مهرجان الجونة .. البكاء على اللبن المسكوب لايكفي وحده يا (ساويرس) !
كتب : أحمد السماحي
كثيرا ما نقع في فخ (البكاء على اللبن المسكوب)، وفي كثير من الأحيان تصيبنا حالة من الندم على ما فعلنا، ومع ذلك نعيش في وهم كبير هو (عودة الفرصة الضائعة)، وننسى التعلم من دروس الماضي القريب والبعيد، هكذا كان حال مهرجان (الجونة السينمائي) في دورته الخامسة، فقد اعتاد في كل عام أن يحتفى بمجموعة من النجوم الراحلين، دون أن يفكر يوما في تكريم واحد منهم، حيث يكرم فى كل دورة واحد من نجوم الشباب الذين لم يقدم واحد منهم عشر ما قدمه بعض هؤلاء النجوم الكبار، سواء الأحياء الموجودين في حياتنا حاليا أو أولئك الذين رحلوا عنا حتى ولو كان ذلك قبل إقامة الدورة الجديدة بأيام أو شهور قليلة، ولكن يبدو أن سياسة المهرجان هى جذب شريحة النجوم الشباب الذين يخاصمون حضور المهرجانات المصرية الرسمية القومية بينما يتكالبون على حضور مهرجانات خاصة مثل (الجونة السينمائي).
وفي كل مرة يتباهى المسئولون عن المهرجان فى إنهم نجحوا فيما فشل فيه غيرهم من المهرجانات القومية بداية من (مهرجان القاهرة السينمائي الدولي)، ولقد بُح صوتنا هنا في بوابة (شهريار النجوم) عن تكريم نجومنا الكبار الذين أعطوا للسينما زهرة شبابهم، وزينوا تاريخ السينما المصرية بروائع إبداعهم الذي مازال حيا برشاقته وجمال صناعته المبهرة، ولكن لا حياة لمن تنادي!، وكأننا نتحدث في مالطا، ومسئولي إدارة المهرجان (عاملين فيها من بنها)، أو ربما أرادوا أن يثبتوا أنهم عصرين جدا في تكريم الشباب إنطلاقا من أن (الفيلسوف نجيب ساويرس) غياظ بطبعه، كما جاء في رده على منتقدي فساتين نجمات المهرجان قائلا: (الناس اللي بتتكلم عن فساتين مهرجان الجونة بتصعب على، دي ناس عايشة في القرون الوسطى،ومش عايزة تشوف جمال ولا فرح وعايزة ترجعنا لورا .. أنا غياظ فكل ما احنا بنتقدم وبنوري الحرية والثقافة بتاعتنا بيتملموا وهيموت بغيضهم).
فماذا سيفيد (سمير غانم) الآن من بكاء المهندس ورجل الأعمال (نجيب ساويرس) على رحيله، وبالرغم من روعة الفرة المقدمة في تأبينه دون أن يحظى بتكريم المهرجان على رحلته الطويلة في الكوميديا السينمائية فائقة الجودة، وخاصة أنه تم عرض فقرة جميلة ورائعة في تأبينه نهاية حفل الافتتاح، والذي جاء هذا العام أقل بهجة وجمالا عن الأعوام السابقة، حيث شابه كثير من السلبيات أولها تأخر انطلاق حفل الافتتاح نصف ساعة، مما جعل (سميح ساويرس) يعتذر للضيوف عن هذا التأخير ووعد بعدم تكراره فى الأعوام القادمة، ثانيا صعود (يسرا وسميح ساويرس) مرتين على خشبة المسرح، وفى المرة الثانية استدعتهما مقدمة الحفل ليعلنا افتتاح الدورة، ولكن كانت المفاجأة أنهما قالا على الهواء أنهما لا يعرفان سببا لتكرار صعودهما إلى المسرح، وكان من الممكن أن يعلنا افتتاح الدورة فى ظهورهما الأول، ثم تدارك (ساويرس) الأمر، واستغل وجوده على المنصة مرة أخرى ليتوجه بالشكر إلى وزارة الصحة، ومحافظة البحر الأحمر على الدعم الذى يقدمونه للمهرجان.
