البعض رأى ضرورة طرق كل الأبواب . و بالفعل توجه بعض المغنيين و العازفين فى وفد كان على رأسه المايسترو يحي خليل، والدكتور عبد الله سعد للقاء الوزير ، لكنه تمسك بقراره الذى ادعى أنه يهدف إلى تطوير الأوبرا وليس لحصارها، بعد أن تراجع جمهورها كثيرا نتيجة تدنى مستوى العروض المقدمة ، و أكد الوزير أنه حريص على إرضاء جميع العاملين بالأوبرا، واختيار قيادة جديدة تعمل على الارتقاء بأنشطتها الفنية .
و سرت شائعة عن استياء مجلس الوزراء والهجوم على وزير الثقافة، خلال اجتماع المجلس الأسبوعي ، لكن مصدر مسئول نفى توجيه أي شكل من أشكال اللوم للوزير على قراراته الأخيرة التي أثارت غضب الأدباء والمثقفين وأضاف المصدر أن كل ما أثير عن إقالة الدكتور علاء عبد العزيز، عارٍ تماما عن الصحة، وأنه مجرد تكهنات
و قررت جبهة الإبداع و القوى المتضامنة معها كإتلاف فنانى الثورة و فنانين و أدباء من أجل التغيير عقد مؤتمر كبير فى الساعة الخامسة مساء الخميس بالمجلس الأعلى للثقافة يشارك فيه كافة الأطياف الثقافية من قيادات مقالة ومستقيلة ومثقفين وفنانين وعاملين بالوزارة رفضا لقرارات الوزير ، و كان هذا الاجتماع هو المسمار الأخير
و لهذا حديث آخر ..