كما ظهر النجم (أحمد السقا) على المسرح، دون أن يصاحبه فيلم تسجيلي قصير عن مشواره الفني، ولقطات من أفلامه السينمائية التى قدمتها، ويبدو أنه كان متوقعا ظهور هذا الفيلم، وعندما لم يجده تلعثم كثيرا في كلمته التى جاءت غير موفقة، وأدعى فيها أنه وجيله من أنقذوا السينما المصرية وأحدثوا فيها طفرة وتغيير من حيث التقنيات – ولست أدري كيف أحدثوا طفرة بأفلام غالبيتها تجنح نحو أكشن غاية في الرداءة والسوء مقارنة بنظيرة الأمريكي والأوربي على مستوى التقنيات التي يتشدق بها – رغم أنه من المعروف أن السينما المصرية كل حقبتين تغير جلدها وتغير التقنيات التى تشتغل بها، وتجدد دماءها بنجوم جدد، فمنذ بدايتها حدث هذا مع جيل (يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، علي الكسار، محمد عبدالوهاب، سراج منير) وبعدهم ظهر جيل (أنور وجدي، محمود ذوالفقار، بدر لاما، حسين صدقي، يحيي شاهين) ثم جيل (عماد حمدي، محسن سرحان) وهكذا.
وجاءت فقرة الممثل الموتور (محمد رمضان) الغنائية الاستعراضية فاشلة بكل المقاييس، وغير مناسبة للمهرجان إطلاقا على مستوى كلمات تخاطب غرائز البنات وتحط من شأن المرأة في مثل تلك التظاهرات السينمائية التي يفترض أنها جادة في تغيير الصورة النمطية عن المرأة التي أصبحت سلعة لكل من هب ودب، وكانت الدورة الخامسة التى يعرض فيها نحو 80 فيلما ما بين روائى طويل وقصير ووثائقى، بينها 7 أفلام مصرية، بالإضافة إلى عدد من الندوات وحلقات النقاش، ستكون أفضل بدون فقرة المدعو (نمبر ون في إفساد الذوق العام والتحريض على الفسق والرزيلة) – بكلمات متدنية وموسيقى صاخبة أحدثت ضجيجا ربما دفع إدارة المهرجان إلى التنصل منه فور سماعه بقطع النور عن المسرح قبل أن يلقى كلمته التي حتما كانت ستفوح برائحة الغرور والتكبر الذي سيزيد الطين بله في تلك الليلة – وهو نفسه الذي سبق وأعلن مقاطعته لمهرجان (الجونة) بسبب وجود (خمور) فيه، مما أغضب (آل ساويرس) من تصريحات النجم الشاب الذي يبدو أن سكراته الشيطانية فاقت كل الحدود .!
الفقرة الوحيدة التى حفظت ماء وجه حفل الافتتاح من الرتابة والملل وثقل الظل، فقرة النجم الراحل (سمير غانم) التى بدأت بكلمة للفنانة (لبلبة)، قالت فيها: (يشرفنى النهارده أن أتكلم عن عشرة العمر الذى عملت معه 7 أفلام، صانع السعادة سمير غانم الذى صنع كوميديا خاصة به هو فقط، ونحن اليوم هنا لكى نقول له وحشتنا.. بنحبك وهتفضل جوه قلبنا)، بعدها تم عرض مجموعة من أبرز المشاهد الكوميدية التى قدمها على مدى مشواره فى السينما والتلفزيون والمسرح، يصاحبها اسكتشات استعراضية، نجحت فى أن تنال إعجاب الحضور وتفاعلهم.
جاءت هذه الفقرة ضمن فقرة النجوم الراحلين التى تعود المهرجان على تقديمها كل عام، حيث احتفى بكلا من النجوم (يوسف شعبان، عزت العلايلي، هادي الجيار، دلال عبدالعزيز) ومن الكتاب (وحيد حامد، مصطفى محرم، فيصل ندا)، فضلا عن مدير التصوير رمسيس مرزوق.
نتمنى أن يتعلم مهرجان (الجونة) من أخطائه ويعمل على معالجتها في الدورات القادمة، قائلين لهم لابد أن توقن أن كل عثرة وخطأ ربما تُؤهلُك ليصبح الحدث أفضل، هذا إذا كانوا جادين في نواياهم ويعملون على جناح الحرفية، ولولا أخطاء أجدادنا لما تعلمنا أن الكهرباء تصعق، وأن النار تحرق.